العزلة السياسية تعرض إسرائيل للخطر أكثر من الطوق الناري

خلال تكريسها جهودا عسكرية كبيرة لصد الطوق الناري الذي يحيط بها ، يبدو أن إسرائيل تتجاهل العواقب الخطيرة المترتبة على الآثار الجانبية للحرب. وذلك عندما ترد على الانتقادات المتزايدة حيالها في العالم بهجمات لا كابح لها ، مما يزيد من العزلة والاخطار الكامنة فيها .
وهكذا، عندما قامت الولايات المتحدة قبل عدة أشهر بتأخير شحنة من الذخيرة خوفاً من إلحاق الأذى بالمدنيين، أجاب رئيس الوزراء قائلاً: “إذا اضطررنا إلى ذلك، فسنقاتل بأظافرنا”.

لقد خرج رجلاً – هو وحده القادر على وضع حد للأميركيين ! ولكن لم يكن الأمر بحاجة إلى الرسالة شديدة اللهجة التي بعث بها هذه الأيام وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع الأمريكي بشأن الوضع الإنساني في غزة لكي يفهم أن الأظافر وحدها لا تصد الصواريخ، وشخص مثله يعرف أيضا أن إسرائيل ستجد صعوبة في البقاء دون الدعم الأمريكي بالمعدات والمال والدعم السياسي.
وليسأل كل واحد منا نفسه: كيف أستطيع أن احسب حساب من يحسن معي وينفعني؟ وليس الأمر كذلك بالنسبة لإسرائيل، التي تتصرف بنكران الجميل . فهل هناك من يدرس عواقب استمرار التجاهل الإسرائيلي للمواقف والمصالح الأميركية، وكأن أميركا هي التي تعتمد علينا وليس العكس، وكأن إسرائيل تستطيع أن تتصرف كما تشاء، وفق أهوائها بلا حدود ؟
إذا تجرأت بعض الدول على إبداء تحفظات حيال بعض جوانب سلوكها فإن إسرائيل توبخ هذه الدول التي كانت لسنوات في طليعة صديقاتها.
بما في ذلك بريطانيا العظمى وفرنسا وكندا، التي أعلنت مؤخراً عن فرض قيود على بيع الأسلحة. ونتهم كل من لا ينسجم مع مواقفنا بمعاداة السامية ونوجه الإهانات لوكالات التصنيف الائتماني، ذلك أن وزير المالية أيضا هو
رجل من أرجل الرجال. وفي موازاة الإكثار من مظاهر التفاخر القومي هذه يتنامى الخوف من الإضرار بإمدادات الأسلحة وغيرها من الاحتياجات الحيوية، ويتوقف التعاون، وينشأ قلق حقيقي بشأن مستقبل الاقتصاد، وأكثر من ذلك. وكل واحد من هذه الأمور على حدة، وبالتأكيد مجتمعة، تشكل خطراً وجودياً.
ومؤخراً، أعلن وزير الخارجية، وهو أيضاً رجل من الرجال الشجعان ، أنه لن يُسمح للأمين العام للأمم المتحدة بدخول إسرائيل، لأنه لم يدين الهجوم الصاروخي الإيراني . وهذا ليس نموذجا وحيدا للسلوك الفظيع للأمين العام، فالمنظمة برمتها هي بؤرة العداء والنفاق تجاه إسرائيل. ولكن عندما يتصرف أكبر دبلوماسي إسرائيلي بهذه الطريقة ضد أكبر مسؤول في منظمة الأمم المتحدة، فإنه يعلن بذلك حربا ليس عليه فقط بل على مرسليه أيضًا.
ويتبقى لنا أن نحاول معرفة ما الذي يمكن اعتباره “نصراً مطلقا ” في هذه الحرب الجديدة أيضاً.
وبالحديث عن الأمم المتحدة، هناك تشريع يشق طريقه حاليًا في الكنيست من شأنه أن يحد من نشاطات إحدى وكالاتها، UNRWA، إلى حد إغلاقها . والوكالة تستحق كل خطوة ضدها، من بين أمور أخرى، بسبب دورها في تشجيع الإرهاب ومشاركة موظفيها في السابع من أكتوبر . ولكن UNRWA توفر التعليم والصحة وغيرها للملايين. من سيحل محلها ؟ إسرائيل وميزانياتها المستنزفة ؟ بواسطة جنود احتياط في جولة التجنيد الثالثة أو الرابعة؟ ومعروف انهم سيكنون كبط في حقل الرمي ؟ سنلقن اليونروا درسا ، وسنريهم من هو صاحب البيت وماهي النتائج .هل هذه الخطوة مفيدة؟ منطقية؟
في ضوء كل ماذكر أعلاه ، من المناسب دراسة ما إذا كان بإمكان إسرائيل أن تتصرف بشكل مختلف وكيف . يمكن أن تكون تصرفاتها أكثر حذراً في المناطق التي يوجد فيها مدنيون، أو فيما يتعلق بالتحالف الإقليمي المعتدل الذي تعمل أمريكا والسعودية على اقامته ضد إيران، وسيكون فيه مكان لإسرائيل مقابل موافقة عامة على أفق سياسي للفلسطينيين. ويمكن أيضًا الاستماع والصمت.

ما يقال هنا لا يعني أنني أقترح أن تتجاهل إسرائيل كل الانتقادات، بل أن تختار صراعاتها السياسية بحكمة . عبارات متل “لقد سمحنا لهم بالدخول!” ، هي ليست سياسة. كما إن الإنجازات العسكرية، مهما كانت مثيرة للإعجاب، لن تمنع الضرر الذي نلحقه بأنفسنا من خلال التحدي العشوائي للعالم بأسره. وبدلاً من التوبيخ والصراخ الذي يخدم أساساً العناوين العابرة والتصفيق الداخلي ، من المناسب تبني توجه يأخذ في الاعتبار القوة النسبية لإسرائيل، ويدرك أن العزلة الدولية تهدد مستقبلنا للخطر بشكل لايقل عن خطر  الطوق  الناري .

موقع واللا العبري

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *