العبء والشكوك لدى جنود الاحتياط ستجعل من الصعب اعادة احتلال غزة

أجرى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صباح أمس مقابلة لراديو كان . وبنفس الحساسية الإنسانية التي يتميز بها، نصح سموتريتش جنود الاحتياط بالاستعداد للاستدعاء لخدمة إضافية قريبا ، لأن إسرائيل ستعود خلال فترة قصيرة لمحاربة حماس في قطاع غزة. وقبل يوم من ذلك في خطاب أمام “لوبي أرض إسرائيل” في الكنيست، غرق وزير المالية في حسابات معقدة، ولكن من وجهة نظره، دافئة – حول عدد الفلسطينيين الذين يمكن تشجيعهم على الهجرة من القطاع، ( إذا أخرجنا 10 آلاف في اليوم، فعلى مدار سبعة أيام في الأسبوع………) ، (يبدو أنه يعتبر هذه الخطوة بمثابة تضحية بالنفس الأمر الذي يسمح بالعمل حتى في أيام السبت). في محادثاته الأخيرة مع عائلات المخطوفين، أوضح سموتريتش: طالما أن الأمور تعتمد عليه، فإن انسحاب الجيش الإسرائيلي من فيلادلفيا، أو الخروج من المحيط الأمني في قطاع غزة، أو أي خطوة أخرى يمكن تفسيرها على أنها إنجاز لحماس، لن تكون ممكنة .
يبدو أن سموتريتش يعيش في عالم خاص به. حتى الآن، باستثناء منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، عندما لم يتمكن من إيقاف المرحلة الأولى من صفقة الرهائن التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم تكن هناك فجوة حقيقية بين موقفه وبين موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكن الأمور الان تزداد تعقيدا بالنسبة له ، فعندما تقترح الإدارة الأمريكية طريقا للمضي قدما، وفيه فرصة لإنهاء الحرب وإعادة المخطوفين ال 59 المتبقين، الأحياء والموتى، من غزة فأي قسم من الجمهور وكم من جنود الاحتياط سيبقون مؤيدين لسموتريتش ؟.
تشير كافة الاستطلاعات إلى تأييد ثابت، حوالي 70% في الرأي العام، لإتمام صفقة المخطوفين حتى لو تضمنت تنازلات كبيرة لحماس . وللمرة الأولى، يبدو أن هناك خطراً من عدم التحاق بعض جنود الاحتياط بالخدمة، إذا كانت العودة إلى الحرب مثيرة للجدل هذه المرة. ومع ذلك فإنه في العديد من الوحدات، لم يلتحق سوى نصف الجنود مؤخرًا، ويحاول الجيش إخفاء ذلك بطرق مختلفة.
الجيش الإسرائيلي ملزم أيضاً بإعداد الخطوات العملياتية لاحتمال انهيار المفاوضات واستئناف القتال. وهذا ما يفعله الآن رئيس الأركان إيال زمير، لكن النقاش السياسي حول سيناريو العودة إلى الحرب، الذي يقوده سموتريتش وأمثاله، يزيد من التعبير عن غموض كاسح للأعباء الملقاة على عاتق جنود الاحتياط والجيش النظامي، ويتجاهل الوزراء ذلك ببساطة، أو ربما يعتقدون أن الرؤية المشكوك فيها لعودة غوش قطيف ونقلها إلى الفلسطينيين (الأهداف الحقيقية لليمين المتطرف في الحرب) تبرر أي تضحية أيضاً. في عيون معظم المقاتلين.
وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، من المتوقع أن يزداد العبء على الجيش النظامي، على وجه الخصوص، على خلفية مطالب الحرب في غزة، والحاجة إلى تعزيز الأمن على الحدود لمنع هجوم آخر على غرار 7 أكتوبر، والمطالب الجديدة الناتجة عن قرار إبقاء القوات داخل أراضي الدول المجاورة، في هضبة الجولان والحرم السوري وجنوب لبنان. وكل هذه الخطط ترسم انطلاقا من فهم أنه لاتوجد لدى السلطة السياسية أي نية لإلغاء التسوية السياسية مع الأحزاب الحردية التي تضمن استمرار تهرب ناخبيهم حتى لو أنها تجد صعوبة في تمرير التشريع المطلوب لذلك بسبب الانتقادات العامة. والحلول التي يقدمها الجيش، مثل إنشاء لواء خاص الحريديم، لا تجدي نفعاً. وعمليا لا يوجد في هذه المرحلة تغيير كبير في عدد المتشددين الحرديين الملتحقين بالخدمة.
في غضون ذلك، تحاول إسرائيل فهم معنى التحرك الأميركي الجديد: إنشاء قناة تفاوض خلفية، سرية مع حماس عبر مبعوث ترامب آدم بوهلر، والتصريحات المفاجئة لبوهلر نفسه في مقابلات مع وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وإسرائيل . ويبدو أن الإدارة الأمريكية حاولت التراجع أمس على خلفية الغضب في حكومة نتنياهو . حيث قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن محادثات بوهلر مع حماس كانت “حدثا لمرة واحدة”. كما أن نتنياهو ومساعده المقرب منه الوزير رون ديرمر قالوا لوزراء اسرائيليين أن بوهلر يتسبب في أضرار وأن ترامب ومبعوثه الأعلى ستيف ويتكوف، يتحفظا على الخطوات التي اتخذها. ومما هو معروف عن الطريقة الفوضوية التي تدار بها الإدارة الأمريكية – حيث يوجد جزء كبير من الوظائف المركزية التي مازالت شاغره دون أي علاقة لحملة التقليصات التي يقوم بها الملياردير ألون ماسك – فإنه ليس مفاجئا أن تكون الأمور على هذا النحو. ويتم تصوير بوهلر نفسه على أنه شخصية غريبة الأطوار بشكل خاص، حتى بالنسبة للإدارة الحالية.
في المقابل، واضح أن الرئيس الأميركي لا يزال يأمل التوصل إلى صفقة، ومن المشكوك فيه أنه يعتقد أن السبيل الوحيد للتوصل إليها هو من خلال إعادة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة. و يواصل ترامب تهديد حماس بأنه سيدعم عملية اسرائيلية مؤلمة ، لكنه لا يغلق الطريق أمام التوصل إلى اتفاق متابعة لإعادة بقية المخطوفين. فالتهديد العسكري الإسرائيلي، كلما كان مقنعا، يخدمه فعلا إذا أراد الحصول على موافقة حماس. وقال فيتكوف أمس بأنه مطلوب خط أحمر لإنهاء الاتصالات حول الصفقة.
المقترحات التي طرحها الأميركيون، والخطة المصرية التي ناقشتها القمة العربية في القاهرة الأسبوع الماضي، لا تزال تدور حول الحلول نفسها : وقف إطلاق النار وعودة جميع المخطوفين ، وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع بأكمله (باستثناء سيطرة لم تتضح طبيعتها في المحيط الأمني قرب السياج الحدودي)، والتفاهمات حول إعادة إعمار القطاع . ويستمر فريق ترامب في طرح – وحماس لا ترفض بالضرورة – تسويات تشمل تخلي المنظمة عن الصلاحيات المدنية التي تمتلكها في القطاع . مثل هذه التسوية من المقرر أن تشمل أموالا من الخليج، وإقامة حكومة تكنوقراط فلسطينية دون مشاركة حماس، ووجود قوات عربية في القطاع ومهمة ما للسلطة الفلسطينية. وفي المسألة الأخيرة يظهر نتنياهو اعتراضا قويا.
من أجل الوصول إلى كل هذه الأمور، مهم للأميركيين الحفاظ على وقف إطلاق النار وبدء عودة المزيد من المخطوفين إلى ديارهم، حتى لو تم تقسيم ذلك على مدى فترات زمنية . ولكن في الوقت الحالي لا يزال هذا الهدف صعب التحقيق، على الرغم من التحرك المفاجئ للمبعوث بوهلر . لكن في الوقت الحالي يبدو أن الإدارة لم تتخلى بعد عن هذا الاحتمال. فأمام عينيها هناك مثال ناجح نسبياً للتسوية الصامدة حتى الآن، رغم كل الخروقات والعراقيل – وهي وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان..
المصدر: هآرتس