الطريق الى نظام الهزيمة الفلسطيني الموحد

قد يختلف المؤرخون على ظروف نشأة هذا النظام كفكر وكسيرورة تَحكم فيها منطق إدارة الصراع التراكمي برؤية شرعنه الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الزاحف بدولته ونظامه اليودقراطي  الأبرتهايدي  بين النهر والبحر.  تارة بالقوة والتصفية وأخرى بعقلنة التبعية، الدمج والعزل الانتقائي لشريحة الوسط في كل فلسطين بهدف شل دورها التاريخي في الحراك الاجتماعي، التغيير والتحرر.

من الممكن ان تكون البدايات هناك مباشرة بعد النكبة مع تأسيس قوائم الذيل والتبعية لحزب “مباي” الاسرائيلي الحاكم وإبرز قياداتها سيف الدين الزعبي أول عضو كنيست عربي “مباينك” ورفع شعاره “شعبي يحارب ضد دولتي.” أو بداية أعمق في ماضي النكبة وحاضرها وما زالت سيرورتها تتفاعل حتى يومنا هذا تمثلت في الحزب الشيوعي الإسرائيلي “ماكي” بقيادة ماير فيلنير (راكح فيما بعد) الذي كان من بين الموقعين على وثيقة استقلال اسرائيل وهو القائل:

” لقد ضحى رفقانا اليهود بحياتهم في صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي، وسقط رفاق عرب وهم يقاتلون قتالاً سرياً في عمق العدو .. كما جندنا الهجرة اليهودية المقاتلة، وغيرها من المساعدات لجيش الدفاع الإسرائيلي.” وبعده طالب الحزب في سنوات الخمسينات بتجنيد العرب في صفوف الجيش الإسرائيلي.

غير ان محطة هذا النظام الأهم تمثلت بإقرار البرنامج المرحلي للثورة الأهم التي تمثلت بإقرار البرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية في منتصف السبعينات وإقامة دولة الفكهاني واغراقها “بالبترودولار ” الخليجي كأداة لدمج النخب وافسادها لتشويه مسلكية الثورة أو عزلها لتحيدها من الفعل التاريخي. ومعه سعى عرفات لقبول الحزب الشيوعي الإسرائيلي دور وكيل تعميم طرح البرنامج المرحلي جماهيرياً تاركاً له دور التباهي بدوره ودور اليسار التاريخي في هذه العقلنة لمسار الثورة. أو قد يكون رسم معالم هذا النظام في حرب لبنان وحصار بيروت وتدميرها بنية دولة الفكهاني مع ما عقبه من نفي وشتات الثورة التي استُبدلت  بدكاكين التنظيمات من استفاقت الناس في المخيمات على بيعها للوهم وحينما لم يبقى وجه الثورة وجه الناس, قد تم الطلاق على حد تعبير مظفر النواب.

هناك حيث هرب ياسر عرفات الى الأمام ليرتكز على نخب الداخل الداعمة لسلام يساري سوفيتي ولمنطق برجوازية صغيرة تابعة معاقة الولادة والنشأة والتي ما زالت جزء من المشهد وعبثيته. هنا لم يكتفي عرفات بذلك بل سعى لتأسيس الحركة التقدمية العربية اليهودية بقيادة محمد ميعاري في منتصف ثمانينات القرن المنصرم وتخطى هذه المهمة ليضم للجهود مبعوث حايم رامون ورابين وقبلهم غيرهم الدكتور احمد الطيبي وربيبة حزب العمل وحزبه الديمقراطي العربي عبد الوهاب دراوشه.  الى أن وصل عرفات عشية التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993 الى موقع الأمر الأعلى للتصويت لحزب العمل وتكوين الكتلة الحاسمة من نواب الجبهة والحزب الديمقراطي لدعم رابين وإقرار اتفاقية كارثة اوسلو. وكان مصراً كرئيس لسلطة ونظام أوسلو على إتمام مهمة ربط أحزاب وحركات عرب ال 48 لخدمة مشروعه وسلطة أوسلو وبذلك توحيد نظام هزيمة أوسلو بين النهر والبحر. مهمة اوغل في تنفيذها عام 1996 بشق وتفتيت الحركة الإسلامية في الداخل وتأسيس ما اصطلح على تسميته القائمة الموحدة بين الحركة الإسلامية الجنوبية والحزب الديمقراطي العربي وكذلك رعى شخصياً تأسيس الحركة العربية للتغيير برئاسة احمد الطيبي الذي أصبح مستشاره الشخصي.

في هذا السياق لم يتحمل نظام أوسلو الفلسطيني في شقه الفلسطيني متمثلاً في سلطة أوسلو والأحزاب العربية الداعمة لها ومعهم اسرائيل نشأة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الخارج على وشم أوسلو ومشروع الصهيونية برمته. اذ كانت المهمة المشتركة بين سلطة أوسلو واسرائيل حصار التجمع وتقزيم دوره حتى يغدو حزب عربي اخر يصوت للكنيست وإذا لم يدعم سلطة أوسلو على الأقل اخراسه أو خفت صوته.

وكان لهم في أول غاراتهم أن يكتشفوا الثغرات ليدخل منها احمد الطيبي الكنيست عام 1999 بتحالفه مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي من خص في مقدمة برنامج تأسيسه في منتصف عام 1994 مكانة خاصة لرموز أوسلو مختزلها في احمد الطيبي واصفهم “برموز مرحلة السقوط .. انماطاً بشرية لا تليق بشعبنا.”

هكذا أكمل الطيبي كنائب منتحب مربع القوى الحزبية الداعمة لنظام اوسلو الجبهة، القائمة الموحدة بشطريها الحركة الإسلامية الجنوبية والحزب الديمقراطي العربي والحركة العربية للتغيير ومع هذا وحدة وشمولية الحالة السياسية لكارثة اوسلو بين النهر والبحر.

نعم تعتبر انتخابات عام 1999 محطة مفصلية في سيرورة تطور التجمع الوطني الديمقراطي الوحيد الذي عارض اوسلو وطرح مشروع المواطنة الشاملة كطرح صدامي مع جوهر الدولة اليهودية وبنيتها الكولونيالية الصهيونية من خلال مطلبه سن دستور أساسه تغير قانون الجنسية وربطه بالعودة اليهودية الذي حدد طبيعة يهودية الدولة لكونهم يهود وليس لأنهم أكثرية. وعليه لم تكن الكنيست غاية عمل التجمع بل كانت وسيله لبناء الحركة الجماهيرية ومؤسساتها ومؤسسات الحزب القوية لحمل هذا المشروع في شموليته ورؤيته الاستراتيجية لوحدة القضية , الأرض والشعب وعلى راس كل ذلك حق العودة.

وجد التجمع نفسه في هذه الانتخابات خارج خارطة التحالفات خصوصاً مع الجبهة لأسباب موضوعية تتعلق بتكتيكات الجبهة وايضاً لأسباب ذاتية تتعلق بمواقف لقيادته يسلط عليها المؤتمر الثالث للتجمع الضوء بالقول: “لو اعتمدت قيادة التجمع تكتيك أو نهج التأثير البطيء وعدم التسرع في قطف الثمار من العلاقة مع الجبهة ربما كان بالإمكان تجنب كثير من النتائج السلبية للصراع مع الجبهة.” ويذكر في ادبيات التجمع ان اقتراح عزمي بشارة للتحالف مع الطيبي قوبل في البداية بالرفض من أكثرية المكتب التنفيذي مع هذا اقر فيما بعد وقد فسر عزمي ذلك على أساس “ان هذا التحالف يشكل ضمانة أكيدة للنجاح.” قرار شكل ازمة حقيقية داخل الحزب وكان سبباً في انسحاب الكثير من قياداته وكوادره اذ “أن قرار ضم الدكتور احمد الطيبي الى قائمة التجمع في الانتخابات الأخيرة قد الحق ضرراً جسيماً بالتجمع.” على حد تعبير بيان التجمع نفسه، وعليه فك الحزب الارتباط معه مباشرة بعد دخول الطيبي مع عزمي الكنيست.

على ذلك رد الطيبي بقوله:

“هذه ادعاءات واهية لا يقبلها العقل ولا المنطق لأنها تشكل ذروة جديدة في أدلجة الانتهازية والاستهتار بذكاء الجمهور. ان عزمي بشاره يحاول فك التحالف غداة يوم الانتخابات، لأنه استوفى هدفه بوصوله شخصياً الكنيست, وان قوة الحركة العربية للتغيير كانت حبل الإنقاذ الذي تشبث به بشارة حين كان على وشك الغرق.”

واذا كان هذا لا يكفي ترشح عزمي بشاره في هذه الانتخابات لرئاسة حكومة الدولة اليهودية الصهيونية تحت شعار “تثبيت مفهوم وممارسة المواطنة المتساوية لدى الرأي العام اليهودي والعربي على حد سواء” وهو الذي يمثل قلب برنامج حزبه التجمع مطلب تغيير قانون الجنسية لتثبيته يهودية المواطنة والدولة. وهنا وقبل توجه أيمن عودة ومنصور عباس بسنوات طوال للتحالف مع غانتس ونتنياهو تحالفت الأحزاب العربية ,بتوجيه من عرفات وسلطة اوسلو , مع حزب العمل بقيادة باراك ومعها التجمع بتبرير الأخير لسحب  بشاره ترشيحه بقوله : “نسحب ترشيحنا لرئاسة الحكومة بعد تحقيق الأهداف المرجوة وبالحفاظ على الهامة العربية مرفوعة.. ننسحب من الترشيح بعد التفاهم مع حزب العمل على التجاوب مع 15 مطلب لجماهيرنا.” وفعلاً صوت 95% من العرب لبراك الذي أصبح رئيس الحكومة وبأمره قمعت هبة أكتوبر وشيع عرب ال 48 ثلاثة عشر شهيداً وعشرات الجرحى والمعتقلين. وبراك هذا نفسه هو من افشل المفاوضات مع عرفات في كامب ديفيد وكان سبباً مباشراً  في اندلاع الانتفاضة الثانية وكل اسقاطاتها السياسية والعسكرية فيما بعد وطبعاً ذهب براك في الانتخابات التي تلت ومعه اتفاق  ال 15 مطلب لحزب التجمع دون تنفيذ أي منها.

وابعد من ذلك فقد اتبعت السلطة الإسرائيلية بعد هذه الانتخابات استراتيجية العصا والجزرة ممثلتاً بالتهديد والشطب لمنع حزب التجمع من المشاركة في الانتخابات القادمة 2004. الهدف حصار طرحه واختزال برنامجه دولة المواطنين من حالة الصدام التاريخي مع المشروع الصهيوني كما اقرها برنامج الانطلاقة الى مفهوم تعريف الحزب الشيوعي الإسرائيلي/ الجبهة وباقي الأحزاب العربية لدولة كل مواطنيها التي لا تمس جوهر يهودية الدولة بما ينسجم مفهوم دولتين لشعبين. سياسة فرضت على قادة التجمع التأقلم . ولعل ردود عزمي بشاره في مداولات لجنة الانتخابات المركزية حول شطب التجمع توضح الأمر اكثر.

في معرض رده المسرود بالتفاصيل في برتوكول الجلسة يقول عزمي: ” سيدي رئيس الجلسة تأسس التجمع من خلال النقاش على المواطنة وهو لم يستورد من بلاد غريبة. حزب التجمع قام من خلال الكينونة الاسرائيلية.. كلنا جئنا من خلال النقاش المدني الاسرائيلي حول مكانة المواطنة في حياتنا السياسية.. انا اعترف بحق تقرير المصير للأكثرية في هذه الدولة. وقد تسألوني اذا ما كنت اعترف بإسرائيل كحق تقرير مصير وليس كواقع مثل ما تفعل الدول العربية التي تصنع السلام مع إسرائيل، لا انا لا اعترف بإسرائيل كواقع بل ابعد كحق تقرير مصير.. هل هناك من قال انه من الواجب علي حل كل هذه التناقضات قبل دخولي الكنيست؟ او ان أحل التناقض بين يهودية الدولة وديموقراطيتها؟ اذا وجد تناقض كهذا يمكننا التعايش معه هذا هو الامتحان .. وابعد هل قدمت يوماً طلباً في الكنيست أقول فيه انه يجب على دولة إسرائيل أن لا تكون دولة يهودية؟ اقترحت يوماً قانون كهذا؟ هل غررت يوماً بالجمهور اليهودي والعربي وقلت انه يمكن تحويل إسرائيل لدولة كل مواطنيها وإلغاء يهوديتها بسن قانون واحد او حتى بألف؟ ان فكرة دولة كل مواطنيها هي بوصلة عملي في الكنيست.. وكيف يوجه عملي؟ افحصوا كيف عملت في الكنيست؟ نعم باقتراح دمج العرب في شركات ومؤسسات الحكومة, تمثيل العرب في قطاع الخدمات العامة.. هكذا انا اعمل لتكون الدولة دولة كل مواطنيها.. انا اقسم قسم الولاء لدولة إسرائيل كيهودية في جوهرها وديمقراطية في طبعها. انا اقسم لدولة إسرائيل كيف تعرف نفسها وكعضو كنيست أنا أخنع.”

وطبعاً كل هذا مغاير لثوابت انطلاقة التجمع التي أكدت على شكلية ووهمية مواطنة العرب لكونهم رعايا بدون دولة ووجوب خوض النضال جماهيرياً وبرلمانياً “من أجل سن دستور ديمقراطي أساسه تغيير قانون الجنسية بما يضمن للعرب المواطنة الحقة أسوة باليهود وذلك وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة بهذا الصدد مما يوفر الأساس القانوني للمساواة والشراكة السياسية في دولة ديموقراطية لكل المواطنين.” هذا الطرح تكرر حتى برنامج المؤتمر الثالث عام 1999.

في ظروف محاولة الشطب من المشاركة في انتخابات الكنيست القادمة في نوفمبر 2004 عُقد المؤتمر الرابع للتجمع في اذار من نفس العام ومع اقراره البرنامج السياسي تحول مطلب انطلاقته المتمثل في العمل جماهيرياً وبرلمانياً على “تغيير قانون الجنسية” في سياق صياغته وبكل صداميته مع قلب المشروع الصهيوني الى “يطالب الحزب بسن قانون مواطنة ديمقراطي يلغي كافة اشكال التمييز القائمة في هذا المجال.”

ذهب عزمي بشارة الى منفاه ولم يعد. بعده تعمق بالجرعات النهج المهادن الذي رأى في التمثيل والعمل من خلال الكنيست هدف بحد ذاته لتطبيق مفهوم دولة كل مواطنيها بروح ما طرحه عزمي بشارة امام لجنة الانتخابات. عم هذا النهج خطوة خطوة حتى وجد المتمسكون بمشروع وطرح الانطلاقة أنفسهم عاجزون عن فرض موقف انقاذ للمسيرة أو حتى التنافس داخل المؤتمر العام على المواقع باعتبارهم متطرفين وغير واقعيين. ولعل هذا يفسر انسحاب العديد من القيادات الشابة وغيرهم من اللجنة المركزية.

نعم فشل التجمع في تحقيق اهم أهدافه وهو أن يُجير عمل الكنيست لبناء الحركة الجماهيرية ومؤسساتها وبلورة هويتها وفقاً لمشروعه التاريخي الصدامي مع جوهر الدولة اليهودية والصهيونية. وكان دخوله المشتركة عام 2015 ليس فقط خشبة خلاص لتمثيلة في الكنيست بل مؤشراً على ضمه لأحزاب أوسلو الداخل بتهميش مواقفه المختلف عليها لصالح هيمنة مواقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي/ الجبهة وأحزاب أوسلو الأخرى.  وعليه تخطت الأحداث تنظيمه ولم يعد طرف في الصراع على الرأي العام لعرب ال 48 على حد تعبير ماجد كيال، احد كوادره الشابة المنسحبة منه, في مقاله  “التجمع المرحلة انتهت.” يؤكد كيال هنا على ان هذا النهج قد أدخل التجمع والحركة الوطنية معه بالمنظور الاستراتيجي الى “ورطة غير محسوبة بخلقها تدريجياً تصوراً يفترض إمكانية جسر الهوة بين الهوية الثقافية والمواطنة الإسرائيلية. دولة جميع مواطنيها بهذا المفهوم، وان اعترضت خطابياً مع يهودية الدولة، الا انها بالمدى البعيد كرست المواطنة الإسرائيلية كسياق للفعل السياسي وتخيل الفلسطينيين في الداخل لدورهم النضالي ومستقبلهم. هذا التصور (للمواطنة الكاملة) أو بكلمات أيمن عوده ” مئة بالمئة مواطنين، مئة بالمئة هوية فلسطينية”، هو الأساس في مشاريع دمج الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي اليوم، وهي مشاريع يتحالف معها التجمع ضمن القائمة المشتركة.”

بالمقابل نجح نتنياهو في تفكيك المشتركة واشعال نار رمضة الصراع الدفين بين الحزب الشيوعي/الجبهة والحركة الإسلامية لتحتدم المواجهة على الهيمنة الجماهيرية وعلى النهج الجديد التأثير من داخل الحكومة الصهيونية الذي يمثل فيه الطرفان وجهان لبوصلة واحدة كان أيمن عوده ومن معه السباق لها ومنصور عباس اللاحق بها. الأول بدأ بشعار التأثير من داخل الحكومة ما عدا نتنياهو والتوصية المشتركة على جنيرال الحرب غانتس  والثاني عباس  بهلامية طرح لسنا في جيبة احد ونحن بيضة القبان ونقف على نفس المسافة بين يائير لبيد ونتنياهو.

حمل هذا الصراع معه أقذر الحملات الانتخابية التي شهدها عرب ال 48 وأخطرها على الأطلاق. هنا  استُنهضت  وجُندت كل العصبيات الايديلوجية, السياسية الحزبية, الدينية ,الحمائلية والمناطقية مخاطبة ومثيرة ذاكرة إحساس مثقل بإعاقات وتشوهات التاريخ الاجتماعي. وكانت النتيجة ان صوت فقط 45% من المصوتين العرب وان صح التعبير فأن 55% من عرب الداخل قاطعوا او لم يصوتوا مقارنة ب 65% صوتوا في انتخابات 2020 الأخيرة. حصدت المشتركة والموحدة معاً  35.7% من مجمل أصحاب حق التصويت العرب. منه حصلت المشتركة (ثلاثة احزاب) على 43.5% ستة مقاعد من مجمل من شارك في التصويت وكان خاسر المشتركة الأكبر تمثيل حزب التجمع الوطني الديمقراطي بمقعد واحد. وحصلت الموحدة بحزبها الواحد على 31.6% ما يعادل أربعة مقاعد  من مجمل من صوت وبذلك كسرت هيمنة الحزب الشيوعي/ الجبهة في التمثيل. مع ان نسبة من صوت للمشتركة لا يتجاوز ال 19.4% من مجمل العرب اصحاب الحق في التصويت والموحدة حصلت فقط على 14.9% منهم. من هذا الباب لا تستطيع المشتركة ولا الموحدة القول انها تمثل عرب ال 48. من يمثل عرب ال 48 وبحق هذه المرة صوت المقاطعة. فهل التقط اصحابه الفرصة لبلورة وتنظيم تياره او استخلصت الأحزاب الدروس والعبر من ذلك؟

لا نعتقد ذلك. من استمع لخطاب منصور عباس الأخير الموجه للمجتمع اليهودي بعد الانتخابات يفهم ان الذي حصل ليس خطأ في التكتيك بل جوهر استراتيجية نهج الواقعية، التأثير والمحافظة الجديدة. لقد تخطى عباس في كلماته ومضامين خطابه عتبة مفهوم الأسرلة في سياق انسحاقها الكياني السياسي والثقافي كانعكاس لنفسية الدونية في علاقة المُستعمِر والمُستعمَر المُسيطر والمُسيطر عليه المتعارف عليه، ليهبط في ساحة شرعنة الدين لعلاقة ابناء العمومة الابراهيمية والخلق من نفس واحدة والجدود  والجذور ادم وحواء  باستشهاده بأية : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.” لا استعمار  ولا مُستعمِر واستيطان  ولا حتى انتساب لهوية, حق عودة وقضية فلسطينية. وادق ما وصف هذا الخطاب كان الصحفي الإسرائيلي برنياع بقوله: “بتعريف عباس لنفسه بأنه مسلم عربي ومواطن إسرائيلي, من اجل نيل اعجاب مستمعيه اليهود , تنازل عن هويته الفلسطينية وهوية وعزة ناخبيه. وهو بذلك اما انه رجل شجاع أو انه سطحي وتافه. وبذلك كشف نفسه للادعاء بأنه ليس أكثر من محمي مسلم أليف لا ينصب ملوكاً وانما خصي في بلاط ملك اليهود.”

وابعد فمنصور عباس رئيس القائمة الموحدة ذراع الحركة الإسلامية الجنوبية ,ان لم يكن “سطحي وتافه” بل رجل شجاع على حد تعبير برنياع,  لم يكتفي بالاعتراف بدولة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية بين النهر والبحر ونظامها اليودقراطي الابرتهايدي كواقع وكحق تقرير مصير فقط, بل تخطاه ليغازل العالم ودول الخليج بروح الديانة الابراهيمية المشتركة كما وردت في صفقة القرن. في هذا السياق فالشكر يعود الى قيادات الأحزاب الصهيونية سموتريش, ساعر وبنيت على رفضهم قبول عباس وعوده والأحزاب العربية شركاء في أي ائتلاف حكومي وبذلك انقذوها من عار التوصية على نتنياهو أو لبيد-بينت. وابعد عروا “بيضة القبان” التي لوح بها منصور عباس كحالة هوس مرضية تحت وطأة الهزيمة الناتجة عن عنف علاقة المُستعمِر  بالمُستعمَر على حد تشخيص فرانس فانون. وحتى تكتمل معالم  مشهد نظام الهزيمة الفلسطيني الموحد بعباءة أوسلو بين النهر والبحر بكل شعب فلسطين لا ننتظر انتخابات ,ان حصلت, سلطة أوسلو القادمة تحت حراب الاستعمار  كوكيل تنفيذي له. فالبعرة يا سادة تدل على البعير بحسب مثلنا الشعبي.

 

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *