الصهيونية والعنزة السوداء

نبذة مختصرة:

نالت الماعز السوداء نصيبها من العداء الصهيوني لكل ما يمتّ بصلة إلى تاريخ الفلسطينيين وتراثهم وبيئتهم، فحُظرت بقانون سُنّ في سنة 1950، ولوحقت، وصُفيت، وضُربت البيئة الاجتماعية لتربيتها، بذريعة أنها مؤذية للبيئة، وارتكازاً إلى سياسة القضاء على كل ما هو فلسطيني. وبعد ستة عقود، تأكد الخطر البيئي الذي نتج من الحرب ضد العنزة السوداء، وبالتالي سُن قانون جديد أُلغي بموجبه القانون القديم، وباتت العنزة السوداء مرحباً بها.

النص الكامل:

لم يعد هناك الآن (على الحائط) سوى وصية واحدة وهي:

جميع الحيوانات متساوية

لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها

جورج أورويل، “مزرعة الحيوان”

 الاستعمار والحيوان

نُشرت في الأعوام الأخيرة إصدارات كثيرة بشأن مسألة الاستيطان الكولونيالي والحيواني،1 وتناولت هذه الدراسات والمقالات حالات كندا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا وجنوب أفريقيا، وإن لم يُنشر إلّا القليل عن علاقة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بالنباتات والحيوانات.2

ربطت هذه الأبحاث دراسات الحيوان النقدية بالتوجهات المناهضة للاستعمار الاستيطاني،3 ووصفت كيف جرى تقييم السكان الأصليين في البلاد المستعمرة بأنهم “دونيون وبشرٌ بشقّ الأنفس، فهم أقرب إلى الحيوان منهم إلى الإنسان المتحضر.”4 وجرى بناء تراتبية في مقدمها الإنسان المستوطن المتحضر، وفي أسفلها الحيوانات، أمّا السكان الأصليون فهم في منزلة بين المنزلتين، فعند المستعمرين المتشددين هم بشر متوحشون أدنى إلى المرتبة السفلى، وعند المتنورين (إذا صح التعبير) هم أقرب إلى مصاف الإنسان.

كما تسلط هذه الدراسات الضوء على العنف والمحو الذي تعرضت له الحيوانات أيضاً خلال عملية محو السكان الأصليين،5 وتمزيق حضارتهم وتدمير تراثهم وطمس ما في صلب كيانهم من بنى معرفية واجتماعية وأساليب حياة، وفك ارتباطهم بالطبيعة وبحيواناتهم ونباتاتهم المدجنة والبرية، مع إدراك أن القمع والعنف والتمييز والإقصاء والتدمير والمحو والطمس، أمور كلها تدور حول محور مركزي هو مسألة الأرض – أرض السكان الأصليين.6

وبين المقاربات الخاصة بعلاقة الاستعمار الاستيطاني بالحيوانات، ما سُمي استعمار الحيوان، الذي عُرّف بأنه” ظاهرة مزدوجة مكونة من جهة من استغلال الحيوانات لاستعمار الأرض والناس والحيوانات المحلية، ومن جهة أُخرى فرض أنظمة وقوانين وممارسات أجنبية بشأن علاقة أهل البلد بحيواناتهم على المجتمعات المحلية وبيئتها”،7 إذ قام الأوروبيون “بتجنيد الماشية كشريكة في الاستيطان”، ودأبوا على استبدال الثروة الحيوانية والزراعية المحلية.. ومزّق هذا “الاجتياح البيولوجي”8 كيان السكان الأصليين وحياة حيواناتهم وظروف بيئتهم والعلاقات المتبادلة بين الإنسان والحيوان والبيئة في المجتمعات الواقعة تحت الاستعمار الاستيطاني.

قد تختلف حركات الاستعمار الاستيطاني في كثير من الأمور الظاهرية، بل حتى الجوهرية، غير أن أمراً مشتركاً ومحورياً يلازمها ويميزها كلها وهو أن هناك محتلاً يستولي ويقمع وينهب ويستغل، وهناك شعب يتعرض للاحتلال والاستغلال والإذلال والتهجير، ولهذه الحركات الرواية نفسها: سكان البلد المتخلفون جعلوا بلدهم أجرد أقفر، بينما جاء المستوطن الأبيض المتنور والمتحضر لينقذها ويطورها ويشيد التقدم والازدهار فيها. وفي حالتنا، لم يكن الفلسطيني المتهم الوحيد بجعل البلد “قفراً”، وإنما كان له شريكة في التهمة هي عنزته المحلية السوداء.

 الماعز في فلسطين

لعل الماعز من أوائل الحيوانات التي قام الإنسان بتدجينها في بداية الثورة الزراعية، إذ كانت الماعز البرية السوداء منتشرة في منطقة الهلال الخصيب ومناطق أُخرى. ويرجع هذا التدجين إلى نحو 10,000 عام في منطقة الشرق الأوسط،9 وفي فلسطين تحديداً أُقيمت أولى المدن في منطقة أريحا، وجرى مع بداية الانتقال إلى الزراعة تدجين الماعز. وعبر آلاف السنين لاءمت الماعز السوداء نفسها مع الظروف البيئية والطبيعية، كما أن الطبيعة في فلسطين التاريخية تكيفت مع هذه العنزة وسلوكها الرعوي، وأصبحت الماعز مركباً مهماً في حفظ التوازن البيئي. وأي حديث عن دورها البيئي يجب أن يبدأ من أنها ليست هي التي تغير البيئة، بل إن إبعادها عن البيئة هو ضربة للتوازن الإيكولوجي والتنوع البيولوجي، وهذه اليوم مقولة علمية سائدة.

العنزة السوداء.

تدل الأبحاث الموضوعية على أن رعي الماعز يساهم جدياً في حماية الغابات من الحرائق،10 عبر تنظيف أرض المناطق الحرشية من جميع أشكال النباتات، بما فيها الأشواك والأغراس الخشبية، الأمر الذي يوجِد شرائط عازلة تمنع امتداد النيران. كما أن الماعز تمنع هيمنة أنواع معينة من النباتات على حساب غيرها، وهناك دراسات علمية متزايدة تؤكد دور الماعز في زيادة التنوع البيولوجي النباتي والحيواني،11 فالماعز السوداء الفلسطينية قوية وتأكل ما لا يأكله غيرها، وتدخل مناطق لا تصمد فيها غيرها من الماشية، ولذا لا بديل منها في دورها “البيئي”. لكن ومثلما سنرى لاحقاً، فإن للصهيونية وباحثيها وأبواقها رأياً مختلفاً.

لم تكن الماعز جزءاً من التوازن البيئي فحسب، بل كانت ولا تزال أيضاً مكوناً مهماً في أسلوب الحياة واقتصاد وثقافة طعام العائلة الفلسطينية قبل النكبة، وإلى حد ما بعدها، كما كانت مصدراً مهماً للطعام من لحم وحليب ولبن وأجبان وسمن. وكان شعر الماعز يُستخدم في صنع خيام “بيوت الشعر”، وجلدها لقِرب الماء وقِرب خضّ الحليب لإنتاج السمن، وكانت تساق أحياناً إلى قطع أرض لتنظيفها من الأشواك والشجيرات والأعشاب تمهيداً لزراعتها.

يسمي الفلسطينيون قطعان الماعز بالحلال، ولكل ماعز اسمها بحسب العمر:12 فحتى عمر سنة اسم الذكر سخل أو جدي والأنثى سخلة، وحتى سنتين الذكر صاعور أو ثني والأنثى جفرا أو شعرية، وحتى ثلاث سنوات الذكر ثليثي والأنثى عنزة، وحتى أربع سنوات الذكر رباع والأنثى ظهر، وأربع سنوات وما فوق الذكر تيس أو فحل أو عتيق أو كراز والأنثى ظهر أو عنزة. ويجري تمييز قطعان الماعز بعضها من بعض من خلال وسم على الأذن خاص بكل قبيلة، وأحياناً خاص بكل صاحب قطيع، وعادة ما يتم الوسم عن طريق الكي في الأذن.

وفي حديث لي مع رعاة ماعز من منطقة النقب والمثلث، تبيّن أنهم كانوا، حين يكون القطيع صغيراً، يطلقون أسماء على جميع الماعز، أمّا حين يكون القطيع كبير العدد فإن الأسماء “الشخصية” تطلَق فقط على ماعز لها خصوصية، فمثلاً إذا كانت كثيرة الحركة، تحظى بكنية تدل على ذلك، وإذا كانت تُكثر الهروب من القطيع يكون لها اسم مميز، وعندما تكون مدرّة للحليب أكثر من غيرها فلها اسم خاص بها، وذَكَر الماعز القوي الذي يتفوق في فحولته الجنسية تكون له كنية خاصة بذلك وهكذا.. وفي جميع الأحوال يعرف الراعي أو الراعية جيداً “شخصية” كل عنزة ويعرف كيف يتعامل معها. وتقود القطيع (قطيع الماعز أو قطيع مختلط مع الضأن وهذا أكثر انتشاراً) عادة عنزة تسمى “سحوب”، لها مواصفات مميزة، وأولها أن تكون قوية وذكية، تفهم الإشارات والأصوات التي تصدر عن الراعي وتستجيب لها، وثانيها أن تلحق بها الماعز حيث تسير، وثالثها ألّا تكون لها حركات مستقلة من دون أمر من الراعي. ويثبَّت في رقبتها جرس خاص يسمع رنينه وطنينه القطيع كله خلال سيره، وعن مِرياع الغنم قال محمود درويش، معبّراً عن ذاكرة جيل فلسطيني كامل سمع الأصوات نفسها:

 ونَغْمات أجراس مرياع كل قطيعٍ

ترنّ بأذني إذا ما تباهى وحرك عِطفيهِ

ذات اليمين وذات الشمال

أخذت الماعز حيزاً مهماً في التراث والأدب الفلسطينيين، عبر كلمة “جفرا” التي تعني أنثى الماعز الصغيرة.13 ففي التراث يردد الفلسطينيون أغاني “جفرا ويا هالربع” ويدبكون بحماسة على إيقاعها في جميع أعراسهم التقليدية. أمّا في الأدب فقد أتحفنا الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة بقصائده الرائعة عن الشهيدة – الحبيبة “جفرا”. وقد حملت بعض القصائد الجفراوية للمناصرة دلالات زراعية ورعوية، تبعاً للمعنى اللغوي لكلمة جفرا، والارتباط العميق بين ذاكرة الفلسطيني وهويته، والعنزة الفلسطينية السوداء ودلالاتها.

 انتداب ضد الماعز الفلسطيني

كانت تربية الماعز ركناً مهماً في الاقتصاد الفلسطيني في العهد العثماني، فقد شكّل الماعز نحو ربع الدخل من الزراعة، وكان مردود العنزة الواحدة أكثر من دخل دونم أرض مفلوحة. واستفاد الناس من كون العنزة ملائمة للأماكن الصعبة في الجبال وأطراف الصحراء، حتى إن أهل المدن اقتنوا قطعان ماعز وسلموها للرعاة دافعين إليهم أجر عملهم. وبموجب الإحصاء العثماني لسنة 1909، كان عدد الماعز المسجلة في فلسطين نحو 239,000 رأس، 14 لكن هذه الأعداد تراجعت بصورة عامة في نهاية العهد العثماني، بسبب انتشار أمراض وأوبئة أدت إلى نفوق عدد كبير من الماعز والخراف والبقر.

جاء في الإصدارات الصهيونية والانتدابية، العلمية منها والسياسية، أن التربة والأرض في فلسطين في العهد العثماني كانت في حالة مزرية: “من أهم أسباب تفتيت وتآكل التربة هو الرعي الجائر، وخصوصاً من قبل الماعز.. الأمر الذي أدى إلى تعطيل التشجير، وهجر ما كان آهلاً، وإهمال المدرجات الزراعية الواقية للتربة وانهيارها.” وجاء فيها أيضاً: “جرت هذه العملية طوال الحقبة الإسلامية، ووصلت إلى الحضيض في القرن التاسع عشر، بما يتناقض والماضي  ‘النبيل’ الذي وصل إلى ذروته في العهد الروماني.”15

في عهد الانتداب، وصل عدد الماعز الفلسطينية إلى 440,000 وفق الإحصاء البريطاني في سنة 1930، وإلى 475,000 في سنة 1942. 16 وكان هدف الإحصاء في العهدَين العثماني والبريطاني هو فرض الضرائب، إذ إن أصحاب قطعان الماعز كانوا يدفعون 48 مليماً للرأس، “وكثيراً ما تكررت الشكوى من ثقل هذه الضريبة والمطالبة بتخفيضها.”17 ويميل معظم الباحثين إلى أن الاعداد الحقيقية للماعز أكبر من ذلك بسبب إخفاء ماعز عن الإحصاء تهرباً من الضرائب التي فُرضت على المنتوجات الزراعية والثروة الحيوانية، وهناك تقديرات بأن عدد الماعز في فلسطين عشية النكبة وصل إلى 750,000 رأس.18

امتلك الفلسطينيون في عهد الانتداب نحو 98% من الماعز في فلسطين.19 وبما أن الماعز السوداء كانت فلسطينية جسداً وعدداً، فإنه كان هناك توافق تام بين الانتداب والييشوف في معاداتها وفي ضرورة اتخاذ خطوات ضدها، إذ اعتبرت سلطات الانتداب مواشي الرعي الفلسطينية مسؤولة عن “الحالة البائسة للتربة في فلسطين.” وأصدر المسؤول في هيئة حماية التربة الانتدابية، ف. تيلار، الذي اشتهر بمقولته إن الماعز هي “عدو الجمهور رقم واحد!”، كرّاساً حكومياً بعنوان: “أنقذوا تربتنا: كرّاس يشرح مخاطر تآكل التربة على التنمية في فلسطين، وطرق معالجتها”.20

وفي محاضرة ألقاها في سنة 1928، أمام “الجمعية الاقتصادية الفلسطينية”، عبّر الكولونيل أ. ساوير، مدير الزراعة والغابات في حكومة الانتداب، عن الكراهية البريطانية للعنزة الفلسطينية قائلاً: “بقيت هناك مشكلة مستعصية وهي العنزة – ذلك المخلوق الشرير الذي سُنت ضده قوانين أكثر من أي حيوان أليف آخر.” وعلى الرغم من اعترافه بفوائد الماعز في الوقاية من الحرائق، فإنه أوصى بفرض قيود شديدة على الرعي، واشتراط الرعي في الأراضي المفتوحة بالحصول على ترخيص خاص بذلك.21

وفي المسح الذي جرى تحضيره للجنة التحقيق الأنجلو أميركية في سنة 1946، حمّل البريطاني ج. شو، السكرتير الأول لحكومة فلسطين الانتدابية، الماعز السوداء وأصحابها المسؤولية المباشرة عن مشكلة تحويل الأرض في فلسطين إلى جرداء.22 وكذلك كان رأي عالم الجيولوجيا والحفاظ على التربة، والتر كلاي لوديرميلك، الذي زار فلسطين على رأس بعثة علمية أميركية لدراسة إمكانات الاستفادة من التجربة في معالجة خراب التربة لحل مشكلات مماثلة في بعض الولايات الأميركية، وكتب عن تخريب التربة عبر أهلها وماعزهم، واستبشر خيراً بالزراعة في المستعمرات الصهيونية.23 وكان لوديرميلك صهيونياً، وقد زار البلد عدة مرات، وعاد في بداية الخمسينيات وساهم في إقامة كلية الزراعة في معهد “التخنيون” في حيفا.

لم تكن العلاقة بين العلماء البريطانيين والعلماء الصهيونيين بشأن أحوال البيئة في فلسطين وهوية المسؤول عن هذه الأحوال مجرد توارد أفكار، ولا حتى توافقاً في الرؤيا، وإنما كانت وحدة حال وانسجاماً تاماً في معسكر “علمي” واحد، ليس في التشخيص والتحليل فحسب، بل في تحميل المسؤولية أيضاً. وكان من أهم علماء البيئة المؤثرين في سلطات الانتداب، ولاحقاً في السلطات الإسرائيلية، عالم التربة الصهيوني البروفسور أدولف ريفنبرغ، الذي أصدر في سنة 1938 كتاباً عن التربة والأراضي في فلسطين، اعتبر فيه العلاقة بين المنظر الطبيعي في فلسطين والزراعة والرعي التقليديين كارثة: “خمسة عشر قرناً والأرض تتعرض للتخريب الدائم. إهمال التلول الواقية، وإبادة الشجر، جعلا التربة عارية وعرضة لأشكال التآكل كافة.. فما كان يوماً أرضاً خصبة صار يغطيها كثبان الرمال.. الصحراء زحفت فوق البلد.. الرعي الجائر قضى على الغطاء النباتي وكشف التربة لتذروها الرياح.. وفي منطقة بئر السبع تندلع زوابع الغبار بوتيرة عالية.”24 وقد شجّع مثل هذه الكتابات إدارة الانتداب على اتخاذ خطوات عملية، وأثّر في علماء بريطانيين وأميركيين، وكان لريفنبرغ لاحقاً تأثير مهم في الدفع نحو سنّ “قانون أضرار الماعز – 1950” وفي تسويغه.

وتبعاً لنصائح القيادات الصهيونية وعلمائها وأصدقائها، قامت سلطات الانتداب بسنّ مجموعة من القوانين تقلّص إمكانات رعي الماعز، ومنها قانون الغابات25 الذي يمنع رعي الماعز في الغابة وما حولها، إذ أعلن الانتداب أن 830,000 دونم هي مناطق حرشية موزعة على 430 غابة، كما سنّ قانون منع تجريد الرمل وقانون منع تجريد التراب وقانون ترخيص الرعاة وغيرها. وفرضت سلطات الانتداب الضرائب الباهظة نسبياً، وقامت بتشجيع أصحاب القطعان على بيع ماعزهم واستبدالها بالغنم، على الرغم من النقص في الماعز واستيراد عشرات الآلاف من الرؤوس للذبح سنوياً.26

لقد اعتبر الانتداب البريطاني الماعز مسألة توجب الضبط السلطوي، وشملت مواجهتها تسجيل أسماء أصحاب الماعز في مستندات خاصة تشمل قائمة بأسماء أصحاب الماعز وعدد الرؤوس التي في حيازتهم، وتلخصت سياسة الانتداب الرسمية تجاه الماعز بثلاثة إجراءات: إحصاء، وضرائب، وتقييد للحركة.27

لم يستسغ المستوطنون الذين جاءوا إلى فلسطين، شرب حليب الماعز واعتبروه “غير صحي وذا راحة نتنة ومذاق مقزز”، وأتوا بالأبقار مروجين لحليبها الصحي عذب المذاق.28 وعلى الرغم من حملات التسويق، فإن مستوطني القرية الزراعية “دجانيا” شكوا من أن سكان طبرية العرب واليهود يرفضون شرب حليب بقر المستعمرات بعد أن تعودوا على حليب طازج من عنزات حلوب تأتي به فلاحات من المنطقة إلى طبرية. واعتبر الييشوف حليب الماعز حليباً عربياً سيىء السمعة والمذاق، في حين مثّل حليب الأبقار المحسنة قمة الصحة والمذاق الحسن.

لا يُعرف بالضبط مصير نصف مليون رأس ماعز فلسطيني وغيرها من الحيوانات البيتية والأليفة خلال أحداث النكبة، غير أن هناك معلومات مؤكدة أن قوات الاحتلال الإسرائيلية استولت على أعداد كبيرة منها في عدد من القرى الفلسطينية، حتى في تلك التي لم تُهجّر في سنة 1948. وهناك عدد قليل من الحيوانات، وخصوصاُ الماعز والبغال، اصطحبها اللاجئون معهم خلال نزوحهم، لكن يبدو أن أغلبية الماعز والحيوانات الأُخرى بقيت في القرى المهجرة ولم يُعرف مصيرها، وعنها كتب محمود درويش رائعته “لماذا تركت الحصان وحيداً”.

بعد النكبة بقي في حيازة الفلسطينيين الذي بقوا في وطنهم داخل الخط الأخضر ما يقارب 100,000 رأس ماعز،29 أمّا الباقي فتعرض للتهجير والذبح، ولا دليل على أن ماعزاً سوداء فلسطينية انتقلت إلى التربية في مزارع المستوطنين اليهود. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في عدد الماعز وفي انتشارها، فإن شحنات الكراهية الانتدابية الصهيونية ضد الماعز الفلسطينية لم تخفّ، وإنما استمرت بقوة أكبر بعد إقامة الدولة العبرية، وكان “من الصعب أن تجد نزعة للانتداب البريطاني انتقلت بسلاسة إلى إسرائيل أكثر من الكراهية العميقة للرعي غير المنظم، وخصوصاً من طرف الماعز.”30

 قانون العنزة السوداء

سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون “حماية النبات – أضرار الماعز”، في تموز / يوليو 1950، وكان الهدف منه، مثلما جاء في رسالة وجهتها وزارة الزراعة الإسرائيلية إلى لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست، هو “القضاء على قطعان الماعز المتنقلة”، والقصد هو الماعز السوداء.31 ولم يكن هذا القانون إيذاناً ببداية عهد جديد في التعامل مع الماعز الفلسطيني، وإنما كان استمراراً طبيعياً للمواقف التي سادت في الييشوف بهذا الشأن، ولموقف الانتداب البريطاني الذي تميز بالحماسة والاندفاع في معاداته للماعز،32 وهي عداوة لم تكن خاملة. ويرجع العداء الصهيوني، وتلاه البريطاني، للماعز إلى أنها “متنقلة”، الأمر الذي يعرقل مشروع محاصرة الوجود الفلسطيني، إذ تجوع الماعز وتعطش، فيقوم أصحابها بالانتقال إلى حيث الكلأ والماء. والماعز الفلسطينية غير قابلة للحشر في مكان ثابت، ولذا لم تجرِ أي محاولة لفرض قيود معقولة عليها، وإنما جرى سنّ قانون هدفه القضاء عليها كلياً، وهذا ما قاله كثير من القيّمين على هذا القانون وعلى تطبيقه.

وينصّ القانون عملياً على منع تربية ورعي الماعز السوداء الفلسطينية، عبر فرض إجراءات صارمة تجعل امتلاك قطعان الماعز بشكل قانوني أمراً مستحيلاً. فالمسموح به وفق هذا القانون هو حيازة الماعز ورعيها في أراضي ملكيةٍ خاصة على أساس رأس ماعز واحد في 40 دونماً من الأراضي البعلية، أو 10 دونمات من الأراضي المروية، أي مساحة قرية كاملة لقطيع متوسط الحجم! كما يُمنع بتاتاً رعي الماعز في الغابات أو المناطق المعدة للتحريش، ويُمنع حتى مرورها وانتقالها إلى أراضٍ ليست ملكاً لصاحب القطيع، بما في ذلك الأراضي المسماة أراضي دولة. ويحقّ لمفتش مخوّل بذلك أن يدخل إلى أي مكان وفي أي وقت (سوى داخل البيوت) للبحث عن الماعز، كما يحقّ له أن يضع يده على “ماعز غير قانونية” فيبيعها بسعر يحدده ممثل وزارة الزراعة، ثم يسترد صاحب القطيع ثمن ماعزه بعد اقتطاع مصاريف النقل والحيازة والبيع. وبموجب هذا القانون تُفرض عقوبة على مَن يخالفه تصل إلى ستة أشهر سجن، أو غرامة تبلغ 150 ليرة، أو كلاهما.33

طُرح قانون “حماية النبات – أضرار الماعز”، الذي عُرف باسم “قانون العنزة السوداء” في القراءة الأولى في 15 /5 / 1950، وقال وزير الزراعة دوف يوسيف في معرض تقديمه للقانون، إنه جاء لمنع “الأضرار الكثيرة في البلد، والتي خلفتها قطعان الماعز التي أبادت كثيراً من النبات..”34

وجاء في الشرح المرفق بالقانون: “وجود قطعان الماعز المتنقلة هو حجر عثرة كبير في طريق مشروع غرس الأشجار، والذي يجري تنفيذه هذه الأيام على نطاق واسع. فالقانون المطروح يضع تقييدات شديدة على إمكان تربية الماعز التي ليست ماعزاً بيتية، والتي ترعى عادة في قطعان متنقلة. وبموجب قانون الغابات لا يُسمح بالرعي إلّا بترخيص، وهذا القانون يمنع ذلك حتى بترخيص. وجميع التقييدات الواردة في القانون لا تنطبق على الماعز البيتية التي لا خطر منها.”35

فعلاً، وفي اليوم نفسه، جرى بموازاة سن قانون “العنزة السوداء” تعديل قانون “ترخيص الرعاة”، وهو قانون انتدابي ساري المفعول منذ سنة 1946، بحيث جرى شطب كلمة “ماعز”، والإبقاء على إمكان الحصول على ترخيص لرعي الغنم. وتساءل عضو الكنيست أهارون تسيزلنج من حزب مبام اليساري الصهيوني: “لماذا يحتاج الراعي إلى ترخيص؟ وهل ممارسة الرعي بحاجة إلى ترخيص؟”، فردّ عليه وزير الزراعة بأن الرعي في مناطق محددة بحاجة إلى رخصة. غير أن السؤال الذي طرحه عضو الكنيست شلومو ليفيه خلال النقاش، وهو: “لماذا التمييز بين الماعز والغنم؟”، بقي بلا جواب، كسؤاله التالي الذي لم يحظَ بجواب أيضاً: “تدّعون أن الماعز خربت النقب، ألم يخطر في بالكم أن ما خرّب النقب هو قلة الأمطار؟”36

أثار الشرح المرفق لقانون “أضرار الماعز” حفيظة عضو الكنيست المتدين إلياهو جنحوفسكي الذي شكا من أن الشرح لم يستند إلى التراث، وإلى ما جاء في المشناه: “لا تربّوا بهيمة نحيفة في أرض إسرائيل”،37 ودعا إلى تأصيل القوانين على تراث النصوص الدينية. وهو طبعاً، لم يكلف خاطره للشرح لماذا يطبّق هذا التحريم اليهودي على العرب، وعلى العرب وحدهم.

أمّا المدير العام لوزارة الزراعة فبقّ الحصاة، وقال في جلسة لجنة الاقتصاد، التي ناقشت قانون أضرار الماعز في 20 / 6 / 1950: “موضوع الماعز هو موضوع جدي وخطير ولا يمكن الاستهتار به. البلد أصبح قفراً وخراباً بسبب العرب وبسبب الماعز. لقد تخلصنا من العرب، وفي قدرتنا التخلص من الماعز..”38

جرت المصادقة النهائية على قانون “العنزة السوداء” نهائياً بالقراءة الثانية والثالثة في 10 تموز / يوليو 1950. وخلال طرحه للقانون قال رئيس لجنة الاقتصاد، مناحم بدر: “هدفنا علاج وباء الماعز المتنقلة التي لها ضلع كبير في إبادة النبات وفي تكوّن لعنة الإقفار. العنزة المتنقلة على عكس الخراف وماعز البيت، تقتلع الجذر من كل عشب ونبات، وتقضم وتعلك الأغراس وتقضي عليها. وهكذا لا يمكن أن نجد ما يمنع الفيضانات وجرف التربة، كما أن أراضي خضراء تحولت إلى رمل وحجر وصحراء. ولا يمكن وقف هذا الأمر ولا يمكن تطوير الزراعة في البلد، إذا لم نوفر لها الحماية، وإذا لم نوفر بكثرة أشجاراً وأغراساً، وهاكم شرطاً مسبقاً لوفرة الشجر والغرس وهو حمايتهما من كل ما يبيد النبات. الماعز المتنقلة تبيد النبات، ولهذا جاء القانون ليفرض قيوداً شديدة على تربيتها ورعيها.”39

كان السبب المباشر لسنّ هذا القانون هو أن الماعز السوداء انقضّت على أغراس شجيرات الصنوبر التي غرسها “هكيرين هكييمت” (الصندوق القومي اليهودي)، في إطار حملة إسرائيلية محمومة بعد النكبة هدفت إلى محو وإخفاء آثار مئات القرى الفلسطينية المهجرة، وإلى سدّ الطريق نهائياً على عودة اللاجئين الذين هُجّروا قبل سنّ القانون بعام أو عامَين. الهدف الآخر لهذا الزرع المهووس فكان إضفاء منظر أوروبي مشابه لما اعتادت عليه أعين المستوطنين القادمين من بعيد. أمّا الهدف الثالث فهو خلق وقائع على الأرض، إذ يهدف التحريش إلى تثبيت الاستيلاء على الأرض، وجعلها احتياطاً يمكن تحويل استعماله إلى أغراض المشروع الإسرائيلي الصهيوني في أي وقت.

حفل تدشين مشروع منتزه كندا المقام على أنقاض قرية عمواس.

والادعاء أن إسرائيل تقوم بالتحريش لأغراض بيئية محضة، منافٍ للحقيقة وللوقائع على الأرض، فهو في الحقيقة مشروع كولونيالي شكلاً ومضموناً، إذ جاء الصهيونيون بأشجار الصنوبر وغرسوها بوحشية في أرض السنديان والزعرور والبطم والخروب والرمان والزيتون، وفي هذا يقول محمود درويش: “أُطلّ على نورس وعلى شاحنات الجنود تغير أشجار المكان..”. ويُعتبر استبدال المشهد الفلسطيني بمشهد كولونيالي غريب عن المكان من الخطوات الأولى التي قامت بها إسرائيل بعد النكبة، وهو نوع من الإيكولوجيا الكولونيالية،40 ففي المكان الذي لا تقام مستعمرة، تُغرس أشجار الصنوبر الأوروبية كنوع من الاستعمار البيئي. لقد ساد إجماع في المؤسسات الصهيونية على أن وجود الغابات يمنع “غزو أراضي الدولة من طرف العرب”، ويبقيها في حيازة الشعب اليهودي ودولته الفتية.

لم تكترث الماعز السوداء بهذا المشروع الصهيوني، وإنما رأت في أغراس الصنوبر الغضة طعاماً لذيذاً فقامت بالتهامها بلا تردد. وهكذا اتُّهمت العنزة، من طرف النخبة السياسية والاستيطانية، بأنها ليست معادية للطبيعة فقط، بل إنها معادية للصهيونية أيضاً، مثلما وصفها، في تلك الفترة، الكتّاب والصحافيون والسياسيون وعامة الشعب والمختصون وعلماء النبات والحيوان في إسرائيل. ومن هنا جاء في الشرح المرفق بقانون “العنزة السوداء”، أن الماعز الفلسطينية هي عائق أمام مشروع غرس الأشجار، ويجب إزالتها عبر فرض قيود صارمة تجعل من المستحيل تربيتها.

لم يكن قضم أغراس الصنوبر الغضّة هو السبب الوحيد لموقف الصهيونية من الماعز السوداء، ففي النقب على سبيل المثال كان من النادر أن تدخل الماعز الغابات القليلة الموجودة هناك، فهي كانت ترعى في الأرض المفتوحة، ومع ذلك تركزت الحملة ضدها في النقب تحديداً، وبشكل أقل كثيراً في مناطق أُخرى. وما أزعج إسرائيل حقاً أن الماعز الفلسطينية تُعتبر أكثر الحيوانات حاجة وقدرة على التنقل ودخول مناطق جديدة، فحاجتها إلى الطعام والشراب تجعلها تتنقل باستمرار، ومع الماعز يأتي الرعاة وعائلاتهم، وهذا تحديداً ما أثار غضب الصهيونية على الماعز (وعلى أصحابها)، لأنها عصية على الضبط السلطوي وغير ملتزمة بالحدود الضيقة التي رسمتها الصهيونية للوجود الفلسطيني ولحيواناته الأليفة. لذلك، كان الهدف هو القضاء على العنزة الفلسطينية تماماً كي يلزم الفلسطيني الذي بقي في وطنه حدوده.

منتزه جبل الكرمل حيث غُرست غابة أشجار صنوبر.

من وجهة نظر الراعي الفلسطيني وعنزته الفلسطينية، فإنهما لم يدخلا أرضاً ليست لهما، ولم يجتازا أي حدود، فهما لم يذهبا إلى أغراس الصنوبر، وإنما هي التي جاءت إليهما وغزت أرضهما. كما أن أحداً لم يطلب منهما أن يبتعدا عن أغراس الأشجار إلى مكان آخر، أو إلى غابة أو حرش آخر ليس فيهما أغراس جديدة، وهي أماكن كان هناك كثير منها، بل طُلب من الراعي أن يبيع ماعزه أو يذبحها، وإن لم يفعل هذا فإن الدولة ستقوم بذلك.

وماذا كان الرد؟ طبعاً الماعز لم تتكلم، فمع أن الماعز الفلسطينية، مثلما يقول الرعاة، “شاطرة وذكية”، إلّا إنها لا تجيد الثغاء بلغة البشر. أمّا الراعي الفلسطيني فيعتبر علاقته بالأرض وبالماعز أمراً ليس بحاجة إلى شرح وتفسير وتبرير، حتى إن “الراوي” الفلسطيني الذي يكتب الأدب والتاريخ والسياسة والجغرافيا، يسرد ما عنده وفي خلفية ذهنه أنه على حق يجب أن يصفه لا أن يشرحه ويساجل فيه ويسوّغه. وقصة الماعز هنا لا تختلف عن غيرها.. وفي رأيي، فإن علينا أن نكتب أكثر وفي كل مجال كي لا تضيع الحكاية.

لكن ماذا كان رأي المؤسسة العلمية الإسرائيلية؟ ففي نهاية المطاف استند القانون واستندت الحملة ضد الماعز إلى “معطيات علمية تجريبية” عن “أضرار الماعز”. الملاحظ أنه كان هناك تأثير متبادل بين علماء صهيونيين وبحاثين بريطانيين وأميركيين زاروا البلد وأعجبوا بإنجازات المشروع الاستيطاني الزراعي في فلسطين، وأبدوا امتعاضهم من الخراب الذي يحدثه الفلسطينيون وماعزهم السوداء،41 وكانوا صهيونيين أكثر من الصهيونيين.

جاءت الكتابة العلمية الإسرائيلية في هذا الموضوع مشبعة بالانحياز الأيديولوجي ضد أهل البلد وماعزهم، وكتب أ. ريفنبرغ، المحاضر في علوم التربة، أن “إسرائيل مثلما نراها اليوم، ما هي إلّا خرابُ ما كان يوماً بلداً مزدهراً. التصحر هو من فعل البشر، إذ إن الرعي الجائر أدى إلى تعرية الأرض من الغطاء النباتي، وإلى أن تتعرض التربة إلى أنواع التآكل كافة. لقد جرى نسيان الاستثمار البارع للمياه، والذي كان متّبعاً في العهد القديم، وأصاب الخراب موارد المياه ووسائل الري إلى أن عاد الاستيطان اليهودي بعد مرور 2000 عام.” وأضاف ريفنبرغ: “إنهم [الفلسطينيون] من صنع الصحراء لأنهم سمحوا لخرافهم غير الضارة وماعزهم المؤذية بإتلاف الغطاء النباتي عبر رعي جائر ووحشي.” لقد كان هذا هو الرأي السائد لدى المؤسسة العلمية الإسرائيلية، ولم يصدر عنها حتى نهاية سبعينيات القرن العشرين أي دراسة أو موقف يستأنفان أو يشككان في السياسة الرسمية، وفيما ساد الرأي العام من معتقدات وصلت إلى حد اعتبار الماعز السوداء “عدو الجمهور رقم واحد”. وكان هناك أيضاً بعض الشائعات بأن عالماً زراعياً مهماً له رأي مختلف ويعتقد أن الماعز مفيدة جداً للبيئة وللغابات، إلّا إن آراءه بقيت شفوية.42

بعد سنّ القانون فوراً، وفي السنة نفسها (1950)، قامت وزارة الزراعة الإسرائيلية بإحصاء الماعز في التجمعات السكانية في الداخل الفلسطيني، وشملت الاستمارات التي استعملتها الوزارة لهذا الغرض خانة لعدد الماعز في كل بلدة، وخانة أُخرى لعدد الماعز التي يجب القضاء عليها، وكانت الخانتان متساويتين، إذ بلغ عدد الماعز في قرى الجليل الغربي مثلاً 21,000 رأس، وعدد الماعز المعدة للإبادة 21,000 أيضاً. وجاء في إحصاء الإبادة هذا أن عدد الماعز في عيلبون وسخنين هو 1914 رأساً، وعرّابة 1370، ويركا 1764، ومعليّا 1768، وهذه القوائم التي أعدتها الوزارة الإسرائيلية تشمل المناطق والبلدات العربية الفلسطينية كافة.43

مع تشديد المضايقات على الماعز وأصحابها وانخفاض إنتاج حليب المعزة، دخل إلى سوق الطعام الفلسطينية في الداخل حليب الأبقار الذي كان هامشي الاستهلاك طوال فترة الانتداب، إذ منذ البداية كان هناك رفض ونفور من هذا الحليب الدخيل وغريب الطعم. وأذكر جيداً كيف كانت والدتي تجبرني على الاستيقاظ مبكراً لشراء الحليب من جارتنا التي امتلكت عنزة وبقرة، فإذا وُفّقت وجئت بحليب ماعز كانت العائلة تتمتع بشربه، أمّا إذا تأخرت قليلاً، ووصلت بعد أن يكون حليب الماعز قد نفد، وجئت البيت بحليب البقر غير المرغوب فيه، كانت والدتي تقابلني بفتور، وكان والدي يشرب الحليب بنفور، وأحياناً يرفض شربه متقززاً.

 رابطة عزيزة

في سنة 1948، بدأت إسرائيل باستيراد ماعز أبيض سويسري من فصيلة “سانين”، للتربية في ساحات البيوت وعلى أسطح المنازل، وهذه الماعز لم تخرج إلى المراعي لأنها لم تكن كالماعز السوداء معتادة خلال آلاف الأعوام على طبيعة فلسطين وأجوائها الحارة.44

العنزة البيضاء.

لقد جرى توزيع الماعز الأبيض في المستعمرات الزراعية وحتى في المدن، واستُغلت كمصدر لإنتاج الحليب في فترة ما يسمى التقشف الاقتصادي بعد إقامة الدولة العبرية. وبعد انتشار تربية العنزة البيضاء، أقيمت “رابطة عزيزة” التي جمعت نحو 12,000 عضو من مربّي الماعز البيضاء. وكان من القيّمين على الرابطة شموئيل شاينرمان، والد أريئيل شارون.45 وكان هدف الرابطة تشجيع اليهود الإسرائيليين على تربية العنزة البيضاء المدرّة للحليب، في بيوتهم لضمان غذاء أساسي ودخل إضافي. وقامت الرابطة بالدعوة إلى “تعميق محبة الماعز”، البيضاء طبعاً، والتي وُصفت بأن “تربيتها سهلة وغلتها كبيرة.” وقد بلغ عدد الماعز البيضاء في سنة 1960، نحو 4632,000 حظيت بالرعاية والدعاية الإيجابية من الدولة ومن الرأي العام.

وُصفت الماعز البيضاء الأوروبية الأصل بأنها مهذبة وجميلة ومدرّة للحليب الصحي وبأنها غير مؤذية، وبقي أن يقولوا إنها متحضرة مع أن الأوصاف التي نُعتت بها ليست بعيدة عن ذلك. وفي المقابل، جرى تصوير الماعز السوداء الفلسطينية بأنها شمطاء ومارقة وسيئة الخلق وغير منضبطة تأكل الأخضر واليابس، وبأنها عدوة الطبيعة ومضرة للبيئة، ورعيها رعي جائر ومنفلت، فهي تعرّي الأرض من كل ما عليها من زرع وشجر، وتترك خلفها الخراب وتحوّل الأراضي الخضراء إلى قفر من تراب وحجر ورمل.47

وعلى سبيل المثال، جاء في صحيفة “دافار” (4 / 6 / 1964) المرتبطة بحزب مباي، أن “الماعز البيضاء مدللة أكثر من الماعز السوداء التي عند العرب والبدو، وأن عنزة سانين هي حيوان بيت عادي وتقتات على الأعشاب في محاذاة البيوت، ورمزها هو الوتد والحبل المربوطة به، وهي مدرّة للحليب، وتصل غلّتها إلى أكثر من 1000 لتر سنوياً.” وجاء في تقرير الصحيفة أيضاً: “هذه العنزة تتجاوب مع الاهتمام بها وتدليلها، فهي تلحس صاحبها وتحتك به وتحملق إليه وتثغي بنعومة بصوتها.”48

صحيفة “معاريف”، من جهتها، نشرت في 30 / 8 / 1953، تقريراً بعنوان “عنزات إسرائيل تلتئم في الكلية”،49 وصفت فيه معرض الماعز الذي نظمته “رابطة عزيزة”، وشارك فيه كثيرون من كل صوب، وبرز فيه أن تربية الماعز البيضاء صارت حالة شعبية بين المستوطنين اليهود في فلسطين، إذ “تجد مدير فرع بريد وعنزتَيه.. والموسيقار من تل أبيب الذي وضع على أجراس عنزاته المدللة أجراساً موسيقية تدندن.. وعنزات شابة يمنية الأصل من حي الفقر.. وكانت ذروة المعرض فوز التيس ‘تيش’ ببطولة كمال الأجسام للماعز الأبيض.”

وكان للتضييق على الماعز السوداء من جهة، ودعم وحتى تمويل تربية الماعز البيضاء من جهة أُخرى، أهداف تتعلق بالمنافسة الاقتصادية، علاوة على الأهداف الأُخرى. فالسياسة الرسمية للدولة كانت تقوم على تقوية الزراعة اليهودية وتعزيز ارتباط المستوطنين بالأرض التي جرى الاستيلاء عليها، في مقابل نزع ارتباط الفلسطينيين بأرضهم، ودفعهم إلى سوق العمل المأجورة في الزراعة والصناعة والبناء لدعم الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما انسجم تماماً مع مصادرة الأرض والمواشي من الفلاحين والبدو. ومع ذلك تبقى “الأهداف التجارية ثانوية نسبة للهاجس الصهيوني الحقيقي: السيطرة الكاملة على الأرض عبر تقييد حركة الفلسطينيين فيها.”50

وفي مقابل الترويج للماعز البيضاء الأوروبية كانت التغطية الصحافية التي حظيت به الماعز السوداء الفلسطينية “سيئة للغاية”، إذ نشرت صحيفة “حيروت” في 31 / 3 / 1959، الناطقة بلسان حزب حيروت اليميني الذي انبثق منه حزب الليكود الحالي، مقالة بعنوان “الماعز والنار آباء الضرر بالغابة الإسرائيلية”.51 وجاء في المقالة أن “الكبار في السن يهوداً وعرباً، رجال المستعمرات الأولى والمسنّين في القدس والخليل وصفد يذكرون أنه قبل ثلاثة أجيال امتلأ البلد من الجليل حتى جنوبي الخليل بغابات كثيفة لأشجار السنديان والبطم القديمة. أين اختفت هذه الغابات؟” والجواب في المقالة: “العنزة الرشيقة والجميلة هي المسؤولة عن خراب وفناء مناطق واسعة كانت جنةَ عدن مزدهرةً على الأرض، وحولتها هذه العنزة إلى صحراء صخرية قاحلة.” وأضاف صاحب المقالة: “إلى جانب الشيطان الذي يمضغ ويُفني نبات بلدنا، زاد استعمال الشجر للفحم، وخصوصاً مع ارتفاع عدد السكان. وإذ يحاول ‘هكيرين هكييمت’ إعادة الخضار إلى سفوح جبالنا، فإن الأغراس الغضة لم تكن صالحة للفحم، إلّا إنها استهوت العنزة السوداء فاقتحمت السياج والتهمتها وقضت عليها.” وجاء في المقالة بعدها: “مع ذلك، وبعد التقلبات السياسية التاريخية واختفاء الماعز (1948)، أصبحت النار هي صاحبة الصدارة في التهام الغابات. الماعز اختفت من تلقاء ذاتها، فبعد أن ترك مئات الآلاف من العرب البلد، انخفضت إلى حد أدنى قطعان الماعز فيه، وعليه، خفّت كثيراً المخاطر على غاباتنا من تلك التي تدبّ على أربع. الماعز اختفت، لكن الحرائق ما زالت تندلع وتلتهم مئات آلاف الأشجار..”. ولم تحاول الصحيفة أن تربط بين اختفاء الماعز وزيادة الحرائق.

لم تكن صحيفة “دافار” التابعة لحزب مباي أقل حدة في موقفها من الماعز السوداء، فنشرت في 12 تموز / يوليو 1974، مقالة بعنون “الماعز السوداء تُفني ولا تَفنى”،52 جاء فيها أن “الماعز السوداء في الأعوام الأولى للدولة كانت تلتهم كل ورقة خضراء على الأشجار والشجيرات، بحيث إنها قضت على الغابة وقزّمتها.. ومع الوقت زادت الرقابة وأُغلقت الأراضي أمام العنزة المدمرة، وهكذا استعادت الغابة الطبيعية عافيتها وعادت وانتعشت.. لكن الدولاب انقلب بعد حرب الأيام الستة، إذ دخلت قطعان ماعز من الضفة الغربية وسيناء بعد أن استنفدت استغلال جميع المراعي خلف الخط الأخضر.. والضرر على المراعي في إسرائيل كبير جداً. وبما أن إسرائيل تقع على طرف الصحراء، فإن إلحاق الضرر بالنباتات يسرّع عملية التصحر. المزارعون اليهود يؤجرون المراعي للعرب، بما يتناقض وقوانين إدارة أراضي إسرائيل، وماعز العرب تلتهم الأعشاب.”

 جنرال يعلن الحرب

في منتصف سبعينيات القرن الماضي مرت فلسطين بحالة قحط وانحباس للأمطار، فتوجه أصحاب قطعان الماعز بمواشيهم نحو الشمال. وصادفت تلك الفترة يوم الأرض في سنة 1976، غير أن التحريض زاد في أن العرب في الجليل والمثلث والنقب يغزون ما يسمى أراضي الدولة،53 حتى إنهم يتلقون دعماً عربياً من دول الخليج ومن منظمة التحرير لشراء الأراضي والسيطرة عليها، كما أن الماعز “تعيث فساداً في الأرض” وتخرب الطبيعة والبيئة وتدمر الزراعة في المستعمرات الزراعية على طول البلد وعرضه.54

وفي ملحق يوم الجمعة، في 19 / 3 / 1976، نشرت صحيفة “دافار” تقريراً مطولاً بعنوان “الزحف البدوي نحو الشمال”،55 شرحت فيه أن الماعز هي السبب، وأضافت “عندنا كل شيء مسموح، ولا يوجد سلطة للقانون، فالبدو يحرقون ويقطعون ويبيدون.. ففي كل بيارة شرقي أسدود، تختفي خيام وبرّاكيات وأكواخ [….]، بما في ذلك، خزانات مياه شمسية، وفي أحد المواقع رأينا خياماً يرعى ساكنوها قطعانهم.” ودقت “دافار” ناقوس الخطر مستنجدة بما جاء في “سفر القضاة”، الإصحاح السادس، الآية 5: “كانوا يصعدون بمواشيهم وخيامهم ويجيئون كالجراد في الكثرة وليس لهم ولجِمالهم عدد، ودخلوا الأرض لكي يخربوها.” وأمام هذا “الخراب” كله اقترحت “دافار” حلاً: “لو طُبّق قانون العنزة السوداء مثلما يجب لاختلف الوضع كثيراً.”

في ظل الصرخات التي ازدادت في سنة 1976، بشأن الاستيلاء على أراضي الدولة، أقام وزير الزراعة الإسرائيلي أهارون أوزان لجنة مشتركة لوزارة الزراعة ودائرة أراضي إسرائيل وسلطة المحميات الطبيعية للبحث في السبل لحماية “الأراضي المفتوحة”.56 وترأس اللجنة الجنرال المتقاعد مئير زوريع، المدير العام لدائرة أراضي إسرائيل، وشارك فيها الجنرال أبراهام يافيه، رئيس سلطة حماية الطبيعة، وأنهت اللجنة أعمالها في تشرين الأول / أكتوبر 1976 بقرار إقامة وحدة خاصة اسمها “الدوريات الخضراء” لحماية “الأراضي المفتوحة” من الغزو والاستيلاء.

أخذت “الدوريات الخضراء” دفعة قوية مع تعيين أريئيل شارون وزيراً للزراعة في سنة 1977، وذلك بعد وصول الليكود إلى الحكم. وكانت “القيادة العليا” الفعلية للدوريات مكونة من أربعة أشخاص هم الجنرال المتقاعد أريئيل شارون، وزير الزراعة، والجنرال المتقاعد أبراهام يافيه، مدير سلطة المحميات الطبيعية التي أصبحت الدوريات خاضعة لها رسمياً، والضابط المتقاعد ألون غاليلي، قائد “الدوريات الخضراء”، وهليل أديري، مستشار وزير الزراعة للشؤون الخاصة.57

لم يكن اختيار ألون غاليلي لقيادة الدوريات مصادفة، وإنما جاء لأنه صاحب خبرة بتهجير البدو، وكان ذلك في الفترة التي تلت مقتل الضابط يائير بيليد، قائد سرية المظليين في المنطقة الجنوبية. فقد كان بيليد يسير وحيداً خلال مناورة صحراوية في سنة 1959، ووُجدت جثته فيما بعد في منطقة تُليلات العنب في وادي الحرائق جنوبي سبيطة، ووُجهت أصابع الاتهام إلى القبائل البدوية الموجودة في جبل النقب جنوبي بئر السبع.58 وفي تلك الفترة كان الجنرال يافيه قائداً للمنطقة الجنوبية، فعمل على استغلال الحادث للقيام بعملية تهجير على نطاق واسع أُطلق عليها اسم “عملية هاجر”، وأوكل إلى ألون غاليلي الذي كان ضابطاً في وحدة المظليين 890، مهمة تنفيذ تهجير عشيرة السراحين، وهي إحدى عشائر قبيلة العزازمة التي هي من أكبر قبائل النقب. وبعد قيام الجيش بإعدام شابين اتُّهما بضلوعهما في الحادث، قام غاليلي ووحدته العسكرية بالسيطرة على آبار المياه وتلويثها بالسولار،59 ومن هنا جاء اسم العملية لارتباطها بتراث أمنا هاجر التي كانت تبحث عن بئر ماء في الصحراء. وكانت نتيجة العملية تهجير الآلاف من الناس إلى سيناء والأردن، وقد فاخر غاليلي بدوره في العملية التي غيرت الحالة الديموغرافية في النقب، لكنه ادعى بأنهم لم يحرموا الأطفال والنساء من شرب الماء، وإنما حرموا “فقط” الرجال والماعز منه.60

ومع أن “الدوريات الخضراء” كانت تتبع رسمياً “سلطة حماية الطبيعة”، إلّا إنها وسعت صلاحياتها ومجالات عملها بسرعة وبشكل واسع، لتقدم خدماتها لعدد من الأجسام والأطراف التابعة للدولة وللأمة اليهودية، استناداً إلى مجموعة من القوانين والأنظمة والأوامر، وفي مقدمها أنظمة الطوارىء الانتدابية. وقدمت الدوريات خدماتها الخاصة إلى وزارات الزراعة والبيئة والأمن الداخلي والأمن والداخلية، وكذلك إلى منظمات مثل “هكيرين هكييمت” والوكالة اليهودية وسلطة حماية الطبيعة وغيرها، وخضعت مباشرة لسلطة المحميات الطبيعية ولرئيسها الجنرال أبراهام يافيه، ومن خلفه وزير الزراعة شارون. وعلى الرغم من كثرة المهمات من هدم البيوت وإبادة المحاصيل، فإن محور عملها كان ملاحقة الماعز السوداء والرعاة وأصحاب القطعان.

ففي أيلول / سبتمبر 1978، أعلن الجنرال يافيه الحرب على الماعز السوداء، وجاءت أقواله في صحيفة “هآرتس” واضحة: “سنمحو الماعز عن وجه الأرض، وفي مقدمها قطعان الماعز التابعة للبدو في الجنوب، والتي وصلت إلى أكثر من 100,000 رأس.” وأوضح أنه يريد “مساعدة” البدو في التخلص من الماعز، وأن الحكومة خلقت نقصاً في لحم الماعز من خلال منع الاستيراد، لتشجيع بيع القطعان للذبح.61

بدأت الدوريات الخضراء عملها في بداية سنة 1977، وتميز نشاطها الإرهابي بطرق “غير اعتيادية” في ثلاثة مجالات: الحيوان والبيت والنبات، إذ قامت بملاحقة الماشية العربية، وبهدم البيوت واقتلاع الخيم، وإبادة المحاصيل الزراعية عبر تجريف الأرض ورش مبيدات الزرع بالطائرات. والهدف هو طبعاً محاصرة الوجود العربي الفلسطيني وإجبار الناس على الرحيل من أرضهم وحشر أنفسهم في أصغر رقعة أرض ممكنة، وذلك وفقاً لمبدأ الصهيونية الاستراتيجي: “أرض أكثر وعرب أقل.” ولعل السبب الرئيسي في إقامة هذه الدوريات الخاصة هو الإسراع في عملية محاصرة الوجود والاستيلاء على الأراضي، فهي لا تكترث كثيراً بالالتزام بالقانون، وهي أكثر “نجاعة” من الشرطة لأنها تستقي صلاحياتها من مصادر وجهات كثيرة مجتمعة، الأمر الذي يزيد في “أسباب” ملاحقتها للناس ولمواشيهم، فمجالاتها أوسع ورقابتها غير قائمة عملياً.

شرعت الدوريات في تأدية المهمة، وطلبت من البدو في النقب تسجيل الغنم والماعز، ومنحتهم مهلة قصيرة سجلت خلالها نحو 65,000 رأس غنم، ونحو 23,000 من رؤوس الماعز. وفي لقاء مع الجنرال أبراهام يافيه، طالب أهل النقب بتمديد فترة التسجيل، فرفض الطلب قائلاً: “كان لديكم وقت كافٍ للتسجيل”، وهكذا أصبحت عشرات الآلاف من الماعز بحكم غير القانونية، بسبب وجودها وعدم تسجيلها.62

ارتكبت الدوريات الخضراء جرائم كثيرة في حملتها على الفلسطيني وبيته وماشيته. وقد كتب الصحافي مردخاي إرتسيالي، مراسل صحيفة “هآرتس” في النقب: “الدوريات الخضراء تتبع سياسة اليد الحديدية.. قطعان المواشي تصاد وتباع.. ويروي البدو قصص فظائع الدوريات التي حتى لو كان نصفها صحيحاً، فإن ذلك ممّا ترتعش له الأبدان.”63

كانت عمليات الدوريات الخضراء تبدأ بالانقضاض على الراعي وقطيعه، بتهمة الوجود غير القانوني، فتقوم بتحميلها على شاحنة، ويجري نقلها إلى كارنتينا بئر السبع حيث تتم عملية فصل “عنصري حيواني” بين الماعز والغنم، ثم تباع الماعز للذبح، ويحدَّد السعر في المزاد العلني أو بقرار من موظف وزارة الزراعة، وهو في جميع الأحوال يتراوح بين ربع وثلث السعر في السوق. ويُدفع المبلغ إلى صاحب الماعز، عادة بعد ثلاثة أشهر وبعد خصم تكلفة النقل إلى الكارنتينا والمكوث والطعام وعملية البيع، أمّا الأغنام فيحقّ لصاحب القطيع استلامها بعد أن يدفع تكاليف النقل والمكوث والطعام. والفرق هنا هو أن الخراف وُجدت في مكان ممنوع عليها دخوله، أمّا الماعز فمجرد وجودها في قيد الحياة ممنوع بتاتاً، والقانون يسمح بمصادرتها وبيعها من دون سؤال. وقد حملت الشاحنات في أحيان كثيرة أضعاف سعتها من رؤوس الماشية، فمات كثير منها بسبب الضغط والحر الشديد.64

ومن الأساليب التي اتّبعتها الدوريات الخضراء مطاردة ما سُمي الأغنام الضالة، ومن أجل جعل الأغنام “ضالة” كانت الدوريات تنقضّ على الرعاة وعلى القطيع، محدثة أكبر قدر من الضجيج، من خلال عربات الجيب والأسلحة، فتطلق النار في الهواء وتلقي قنابل الدخان والقنابل الصوتية لإفزاع الأغنام وتخويفها ودفعها إلى الفرار في جميع الاتجاهات، وكانت “الساعات التالية لهذه الهجمات تتحول إلى سباق مع الزمن من طرف الراعي وعائلته لجمع أكبر قدر من الأغنام ‘الضالة’ قبل أن تصل إليها الدوريات الخضراء.”65

أفراد من الدورية الخضراء الإسرائيلية يعتدون على محتجين في قرية الخان الأحمر في النقب في 17 / 10 / 2018.

في كتابه “بدو النقب: قرن من السياسة والمقاومة”، كتب ابن النقب الدكتور منصور نصاصرة عن الدوريات الخضراء: “أُقيمت هذه الدوريات من أجل حماية أراضي الدولة من البدو، وكانت النساء البدويات تسميها الدوريات السوداء. وفي العادة يأتي أفراد الدوريات لمحاربة ما يسمى تسلل البدو، ولتقليص عدد القطعان من أجل وقف الرعي الجائر. لقد صادرت الدوريات القطعان، وهدمت خيم البدو، وبررت ممارساتها ضدهم بالادعاء أنهم يخربون البيئة بماعزهم السوداء، كما قامت بتشديد الخناق على الأفراد والقبائل وهدم المنازل ورش الأراضي المفلوحة بمبيدات الزرع السامة وحرث الأراضي المزروعة بالمحاصيل.”66

ووصف المرحوم إميل توما، في كتابه “طريق الجماهير العربية الكفاحي في إسرائيل” الصادر في سنة 1982، الدوريات الخضراء بأنها “قوات صدامية لطرد العرب من بعض أراضيهم ومراعي مواشيهم، وبخاصة في النقب.. ومرة أُخرى كشف الصهيونيون حقيقة هذه القوة التي تهاجم العرب في النقب وفي غير النقب، فتصادر مواشيهم وتقتلع مساكنهم (في النقب) بذريعة حماية البيئة وتطبيق قوانين البلاد.” وأورد توما أيضاً: “من المفارقات الميلودرامية (الدرامية المضحكة) أن الراب الأشكنازي الأعلى شلومو غورين وجد من الضروري أن يُصدر فتوى يسوّغ نشاط هذه الدوريات من منطلقات دينية – هي صهيونية، وجاء في فتواه أن حماية المراعي هي أساس قيام الاستيطان في البلاد، وبقاء الاستيطان في البلاد منوط بالمراعي.” وأضاف: “وحشية هذه الدوريات أدت إلى مآسٍ إنسانية تجسدت في اقتلاع عائلات عربية من بيوتها وجذورها.. وفي سقوط ضحايا بسبب سلوك هذه الدوريات.”67

أمّا المحاضر التقدمي غادي الغازي فحلّل في مقالته “ملاحظات على الطبيعة الكولونيالية وحرّاسها”، الدوريات الخضراء ودورها، فكتب قائلاً: “الدوريات الخضراء هي تعبير واضح عن ‘الإيكولوجيا الكولونيالية’، أولاً: لأن عملها يختص بالطبيعة المصادرة والمؤممة، الأمر الذي مكّنها من توسيع صلاحياتها ومدّها، فهي تتعامل مع ‘الحراسة’ و’الطبيعة’ بالمفهوم الواسع بما يشمل السكان (بشراً وحيوانات)، وعليه لا يُعدّ المسّ بهؤلاء الأخيرين عملاً مشروطاً يندرج في إطار الاستعمال المشروع للعنف ضد المواطنين، وإنما خطوات لا بد منها لحماية ‘الطبيعة القومية’، من أجل الاستعمال المستقبلي. وثانياً: هي باسمها (الدوريات) وبأوصافها في الصحافة (شباب مثالي) وبطريقة عملها (مصادرة سريعة لقطعان الماشية ليس دائماً بشكل قانوني) تجسد فيض صلاحيات، وتخمة للقوة تتميز بها الممارسات السلطوية في مناطق التخوم الكولونيالي.. حيث يجري تعطيل الرقابة والأنظمة القائمة للحاجة الملحة إلى إجراءات حازمة وحاسمة (في مناطق التخوم).” وأضاف الغازي: “هذه دوريات للمحافظة على أراضي الأمة، والمقصود بمصطلح المناطق المفتوحة، ليس بمفهومه البيئي بل الكولونيالي، أنها ‘مناطق مفتوحة للاستيطان والتملك’.”68

وجدت ملاحقة الماعز السوداء من طرف الدوريات الخضراء أيضاً تعبيراً عنها في رواية “ماعز”، للكاتبة الإسرائيلية دانيئلا كارمي،69 والتي تحكي قصة ثلاثة إسرائيليين “عاديين” سكنوا في كوخ في النقب للعمل في القبض على قطعان الماعز السوداء ومصادرتها ونقلها في شاحنات، بعد أن أقنعوا أنفسهم بأن “كل شيء قانوني”، وبعد أن أقاموا جداراً بين إيقاع عالمهم النفسي والاجتماعي، وبين الجريمة التي يرتكبونها ولا يحسون بأنها جريمة.

غطت الصحافة الإسرائيلية جزءاً يسيراً من الحملة على الماعز السوداء، ونشرت صحيفة “معاريف” تقريراً بعنوان “الدوريات الخضراء ضد الماعز السوداء” (21 / 11 / 1978)، جاء فيه: “حملة واسعة لإبعاد ماعز البدو السوداء” شارك فيها أفراد من دائرة أراضي إسرائيل ومن الدوريات الخضراء ومتطوعون ومركبات كثيرة، واستمرت عدة أيام. ووصفت “معاريف” الحملة بأنها “من أوسع الحملات ضد غزو قطعان البدو لأراضي الدولة في الجنوب”، وبأنها استهدفت إبعاد قطعان ماعز دخلت من سيناء ومن الضفة الغربية، ومصادرة قطعان لبدو النقب.70

كان للدوريات الخضراء دور مدمر في منطقة النقب، إذ ساهمت في هدم آلاف المنازل وفي اقتلاع آلاف الخيام وترحيل آلاف العائلات ومصادرة عشرات الآلاف من رؤوس الماعز، وحرمان الآلاف من لقمة العيش وأسلوب الحياة. وبسبب هذه الدوريات كان الناس يأخذون في الحسبان أن هدم الدور آتٍ لا محالة، فيبنون مساكنهم بأقل استثمار ممكن عبر صف حجارة البلوك بلا أعمدة أسمنتية وبسقف من ألواح القصدير، ويبقون في الخيام. وكانت الفرحة لدى ميلاد “السخل” تمتزج بالقلق إزاء مصيره على يد الدوريات. ومثلما قال الشاعر: فللموت تغذو الوالداتُ سخالَها // كما لخراب الدور تُبنى المساكنُ”.71

 نقاش وشكوك

في حزيران / يونيو 1974، ظهرت على استحياء أول علامة استفهام عن دور الماعز السوداء، ففي إطار يوم جودة البيئة، عقد قسم علم النبات في الجامعة العبرية ندوة بعنون: “العنزة السوداء: خطر على الحرش الطبيعي؟” وذلك، مثلما قيل، بعد الزيادة الملحوظة التي طرأت على قطعان الماعز في الأعوام الأخيرة. ودعت الجامعة العبرية الجمهور إلى الاستماع إلى علماء القسم وإلى ممثلي سلطة المحميات الطبيعية وجمعية حماية الطبيعة ووزارة الزراعة (طبعاً لم يُدعَ أصحاب الشأن). وعلى الرغم من أن الأمر الجديد هو وجود علامة استفهام في الدعوة، فإنه ساد في الندوة التوجه المهيمن في المجتمع العلمي والسياسي بأن “العنزة السوداء هي أم الخطايا كلها في الأراضي المفتوحة، وخصوصاً في الأحراش وفي الحقول البرية.”72

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومع تواتر الأخبار عن الممارسات الوحشية للدوريات الخضراء، ارتفع هنا وهناك بعض الأصوات المدافعة عن العنزة السوداء. ففي سنة 1978 أرسل ثلاثة محاضرين رسالة إلى صحيفة “جيروزاليم بوست” جاء فيها: “يعتقد معظم علماء البيئة اليوم أن التّهم التي وُجهت إلى العنزة السوداء مبالغ فيها، فالعنزة التي تفرك الشجيرات لا تقتلها بل تقلمها وهذا أمر مفيد. كما أنها تمنع الشجيرات من السيطرة على رقعة الأرض على حساب النباتات العشبية، وتقوم بدور لا يقوم به أي حيوان، وهو المحافظة على التوازن البيئي. والعنزة السوداء أيضاً تعيش في البلد منذ آلاف الأعوام، وأصبحت جزءاً من التوازن البيئي، وتقليص عددها بشكل كبير أخطر كثيراً من زيادة عددها بكميات ضخمة. ومن المهم الانتباه إلى أن العنزة تأكل نباتات (أشواك ونبات شجري) لا يأكلها غيرها وليس لها أي استعمال اقتصادي، وهكذا فإن تكلفة لحمها وحليبها أقل من أي بديل آخر.”73

ربما من المهم هنا تأكيد أن الصهيونية كذبت الكذبة وصدقتها، فعداؤها للعنزة السوداء لم يكن بسبب الرعي الجائر في الغابات وفي الصحاري، وإنما أولاً وأخيراً، بسبب “دورها السياسي”، فالتسمية الإسرائيلية “العنزة المتنقلة”، لا مثيل لها في لغات العالم، وتكشف أن ما أزعج الحركة الصهيونية حقاً وهو أن العنزة الفلسطينية “لا تلزم البيت”، وتتنقل وصاحبها من مكان إلى آخر، الأمر الذي يعرقل عملية الاستيلاء على الأرض، وخصوصاً حين تكون الأراضي التي تتنقل فيها هي أراضي أصحابها المصادرة. غير أن “التنقل” ليس الأمر الوحيد الذي يزعج إسرائيل، بل إن أي “دور” للحيوان لا يروق لها يجعل هذا الحيوان عرضة للخطر.

ولعل الدليل على ذلك أن عداء إسرائيل لأي حيوان عند الفلسطينيين، له دور سياسي مثلما نرى في فيلم “المطلوبون الـ 18″،74 الذي أخرجه عامر الشوملي، والذي يحكي قصة حقيقية عن 18 بقرة اشتراها أهالي بيت ساحور بغرض توفير اكتفاء غذائي جماعي لتعزيز الصمود خلال الانتفاضة الأولى. ويسرد الفيلم المطاردة العسكرية الإسرائيلية المحمومة للبقرات الـ 18 التي شكلت خطراً على “أمن إسرائيل”.

ومع أن الماعز في غزة لم تهدد الغابات الصهيونية ولا ما يسمى “أراضي الدولة” [أراضي 48]، إلّا إنها تعرضت للقتل الجماعي خلال القصف الإسرائيلي، في حرب سنة 2009، على المناطق الحدودية في غزة حيث تنتشر مواقع تربية المواشي. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن عدد رؤوس الماشية التي نفقت في هذا القصف بلغ 35,000 رأس.75

 لهيب الحرائق وإلغاء قانون “أضرار الماعز”

في سنة 2010 نشب حريق هائل في غابات جبل الكرمل استمر أياماً طويلة وأودى بحياة 44 شخصاً والتهم مئات الآلاف من الأشجار. في أعقاب ذلك، وبعد توافد أبحاث وأخبار من الولايات المتحدة ومن البرتغال بشأن إمكان استغلال الماعز في منع الحرائق، بدأ يظهر تغيير في الموقف الإسرائيلي من الماعز السوداء.76

طائرة تعمل على إطفاء الحريق الذي اندلع في غابة جبل الكرمل في سنة 2010.

كان من الواضح أن أشجار الصنوبر الكثيفة تتلقف النيران من فوق، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار اللهب بسرعة مذهلة، ولا سيما أن الصنوبر شجر سريع الاشتعال. فضلاً عن أن الحملة ضد العنزة السوداء وإبعادها عن الغابات، أديا إلى كثافة غير مسبوقة في الأعشاب والشجيرات الصغيرة على الأرض بين الأشجار الكبيرة، وهو ما ساهم في انتشار النيران في جميع الاتجاهات وبسرعة في غياب مناطق عازلة. وتعالت أصوات كثيرة بالدعوة إلى إعادة الماعز السوداء إلى الغابات لمنع الحرائق. وكتب الصحافي البريطاني، “جوناثان كوك”، المقيم في الناصرة مقالة بعنوان: “في الفترة التي تحترق الغابات يكشف القانون الإسرائيلي ضد الماعز الفلسطينية كيف تجرح الصهيونية نفسها بنفسها”.77 وجاء في المقالة أن إسرائيل استهدفت من القانون ضرب الفلسطينيين فضربت نفسها، إذ أدت الحرائق التي اندلعت في الأعوام الأخيرة إلى خسارة فادحة، وإلى احتراق قرى بأكملها ومساحات شاسعة من الغابات.

وبدأت في أعقاب ذلك حملة معاكسة لتشجيع رعي الماعز في الغابات والمناطق الحرشية، فما تأكله الماعز لا يأكله غيرها، والفائدة من البقر والغنم محدودة لأنها تقضم الأعشاب وتُبقي الشجيرات والأشواك القابلة للاشتعال. غير أن عدد قطعان الماعز كان قد تقلص كثيراً في أعقاب الملاحقة، ومن الصعب إعادة هذا العدد إلى ما كان عليه من دون استثمار خاص، ولذا انقلبت الآية وصارت السلطات الإسرائيلية ترجو أصحاب قطعان الماعز أن يدخلوها إلى الغابات، لا بل صارت تقدم دعماً مالياً لمَن يفعل ذلك.

قام كاتب هذه السطور خلال عمله البرلماني كنائب في الكنيست، بسنّ قانون إلغاء “قانون العنزة السوداء”، ومرّ القانون وأُلغي قانون الماعز السوداء،78 إذ لا جدال اليوم في أن الماعز مفيدة للبيئة! وممّا قلته في تلك المناسبة أن الهدف من القانون الذي قدمته هو “رد الاعتبار إلى الماعز السوداء التي تعرضت على مر عقود طويلة إلى ملاحقة وتمييز وتشويه سمعة.”

وفي الحقيقة، شعرت بالأسى حين استطعت تمرير إلغاء قانون الماعز السوداء، فمع أنه قد يساعد بعض العائلات في تربية الماعز ورعيها في مراعي الغابات الوافرة، إلّا إنه لن يعيد ما كان، ولا ما كان من الممكن أن يكون لولا حملة الإيكولوجيا الاستعمارية على ماعزنا.

المصادر

  1. Brian Daniel Deyo, “Rewriting History/animality in M. Coetzee’s Dusklands and Richard Flanagan’s Wanting”, A Review of International English Literature/Ariel, vol. 44, no. 4 (October 2013), pp. 89-116, The John Hopkins University Press.
  2. ربيع إغبارية، “نضال من الزعتر حتى العكوب: نبات الطعام في المطبخ الفلسطيني وقوانين حماية النبات في إسرائيل“، في “خبز وقانون: أبحاث في الطعام والقانون”، تحرير يوفي تيروش وإيال جروس (تل أبيب: جامعة تل أبيب، كلية الحقوق، 2017)، (بالعبرية)،
  1. Billy-Ray Belcourt, “Animal Bodies, Colonial Subjects: (Re)Locating Animality in Decolonial Thought”, Societies, vol. 5 (2015), pp. 1-11,
  2. Fiona Bateman and Lionel Pilkington, eds., (New York: Palgrave Macmillan, 2011),
  3. Kelly Struthers Montford and Chloë Taylor, eds., Colonialism and Animality: Anti-Colonial Perspectives in Critical Animal Studies (London: Routledge, 2020).
  4. Kelsey Dayle John, “, edited by Derek R. Ford (Boston: Brill Sense, 1985), pp. 7-18,
  5. Mathilde Cohen, 2017, “Animal Colonialism: The Case of Milk”, Symposium on Global Animal Law (Part 1), 2017, pp. 267-271, Cambridge University Press,
  6. Virginia DeJohn Anderson, Creatures of Empire: How Domestic Animals Transformed Early America (Oxford: Oxford University Press), 2004,
  7. Jared Diamond, Guns, Germs, and Steel: The Fate of Human Societies (New York: W. W. Norton and Company, 1999).
  8. Edwin Kiester Jr., 2001, “Using Goats to Prevent Wildfires”, “Smithsonian Magazine”, October 2001, /
  9. Rocio Rosa Garcia, “Goat Grazing, its Interactions with Other Herbivores and Biodiversity Conservation Issues”, Small Ruminant Research, vol. 107, nos. 2-3 (October 2012), pp. 49-64,
  10. شكري عراف، “بدو مرج ابن عامر والجليلَين بين الماضي والحاضر” (معليا: مركز الدراسات القروية، 2001).
  11. حسام جلال التميمي، “تجليات جفرا في شعر عز الدين المناصرة”، “مجلة جامعة النجاح للأبحاث” (نابلس)، المجلد 15 (حزيران 2001)، ص 312 – 360.
  12. Ruth Kark and Noam Levin, 2012, “The Environment in Palestine in the Late Ottoman Period, 1798-1918”, in: Between Ruin and Restoration: An Environmental History of Israel, edited by Daniel E. Orenstein, Alon Tal, and Char Miller (Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, 2012), 1-28.
  13. Noam Seligman, “The Environmental Legacy of the Fallaheen and the Bedouin in Palestine”, in: Between Ruin and Restoration: An Environmental History of Israel, edited by Daniel E. Orenstein, Alon Tal, and Char Miller (Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, 2012), 29-52.
  14. Amos Nadan, The Palestinian Peasants Economy under the Mandate: A Story of Colonial Bungling (Cambridge, Massachusetts: Center for Middle Eastern Studies of Harvard University, 2006), p. 104.
  15. فيصل حوراني، “جذور الرفض الفلسطيني 1918-1948” (نيقوسيا: شرق برس، 1990)، ص 121.
  16. Roza I. M. El-Eini, Mandated Landscape: British Imperial Rule in Palestine, 1929-1948 (New York: Routledge, 2006), p. 227.
  17. , p. 226.
  18. H. Taylor, Save Our Soil: A Booklet Explaining the Dangers of Soil Erosion Which Threaten the Prosperity in Palestine and the Remedies Which Can Cure it (Jerusalem: Government of Palestine, Soil Conservation Board, 1940).
  19. R. Sawer, The Restoration of Palestine’s Hill Country: An Address to the Palestine Economic Society on 25th October, 1928 (Jerusalem: Government of Palestine, 1928).
  20. V. W. Shaw,(Palestine: Government Printer, 1946), vol. 1,
  21. Walter Clay Lowdermilk, Palestine: Land of Promise (New York: Harper and Brothers, 1944).
  22. Adolf Reifenberg and Cyril Leonard Whittles, The Soils of Palestine: Studies in Soil Formation and Land Utilisation in the Mediterranean (London: Thomas Murby & Co., 1938).
  23. Roza I. M. El-Eini, “British Forestry Policy in Mandate Palestine, 1929-48: Aims and Realities”, Middle Eastern Studies, vol. 35, no. 3 (July 1999), pp. 72-155.
  24. أبراهام كوهين، “اقتصاد الوسط العربي في أرض إسرائيل في فترة الانتداب”، في “المجتمع العربي في إسرائيل”، تحرير عزيز حيدر وهنري روزنفلد ورؤوفن كاهان (القدس: مركز التوثيق والأبحاث للمجتمع الإسرائيلي، 1983)، (بالعبرية).
  25. تمار نوفيك، محاضرة بعنوان: “لاحقها ماعزاً ماعزاً“، في مؤتمر “تأمين وأمن الغذاء: أبعاد فلسفية وتاريخية”، جامعة تل أبيب، 2016 (بالعبرية)،
  26. تمار نوفيك، “عن البقرة ستافيت: بيوغرافيا حيوانية”، مجلة “نظرية ونقد”، العدد 51 (2019)، إصدار معهد فان لير، القدس الغربية، ص 15 – 40 (بالعبرية)، في.
  27. لا تتوفر إحصائية معتمدة، وتتراوح التقديرات بين 70,000 إلى 150,000، وهذا تقدير مني يستند إلى عدة مصادر وإحصاءات للماعز في المناطق والبلدات الفلسطينية في الداخل في الفترة التي تلت النكبة بين سنتَي 1949 و1950.
  28. Alon Tal, “Combating Desertification: Evolving Perceptions and Strategies”, in: Between Ruin and Restoration: An Environmental History of Israel, edited by Daniel E. Orenstein, Alon Tal, and Char Miller (Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, 2012), pp. 106-128.
  29. “بروتوكول جلسة لجنة الاقتصاد في الكنيست”، 20 / 6 / 1950، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  30. انظر الهامش رقم 20.
  31. نص قانون “حماية النبات – أضرار الماعز، 1950” (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  32. “بروتوكول جلسة القراءة الأولى في الكنيست لقانون الماعز”، 1950 (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  33. الشرح المرفق بقانون الماعز، 1950 (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  34. “بروتوكول جلسة لجنة الاقتصاد بشأن قانون الماعز”، 20 / 6 / 1950، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  35. انظر الهامش رقم 34.
  36. انظر الهامش رقم 36.
  37. “بروتوكول جلسة القراءة الثانية والثالثة في الكنيست لقانون الماعز”، 1950 (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  38. Kelly Duquette, “Environmental Colonialism”, “Post-Colonial Studies @ Emory”, January 2020, /
  39. Penny Johnson,(London: Melville House, 2019), pp. 51-78,
  40. Adolf Reifenberg, Struggle between the Desert and the Sown: Rise and fall of Agriculture in the Levant (Jerusalem: Jewish Agency, 1955).
  41. انظر الهامش رقم 27.
  42. يادين رومان، “عودة العنزة السوداء”، “المجلة الجغرافية الإسرائيلية” (18 / 4 / 2017)، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  43. ش. أيزيكوفيتش (بالعبرية)، 2018، “لماذا شنّت عائلة شارون حرباً شعواء ضد العنزة السوداء؟”، موقع “أن تعرف” الحريدي، في.
  44. تمار أحيرون – فرومكين، “العنزة”، في موقع إنسيكلوبيديا “أبيب”، 2004، ص 179 (بالعبرية)، في.
  45. انظر الهامش رقم 44.
  46. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من “دافار” موجود في تلك المقالة.
  47. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من “معاريف” موجود في تلك المقالة.
  48. مجد كيّال، “أُكلنا يوم أُكل الماعز الأسود”، جريدة “السفير”، 16 / 4 / 2014، في.
  49. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من صحيفة “حيروت” موجود في تلك المقالة.
  1. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من “دافار” موجود في تلك المقالة.
  2. موقع حركة “ترابط” (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  3. انظر الهامش رقم 45
  4. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من “دافار” موجود في تلك المقالة.
  5. أرشيف أخبار عن “الدوريات الخضراء” في الرابط الإلكتروني.
  6. المصدر نفسه.
  7. إيلي ألون، “أتذكرون يئير بيليد؟ ستون عاماً على سقوطه”، موقع “أخبار 1″، 7 / 10 / 2019، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  8. خالد عوض الله، “تُليلات العنب”، 20 / 9 / 2018، موقع “باب الواد”، في الرابط الإلكتروني.
  9. عوفري شوفال، موقع “هآرتس”، 16 /9 / 2010، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  10. مردخاي إرتسيالي، “الجنرال (احتياط) يافيه: سنعمل بحزم للقضاء على الماعز في الدولة”، “هآرتس”، 21 / 2 / 1978، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  11. المصدر نفسه.
  12. مردخاي إرتسيالي، “يد حديدية ضد البدو”، “هآرتس”، 5 / 5 / 1978، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  13. مردخاي إرتسيالي، “الدوريات الخضراء وحدود القانون”، “هآرتس”، 14 / 9 / 1978، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  14. حازم جمجوم، “النقب: التهجير المستمر لبدو جنوب فلسطين”، جريدة “حق العودة”، العدد 36 (كانون الأول / ديسمبر 2009)، المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين / بديل، في الرابط الإلكتروني.
  15. Mansour Nasasra, The Naqab Bedouin: A Century of Politics and Resistance (New York: Columbia University Press, 2017).
  16. إميل توما، “طريق الجماهير العربية الكفاحي في إسرائيل” (عكا: منشورات دار أبو سلمى، 1982).
  17. غادي الغازي، “ملاحظات على الطبيعة الكولونيالية وحراسها”، مجلة “نظرية ونقد”، العدد 37 (خريف 2010)، إصدار معهد فان لير، القدس الغربية (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  18. Omri Herzog, “Claustrophobic Israeli Dynamic, in the Heart of the Open Desert”, Haaretz, 30/12/2012,
  19. انظر الهامش رقم 44 لأن الاقتباس من “معاريف” موجود في تلك المقالة.
  20. البيت للشاعر سباق البربري، واللام هي اللام العاقبة، فالبدو لا يبنون بيوتهم للخراب، لكن مآلها إلى ذلك.
  21. ندوة في سنة 1974، في قسم علم النبات في الجامعة العبرية بعنوان: “الماعز السوداء: خطر على الحرش الطبيعي؟”. وفي المقابل “احتفلت” الصحافة الإسرائيلية بمؤتمر عن “أخطار الماعز” عُقد في الجزائر في سنة 1976، وخرج بنتائج فحواها أن الماعز هي من أهم مسببات التصحّر، وتشكل خطراً على مستقبل البشر! وهذه النتائج هي تركة استعمارية، إذ من المعروف أن السلطات الفرنسية في الجزائر كان لها موقف معادٍ من الرعاة والماعز في الجزائر، أكثر من حكومة الانتداب في فلسطين، وقد أصدرت فرنسا قوانين وقامت بإجراءات قمعية لمنع الرعاة من الاقتراب من الغابات، الأمر الذي ينسجم مع فكرة أن الاستعمار ليس حدثاً وينتهي، وإنما بنية مستمرة يطول تفكيكها، وأحياناً يطول كثيراً. وهناك اليوم في الهند عدد كبير من القضايا لها علاقة بقوانين الغابات البريطانية التي لا زالت قائمة بمضمونها على الأقل وتسبب ضرراً متواصلاً لملايين الهنود الفقراء الذين يعيشون في الغابات أو قربها، ولديهم علاقة حياتية بها مثلما هي حال عدد كبير من الجزائريين.
  22. م. بن أريه، ع. نوي – ماير، ز. نافيه، “صحيفة جيروساليم بوست”، 15 / 6 / 1978، (بالعبرية)، في الرابط الإلكتروني.
  23. Rachel Clark, “Prevent or Reduce Fire with Goats, No Kidding!“, University of Nebraska, Us Joint Fire Program, JFSP Briefs, no. 147 (2009),
  24. حنين شبشول، “المطلوبون الـ 18: رواية مختلفة للواقع الفلسطيني”، موقع “المدن”، 17 / 5 / 2015، في الرابط الإلكتروني.
  25. Eva Bartlett, “Israel Wining its War On Goats”, “The Electronic Intifada”, 23/4/2010,
  26. Jonathan Cook, “In Age of Forest Fires, Israel’s Law against Palestinian Goats Proves Self-Infected Wound for Zionism”, Jonathan Cook’s Blog, 1/12/2017,
  27. بيان رسمي من الكنيست عن تمرير قانون للنائب جمال زحالقة ينص على إلغاء قانون “الحفاظ على النبات – أضرار الماعز”، في الرابط الإلكتروني.
عن مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 125

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *