الصدع الكبير…
كتابي: “الصدع الكبير…محنة السياسة والسلطة والايدلوجيا في اختبارات الربيع العربي”
إهداء الكتاب إلى الأعزاء: علي الشهابي، رزان زيتونة، ميشيل كيلو، سلامة كيلة…
مقدمة الكتاب:
منذ زمن كتب بو علي ياسين كتابه ذائع الصيت: “الثالوث المحرم: دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي” (دار الطليعة، بيروت، 1973)، الذي تحدث فيه عن المحرمات الثلاث تلك، التي تعيق تطور المجتمعات العربية. واللافت أن حزب البعث الذي يحكم سوريا، قبل عقد من صدور ذلك الكتاب، كان يرى المشكلة على نحو أخر، فطرح ثلاثيته الشهيرة: “وحدة حرية اشتراكية”، طبعا من دون أن يحقق شيئا منها، أو من دون أن يقصد حقا أي منها. بيد إنه في مطلع الألفية الجديدة ظهرت تقارير “التنمية الإنسانية العربية”، التي تحدثت عن ثلاث نواقص تعاني منها البلدان العربية، وهي نقص الحرية ونقص المعرفة ونقص تمكين المرأة (عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بات يصدر سنويا منذ العام 2002). وفي الغضون كان ثمة مفكرون نقديون من مثل الياس مرقص وياسين الحافظ وجورج طرابيشي وهاشم صالح وصادق جلال العظم وعزيز العظمة وحليم بركات ووضاح شرارة وحازم صاغية وفؤاد مرسي وعبد الله العروي ومحمد أركون وهشام شرابي ومصطفى حجازي، وغيرهم كثر، يرون المشكلة بشكل أكثر تعقيدا، أو أكثر تركيبا، فأعملوا نقدهم في أحوال السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة في البلدان العربية. المعنى من ذلك أن المشكلة في العالم العربي لا تتعلق بغياب المثقف النقدي، أو التنويري، أو المعارض، بقدر ما إنها تكمن في مجال أخر، ما يفسر استعصاء التغيير، أو استعصاء عمليات التطور السياسي والثقافي في البلدان العربية.
في كتابي هذا، أحاول تلمس أسباب استعصاء هذا التغيير، الذي أدى، أيضا، إلى إحباط “الربيع العربي”، وهي التجربة الشجاعة، التي حاولت المستحيل، لإدخال مواطني البلدان العربية في السياسة، وإظهار مجتمعاتهم على مسرح التاريخ، لأول مرة في التاريخ.
وربما يفيد التنويه هنا إلى أن هذا الكتاب ليس بحثا أكاديميا، وإنما هو محاولة في التفكير السياسي، في بحث أسباب ذلك الاستعصاء، بحكم دراستي ومتابعتي التطورات والحركات السياسية في العالم العربي، منذ 1970، أي منذ نصف قرن، وأيضا بحكم انشغالي منذ أكثر من عشرة أعوام بتطورات الربيع العربي، ولا سيما في الحالة السورية؛ وهو ما عبرت عنه، طوال العقد الماضي، في عديد من المقالات والدراسات.
يضم هذا الكتاب، بعد المقدمة، أربعة أقسام، الأول، في اختبارات الدولة والمواطنة والديمقراطية في العالم العربي. والثاني، مصادر الصراعات الطائفية وأبعادها ومصائرها. والثالث، إشكالية الديني والدنيوي في السياسة والدولة. والرابع، وقد خصصته لنقاش إشكاليات الحالة السورية.
هكذا، فإنني تحدثت عن ثلاثة إشكاليات، أيضا، الأولى، تتعلق بنقص الدولة والمواطنة في العالم العربي، والتي اعتبرها حجر الزاوية في كل ما يجري. والثانية، وتتعلق بمشكلات الانقسامات الطائفية والأثنية في البلدان العربية. والثالثة، تتعلق بذلك التوتر، أو الافتراق، أو التنازع بين الديني والدنيوي في السياسة والثقافة والدولة.
أهديت الكتاب إلى الأعزاء: علي الشهابي، الكاتب الفلسطيني (من مخيم اليرموك) المعتقل من قبل النظام السوري، منذ أواخر 2012، وهو الاعتقال الثالث له، ومازال مصيره، كغيره كثر، غير معروف. ورزان زيتونة، الحقوقية والناشطة السورية المعروفة، التي اختطفت في دوما، من قبل جماعة “جيش الإسلام” (أواخر 2013)، حيث كان يسيطر شرقي دمشق (مع زوجها وائل حمادة، ورفيقيها سميرة الخليل وناظم حمادي)، ولم يعرف مصيرها ورفاقها حتى الآن، ورغم انتهاء سيطرة جيش الإسلام واستعادة النظام لتلك المنطقة. وميشيل كيلو، الشخصية السياسية السورية، الأكثر شهرة، والكاتب السياسي والمترجم والمناضل، والذي تعرض لتجربة الاعتقال عدة مرات (توفي في 19/4/2021)، وكانت جمعتني وإياه صداقة طويلة، وتجربة مشتركة في نقد مسار المعارضة السورية. وسلامة كيلة، وهو كاتب وناشط فلسطيني، قومي ويساري، من بير زيت في الضفة الغربية، عاش ردحا من عمره في سوريا، وسجن عدة سنوات قبل اندلاع الثورة السورية، كما تعرض للاعتقال بعد اندلاعها، وتوفي في عمان أواخر 2018.
الإهداء، أيضا، إلى كل الذين حملوا لواء التغيير السياسي، لواء الحرية والكرامة والمساوة، في كل البلدان العربية…مع تأكيد أن هذا الحلم لن يتبدد، وإن هذا الأمل، لا بد أن يتحقق، بطريقة أو بأخرى.