
خاص ملتقى فلسطين
يحتدم النقاش في هذه الأيام حول السلطة الوطنية الفلسطينية، ومرد ذلك ثلاث اسباب : أولها تهديد واضح وصريح من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بان ” على اسرائيل ان تتحمل مسئوليتها كقوة احتلال وفق البند الرابع من اتفاقية جنيف حال اقدمت على ضم اي جزء من ارض الدولة الفلسطينية ” وهذا الكلام إعادة بشكل او بآخر كل من صائب عريقات وحسين الشيخ والذي يعني حسب التهديد والايضاحات حل السلطة الفلسطينية. السبب الثاني لهذا السجال هو وصول حل الدولتين الى الحائط، بمعنى فشل هذا الحل والذي كان مأمولا منه – من النخبة السياسية التي كانت تدعم اتفاقية اوسلو – ان ينقل السلطة الى دولة ذات سيادة، فشل هذا الحل جعل من سلطة الحكم الإداري الذاتي حالة دائمة وغير مرشحة للانتقال الى دولة. أما ثالث هذه الأسباب فهو السبب المسكوت عنه وهو الاستخلاصات التي يفترض ان تنتج عن انتهاء السلطة، استخلاصات حتما ستمس البرامج والادوات والنخب والبنى السياسية، وهناك من يرى ذاته مرتبط بدوره او حتى بوجوده بعدم الوصول الى تلك الاستخلاصات.
وفي معظم تلك السجالات وبعد مقدمات طويلة تحمل الكثير من ” الإنشاء السياسي” تصل الى استنتاج ان السلطة الوطنية مكسب وطني يجب الحفاظ عليه، ويذهب البعض أبعد من ذلك ليقفز الى مقولة يجب ” تطوير هذا الانجاز وتحويل السلطة إلى دولة أو تغيير وظائف السلطة “.
يستحق هذا القول التوقف أمامه ونقاشه بمسئولية. صحيح ان فلسطين دولة مراقب في الامم المتحدة، وصحيح ان اغلب دول العالم سمحت لفلسطين بفتح سفارات لها في عواصمها، وهذا انجاز يستحق الاشارة له، لكن تحويل السلطة على الارض الى دولة يحتاج الى مجموعة شروط غير الاعتراف الدولي، مثلا السيطرة على الارض والحدود لتحقيق السيادة، هل يتخيل أحد ان اسرائيل ستسمح بذلك ؟؟؟ وإذا لم تسمح-وهذا مؤكد -هل تمتلك السلطة مقومات فرض سيادتها بالقوة ؟؟؟ والتحول الى دولة يحتاج بنية تحتية من مياه وكهرباء ومواصلات واتصالات وكل تلك المقومات يمتلك اسرائيل مفتاحها بالكامل، فكيف لدولة لا تمتلك مقومات التنقل داخل حدودها، ولا الكهرباء او المياه ؟؟!!!!! وكيف لدولة لا تستطيع جمع ضرائبها حيث المعابر بيد الاسرائيلي وهو من يحبي الضريبة !!!! وأكثر من هذا كذا بشأن الستون بالمائة من اراضي الدولة الفلسطينية وهي مناطق مصنفة ج وتعني سيطرة امنية ومدنية اسرائيلية، هل نستطيع ادخال شرطي واحد اليها بدون التنسيق مع اسرائيل ؟!!!!
تلك كلها تفاصيل صغيرة ولكن بمجموعها هي جوهر الدولة، ولن يكون بمقدور السلطة تغييرها او القفز عنها ليس بقرار التحول الى دولة بل حتى البقاء كسلطة إذا لن يخدم الجانب الاسرائيلي فان يستمر.
ننتقل الى تغيير وظائف السلطة، ماذا سنغير ؟؟؟ ليقل لنا اصحاب هذه النظرية كيف سنغير الوظائف ؟؟ مثلا لو قلنا حماية الشعب الفلسطيني، هل تستطيع السلطة ذلك، هل هي قادرة على منع اقتحام مناطق مصنفه أ وهي تحت سيطرة امنية ومدنية فلسطينية ؟؟؟ سيقفز القول اننا سنوقف التنسيق، ها نحن اوقفناه كما أعلن، وها نحن لا نستطيع اخذ ضرائبنا مثلا !!!! وطبعا كون بقاء السلطة حتى الآن مصلحة إسرائيلية فلم يستخدم الاسرائيليين الحد الادنى من امكانياتهم لثنينا عن قرارنا، لم يستخدم الاسرائيليين قطع المواصلات مثلا، ولم يستخدموا اغلاق كامل للمعابر الخارجية، وهناك ألف اجراء ….
كيف سنغير وظيفة السلطة ؟؟؟؟ ليقل لنا اصحاب هذا الرأي كلاما ملموسا واضحا، دعنا من الشعارات، نستطيع القول كما نشاء كما قلنا مسبقا اننا لن نعترف بتقسيمات ألف وجيم، والنتيجة بقيت الامور كما كانت قبل سحب اعترافنا بل سارت للأسوأ. هل استطاعت السلطة مثلا بعد سحب الاعتراف وقف هدم البيوت التي تبنى في مناطق جيم مثلا ؟!!!!!
تغيير وظائف السلطة فقط يصبح ممكنا إذا امتلكنا سيادة وقوة تحمي السيادة، بدون ذلك لا يعدوا هذا الكلام اكثر من بيع اوهام.
امام هذا الواقع لماذا يصر البعض على طرح هذه الافكار ؟؟؟
بالتأكيد ليس سذاجة منهم، ولا هو مجرد لغو، هو طرح له مبرراته
عندما سقطت اوهام الانتقال بالسلطة الى دولة عبر المفاوضات واصبحت الحقائق عارية يبحث أنصار هذه التجربة الفاشلة عن وهم جديدة لبيعه للجمهور، لإطالة امد المرحلة، وحتى لا يعترفوا بالفشل بما يحمل هذا الاعتراف من استحقاقات، الوهم الجديد التحول الى دولة او تغيير وظائف السلطة، وهم يستمر لعشرات السنوات التي تضاف الى ربع قرن من الوهم السابق، هو شراء للوقت لا أكثر، هو عودة لذات المتاهة لا أكثر، هو اعادة انتاج الفشل لا أكثر، هو استخفاف بعقول شعبنا لا أكثر. شعبنا امام طريق واحد لا بديل عنه، مرحلة فشلت بأدواتها بمصطلحاتها، بنخبها، ببناها السياسية، ببرامجها واستراتيجياتها، مرحلة استهلكت من شعبنا ما يزيد عن ربع قرن بما في هذا الوقت من جهد وتضحيات، مرحلة وصلت الى لحظة الحقيقة. هذه الحقيقة القائلة اننا ملزمون بالتفكير باستراتيجيات جديدة ببنى سياسية ونخب وادوات مختلفة نوعيا.
من يعتقد ان تغيير وظائف السلطة امرا ممكنا يجانب الحقيقة في ادراك ان هذه السلطة جاءت ايضا عبر اتفاقية اوسلو وجاءت مرتبطة بالوظيفة التي حدد لها وتغيير الوظيفة يعني تغيير الاساس التي جاءت عليه، ومن يمتلك مفتاح تغيير الاتفاقيات وتجيرها لصالحة هو الطرف المتحكم بالوضع والذي هو بالتأكيد ليس الفلسطينيين، وحتى لو افترضنا اننا نستطيع ان نغير فماذا سنغير ؟!!! في العلاقة التجارية فالحدود والعابر بيد اسرائيل، في السيطرة على الارض القوة بيد اسرائيل، في البنية التحتية جميعها بيد اسرائيل، اذن التغيير سيكون فقط بالمهمات الادارية التي لها علاقة بإدارة شئون المواطنين، وهذا بالضبط ما ترغبه اسرائيل، حكم اداري ذاتي للسكان، وهذا هو مفهوم ” الدولة ” الاسرائيلي، وحينها لتسميها امبراطورية فهذا لا يزعج اسرائيل، وان كان يرضي غرور من يعشق المسميات.
نصل الى استنتاج واضح ان التحول الى دولة او تغيير وظائف السلطة أمران لا امكانية لهما ، وعندما تصل السلطة الى وضع غير قادرة الى التحول لدولة سواء عبر المفاوضات او عبر فرض الامر الواقع فإنها تصبح عبء سياسي ونضالي على شعبنا، ولوعدنا للبدايات فقد سوقت السلطة لشعبنا على انها مرحلة انتقالية على طريق الوصول لدولة، هكذا قيل وهكذا تأمل شعبنا، مضت سنوات طويلة لنكتشف ان السلطة تتقلص مهماتها وتنعدم امكانية تحولها لدولة، بمعنى تأبيد الحكم الاداري الذاتي، وهنا يصبح الاستمرار في هذا الوضع ليس عقبة ولا تضييع للوقت فحسب وانما تكريس لواقع ” سلطة تحت الاحتلال ” كما ذكر الرئيس محمود عباس. هذا الوضع معروف للجميع، وحتى اصحاب نظريات تغيير مهمتك السلطة والتحول الى دولة يعرفون ذلك، ولكن هناك فرق بين من يرى الامور بعين الوطني ومن يرها بعين صاحب المصلحة الذاتية، فالمصالح الأنانية الذاتية تعمي البصر والبصيرة ايضا.
اننا وصلنا الى مرحلة ان استمرار وجود السلطة يعرقل مهمات شعبنا الوطنية، وبما كنا قد وصلنا لذلك منذ سنوات عديدة ولكن الان انكشف هذا الوضع بطريقة لا يمكن اخفاءها، وعلى النخب الثقافية لشعبنا ان تستخلص العبر من ذلك وتقطع الطريق على من يحاول ان بيع شعبنا الوهم من جديد تحت عنوان ” تغيير وظائف السلطة، وبالمناسبة هذا الحديث لا ينطبق على وضع السلطة في رام الله فقط ولكن في غزة ايضا. فكلا السلطتين اصغر من دولة واقل من تحرر.