السلطة الفلسطينية ليست جارة متعاطفة، لكن حكمها هو الحل المعقول الوحيد

مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة الذي انعقد هذا الشهر في القاهرة لم يكن الأول من نوعه. فقبل ما يزيد عن عقد من الزمن، في نهاية عام 2014، بعد نصف عام من عملية الجرف الصامد ، تم عقد مؤتمر متعدد الأطراف في القاهرة تحت عنوان مماثل: المساعدات لإعادة إعمار قطاع غزة. وكانت أبعاد الدمار في قطاع غزة أصغر بكثير مقارنة بحرب السيوف الحديدية: وقد قدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار وإعادة البناء حينها بنحو خمسة مليارات دولار، مقارنة مع حوالي 53 مليار دولار من التكلفة الإجمالية الحالية لإعادة الإعمار، كما قدرها – مرة أخرى -البنك الدولي ، وتعهدت الدول التي شاركت في مؤتمر القاهرة الأول، الأوروبية والعربية، بالمساهمة بأكثر من أربعة مليارات دولار من تكاليف إعادة إعمار غزة. وتقرر في القاهرة أيضًا تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية، التي تم الاعتراف بها باعتبارها صاحبة السيادة الوحيدة في القطاع. وفي عامي 2015 و2016، تم بالفعل التبرع بمليار دولار في كل سنة لإعادة إعمار غزة . لكن في عام 2017، تم إيقاف التبرعات تماما عندما أصبح من الواضح أن حماس تستغل غياب الشفافية وتوجه ما لا يقل عن نصف المساعدات لاحتياجاتها الإرهابية.
يضاف إلى ذلك سياسة التقشف التي انتهجتها السلطة الفلسطينية، والتي خفضت بشكل كبير من الرواتب التي تدفعها لعشرات الالاف من الموظفين العموميين في قطاع غزة – على الرغم من سيطرة حماس عليه في انقلاب عنيف عام 2007 – وأقالت حوالي نصفهم. وكانت النتيجة صعبة: أزمة وبطالة وانتشار الفقر. ولاحقا، حل محل المانحين والرواتب مئات الملايين من الدولارات التي حولتها قطر لسكان غزة نقدا (في حقائب)، متجاوزة آليات الرقابة المتبعة بمباركة ودعم من الحكومات الإسرائيلية. جزء كبير من أموال الحقائب وصل في نهاية السلسلة إلى خزائن حماس. وجاء في وثيقة خاصة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تلخص صورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور في غزة: ” إدارة ناجعة بقيادة السلطة الفلسطينية هي شرط ضروري لانتعاش اقتصادي حقيقي في قطاع غزة ” .
هذا الشرط لا يزال صحيحا اليوم أيضا ، فإسرائيل – إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومصر – اعترفوا بالسلطة الفلسطينية باعتبارها السلطة الوحيدة ذات السيادة في قطاع غزة في إطار الاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية الانتقالية خلال السنوات 1993/1994. وسيطرة حماس العسكرية والعنيفة على القطاع في عام 2007 لم يغير من وضع القطاع الرسمي، وظل جزءًا لا يتجزأ من السلطة الفلسطينية – إلا في نظر الحكومة الإسرائيلية، التي بدأت تتعامل مع قطاع غزة كدولة “دولة حماس” تحت سيادة حماس .وهكذا ولد في إسرائيل المفهوم الكارثي الذي بموجبه وضعت حماس رفاهية سكان قطاع غزة على رأس سلم اولوياتها ، وبالتالي لم تعد تشكل خطراً أمنياً على إسرائيل . وحسب هذا المفهوم فإن حماس ليست فقط “مردوعة” عن محاربة إسرائيل، بل إنها “لا تريد” محاربة إسرائيل ، حيث توجد لها اهتمامات أخرى . ولكن لم يكن لها ولن يكون
لها . وقد كتبت في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” نهاية مارس/آذار 2019 : “لايوجد أي أمل حقيقي في أن تضع حماس التنمية الاقتصادية على رأس جدول أعمالها. بل على العكس: ستعرقل التطوير وإعادة الإعمار الأساسي لقطاع غزة… الفقر لا يعيق حماس، فهو أداتها للسيطرة على مليوني فلسطيني” .
كما قلنا تبنى مؤتمر القمة الأخير في القاهرة، مشروع القانون العاجل للبنك الدولي الذي يقدر الاستثمارات المطلوبة لإعادة إعمار وبناء غزة بـ 53 مليار دولار على مدى عقد من الزمن؛ ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية والمباني المدمرة والمتضررة حوالي 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى. كما تبنى المؤتمر الخطة المصرية لـ “اليوم التالي” والتي جوهرها تسليم إدارة القطاع إلى لجنة تتم تسميتها وتضم رجالات اختصاص خارجيين – تكنوقراط – وممثلين عن السلطة الفلسطينية . ومن المقرر أن يتولى الحفاظ على القانون والنظام قوة شرطة دولية. ورغم أن مؤتمر القاهرة تجنب اتخاذ قرار صريح بإبعاد حماس عن السلطة في غزة، إلا أن الخطة التي وافق عليها المؤتمر تعيد فعلياً السيادة إلى السلطة الفلسطينية ” المعدلة ” ، أي المطهرة من الفساد المزمن .
صحيح أن السلطة الفلسطينية ليست جارة متعاطفة، على أقل تقدير، لكنها ملتزمة بكل الاتفاقيات التي وقعتها والتي تعترف بإسرائيل وحقها في الأمن والسلام. وبالتالي فإن حكمها في قطاع غزة هو الحل المعقول الوحيد للقطاع وبدونها لن يتم إعادة إعمار غزة ولن تصل المليارات ، ولن تطأ قدم جندي/شرطي أجنبي أرضها المحروقة . لقد كتبت في مقالتي المقتبسة عام 2019: «كفى أوهامًا، فمن دون الإطاحة بحكم حماس في قطاع غزة ونقله إلى السلطة الفلسطينية، فإن فترات الهدوء في الجنوب لن تكون سوى فترات راحة مؤقتة في لعبة الحرب». كما حدث بالفعل .
المصدر: يديعوت أحرونوت