السقطة الأخلاقية المدوية

رضخت الأمم المتحدة لابتزاز إسرائيلي فاضح امتد لأكثر من ثمانية آشهر. وبعد تحقيقات متواصلة أشرف عليها مكتب الرقابة الداخلى (مكتب التحقيقات) التابع لها قررت المنظمة طرد تسعة موظفين فلسطينيين يعملون لدى الأونروا في غزة ألصقت بهم إتهامات وادعاءات باطلة بأنهم شاركوا بهجمات السابع من أكتوبر من العام الماضي. سقطة أخلاقية وفضيحة تعكس ضعف وهزال وارتهان المنظمة العالمية، ورضوخها لابتزازات وضغوط مالية وسياسية. وهي ذات المنظمة الأممية التي جلست على السياج قرابة أشهر عشرة تراقب مقتل أكثر من ٢٠٠ موظف فلسطيني يعمل لدى الأونروا وعائلاتهم، وجالسة على السياج تراقب قصّف مئات من منشآتها ومراكزها ومدارسها وعيادتها والتي أدت لاستشهاد مئات مممن نزحوا اليها طالبين الأمان. مقرات رفرفت عليها أعلام زرقاء باهتة داستها آلة حرب ابادية وحشية. منظمة لم تتقن إلا فن التعبير عن “قلقها ” و “حزنها” و “ادانتها” لحرب إبادة لم تبقي ولم تذر.
خذوا حزنكم وقلقكم “وبلوه واشربوا ميته”. ويكفينا ثغاءكم كغثاء الأغنام!
تسعة عشر موظفا يعملون لدى الوكالة تم تلفيق اتهامات كيدية بحقهم وادعاءات من دولة الكيان بحقهم بدون دلائل. اتهامات قالت عنها وزيرة خارجية فرنسا السابقة، والتي ترأست لجنة تحقيق مستقلة قبل أشهر، بأنها اتهامات باطلة وافتقرت لأدلة دامغة. استنتاجها المهم هذا كان دافعا مباشرا للعديد من الدول التي حجبت تبرعاتها عن الاونروا بسبب هذه التلفيقات الرجوع عن قرارتها وإعادة الدعم المالي للوكالة.
الجنون. الجنون هنا انه، وبالرغم من هذا الاستنتاج، وبالرغم من احجام الكيان عن تقديم اية إثباتات حقيقية تدعم اتهاماته إلا ان مكتب تحقيقات الأمم المتحدة أخذته العزة بالإثم وعلى مدى أشهر طوال سقط خلالها عشرات الآلاف من الغزيين بين شهيد وجريح ومبتور ومدفون تحت الأنقاض إلا انه استمر في تحقيقاته العبثية هذه وكان الأولى به، وبسكريتر ألأمم المتحدة ، فتح مليون تحقيقاً في الخروقات الجسيمة واللانسانية ضد الفلسطينيين وضد المنظمة ذاتها.
والطامة الكبرى والمهزلة الأكبر جاءت على لسان الناطق الرسمي للأمم المتحدة والذي صرح بانه يوجد “معلومات كافية لاتخاذ القرار بفصل الأشخاص التسعة ” مضيفا بدون ان يرمش له جفن بان التسعة (من أصل تسعة عشر موظفا تم التحقيق معهم) “ربما شاركوا او كان لهم ضلع بهجمات السابع من أكتوبر”. ربما؟ ربما! “ربما شاركوا” وبالرغم من ان الكيان، يقول الناطق الرسمي، رفض توفير ادلة واضحة لمكتب تحقيقات الأمم المتحدة، وبالرغم من كل ذلك “سنطردهم من الوكالة”. ما هذا الهراء؟ ما هذا الانبطاح؟ كيف يتم التضحية بموظفين اممين نذروا حيواتهم لخدمة أبناء شعبهم؟ ما هذه الازدواجية في المعايير؟ اما ادعاء الأونروا والمنظمة الام بان هذا القرار هو لمصلحة استمرارية الاونروا فان اقل ما يقال بهذه الحجة انها مهينة بحقهم.
ورشا للملح على الجرح افاد الناطق الرسمي انه وبخصوص الموظفين العشرة الآخرين فان مكتب التحقيقات لم يحصل (من طرف الكيان) على أدلة لتورطهم، ولكن المنظمة الأممية والوكالة نفسها، وإمعانا في الظلم ورضوخا أعمق للابتزاز ستدرس “اتخاذ تدابير مناسبة ” بحقهم. والمقصود هنا إنزال عقوبات داخلية بحقهم! ما شاء الله! لقد طالبنهم مرارا بلجنة تحقيق بمقتل عشرات من موظفي الأونروا وتجاهلوا الطلب لأشهر طوال. طالبناهم بلجان تحقيق في مقتل المئات من النازحين في منشآت الأونروا وهدم العشرات منها وقوبلنا بصمت القبور. وطالبنا كل الجهات الفلسطينية ذات العلاقة بالتحرك على ذات المطالب والتحقيقات ولم يفض كل ذلك لأي حراك عملي على ارض الواقع.
والان جمعنا الفلسطيني يجلس على السياج بانتظار إعلان الأونروا من قبل برلمان االكيان منظمة إرهابية، ونجلس مراقبين متى وكيف سيتم طردها من القدس وانهاء وجودها في غزة والضفة.
لغزة … لك الله . ولموظفي الأونروا في غزة والباقين على قيد الحياة .. العرض بسلامتكم.
انتم، كم الأهل في غزة، لوحدكم.
لا تتوقعوا أي حراك لاتحادات العاملين في الأونروا، وأنتم من أعضائه، لنصرتكم ابعد من بيانات تنديد فجة وفارغة “وبلا طعم”.
ولا تتوقعوا من أحد آخر .. لا مؤسسات ولا هيئات ولا نقابات ولا غيرها ان تتقدم الصفوف دفاعا عنكم وحماية لكم.