الساحة الدولية كجبهة أخرى: إخفاقات سياسة نتنياهو
شكلت حرب “السيوف الحديدية” سلسلة طويلة من السوابق، ليست إيجابية بالضرورة ، فاستمرارها لأكثر من عشرة أشهر دون هدف محدد وقابل للتحقيق، وتوسعها إلى ساحات أخرى خارج قطاع غزة، والضرر الهائل الذي لحق بمكانة إسرائيل وصورتها في الساحة الدولية، كل هذه ليست سوى بعض هذه الخصائص . وبالإضافة إلى ذلك، برز مقابل حاد للدعم الواسع لإسرائيل في أعقاب هجوم حماس، تمثل بالانتقادات اللاذعة، بما في ذلك الجلوس في قفص الاتهام أمام مؤسسات العدالة الدولية وحتى التهديد بإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع.
وفي موازاة أصبع الاتهام الموجهة إلى الهيئة الأمنية والساحة السياسية، تتجه الأنظار بسرعة نحو وزارة الخارجية المسؤولة عن الساحة السياسية الدولية. ولذلك يمكن القول بأن النظرة غير موجهة في الاتجاه الصحيح. لقد تم إضعاف وزارة الخارجية إلى حد كبير وتم تجريدها عمليا من معظم صلاحياتها على مدى السنوات التي شغلها نتنياهو كرئيس للحكومة . وهذا يتعلق بما يمكن تسميته ” العقيدة الأيديولوجية ” لنتنياهو. النتائج ستكون وفقا لذلك. لذلك ينبغي أن تتجه الأنظار نحو مكتب رئيس الحكومة باعتباره المسؤول الرئيسي عن الحفرة العميقة التي تجد إسرائيل نفسها فيها.
قد تكون الأشهر القليلة الماضية على الساحة السياسية مضللة. ظاهريا على ما يبدو، ومقارنة مع حروب الأيام الستة ويوم الغفران، فإن الضرر الذي لحق بإسرائيل ليس بهذه الخطورة . تضررت العلاقات مع عدد من الدول (تركيا وكولومبيا وبوليفيا على سبيل المثال لا الحصر) وتعرضت اسرائيل لانتقادات شديدة من جميع أنحاء العالم تقريبًا. لا يمكن الاستخفاف بهذا الامر ، ولكن بالنظر إلى عمق الأزمة التي نعيشها، كان من الممكن أن نتوقع ردود فعل أكثر جدية. لكن الضرر الرئيسي يكون على المدى الطويل، وهنا تكمن خطورته وشدته. علاوة على ذلك، يخيل بأن الحكومة اختارت تجاهل هذا الاتجاه الخطير تمامًا و”تبذل قصارى جهدها” لتفاقمه بشكل أكبر.
ومن أجل توضيح الطريقة الضارة التي تعمل بها الحكومة في ما يتعلق بعلاقة إسرائيل بالعالم الواسع ، من الضروري متابعة نشاطات وزير الخارجية يسرائيل كاتس. ويتوقع أن وزير الخارجية المكلف بالحفاظ على العلاقات مع المجتمع الدولي وتعزيزها سيبذل قصارى جهده للحد من هذا التوجه السلبي، خاصة عندما يتعلق الأمر بوزير ذي خبرة ويشغل منصباً رفيعاً في الحزب الحاكم. ولكن على أرض الواقع يحدث العكس.
منذ دخوله إلى وزارة الخارجية، يتخذ كاتس خطوات تثير الدهشة والحيرة بسبب الضرر الكامن فيها. وعلى مايبدو فإنه يستمتع بالاشتباك مع الرئيس التركي بلغة الشارع على وسائل التواصل الاجتماعي (صحيح أن أردوغان “بدأ” ويستخدم خطابا شديد القسوة، لكن ليس هناك ضرورة لتقليد أسلوبه)، فقد أعاد إلى إسرائيل السفراء الموجودين في الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ولم يتضح بعد ما الذي ينوي فعله بهم ، ويتفاخر بدبلوماسية “الواتس اب ” مع عدد من نظرائه وينشر إجاباتهم عليه، ويعلن إلغاء اتفاق الدبلوماسيين النرويجيين مع السلطةالفلسطينية بطريقة قد تضر فعلا بالمصالح الإسرائيلية، ويده مازالت سخية .
وكما ذكرنا فإن المسؤول الحقيقي عن خطورة الوضع السياسي في إسرائيل هو رئيس الحكومة . لا اعتراض على أن اسرائيل تعرضت لهجوم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بطريقة غير مسبوقة، ولكن ربما يتطلب الأمر موهبة خاصة للتدهور إلى الوضع الحالي في ظل هذه الظروف تحديداً. إن الاستخفاف التام بالقيم التي اتبعتها إسرائيل منذ تأسيسها، وعدم وجود أهداف واضحة وواقعية للحرب، والموقف الضار حيال المخطوفين ومعاناتهم، والتصرفات “الطفولية” وغير الضرورية، كل ذلك أدى إلى الحفرة العميقة التي نجد أنفسنا فيها اليوم أمام العالم الواسع .
عن موقع معاريف