سررت اليوم السبت بلقاء ناشطات وناشطي جمعية تشرين في “حيّزهم البديل” في الطيبة. مجموعة من الفاعلين الذين رأوا أن ينتظموا كي يُحدثوا التغيير من موقع المسؤولية الاجتماعيّة الطوعية. اليوم رأيت الربيع المجتمعي في تشرين!

سرّني أن أقدّم مداخلة موسّعة قصدت تجاوز الحديث السياسيّ السجالي إلى الخطاب الاستراتيجي الذي يرى إلى الواقع كمنظومة ينبغي تفكيكها كشرط لإحداث النهوض.

كانت مداخلتي دعوة للمجموعة إلى التأمّل، إلى التفكير عبر اللغة المتداولة، إلى تسمية واقعنا من جديد وتعديل فرضيات عملنا وتغييرها كما تقتضي الضرورة. هذا، بعد فشل خيار الدولتين وانفتاح الصراع من جديد وبعد قانون القومية وبعد وصول الأغيديولوجيات الفاعلة إلى طريق مسدود في استشراف الآتي. وكذلك في ضوء المنظومة العالمية المنفلتة من كوابحها وتداعي المراكز العربيّة في الجوار وانقضاض الثورة المضادة وحلفائها الخارجيين على الربيع العربي وثورة الناس.

سرّني بشكل خاص تفاعل الحاضرين وأسئلتهم النوعية وملاحظاتهم التي عكست اهتماما ووعيًا بالتحولات حولنا.

من الأسئلة اللافتة ذلك السؤال الذي تكرر بصيغ مختلفة:

وكيف نوفّق بين سؤال المواطنة وحاجتنا إلى التعامل مع الواقع بمؤسساته وشرطه السياسيّ وبين اعتبارنا المنظومة السياسيّة التي نعيش وسطها منظومة استعمارية؟

جوابي :

يمهّد قانون القومية دستوريًا للانتقاص من مواطنتنا المنقوصة. وقد يتُساوي المنظومة مكانتنا بمكانة الفلسطنيين في الضفّة. القانون كان وليدة شعور النُخب اليهودية اليمينية الفاشية والليبرالية أنها تتفوّق في ختام مئة عام من الصراع بشكل واضح ومُطلق على الفلسطينيين والعرب جميعًا وليس وليدة غالبية برلمانية طارئة.  قوة الفلسطينيين هنا أو هناك ـ ما دامت المنظومة استعماريّة ـ هو في بناء مشروعهم الوطنيّ من جديد وكذلك إرادتهم الجامعة على أساس الوعي بأنهم شعب له حق تقرير المصير وليس على أساس “مواطنة” سائلة ومشروطة، التنازل عن هذا المكوّن الوجوديّ واعتماد خطاب الحقوق في صيغته النحيفة والاكتفاء بحديث الميزانيات هو أساس الضعف الراهن في “السياسة” العربية ووزنها. نحن بحاجة إلى بناء المجتمع من جديد على أساس من العنفوان والكرامة الجماعية كي نؤثّر في المنظومة. فالعلاقات بالمنظومة الإسرائيلية في نهاية المطاف هي استراتيجية. وهكذا علينا أن نرى الأمور. ومن هنا نشتقّ برامجنا كأفراد ومجموعات ناشطة في الحقل تريد تغيير الواقع.

أكّدت في مداخلتي أهمّية أن نبني أطرًا ديمقراطية على أساس أن وطنيتنا الجديدة ينبغي أن تقوم على فرضية التعددية كامتياز ومصدر غنى وعلى فرضية أن الديمقراطية ليست فكرة مجرّدة بل ممارسة تستدعي استحداث وبناء آليات لتسوية الخلافات والتمهيد لأفعال الاقتدار.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *