الدولة الواحدة فكرة قديمة تبنّتها مجمل الفصائل الفلسطينية بأوقات مختلفة بدءً من الحزب الشيوعي الفلسطيني عام ١٩٤٤ مروراً بكّافّة فصائل اليسار انتهاءً بحركة فتح؛ وتوقّف بتبنّي منظمة التحرير البرنامج المرحلي عام ١٩٧٤.

ثم أعيد طرحه من مجموعات مختلفة سيما بعد عام ٢٠٠٧ من اعلان ميونخ حتى لقاءات شفاعمرو في الداخل الفلسطيني والتي غيّرت اسمها من حركة الى حملة (الدولة الواحدة) وهي فكرة فلسطينية انضم إليها ناشطون أكاديميون يهود.

وفكرة الدولة الواحدة تختلف عن فكرة الدولة ثنائية القومية حيث يرى أنصارها أن الدولة ثنائية القومية تُبقي المزاحمة بين الطرفين ؛ في حين يرى أصحاب فكرة ثنائية القومية أنها تحفظ حقوق الأقلية أياً كانت من الطرفين.

وتواجه الفكرة معارضة من القوى السياسية الفلسطينية والصهيونية؛ وحتى حين وقُع امين عام الجبهة الشعبية أحمد سعادات على وثيقتها من معتقله واجه معارضة شديدة من فصيله أجبره على التراجع حيث قال   “لأن اجتهادي بتأييد الوثيقة لم ينل تزكية الهيئة القيادية التي أمثلها، والتي اختلفت مع عدد من نصوصها، ورأت في توقيعي تجاوزاً لموقفها في مسألة لم تتناقش وتحسم داخلياً”.

والملك عبدالله حذّر ترامب قائلا أن حل الدولة الواحدة كارثياً على (اسرائيل).

ونتنياهو رفض أن يصبح الفلسطينيون مواطنين ولكنّه يبحث عن حل (ليحكموا أنفسهم).

البعض يرى في حل الدولة الواحدة هو حل طوباوي؛ والحلول الطوباوية تطرحها الشعوب المهزومة.

والبعض يعتبره الحل الأنسب في ظل الانغلاق السياسي لحل الدولتين.

ان حل الدولة الواحدة الذي يفضي إلى المساواة بالمواطنة تتبنّاه معظم الدول في دساتيرها وكثير منها يُطبّقه عملياً؛ ولكن المعضلة في حالة الصراع القائمة هو كيف تجعل هذا المواطن في الدولة الموعودة يُعرّف عن دولته؛ سيّما وأن أجيال رُبِّيت بالطرفين على مبادئ وقيم تنسف الآخر؛ فالعدو يبني هويته على أساس ديني ويرى في (الأغيار) خطر على هويته. والفلسطيني مشتبك مع ذاته بأيديولوجيات وأفكار لا تسمح له بالتوحّد على فكرة كهذه.

ريادة الفكرة لا يعني نجاحها؛ لأنّه لابد أن تدعمها قوّة. والقوّة يجب أن تكون مستمدّة من الشعب وهذا يتطلّب اطاراً يجد به النّاس ضالّتهم ويستطيعون التعبير عن ذواتهم كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات؛ ويجب أولاً إيجاد هذا الإطار الجامع وتفعيله على أساس الايمان باعتبار فلسطين وطن نهائي والايمان بالمساواة بين مواطنيها الذين هُجّروا منها أو هاجروا إليها. والإنسان هو القيمة العليا لا الدين أو القومية.

أزعم أنّ هذا الإطار أمسى سهل المنال بوجود تقانة المعلومات؛ ولكن يحتاج لانتلجانسيا لديها الجرأة بالخروج على التصورات الذهنية الجامدة التي تقولب كل فكرة أو طرح وفق عجزها الإدراكي أسيرةً لرؤى أيديولوجية أصولية كانت أو قومية أو حتى علمانية بعقل قياسي هو ما ورثناه من موروثنا الثقافي..

إن الاسهاب والأقرب الى الاسهال اللفظي بتناول مفهوم الدولة الواحدة بعقول لا تستطيع تجاوز ذاتها سيُعهّر هذه الفكرة النبيلة؛ سيما إذا بدأنا نبحث عن قواسم مشتركة مع قوى الأمر الواقع في غزة والضفة وبقايا اليسار البائس..

فكرة الدولة الواحدة يجب الصعود لها لا الانحدار بها لبراثن القوالب الفكرية الجامدة لتشويهها بخطابات شعبوية غوغائية تُحاول استرضاء جموع حزب الكنبة وأسيري الأيديولوجيات..

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *