الدولة الفلسطينية هي إحدى دوائر منظمة التحرير الفلسطينية وليس العكس
لا مكان لحسن النية في السياسة، فالطريق إلى جهنم مليء بذوي النوايا الحسنة . وما جرى تسريبه قبل أيام حول مشروع القرار بقانون المؤرخ في 8/2/2022 ، (غير مرقم ) ، بشأن “دعاوى الدولة ” ليس مجرد خطأ . وإنما يرقى إلى مستوى الخطيئة . لتضمينه في الماده الأولى (من أصل 14 مادة ) النص التالي : “يكون للكلمات والعبارات الواردة في هذا القرار بقانون المعاني المخصصة لها ما لم تدل القرينة على خلاف ذلك .
” 1- دوائر الدولة منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها كافة
2-مؤسسات الدولة وسلطاتها وهيئاتها.
3-الحكومة والوزارات والسلطات والهيئات والمؤسسات الحكومية.
4- أية مؤسسة ادرجت كبند على الموازنة العامة للدولة ما لم ينص قانون اخر على خلاف ذلك
دعاوى الدولة :الدعاوى المدنية او قضايا التحكيم التي تكون احدى دوائر الدولة طرفا فيها “.
ومحاولة المستشار القانوني التغطية على الجهل – إن لم يكن التواطؤ – لتمرير مشروع قرار بقانون له تداعيات سياسية ، خلسة وكأنه قضية فنية بحتة. خطيئة تستوجب عزله وتحميله كامل المسؤولية .
إذا يمكن إدراك أن الرؤساء عادة ليسوا خبراء في المجالات الفنية الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والقانونية الخ…. وعندما يوقعون على مشاريع قرارات بقانون تحمل طابعا فنيا – بسبب غياب المجالس التشريعية صاحبة الاختصاص في إقرار القوانين . يذيلونها بتواقيعهم لإضفاء الصفة الرسمية عليها كي تصبح نافذة . ويعلمون أنها مرت بالقنوات الفنية المتخصصة، وحظيت بمراجعة من الدوائر القانونية صاحبة الاختصاص ، قبل وصولها للمستشار القانوني. المفترض به أن يكون سياسيا يمتلك معرفة مهنية قانونية، لمراجعة ما يصله من مشاريع القرارات عموما ، والقرارات بقانون على وجه الخصوص . وواجبه الأساسي- عند تقديمها للتوقيع عليها – احاطة الرئيس علما بدواعي إقرارها ، وبالتداعيات التي ستترتب عليها في المجالات كافة . فوظيفة المستشار التأكد من أن صاحب القرار على بينة تامة بما يوقع عليه . إذ يتحمل بعد التوقيع كامل المسؤولية أمام شعبه أولا ، ويتحمل البلد الذي يمثله المسؤولية الكاملة عن تبعات نفاذ القوانين المعتمدة لديه دوليا.
وعليه، فإن أية تعديلات أو تفسيرات أو حتى اعتذار بسبب التباس ناجم عن أخطاء في الصياغة، يلحق أضرارا جسيمة . يتصل أقلها بانعدام الكفاءة ، وأخطرها بالمصداقية ، ويهز الثقة الشعبية بالنظام السياسي الفلسطيني .
ولعل هذا آخر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة ،حيث يتعرض لحروب الإبادة والتطهير العرقي داخل فلسطين وخارجها. وتتعرض قضيته الوطنية لخطر التصفية في مرحلة إعادة صياغة النظام الدولي الجديد واحتدام تنافس أقطابه الرئيسية لتثبيت مواقعها في القيادة العالمية . من خلال حسم الصراعات الإقليمية لصالحها. ويقع في مركزها إعادة رسم خريطة المنطقة العربية -الإسلامية الممتدة، لاستيلاد الشرق أوسط الجديد ، الجاري تكريس وقائعه منذ اتفاقات سايكس – بيكو ووعد بلفور قبل أكثر من قرن. وبات يسابق الزمن منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي لوضع اللمسات الأخيرة لتسليم قيادته الرئيسية للمركز الصهيوني، بعد تكريس سيطرته على كامل فلسطين الانتدابية، وتأهله لقيادة الإقليم العربي في ظل تسابق الأنظمة العربية على الاحتماء به في مواجهة القوى الإقليمية الأصيلة الأخرى. التي يخشىى اختراقاتها / إيران وتركيا / . خصوصا في ضوء جاحها بالاحتفاظ بقوة تبقيها في مواقع صنع القرار، ما يجعل من المتعذر استثناؤها -كما العرب – أقله في المدى المنظور .
يزيد من خطورة مشروع القرار بقانون بشأن “دعاوى الدولة “، الذي أثار حفيظة الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه – والذي لم ولن تنجح تصريحات المستشار القانوني بتخفيف تداعياتها الفلسطينية – بالتوجه لتعديل نصوصه ليصبح “معاملة منظمة التحرير الفلسطينية بشأن” دعاوى الدولة ” مثل الدولة . ظنا بأن ذلك كاف لتبديد الشكوك المتنامية لدى الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي مناطق اللجوء. وخصوصا لتزامن توقيت إصداره مع انعقاد الدورة الواحدة والثلاثين للمجلس المركزي الفلسطيني الملتبسة شرعيتها .وصدور البيان الختامي المتناقض في شعاراته ووقائعه كما سبق بيانه في المقال المعنون “الطبقة السياسية الفلسطينية هزمت في امتحان الفرصة الأخيرة ” في 18/2/2022. ما يعمق الارتياب الشعبي بسعي السلطة الفلسطينية / الفرع/ لاستكمال السطو على منظمة التحرير الفلسطينية / الأصل/ بعد استيلائها على الصلاحيات والموارد وتعزيز مواقع قادتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويفاقم قلقه تعمد مشروع القرار بقانون بشأن “دعاوى الدولة ” فرض الوصاية القانونية “للدولة الفلسطينية” -المتوهم قيامها تفاوضيا على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967-على منظمة التحرير الفلسطينية، الإطار المؤسسي الجامع للشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه . والممثل الشرعي الوحيد المعترف به فلسطينيا وعربيا ودوليا. والذي ما تزال تحتاج بقاءه القوى الدولية المتنفذة ،وإسرائيل التي تعترف بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني لغايات التفاوض وإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
فالتمعن في نصوص مشروع القرار بقانون بشأن” دعاوى الدولة ” حتى عند تعديله بالصيغة الواردة في تصريح المستشار القانوني ، لا ينفي خطورته الجسيمة . بالنظر إلى المرجعيات القانونية المزودجة التي ارتكز عليها . فاستناد قوانين دولة فلسطين والسلطة الفلسطينية على لنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية صحيح باعتبار المنظمة هي الإطار المرجعي الأعلى لعموم الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه . والتي تشكل الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 – حتى عند قيامها فعليا وتمتعها بالسيادة الكاملة – أحد فروعها ، لتمثيلها ثلث الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 فقط. في حين أن مسوولية منظمة التحرير الفلسطينية شاملة لعموم الشعب الفلسطيني/13.7 مليون /، وستبقى كذلك حتى بلوغ ثلثيه الآخرين حقوقهم الثابتة غير القابلة للتصرف بالحرية والعودة وتقرير المصير على أرض وطنهم .
ما يعني أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال إخضاع منظمة التحرير الفلسطينية للقانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، ولا لقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2001 وتعديلاته. اللذان تقتصر صلاحيتهما القانونية على دولة فلسطين المتوخى تكريس قيامها وفقا لحدود الرابع من حزيران العام 1967. وتقتصر حدود نفاذهما على 5.2 مليون فلسطيني فقط .
والمفارقة الكبرى أن من صاغوا مشروع القرار بقانون ، يغفلون حقيقة أن الجمعية العامة المتحدة رقم19/67 الصادر في 29/11/2012 ،لم تحذ حذو مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني والمستشار القانوني. إذ ميزت في قرارها بين دولة فلسطين في حدود العام 1967 وبين منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي لعموم الشعب الفلسطيني . فنص على : ” تقرر أن تمـنح فلـسطين مركـز دولـة غـير عـضو لهـا صـفة المراقـب في الأمـم المتحدة، دون المساس بحقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة وامتيازاﺗﻬـا ودورهـا في الأمـم المتحـدة بـصفتها ممثـل الـشعب الفلـسطيني، وفقـا للقـرارات ذات الـصلة بالموضـوع والممارسـة المعمول ﺑﻬا في هذا الشأن”، وحظي القرار بصيغته الواضحة بتأييد 138 دولة، وعارضته 9 دول فقط ( إسرائيل، الولايات المتحدة، كندا، جمهورية التشيك، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، وبنما) .
فكيف يعقل أن يتنازل حفنة من الفلسطينيين طوعا عما حققته أجيالهم المتعاقبة بتضحيات مئات الآلاف من خيرة أبنائها من الشهداء والجرحى والأسرى ومعاناة ملايين الفلسطينيين داخل الوطن المحتل وفي المنافي ؟!
وعليه ، وفي ضوء ما تقدم ، ولتقليص حجم الضرر الذي أحدثه عبث الجهات الفنية والقانونية التي صاغت مشروع القرار بقانون بشأن “دعاوى الدولة’. دون احتساب المخاطر الجسيمة بتقويض المكتسبات التي حققها الشعب الفلسطيني. وحاولت توريط رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ،رئيس دولة فلسطين بالتوقيع عليه . يتوجب ما يلي :-
أولا : سحب القرار بقانون بشأن “دعاوى الدولة’ .
ثانيا : إقالة المستشار القانوني
ثالثا : مساءلة مجلس القضاء الأعلى حول الصيغة المشبوهة.
رابعا : إعادة صياغة مشروع القرار بقانون إن كان إقراره يشكل ضرورة. بحيث يقتصر نفاذه على الدولة الفلسطينية المأمول قيامها، وعلى السلطة الفلسطينية التي تطلع بإدارة شؤون الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.
خامسا : حذف الفقرة الرابعة من البند الأول من مشروع القرار بقانون الجديد ، التي تنص على ” أية مؤسسة أدرجت كبند على الموازنة العامة للدولة ما لم ينص قانون اخر على خلاف ذلك ” .
ذلك أن المعمول به حاليا في الموازنة مخالف لما يجب أن يكون عليه من حيث تبعية السلطة الفلسطينية/الفرع/ لمنظمة التحرير الفلسطينية /الأصل/ .وأن مخصصات منظمة التحرير الفلسطينية ما تزال مدرجة في موازنة السلطة .
سادسا : فصل مالية منظمة التحرير الفلسطينية عن موازنة السلطة فصلا تاما وفوريا ، إلى حين تصويب علاقة السلطة بالمنظمة وإخضاعها لإشرافها .