الخوف من تفكيك سوريا: معضلات إسرائيل ومصالح أردوغان
ربما يكون التقدم السريع للمتمردين الجهاديين السوريين السنة جنوبا واحتلال مدينة حماة هو السبب وراء المشاورات العاجلة التي أجراها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الليلة الماضية (الخميس) مع رؤساء الهيئة الأمنية. فالهجوم المفاجئ الذي شنه المتمردون، والذي بدأ تقريبا فور دخول وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، يخلق سلسلة من تهديدات محتملة ولكن أيضًا فرص لدولة إسرائيل، وفي كل الأحوال يتطلب مراقبة دقيقة.
التهديدات حسب الأهمية هي: الأول – أن تسقط منظومات الأسلحة، وخاصة الصواريخ وربما الأسلحة الكيميائية الموجودة في شمال ووسط سوريا، في غضون أيام وربما ساعات في أيدي المتمردين الجهاديين – إذا لم تكن قد أصبحت بين أيديهم بالفعل . حلب والقواعد العسكرية المحيطة بها، وخاصة المجمع الصناعي العسكري السوري في منطقة بلدة السفيرة جنوب شرق حلب، قد توجه نحونا عاجلاً أم آجلاً.
ينتج هذا المجمع الصناعي صواريخ وقذائف صاروخية وفق العلوم الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة، وهناك أيضا توجد قدرة على إنتاج أسلحة كيميائية، وربما توجد هناك أيضا كميات ليست كبيرة من الأسلحة الكيميائية التي حفظها نظام بشار الأسد ليوم الحاجة . وربما يكون هذا هو السبب وراء قيام سلاح الجو الإسرائيلي ، بحسب منشورات أجنبية ، بمهاجمة هذا المجمع في الأيام القليلة الماضية، بما في ذلك في الليلة بين الثلاثاء والأربعاء، وكذلك مستودعات أسلحة الجيش السوري الواقعة شمال دمشق والمتمردون يقتربون منها بسرعة . ويمكن تقدير أن إسرائيل تفضل تدمير هذا التهديد حتى لا تقع منظومات الأسلحة هذه، التقليدية وغير التقليدية، في أيدي عناصر جهادية، حتى لو كانت من الطائفة السنية وتكن العداء لحزب الله وإيران.
التهديد الثاني – ينبع مباشرة من ضعف جيش النظام السوري، ومن حقيقة أن روسيا غير قادرة على حماية نظام الأسد كما دافعت عنه عام 2015 . في خضم الحرب الأهلية في سوريا احتفظ الروس ، حسب مصادر تركية ، بـ 50 طائرة هجومية في قاعدة حميميم، وقصفوا بها المتمردين بشكل متواصل وبدون أي شفقة ، حتى انسحابهم من مواقعهم إلى محافظة إدلب . وحسب المصادر نفسها، وبسبب الحرب في أوكرانيا، فإن الروس لديهم اليوم 15 طائرة هجومية فقط في قاعدة حميميم ، سبعة منها فقط عاملة .
إيران ترسل مقاتلين ، دون أي نجاح حتى الآن :
في كل الأحوال، فإن عمليات القصف الروسي لم تنجح في منع احتلال حلب، وأخرت احتلال مدينة حماة الواقعة وسط سوريا بأقل من يوم . وبسبب ضعف الجيش السوري وضآلة المساعدة التنفيذية الروسية ، لم يبق أمام نظام الأسد من خيار سوى قبول المساعدة التي يعرضها عليه الإيرانيون بواسطة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي زار دمشق قبل عدة أيام .
أرسل الإيرانيون بالفعل إلى سوريا أحد جنرالاتهم، وهو الذي قاد عملية إعادة احتلال حلب عام 2016 من المتمردين، وعدد من المستشارين الآخرين وأعضاء من الحرس الثوري وصلوا معه . وفي موازاة ذلك ، أرسل الإيرانيون أيضاً ميليشيات شيعية عراقية وسورية موالية لهم إلى مناطق القتال . ومن بين هذه القوات لواء فاطميون، الذي يتكون بشكل رئيسي من شيعة أفغانيين وباكستانيين تتولى إيران دفع رواتبهم ويقودهم عناصر من الحرس الثوري الإيراني .
دخل هذا اللواء بالفعل إلى معركة الدفاع عن مدينة حماة وفشل، ولكن إيران تضخ المزيد والمزيد من قوات الميليشيات الشيعية عبر الحدود العراقية السورية إلى منطقة المعارك . كما طلبت إيران واستقبلت مئات من عناصر حزب الله الذين انتقلوا من لبنان إلى سوريا من أجل مساعدة نظام الأسد ، ولكن حتى الآن بدون أي نجاح يذكر .
توجد لدينا مشكلة مع هذه الميليشيات ومع عناصر حزب الله الذين دخلوا سوريا، لأنها يمكن أن تشكل بداية تمركز إيراني عسكري بواسطة وكلاء في الدولة – فقد تبقى هذه الميليشيات في سوريا وينشرها الإيرانيون على الحدود مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم أيضًا العمل من الأراضي السورية بواسطة إطلاق الصواريخ والقذائف والتسلل إلى هضبة الجولان. وإن احتمال أن يؤدي ضعف النظام في سوريا إلى إتاحة المجال للميليشيات الموالية لإيران بالتمركز عسكرياً في سوريا على الحدود مع إسرائيل وتهريب الأسلحة إلى لبنان لإعادة تسليح حزب الله هو الاحتمال الذي يقلق إسرائيل أكثر من أي شيء في الوضع الحالي .
التهديد الثالث – هو أن ينهار نظام الأسد وحينها ستتحول سوريا إلى دولة فاشلة أخرى مثل اليمن، ولبنان، وغزة ، وسيقوم الإيرانيون ببناء وتمويل جيش إرهابي فيها يكون هدفه العمل ضد إسرائيل . إن “صوملة” سوريا، التي ستتواجد فيها قوات جهادية سنية وشيعية على حدود إسرائيل، تشكل مشكلة قد تهدد مستوطنات الجولان والجليل الشرقي. لذلك، ومن أجل منع مثل هذا التهديد الذي قد ينشأ عن انهيار نظام الأسد، تحتاج إسرائيل إلى اتخاذ تدابير دفاعية بشكل خاص في الجولان – وكذلك شن هجمات على الأراضي السوريةبدون توقف من أجل منع تمركز تنظيمات إسلامية متطرفة من التيارين بالقرب من حدودها، وفي مرمى الصواريخ وقذائف الهاون منها.
الهجوم على محورين ، طريقة أردوغان :
من أجل فهم الوضع الذي وصل إليه الشرق الأوسط نفسه بعد الهجوم المفاجئ للمتمردين السوريين، لا بد من إدراك أن الجهة التي تقف وراء هجوم المتمردين هي تركيا . ولذلك فإن هذا الهجوم يتم على محورين . حيث أن التنظيم الجهادي الإسلامي “هيئة تحرير الشام” يتحرك جنوباً بهدف إسقاط نظام الأسد ووجهته مدينة حمص التي تعتبر أكبر وأهم مدينة في وسط سوريا والتي سيؤدي احتلالها إلى عزل الجيب العلوي حيث يتواجد معظم أفراد عائلة الرئيس الأسد في مدن اللاذقية وطرطوس عن العاصمة دمشق .
وتتحرك قوة متمردة علمانية أخرى، تسمى “الجيش الوطني السوري”، شرقاً نحو مدن وقرى منطقة الحكم الذاتي التي أقامها الأكراد ، في شمال شرق سوريا . الجيش الوطني السوري، الذي يتكون بشكل رئيسي من منشقين سنة عن الجيش السوري يخضع للأتراك تمامًا وينفذ أوامر أردوغان . عمليا لم يكن من الممكن أن يحدث هجوم المتمردين لولا الأتراك، الذين قدموا الدعم العسكري للمتمردين السوريين من كلا الفصيلين.
والآن هم يستخدمونهم لتحقيق مصالح تركيا في سوريا ، وهي ليست قليلة : أولاً، يريد أردوغان تفكيك المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شرق وشمال سوريا، والتي يعتقد أنها تخضع بالفعل لسيطرة حزب العمال الكردستاني، الذي يشكل الحركة الكردية السرية التي تقاتل من أجل استقلال المنطقة الكردية في تركيا. وتريد تركيا تدمير هذه التنظيمات الكردية العسكرية والمدنية عسكرياً وإداريا، لأنها ترى فيها تهديداً على سلامة تركيا.
وفي مقابل ذلك فإن المتمردين الجهاديين، الذين يتقدمون جنوباً نحو دمشق، يخدمون هدفاً آخر لأردوغان، وهو إجبار الأسد على الموافقة على أن يحتفظ الأتراك بمنطقة أمنية ضد الأكراد في شمال سوريا، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقات اقتصادية وحسن جوار طبيعية مع سوريا . ويرفض الأسد هذه المطالب من أردوغان الذي يرى في سوريا سوقا اقتصادية، لكنه يريد بشكل أساسي أن توافق سوريا على أن تعيد إلى أراضيها أكثر من مليوني لاجئ سوري فروا إلى تركيا بعد الحرب الأهلية .
الأسد لا يوافق على ذلك وهو غير مستعد لتطبيع العلاقات مع تركيا، وليس مستعدًا لعودة اللاجئين إلى بلاده، وليس مستعدًا لأن ينشئ الأتراك منطقة أمنية ضد الأكراد في الأراضي السورية ذات السيادة – وأردوغان يستخدم المتمردين الجهاديين للضغط عليه . وفي الواقع، فإن هذا يشبه إلى حد ما ما يحدث في غزة، حيث تعمل حركة الجهاد الإسلامي لخدمة إيران التي تدعم حماس . وتعمل تركيا مع وكلائها بطريقة مماثلة، حيث يخضع “الجيش الوطني السوري” لأردوغان بشكل مباشر، الذي من جانبه يدعم المتمردين الجهاديين.
سيتعين على الأسد أن يقرر، ممن يخاف أكثر؟ :
طيف المصالح هذا يشكل أيضاً فرصة لإسرائيل، لأن الأسد الضعيف سوف يضطر في نهاية المطاف إلى اتخاذ القرار بشأن ممن يخاف أكثر. فإذا كان يخاف من المتمردين، فقد يوافق على تلقي المساعدات من إيران وحزب الله، ويسمح لهم أيضاً بنقل الأسلحة ووسائل الإنتاج من خلاله لإعادة بناء حزب الله. أو أنه يخاف أكثر من إسرائيل، التي ستضرب أي محاولة لتمركز ايراني ، وبالمناسبة، ستضعفه وتضعف نظامه أكثر وأكثر . ويمكن تقدير أن الجيش الإسرائيلي سيهاجم أي بداية تمركز إيرانية قريبًا وهناك خطوات أخرى من شأنها أن تجعل من الصعب على المتمردين الجهاديين والسنة التمركز بالقرب من المستوطنات الإسرائيلية في الجولان.
إذا انهار نظام الأسد في سوريا، فسينشأ وضع جديد تمامًا سيتطلب أيضًا إعادة تقييم للوضع، ولكن كما هي الحال الآن، فإن تركيا ليست مهتمة بانهيار نظام الأسد. ويدرك أردوغان أيضاً أن الدمار الذي لا يمكن السيطرة عليه والذي قد يسود في ظل الفوضى الكاملة والمعارك الداخلية بين المجموعات العرقية يشكل في نهاية المطاف خطراً على تركيا، تماماً كما يشكل خطراً على إسرائيل. لذلك، من المحتمل أيضًا أن يكون لأردوغان مصلحة في عدم انهيار نظام الأسد تمامًا، بل ان يستمر في السيطرة على جيبين صغيرين، أحدهما حول دمشق والآخر حول اللاذقية وطرطوس، حيث لن يتمكن من إلحاق ضرر كبير بتركيا أو بإسرائيل .
قصة أردوغان مع الأكراد لا تقل تعقيدا، لأن الأكراد في منطقة الحكم الذاتي التي أقاموها في شمال وشرق سوريا هم حلفاء للأميركيين. وتحتفظ الولايات المتحدة بـ 900 جندي هناك، وفي الماضي، أراد الرئيس ترامب سحب هؤلاء الجنود من سوريا، لكن خبرائه العسكريين أقنعوه بعدم القيام بذلك. والآن، ليس من الواضح كيف وماذا سيقرر ترامب، وما إذا كان سيتخلى عن الأكراد ويتركهم تحت رحمة أردوغان.
المصدر: يديعوت أحرونوت