الخطة لن تنهي الصراع بل ستفاقمه

بدا اقتراح ترامب لترحيل سكان غزة إلى الأردن ومصر، تحت إشراف الجيش الأمريكي، وبعد ذلك إعادة إعمار القطاع حتى يتحول إلى ريفيرا الشرق الاوسط – سحريا في نظر العديد من الإسرائيليين . وفعليا فإنه مثل أي “سحر”، يثير تساؤلات بعضها أخلاقي، وبعضها عملي، وبعضها سياسي.
من الناحية الأخلاقية، يجب أن يكون واضحاً أن اقتلاع شخص ما بالقوة من مكان اقامته هو أمر مرفوض . كما أن ترحيل مجموعة سكانية بأكملها هو أمر أكثر فظاعة، لأنه يؤدي أيضًا إلى تهجير التراث والثقافة والتاريخ من امكنتها . ولذلك فإن من يريد أن يرى في اقتراح ترامب نوعاً من “إعادة التوطين” لسكان غزة الذين يريدون تحسين ظروفهم المعيشية، عليه أن يتأكد أولاً من أن ذلك سيكون بموافقة السكان . وفعلا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان أهل غزة يرغبون في ذلك، وماهو السبب في انه حتى الآن لم يعرض أحد أن يسألهم.
على أية حال، لكي يتم تنفيذ مثل هذا “الترحيل” بالاتفاق، فإنه يجب أن يحصل كل غزي على منحة لبدء حياته في مكان آخر، وميزانية ضخمة للبلدان المستوعبة ، وكل هذا بالإضافة إلى التوظيف في إعادة إعمار غزة. وهذا سيكلف ثروة، وليس من الواضح من كلام ترامب -الذي يدعو في الوقت نفسه إلى خفض نفقات أميركا في العالم- من سيمول كل شيء . بشكل عام، تتضمن الخطة تناقضات : فمن ناحية، أعلن ترامب أن الجيش الأمريكي سيحتفظ بغزة حتى إعادة إعمارها ، وفي موازاة ذلك وعد بعدم إرسال جنود أمريكيين إلى أماكن أخرى في العالم . وهذا أيضًا هو الموقف الانفصالي لنائب الرئيس، ولهذا السبب تؤكد وسائل الإعلام الأمريكية بالفعل على هذا التناقض.
إلى جانب النقد الأخلاقي، والتساؤلات العملية، من الممكن أيضًا التفكير بمصطلحات أكثر فلسفية وتاريخية، وأن نتذكر أن التاريخ البشري كله مبني على انتقال الناس من مكان إلى آخر، وإذا كان الوضع في غزة فظيعًا، فلماذا لا نسمح للاعتبار الفردي والعائلي لكل سكان غزة أن يقرر مصيره، بغض النظر عن الأهمية الوطنية لهذا الفعل؟ ومن ناحية أخرى يتعلق الترحيل أيضًا بمعايير دولية متغيرة . ففي عشرينيات القرن الماضي، كان يُنظر إلى عمليات ترحيل السكان، كما هو الحال بين تركيا واليونان، على أنها منطقية لصالح السلام العالمي. ولكن هذا العصر قد ولى ،وبما أن العالم يسير في اتجاهات غير معروفة في عهد ترامب وماسك، فمن الصعب معرفة كيف سيتم فهم الترحيل في المستقبل.
تاريخياً، من المهم أن نتذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يُطرح فيها ترحيل السكان كاقتراح لحل النزاع . فزعماء الصهيونية، من هرتزل إلى بن غوريون وجابوتنسكي، عارضوا الترحيل من حيث المبدأ وقالو : نحن لم نأت لنطرد العرب، وهناك مكان للشعبين في البلاد . ولكن في عام 1937، عندما اقترح البريطانيون لأول مرة تقسيم البلاد كحل، فقد ادرجوا أيضًا نقل فلسطينيين من الأراضي المخصصة للدولة اليهودية.
لم تتحقق خطة التقسيم لعام 1937، ولكن من نواحٍ عديدة حدثت عمليات ترحيل بالفعل أثناء الصراع: ففي حرب الاستقلال 1948، تم طرد وفرار حوالي 750 ألف فلسطيني، وفي الوقت نفسه، وجد حوالي 110 آلاف يهودي عراقي أنفسهم في وضع مستحيل كان حله الوحيد هو الهجرة إلى إسرائيل . ومن الممكن اعتبار المزيد من هجرة اليهود من الدول العربية – مثل مصر وسوريا – بمثابة نوع من الترحيل لليهود، لأنه بعد قيام الدولة أصبح العيش هناك صعبا إلى حد لا يطاق. ومع ذلك، فإن قضايا الترحيل هذه لم تحل الصراع، بل على العكس من ذلك.
لذلك، حتى لو تركنا الجدل الأخلاقي جانبا ، فمن المهم أن ندرك أن اقتراح ترامب، الذي من غير المرجح أن يتم تنفيذه (وربما أن المقصود منه كان تسهيل قيام نتنياهو بأن يوضح قريبا لماذا وافق على مفاوضات بشأن دولة فلسطينية مقابل السلام مع المملكة العربية السعودية)، هذا الإقتراح لن ينهي الصراع بل سيزيد من تفاقمه، إذا لم يترافق بتسوية سلام كامل مع الفلسطينيين .
المصدر: يديعوت أحرونوت