الخضوع والإخضاع لسردية المحتل
قالت وهي تتقدم نحو ظل الشجرة “خلص سكروها الفتحه… لأنو الناس سرقت البزر الي زرعوه اليهود..” ثم أعقبت ذلك بالقول: “فش فتحة نفوت منها على إسرائيل هلكيت”..وعلى الرغم من أن هذه الحادثة قد حجزت لها حيزاً مهماً في حديث الناس اليومي في تلك الأيام، إلا أن هوية من قام بأكل البزر بقيت مجهولة…في الحقيقة فإني أجزم بأنه لم يجرؤ في الإعلان عن نفسه “خوفاً” منهم…
هذا يدفعني دائماً للتفكير كيف أن الإخضاع قد تجاوز طواعيته عبر تنظيم العقاب بعصاة “الراعي الإسرائيلي” إلى أن يمارس الناس عقابهم على بعضهم البعض، واضطهادهم لبعضهم البعض فيما تقف عصاة “الراعي” تحدق فيهم، ترقبهم وهم يقمعون بعضهم البعض… ثم كيف يرى مجموع من الناس أن بعضهم “سارق” ولا يستطيعون رؤية أعمق من ذلك بقليل، بأن إسرائيل قد سرقت الأرض وزرعتها…في زماننا هذا الذي أُتخمنا فيه بالعدم حيث لا يستطيع “أصحابه” أن ينظروا أبعد بقليل مما يجسدونه في مشروعهم ” الوطني”، ثمة هيمنة تمارس على رؤيتنا لذواتنا… وتشكيل لخيالنا وأفكارنا لا يدركها “أصحاب” هذا المشروع…فلم يعد يكفي أن يصفونك بأنك “سارق”، “إرهابي” ، “دوني”..في الحقيقة هم يريدونك أن ترى نفسك أنت في المرآة بأنك “سارق، ارهابي، ودوني”، وهذا مهم لأنك ستنظر إلى مستعمريك بأنهم خارقين لا يقهرون… وبأننا خاضعين كقدر محتوم، والخضوع يعني أن يقمع بعضنا بعضاً…ما فعله هذا البطل أنه أكل البزر متمرداً على العقاب الذي سيطال الجميع، حيث قرر بوعي أو بدون وعي أنه سيمنعهم من الدخول عبر هذه الفتحة “المذلة”…
فمن يكتب تاريخ هؤلاء الأسود الذين لا يخضعون، أم أن التاريخ كما خلده أتشيبي في جملة ابتدأ بها روايته “أشياء تتداعي” العام 1958 “إلى أن تجد الأسود من يكتب تاريخها… تاريخ الصيد سيمجد دائماً الصياد”..