الحلقة الثالثة من كتاب: أطول أيام الزعيم لـ نبيل عمرو
وصلت سيارة صغيرة، توقّفت قبالة الفرن الذي يعمل منذ بداية الحرب ليلًا نهارًا، وقد فاجأني ترجُّل القائد العام منها ودخوله إلى الفرن.
ما الذي جاء بهذا الرجل الآن وفي هذا الوقت المبكر؟ إنه يبدأ يوم عمله على العاشرة صباحًا. ثم ما الذي جعله يدخل مهرولًا إلى المكان الذي لا يصلح إلا لإنتاج الخبز. كان يأتي إلى المنطقة لتفقُّد الإذاعة، ولإنجاز بعض الأعمال فيها. إلا أنه كان يفعل ذلك بعد حلول الظلام. لاحظت انتشارًا لمرافقيه وحرّاسه الذين أعرفهم. كانوا يرتدون ملابس مدنية ويخفون مسدّساتهم تحت قمصانهم الفضفاضة خشية اكتشافها من قبل كاميرات التجسس ذات الكفاءة العالية، والتي كانت منتشرة على الأرض وفي الجو وفي البحر.
ظننت بادئ الأمر أنّ الرجل الذي ما يزال داخل الفرن جاء لإجراء مقابلة سريّة على قدر كبير من الأهمية، بحيث تحتاج إلى تمويه كهذا. أخيرًا وبعد أن أمضى قرابة عشر دقائق خرج من الفرن فتحلّق الجمهور الذي تجمع للتزود بالخبز المجاني حوله. كان قد تضاعف عدده بعد أن عرف أهل الحي بوصوله. اندمج بالناس حتى اختفى عن ناظري بفعل كثافة الحشد. فهو يحب مشهدًا كهذا ومن مواهبه المعروفة أنه يمتلك قدرة على تحويل الاحتشاد العفوي إلى اجتماع شعبي يكون فيه المتحدِّث الأول والأخير. لم يقاوم المحتشدون إغراء وجود قائد المعركة بينهم، ولعلها فرصة لسماع الحقيقة منه، بعد أن أمطرتهم الإذاعات بوابل من الأخبار المتضاربة حول المغادرة والوجهة.
- متى المغادرة يا سيادة القائد وإلى أين؟
لم يجب عن السؤال متى، فهو نفسه لا يعرف، وحتى لو كانت لديه معلومات عن أوقات محتملة. لم يكن التفاوض حول هذا الأمر قد وصل إلى نتيجة بعد، إلا أنه أجاب عن سؤال إلى أين.
خرج الجواب من فمه كالطلقة:
- إلى فلسطين.
كان جوابًا فلكلوريًا نمطيًا لم يشف غليل السائلين، إلا أنهم وحرصًا على اللياقة في التعامل مع قائد مصيرهم جاملوه بتصفيق متراخٍ.
انبرى صحفي للسؤال، لعلّه يحظى بسبق، فقال:
- نعرف يا سيادة القائد بأن فلسطين هي وجهتك ووجهتنا كذلك، السؤال أين هي المحطة الآتية التي تسبق العودة النهائية، يقال أنك تلقيت دعوة من صديقك رئيس وزراء اليونان كي تكون أثينا هي الميناء الأول الذي ترسو فيه سفينتك، ويقال كذلك أنه تم إعداد مقر لك في إحدى ضواحي تونس العاصمة فهل هذا صحيح؟
كنت وأنا أراقب المشهد من الشرفة أتابع الحوار لعلني أستنبط منه فكرة أكتبها في تعليق إذاعي، فماذا يا ترى سيجيب عن هذا السؤال؟
اقتحم المشهد شاب كما لو أن الأرض انشقّت عنه واندفع ناحية القائد العام، وهمس في أذنه بكلمات، هزّ رأسه مبديًا اهتمامًا بما سمع، ودّع الجمهور بإشارات متعجلة وحشر نفسه في السيارة الصغيرة، عرفت فيما بعد أن الشاب الذي همس في أذنه هو أحد حراسه المكلفين بمراقبة الأجواء، فقد أبلغه بأن هنالك طائرة على علو مرتفع تحوم في سماء بيروت.
لم يدر محرك السيارة، تعطلت لحظة الخطر، فاحتمال أن تأتي طائرة قناصة أو قاذفة للقضاء عليه وعلى من حوله بدا أكيدًا، خاصة وأنه استقر في المكان لما يزيد عن نصف ساعة.
فتحي، الذي هو كبير مرافقيه ويمكن اعتباره أحد أهم مساعديه وكاتمي أسراره، والقارئ المتمكّن للغة الجسد التي يعبر بها رئيسه عما يدور في داخله، أشار إليّ طالبًا مفاتيح سيارتي التي كانت رابضة في مرآب البناية المقابلة، رميته له وغادرت الشرفة للحاق به. كانت سيارة يقودها أحد مرافقي أبو إياد تمر بالصدفة، فحشره الحراس في داخلها وانطلقت مسرعة بينما كان فتحي يخرج سيارتي من مكانها.
لا أحد يعرف إلى إين ذهب القائد العام. رجال الحلقة الأمنية الضيقة التي تحيط به هم شبان أذكياء مدربون في أهم وأرقى المعاهد الأمنية، بعد أن جلست إلى جوار فتحي سألته:
- إلى أين ذهب؟ هل لديك وسيلة اتصال به
قال:
- لا وسيلة حتى أجهزة اللاسلكي التي كنا نستخدمها في الظروف العادية ممنوع فتحها للإرسال والاستقبال حين يكون القائد العام في المكان. لكن يقدر الشباب أنه ذهب إلى أحد مقرات الأخ أبو إياد، فلنذهب إذًا إلى هناك.
أقرب مقر لجهاز الامن الموحّد الذي يقوده أبو إياد يبعد مئات الأمتار عن ساحة الفرن، في دقائق وصلنا إليه. ترجلت من السيارة ودخلت مسرعًا إلى القبو المموه جيدًا والمحمي بأكياس الرمل.
كان تقدير رفاق فتحي صحيحًا، فما إن اجتزت باب القبو حتى وجدتني وجهًا لوجه أمامه.
كان جالسًا وراء مكتب صغير، وأمامه جميع أعضاء الجهاز الذين يتواجدون في المقر، كان قد اصطنع فيما يبدو اجتماعًا لتبرير زيارته المفاجئة وغير المألوفة. انضممت إلى المتحلقين حوله جلوسًا ووقوفًا، ولما رآني اختصر القول..
- إذًا، لا تصدّقوا الشائعات ولا ما تقوله الإذاعات فحتى الآن لم نحسم أمر الخروج.
تقدمت منه وهمست في أذنه:
- فتحي وسيارتي في الانتظار إن كنت راغبًا في المغادرة.
- هل أصلحوا السيارة؟
سألني
- لا أعرف، ولكنهم نقلوها من المكان.
صرنا ثلاثتنا داخل سيارتي العادية وغير المصفّحة بالطبع.
فتحي والذي أسماه رفاقه ومرؤوسوه ”سلبد” بفعل طريقته في الحركة والكلام. يعرف أن رئيسه لا يفصح عن وجهته إلا بعد أن تتحرك السيارة.
هكذا بنى ياسر عرفات لنفسه نظرية امنية خاصة به اساسها موهبة الإحساس المسبق بمصادر الخطر، إنه يشمه ولو عن بعد. ومع اعتماده على هذا الإحساس الذي افتقر اليه كثيرون من زملائه ومعاونيه ما أدى الى قتلهم، كان يعتمد كذلك على براعته في حسن انتقاء العناصر التي يسند اليها مسؤولية حمايته، ومن منهم يمتلك مؤهل الحفاظ على اسراره في امر التنقل من مكان الى آخر، خصوصا في مجال الحراسة النهارية والليلية إضافة الى حرصه على جمع أكبر قدر من المعلومات دون كلل او ملل ويستخلص منها ما يخدم منظومته الأمنية.
كان ينفق وقتًا طويلًا في قراءة التقارير الواردة من كل مكان له فيه آذان وعيون. وبفعل منظومته الأمنية الخاصة نجا من موت محقق في العديد من ساحات حروبه التي لم تتوقف. وقد اهتم وبصورة مواظبة بالحلقة الضيقة التي تحيط به وتنقيتها من أية شوائب وسد الثغرات التي يمكن ان تستغل للوصول اليه والقضاء على حياته. وهنالك عامل يبدو انه الأهم من كل ذلك هو العلاقة الحميمة التي كانت تربطه بمن يتولون خدمته وامنه.
كانت علاقة ابوية قوامها الحب. بفعل ذلك كان الجدار الإنساني والعاطفي الذي بناه المحبون حوله هو اهم مصادر الامن والأمان لرجل كان دائما على رأس قوائم التصفية.
كانت السيارة “تمشي الهوينا”. لم يفصح القائد العام عن وجهته ولما وصلنا الى تقاطع طرق اضطر فتحي للسؤال.
- إلى اين؟
أجاب :
- اذهب يسارًا
اذا فقد صرنا على الطريق المفضي الى غرفة العمليات المركزية وهي عاشر غرفة على الأقل تؤسس لإدارة المعارك منذ بداية الحرب قبل اكثر من شهرين، حين وصلنا الى بداية شارع فرعي يفضي اليها أوقف فتحي السيارة وسأل.
- هل ندخل الى العمليات؟
أطرق القائد العام لثوانٍ وامر بمواصلة المسير باتجاه آخر.
بعد ان قطعنا قرابة مائتي متر طلب التوقف، وترجل من السيارة وقطع الشارع العريض الذي تقع على حافته الإذاعة اللبنانية الرسمية ووزارة الاعلام، هبط على درج ضيق يفضي الى بيت حجري قديم، اخرج من جيبه مفتاحا واداره كما لو انه مواطن يفتح باب بيته، لما صرنا داخل البيت لم أر فيه غير مكتب صغير ووراءه مقعد بلاستيكي وحوله عدد من مقاعد مماثلة.
لحقنا فتحي وكان عارفا المكان حاملا قدر ما استطاع حمله من ملفات مليئة بالأوراق ومعه كذلك الحقيبة الضخمة التي كنا نسميها “شنطة العجائب” .
وضع فتحي رزمة الملفات امامه على الطاولة والى جوارها الحقيبة واستأذن القائد العام بالمغادرة قائلا ..
- كي اتابع حركة الطيران في الأجواء .
في طريقنا الذي لا يتجاوز الكيلو متر الواحد الواصل بين مقر الامن الموحد و البيت الصغير الذي نجلس فيه، جرى حوار بيننا نحن ركاب سيارتي الثلاثة، كانت عشرات فوهات المدافع وراجمات الصواريخ والمسدسات تنتظر إشارات من الكاميرات المثبتة في كل مكان للإجهاز عليه حال التمكن من تحديد مكانه.
أولئك الذين انتبهوا لوجود القائد العام في سيارة عادية دون أي قدر من التمويه، حيث كانت النوافذ الأربعة مشرعة، أبدوا ردود فعل مختلفة: بعضهم رفع إشارة النصر التي يحبها الرجل، وبعض اخر كان يشيح بوجهه او ينظر الى السماء ليرى الطائرة التي تترصده.
شعر وقد فهم مغزى اشاحة الوجه عنه لمجرد رؤيته انه صار مبعث خوف في النفوس، استدار ناحيتي وقال.
– كان الله في عون الناس، لقد تحملوا وصبروا .
سألت
- لم لا تتخفى؟
وكأنما لدغه عقرب، أجفل وقال بلهجة مؤنبة:
-اتق الله يا رجل كيف اتخفى، وانا اقود أطول وأهم معركة في تاريخ المنطقة. هل ستواصل احترامي لو رأيتني مرتديا لباس امرأة؟ او عمامة رجل دين؟ ثم ماذا سيكون حال مقاتلينا الذين تعودوا على وجودي بينهم مقاتلا مثلهم، وماذا سيقول اهل بيروت وسكان المخيمات حين يعرفون ان قائد المعركة موه نفسه كي ينجو من الموت.
كان هجومه علي صاعقا على نحو اربكني، الا انني وجدت نفسي بحاجة الى حجة ابرر بها اقتراحي المرفوض.
قلت:
– ولكن الضرورات تبيح المحظورات
كنت اعرف انه يحفظ درسه جيدا ولديه الإجابات الجاهزة عن كل سؤال او اقتراح
قال:
– الضرورات بالنسبة لي ان اواصل المعركة كما بدأتها ، اما المحظورات فهي ان استبدل لباس الميدان بأي لباس آخر.
جلس القائد العام وراء الطاولة الخشبية الصغيرة، شرع في تقليب كومة الأوراق التي كنا نسميها “عدة الشغل”. كان قد ثبت نظارة القراءة على انفه واستل من الجيب الذي وضع على ساعده بناء على طلبه قلم الحبر الأحمر وراح يعمل. يضع سطورا تحت الجمل التي تسترعي انتباهه، ويكتب ملاحظات وتوجيهات لمن ستتحول الأوراق إليهم، يتأوه ويقول ” أوف… ما أكثر الأوراق، انها اوراقكم وهي قادمة من كل مكان، ولابد من قراءتها واتخاذ اجراء بشأن ما ورد فيها. نظر الي كما لو انني أمثل كل الذين يعملون معه ويمطرونه بالأوراق وقال:
- في الحرب وغير الحرب في مكتبي وفي السيارة والطائرة أوراق واوراق، ما بتخلصش ابدا. !!
كنت قد سمعت منه هذا القول مئات المرات، وحين قال له احد ضيوفه ذات مرة..
– لمَ الشكوى يا أبو عمار، فكثرة الاوراق بحجم العمل، ولكن ما دام الامر كذلك، فلم لا تكلف مكتبك بالتلخيص والرد، ضحك يومها وقال:
-مهو الكوم الي قدامي بعد التلخيص.!!
– ما الذي جاء بك الى الفرن في ساعة مبكرة؟ فمنذ عملت معك لا اعرف أنك تبدأ العمل على هذا النحو المبكر؟.
رمى القلم الأحمر على الطاولة وخلع نظارة القراءة وقال:
– ليه هو انا نمت مبارح، يدوبك ساعة بعد اذان الفجر.
وقال مجيبا عن سؤالي:
– وصلتني اكثر من شكوى عن ان الفرن المركزي صار يتوقف عن العمل مع انني وفرت له كل ما يحتاج كي لا يتوقف، أحببت ان اطلع على أوضاعه بنفسي. كانت زيارتي مفاجئة. لقد سررت حين رأيت العاملين في الفرن يواصلون عملهم امام بيت النار.
ابلغوني انهم يوقفون العمل ساعة في اليوم من اجل الوقود، واحيانا ساعتين من اجل الصيانة، شكرتهم ووعدتهم بأوسمة.
قلت انهم يستحقون اكثر من ذلك فبفضل جهدهم وتفانيهم لم تحتج بيروت ولو رغيفا من الخبز فضلا عن انني انا وزملائي في الإذاعة اكثر المستفيدين من عمله الدائم فقد توفرت لنا الكهرباء ليلا نهارا وصرنا بخلاف معظم سكان بيروت نشاهد التلفزيون ونشرب الماء المثلج. ولقد اهتدى الينا محمود درويش ومعين بسيسو اللذان يسكنان في شقة غسان مطر في البناية الملاصقة لبنايتنا، وكل يوم يرسلون ابنه جيفارا “الذي قتل على يد قوات معادية بعد الخروج من بيروت”، ليتزودوا بالثلج كأحد ضرورات الابداع لأشعارهم ومقالاتهم.
حين كان القائد العام يزورنا في الإذاعة ليلا كنا نفصل التيار الكهربائي ونستبدل الإضاءة المبهرة بالشموع، حتى حين كان يطلب كأس ماء كنا نحرص على ان لا يكون باردا.
سألت:
– وهذا المكتب ما هي حكايته،؟
رسم على وجهه ابتسامة عريضة، فهكذا كان يفعل حين يتلقى سؤالا يحبه ويفتح له باب فخر بما يفعل. قال:
- انه يخص اتحاد طلبة فلسطين فرع جامعة بيروت العربية. كان الشباب قد دعوني للغداء فيه قبل اشهر من اندلاع الحرب، اعجبتني فيه كل مواصفات غرفة العمليات ”المتدارية”
وراح يجول ببصره في ارجاء البيت القديم ويطنب في شرح مزاياه.
- تحت الشارع، بيت صغير وقديم لا يلفت النظر ولا جيران قريبين منه فأنت تعلم ان دبيبي ثقيل.
كنت اعرف من عملي المباشر معه انه يكفيه حجر وحجر آخر ليصطنع منهما مكانا يمارس منه عمله القيادي. اما باقي اللوازم فهي متوفرة فيه شخصيا وفي سيارته التي يتصل منها مع كل العالم عبر جهاز لاسلكي من طراز “راكال”، كان جهازا فائق القدرة على الاتصال بأبعد نقطة في الدنيا .
اذا ووفق مقاييسه فالمكان الذي نحن فيه يبدو نموذجيا. جذب شنطة العجب اليه، فتحها وراح يفتش عن شيء.
ولشنطة العجب هذه حكاية بل حكايات. هي من طراز “سامسونايت توريستر”، متوسطة الحجم، الا نها تتسع لكل ما يحتاج حتى لو انقطع في عمق الصحراء: أوراقٌ مروسة بعبارة القائد العام وقلم متعدد الألوان صيني الصنع، وعلب ادوية للصداع والمغص والغثيان واحمرار العيون والجروح السطحية، وقطع من الحلوى وابر وخيوط وازرار وعلب سجائر ونظارة قراءة احتياطية. وما لم اتذكره من محتوياتها اكثر بكثير مما ذكرت .
مرة وحين كنا نرافقه في جولة على القوات في جنوب لبنان تراهنا هل يوجد في شنطته سجائر جيتان التي كانت قليلة التداول. ما ان سألناه حتى رسم على وجهه تلك الابتسامة المألوفة، واخرج من الشنطة علبة الجيتان الزرقاء، ورفعها كما لو انها إشارة نصر .
سألناه:
لماذا الجيتان؟
قال:
-انها مخصصة لحلفائي اليساريين فهم يحبون هذا النوع من السجائر.
وأردف قائلا:
– ليس هذا فقط واخرج سيجارا كوبيا ضخما وقال، وهذا للأكثر يسارية مثل لطفي الخولي.
وقال أحد الجالسين وكذلك للأكثر يمينية مثل أسامة الباز، ضحك وضحكنا.
رسم على وجهه علامة الجدية كما لو أنه يعتذر لنفسه عن الوقت الذي اضاعه وهو يجيب عن اسئلتي ذات الطابع الشخصي، فعاد الى أوراقه معلنا بلغة الجسد ان وقت الأسئلة الفضولية قد انتهى.
ناولني ورقة وقال:
-اقرأ هذه فهي مهمة جدا
كانت واردة من بعثتنا في نيويورك، فيها تحذير صريح مفاده ان ينتبه كثيرا خلال الأيام القليلة المتبقية له في بيروت، وان لا يطمئن لوقف اطلاق النار الذي توصل اليه واعلنه المبعوث الأمريكي فيليب حبيب. لفتت نظري جملة مكررة ” انتبه انتبه انتبه” فهنا من لا يريدون خروجك حيا من بيروت .
سألت:
- هل المصدر موثوق؟
أجاب:
– انت بتعرفه هو صاحب الشهيد أبو حسن.
قلت:
– سمعت حكايته
كان المصدر ضابطا أمريكيا يعمل في المؤسسة الأشهر ال CIA وقد تم تكليفه من قبل رؤسائه بالتنسيق مع أبو حسن سلامة خلال زيارة القائد العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، تلك الزيارة التي القى فيها خطابه التاريخي والتي استقرت جملته السحرية في وعي العالم : ”لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
سألت :
- في تقديرك هل هذا التحذير من رجل أبو حسن شخصيا أي بمبادرة منه ام انه موعز له به؟
قال:
-طبعا هو من رؤسائه.
وأفصح عن انه يوجد في واشنطن من يريد إنجاح مهمة فيليب حبيب ويرون في وقف إطلاق النار والهدوء أمراً ضروريا لذلك ولو حدث اغتيال في هذه الفترة الحساسة فسينهار كل شيء.
قلت محاولا بث طمأنينة في نفس الرجل الذي ما يزال يعيش حالة حذر شديد :
- اذا نحن في امان!
ضحك وقال:
- هذه هي أمريكا، فيها بالمقابل من يريد قتلي حتى لو ذهب فيليب حبيب ومهمته في “ستين داهية” وهؤلاء يعتمدون على إسرائيل فإن فعلتها فمن يسأل ومن يحاسب؟
أحببت تأكيد قوله على الأقل كي لا أبدو ساذجا فقلت
- معك حق، اذا لابد من مضاعفة الحذر فعلا.
هزّ رأسه مؤكدًا.
عن القدس دوت كوم