الحكومات اللاتينية تدفع ثمن معارضتها لحرب إسرائيل الإبادية
تصدَّرَت الحكومات في أميركا اللاتينية طليعة المعارضة لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وواجهت بضعة دول منها تهديدات جديدة على حين غرة، كان من بينها محاولات انقلابية. أشارت أدريين بين، الأستاذة في معهد كاليفورنيا للدراسات المتكاملة، في خلال ندوة عبر الإنترنت استضافتها منظمة التضامن مع نيكاراغوا، إلى أنّ «مَن يقف مع فلسطين في أميركا اللاتينية سوف تهاجمه الولايات المتحدة والصهاينة».
تبدو الأحداث الأخيرة بمثابة دليل على صحة تصريحاتها.
من بين 165 دولة تعترف بإسرائيل، لم تقطع سوى 4 دول علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع إسرائيل منذ بداية هجومها على غزة، وجميعها من أميركا اللاتينية: بوليفيا وبيليز وكولومبيا ونيكاراغوا (في حين قطعت فنزويلا علاقاتها مع إسرائيل منذ العام 2009، وقطعت كوبا علاقاتها في أثناء حرب أكتوبر 1973).
كما سحبت 8 دول أخرى دبلوماسييها من تل أبيب منذ السابع من أكتوبر، من بينها تشيلي والبرازيل وهندوراس من أميركا اللاتينية.
العلاقات الإسرائيلية مع أميركا اللاتينية قديمة. فبالإضافة إلى العلاقات التجارية الواسعة، دعمت إسرائيل في كثير من الأحيان الأنظمة القمعية أو قوضت الحكومات التقدمية
تستعرض هذه المقالة تجربة 3 حكومات في المنطقة عارضت بحزم حرب إسرائيل الإبادية – نيكاراغوا وهندوراس وكولومبيا. وجميعها تتعرض لهجمات تبدو كأنّها انتقام مباشر أو تتزامن مع مواقفها الأخيرة بطريقة تثير الريبة. وجميعها تحكمها حكومات تقدمية لها أسباب تاريخية تدفعها لتحدي إسرائيل، ما يزيد من حدة إدانتها لأفعال إسرائيل الأخيرة.
العلاقات الإسرائيلية مع أميركا اللاتينية قديمة. فبالإضافة إلى العلاقات التجارية الواسعة، دعمت إسرائيل في كثير من الأحيان الأنظمة القمعية أو قوضت الحكومات التقدمية. في مقال حمل عنوان «مسار الإرهاب الإسرائيلي في أميركا اللاتينية» على الجزيرة، ورد تلخيص لتاريخها الدموي في المنطقة، من تدريب فرق الموت في السلفادور إلى توريد الأسلحة التي استخدمت في مجازر الفلاحين في غواتيمالا.
دأبت إسرائيل على أداء دور وكيل واشنطن حين لا ترغب الأخيرة في «تلويث يديها». ففي نيكاراغوا، زودت تل أبيب قوات «الكونترا» التي حاولت الإطاحة بالثورة الساندينية في الثمانينيات بالأسلحة. وفي هندوراس، ساعدت في منع الرئيس ميل زيلايا من العودة إلى السلطة بعد الإطاحة به في انقلاب العام 2009.
حين أمست هندوراس «دولة مخدرات»، أصبح رئيسها خوان أورلاندو هيرنانديز (يقضي الآن عقوبة سجن طويلة في الولايات المتحدة بتهمة الاتجار بالمخدرات) أقرب حليف لإسرائيل في المنطقة. وفي كولومبيا، باعت إسرائيل كميات ضخمة من الأسلحة للجماعات شبه العسكرية التي زعزعت استقرار البلاد على مدار عقود من العنف الواسع.
نيكاراغوا «منصة إرهاب»
يعلمنا تاريخ إسرائيل أنّها على استعداد لتنتقم حين تهاجمها حكومات أميركا اللاتينية بتهمة الإبادة الجماعية. ونيكاراغوا أوضح مثال على ذلك؛ إذ كانت الدولة الأولى التي انضمت إلى جنوب إفريقيا في تقديم إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بداية هذا العام.
تبع ذلك رفع نيكاراغوا قضيتها الخاصة إلى محكمة العدل الدولية ضد ألمانيا، بسبب تزويدها إسرائيل بالأسلحة. وكان للحكم المؤقت للمحكمة أثر أولي في تقليل تدفق الأسلحة الألمانية إلى حين وقّعت إسرائيل في وقت لاحق «التزاماً» بعدم استخدامها في انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية.
ومؤخراً، في 11 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الرئيس دانييل أورتيغا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ووصف رئيس الوزراء نتنياهو بـ«ابن الشيطان» وشبهه بهتلر.
دأبت إسرائيل على أداء دور وكيل واشنطن حين لا ترغب الأخيرة في «تلويث يديها». ففي نيكاراغوا، زودت تل أبيب قوات «الكونترا» التي حاولت الإطاحة بالثورة الساندينية في الثمانينيات بالأسلحة. وفي هندوراس، ساعدت في منع الرئيس ميل زيلايا من العودة إلى السلطة بعد الإطاحة به في انقلاب العام 2009
جاء الانتقام سريعاً؛ فبعد 4 أيام من خطاب أورتيغا، أجرى القنصل الإسرائيلي في كوستاريكا المجاورة، أمير روكمان، مقابلة ادعى فيها وجود «مصالح إيرانية، وبالتحديد المصالح التابعة لمنظمة حزب الله الإرهابية، في نيكاراغوا».
كما زعم أنّ «القوات الإيرانية الراديكالية والجماعات الإرهابية تعمل بحرية» في نيكاراغوا، ولم يُطلب منه أي دليل على ادعاءاته ولا هو قدّم أي دليل يدعمها.
بالنظر إلى أنّ نيكاراغوا تبعد حوالي 3000 كيلومتر عن الحدود الأميركية، فمن غير الواضح فائدة «الجماعة الإرهابية» من العمل في بلد صغير بأميركا الوسطى.
استفاضت وسائل الإعلام اليمينية المعارضة للحكومة الساندينية في نيكاراغوا في تصريحات روكمان بسعادة. وقالت ميجال غور-أرييه، السفيرة الإسرائيلية في كوستاريكا، لصحيفة لا برينسا: «لقد تحولت نيكاراغوا إلى منصة إرهاب في المنطقة». وبعد بضعة أيام أضافت أنّ لحزب الله «قواعد» في فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا.
وقد استغل فيليكس مارادياغا، أحد أشهر معارضي الحكومة الساندينية في نيكاراغوا، هذا الموقف ودعا إلى تصنيف الحزب السانديني منظمةً إرهابية. وقال: «على المدى القصير، قد يفاقم هذا من تدهور الوضع الاقتصادي في نيكاراغوا»، لكنه أضاف «أؤمن بشدة بأنّ أي تضحية مؤقتة ستكون أقل من الفائدة الكبرى المتمثلة في إضعاف نظام جعل البلاد منصة لأنشطة متطرفة وغير قانونية».
رفضت الحكومة الساندينية في نيكاراغوا اتهامات إسرائيل في 21 تشرين الأول/أكتوبر. وحتى الآن، لا يوجد دليل على أنّ لمزاعم إسرائيل صدى في واشنطن، ولكن إذا صُنِّفَت نيكاراغوا «دولة راعية للإرهاب»، فقد تكون التبعات بالغة الخطورة.
فقد يلحق ذلك أضراراً أكبر باقتصادها مقارنة بأضرار العقوبات الأميركية الحالية، إذ ستؤثر في قطاع السياحة الذي يشهد نمواً سريعاً وربما يمتد الضرر لأبعد من ذلك. ويتجلى التحذير من هذا الوضع في تضرر الاقتصاد الكوبي تضرراً بالغاً بعدما أُدرِج ضمن تلك القائمة، ما فاقم الأضرار الكبيرة بالأصل من جرّاء الحصار الأميركي الطويل الأمد.
لم تتمكن كاسترو بعد من قطع الروابط القوية بين الجيش الهندوراسي وإسرائيل (فضلاً عن روابطه مع الولايات المتحدة). ففي نيسان/أبريل، كُشِف عن استمرار هندوراس في شراء المعدات العسكرية الإسرائيلية من النوع المستخدم في غزة، واستمرار تلقي ضباط
كما أنّ تصنيف «دولة راعية للإرهاب» يعطي الضوء الأخضر للوكالات الأمنية الأميركية والغربية الأخرى لملاحقة مَن يتضامن مع الدولة المدرجة في القائمة، وهذا ما حدث بالفعل مع داعمي فلسطين (إذ تتهم مجموعات التضامن زوراً بدعم حماس).
نجت نيكاراغوا من محاولة انقلاب في العام 2018، ولم يُلمح أورتيغا إلى احتمال حدوث انقلاب ثانٍ. لكن زعمت كل من هندوراس وكولومبيا مؤخراً بوجود هكذا محاولات. ننتقل إلى الحديث عن هندوراس تالياً.
«محاولة انقلاب» جديدة في هندوراس؟
تصريحات أدريين بين حول الهجمات على الدول الداعمة لفلسطين جاءت بعد وصفها لدور إسرائيل في دعم النظام النيوليبرالي الذي حكم هندوراس منذ العام 2009 حتى أزاحه حزب ليبري أخيراً في انتخابات 2021.
تضمن ذلك الدعم إنفاق 342 مليون دولار على استيراد المعدات العسكرية الإسرائيلية. وفي خطوة عكسية لسياسة سلفها، عبرت الرئيسة التقدمية، زيومارا كاسترو، عن دعمها القوي لفلسطين. واستدعت سفيرها من إسرائيل، وفي أيلول/سبتمبر، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدانت الإبادة الجماعية في غزة. كانت هندوراس من أوائل مَن اعترف من الدول في أميركا اللاتينية بفوز نيكولاس مادورو في انتخابات فنزويلا في 28 تموز/يوليو، في خطوة أخرى رأتها واشنطن خطوة استفزازية إضافية.
بعد هاتين الخطوتين، تعرضت كاسترو لضغوط شديدة على جبهات مختلفة، وصفتها بأنّها ترقى إلى محاولة انقلاب. ونتيجة لذلك، ألغت معاهدة تسليم المطلوبين بين بلدها والولايات المتحدة (وهي المعاهدة ذاتها التي سمحت بتسليم سلفها، هيرنانديز، للمحاكمة في نيويورك). لدى كاسترو تجربة مباشرة مع الانقلابات، فزوجها، ميل زيلايا، أُطيح به من الرئاسة في انقلاب في العام 2009 بدعم من الولايات المتحدة وأجبر على مغادرة البلاد. وليس من المستغرب أنّها تراقب بحذر احتمال حدوث انقلاب ثانٍ.
مَن يقف وراء محاولة الانقلاب؟ تتوجه الشكوك نحو سفيرة الولايات المتحدة في تيغوسيغالبا، لورا دوغو، صاحبة التاريخ الحافل في هذا المضمار. كانت السفيرة في نيكاراغوا قبل محاولة الانقلاب في 2018، ومنذ وصولها إلى هندوراس في 2022، أقامت روابط قوية مع معارضي حزب ليبري من الطبقة الرأسمالية، كما فعلت في ماناغوا مع أقطاب الأعمال المعادين للثورة الساندينية.
وكما أوضحت بين في الندوة، حاولت دوغو تصوير علاقات هندوراس مع فنزويلا على أنّها مرتبطة بتهريب المخدرات، وبعد بضعة أيام، أُضيفت مزاعم أخرى بعد نشر فيديو يُظهر بارون مخدرات يتحدث مع صهر كاسترو، ويزعم أنّهما ناقشا تمويل حملة انتخابية. نشر الفيديو مركز إنسايت كرايم، وهو مركز أبحاث ممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومؤسسة المجتمع المفتوح، وغيرها من الهيئات المتحالفة مع واشنطن.
لقد كان فوز زيومارا كاسترو في انتخابات 2021 حاسماً، ولا تزال تحظى بدعم قوي من الطبقة العاملة، بيد أنّ رئاستها تواجه مخاطر كبيرة. فهي تواجه كونغرس مضطرب، ونائب الرئيس استقال وأصبح الآن معارضاً لها، كما لا يزال كلٌ من الجيش وقوات الشرطة ضالعاً في الفساد ويتمتعان بحصانة من أيام الحكومات النيوليبرالية السابقة.
تستمر عمليات قتل قادة المجتمع الذين يقفون في وجه الشركات الكبرى. كان آخرها قتل الزعيم المجتمعي خوان لوبيز في أيلول/سبتمبر. وكما كتب جيمس فيليبس في كوفرت أكشن، فإنّ الجريمة «تسلط الضوء على عجز (ضعف) حكومة كاسترو في مواجهة الفساد المترسخ الذي ما زال يسمم الكثير من الاقتصاد السياسي والحياة اليومية في البلاد». وقد عرجت كاسترو على هذه القضية وأعربت عن عزمها على حلها في كلمتها أمام الأمم المتحدة.
لم تتمكن كاسترو بعد من قطع الروابط القوية بين الجيش الهندوراسي وإسرائيل (فضلاً عن روابطه مع الولايات المتحدة). ففي نيسان/أبريل، كُشِف عن استمرار هندوراس في شراء المعدات العسكرية الإسرائيلية من النوع المستخدم في غزة، واستمرار تلقي ضباط الشرطة الهندوراسيين تدريباً في إسرائيل. جاءت الأخبار من السفيرة الإسرائيلية، ويبدو أنّ الهدف منها كان إحراج كاسترو.
أوقف بيترو صادرات الفحم في آب/أغسطس من هذا العام، مشيراً إلى أنّ هذا الوقود كان يستخدم لصنع قنابل تقتل الأطفال الفلسطينيين
كولومبيا: «الانقلاب قد بدأ»
يعد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو من أقوى منتقدي إسرائيل في أميركا اللاتينية. فهو لا يكتفي بوصف النظام الإسرائيلي بـ«الإبادي»، بل يشبِّه أفعاله في غزة بالمحرقة. وقد قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب في أيار/مايو من هذا العام، ما أثار استجابة فورية من واشنطن تحثه على إعادة النظر، مصحوبة بتحذيرات مفادها أنّ ذلك يعرّض تنمية كولومبيا وأمنها للخطر.
تحدث سفير كولومبيا في الولايات المتحدة إلى مجلة جاكوبين مؤخراً عن دلالة قطع بلاده للعلاقات مع إسرائيل. وأشار إلى أنّ الحكومات السابقة كانت تعمد إلى إطلاع الولايات المتحدة مسبقاً على أي إعلان عام بخصوص أي قضية سياسية. لكن هذه المرة، عند قطع العلاقات مع إسرائيل، لم نخبر الولايات المتحدة.
بيد أنّ انتقادات بيترو المتزايدة لإسرائيل لم تتوقف، ومن بينها (في أيلول/سبتمبر) تشبيهه الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة بـ«فظائع المحرقة»، ومن ثم قوله إنّ نتنياهو وحكومته «يجسدان النازية». وجاء رد واشنطن عليه: «لا يمكننا قبول ذلك. لا يمكننا التساهل مع ذلك»، ووصف السفير الأميركي في بوغوتا بيترو بالمعادي للسامية. لكن وعلى غرار زيومارا كاسترو، ضاعف بيترو من إدانته لإسرائيل حين تحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً: «إذا ماتت غزة، ماتت الإنسانية».
كانت لكولومبيا، على غرار هندوراس، علاقات وثيقة مع إسرائيل في ظل حكوماتها السابقة. فقد وقع الرئيس السابق إيفان دوكي اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل في العام 2020. وأصبحت تجارة كولومبيا مع إسرائيل ثاني أكبر تجارة في القارة بعد البرازيل، وكان في صدارتها صادرات الفحم. أوقف بيترو صادرات الفحم في آب/أغسطس من هذا العام، مشيراً إلى أنّ هذا الوقود كان يستخدم لصنع قنابل تقتل الأطفال الفلسطينيين.
في 1 تشرين الأول/أكتوبر، حذر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من مخطط لانقلاب في كولومبيا، متهماً الرئيس السابق إيفان دوكي بالتعاون مع واشنطن لتنفيذه. ثم في 9 تشرين الأول/أكتوبر، زعم الرئيس بيترو أنّ «الانقلاب قد بدأ»، واستشهد بمحاولة المجلس الانتخابي الوطني إنهاء رئاسته عبر تحقيق في مزاعم حول تمويل غير قانوني في حملته الانتخابية، وهي اتهامات ينكرها جملة وتفصيلاً.
ثم ظهرت معلومات تفيد أنّ دوكي قد اشترى، قبل الانتخابات الأخيرة بوقت قصير، برنامج «بيغاسوس» الإسرائيلي واستخدمه للتجسس على خصوم سياسيين. وبينما كانت هذه التسريبات (الشبيهة بما حدث في هندوراس) تهدف على الأرجح إلى تذكير بيترو بصلات جيشه المستمرة مع إسرائيل، يبدو أنّها جاءت بنتائج عكسية. فقد اتهم بيترو دوكي باستخدام أموال الدولة بطريقة غير قانونية وبغسيل الأموال، مشيراً كدليل إلى أنّ نصف الدفعة البالغة 11 مليار دولار أُرسلت إلى إسرائيل نقداً بالطائرة من دون مبرر واضح. وعلى أي حال، عززت هذه الأنباء الانطباع بأنّ بيترو، شأنه شأن الرؤساء السابقين، محاط ببيئة فاسدة.
هذا أحد أوجه التشابه العديدة بين وضع بيترو ووضع زيومارا كاسترو في هندوراس. أولاً، توجد محاولات مشبوهة لربط بيترو بعصابات المخدرات من خلال اتهامات موجهة لأقاربه.
ثانياً، يواجه، على غرار نظيرته في هندوراس، مقاومة مستمرة من اليمين تعيق محاولاته إحداث تحول جذري في بلاده، وصولاً إلى شن «حرب قضائية» ضد رئاسته نفسها.
وثالثاً، يتجلى ضعف النظام القضائي في كولومبيا في مواجهة الفساد من خلال حقيقة أنّ القضية المرفوعة ضد شركة شيكيتا براندز إنترناشونال لتمويلها جماعات شبه عسكرية لم تصل إلى خاتمتها إلّا في محكمة أميركية، تماماً كما حدث في هندوراس في القضية المرفوعة ضد الرئيس السابق هيرنانديز. وبطبيعة الحال، تشترك الدولتان في تاريخ طويل من العلاقات الوثيقة بين أجهزتهما الأمنية والجيش الأميركي، بما في ذلك استضافة قواعد عسكرية أميركية كبيرة.
إذا كانت أميركا اللاتينية في طليعة المقاومة ضد الإبادة الإسرائيلية، فهي مع ذلك بعيدة جغرافياً عن غرب آسيا، ومقاومتها رمزية إلى حد كبير وبعيدة عن أن تكون ذات أهمية حاسمة
لماذا لا يتحدى سوى عدد قليل من الدول إسرائيل؟
إذا كانت أميركا اللاتينية في طليعة المقاومة ضد الإبادة الإسرائيلية، فهي مع ذلك بعيدة جغرافياً عن غرب آسيا، ومقاومتها رمزية إلى حد كبير وبعيدة عن أن تكون ذات أهمية حاسمة.
يتساءل نِك كوربيشلي في مقال له في نيكد كابيتاليزم: «لماذا لا يتخذ سوى عدد قليل من الدول إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية ذات مغزى، بما فيها فرض عقوبات محددة الهدف، ضد دولة مارقة لم تكتفِ بذبح عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، بل هي عازمة على إشعال صراع إقليمي في الشرق الأوسط؟» يقدّم لنا في معرض إجابته أربعة تفسيرات:
- الخوف من انتقام أميركي (يشبه ما واجهته جنوب أفريقيا منذ اتخاذها إجراءات ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية).
- الخوف من الانتقام الاقتصادي (يشبه التهديدات الموجهة إلى أيرلندا بأنّها إذا استمرت في انتقاد إسرائيل فستفقد الصناعات التقنية المتقدمة التي يعتمد عليها اقتصادها بشكل كبير).
- خطر أن توقف إسرائيل مبيعاتها وخدماتها الداعمة لتقنياتها العسكرية المتقدمة (وهذا حدث لكولومبيا فور توقفها عن تصدير الفحم).
- التهديد بانتقام إسرائيلي ضد الوزراء أو حتى قادة الحكومات الذين يخرجون عن الصف في قضايا غزة وغيرها (وهذا حدث في البلدان الثلاثة الواردة هنا، مع تهديدات محتملة أخرى نابعة من توفر برنامج بيغاسوس الإسرائيلي على نطاق واسع وقدرته على الكشف عن معلومات محرجة حول معارضي إسرائيل).
تُعد إسرائيل خصماً شديد البأس، وليس فحسب في ساحات المعارك. فقد كشفت صحيفة الغارديان عن أنّ إسرائيل راقبت وأرهبت للمحكمة الجنائية الدولية على مدار 9 سنوات. في الوقت الحالي، لا توجد أدلة قوية على محاولات إسرائيل تقويض حكومات أميركا اللاتينية التقدمية، لكن احتمالية ذلك واضحة، ومن المرجح أن تكون هذه المحاولات أكثر فاعلية ضد الحكومات ذات الأوضاع السياسية الهشة.
«يدرك غوستافو بيترو تماماً الأسباب التي تجعل عدداً قليلاً من الدول تقف بحزم ضد الإبادة إسرائيلية لغزة. في مناقشة مع قادة تقدميين آخرين في أميركا اللاتينية، ذكر أن القوى الغربية توجه تحذيراً إلى بقية البشرية: «ما يحدث لفلسطين سيحدث لأيٍّ منكم، إذا تجرأتم على إجراء تغييرات من دون إذنٍ منا».
نُشِر هذا المقال في Covert Action Magazine في 1 تشرين الأول/نوفمبر 2024 كمصدر مفتوح.
عن موقع صفر