الحكم والأيدلوجيا…
مع سيطرة طال.بان على افغانستان برز من جديد سؤال: هل يستطيع أصحاب الأيدلوجيات الحكم بحسب رؤيتهم أم أنهم مضطرون لتغيير فكرهم وأيدلوجيتهم عند وصولهم للحكم؟..هل تستطيع حركة ما الحكم بحسب مفاهيمها الخاصة في زمن العولمة، ام أنها مضطرة لمجاراة قيم “الحضارة” الغربية، على اعتبار أنها قيم مهيمنة بفعل القوة الناعمة والخشنة؟…
سؤال معقد…والجواب: نعم ولا؟
للتوضيح يجب أن نمهد للإجابة بالمعيار الذي يستند له “النظام الدولي” الذي تهيمن عليه الرأسمالية…هل المعيار هو القيم والمبادئ والفكر، أم المصلحة!
يأتينا الجواب من أرض الواقع، والتجربة العملية…
يمكننا النظر للدول العربية المحكومة بأنظمة ديكتاتورية ينعدم فيها التداول السلمي للسلطة وحرية الرأي، حيث يسيطر فيها العسكر أو أشباههم، ويسود فيها الفساد وتفتقر للحد الأدنى من الشفافية…فهل حال ذلك دون اعتراف “المنظومة الدولية” بهم والتعامل معهم ومنحهم “الشرعية”…بالقطع لا، بل على العكس تماماً غض “النظام الدولي” بصره عن جميع التجاوزات وانتهاك حقوق الإنسان، لأن هذه الأنظمة تحفظ مصالحه…أنظر إلى نظام السيسي ونظام ابن سلمان، الأول يحكم بالحديد والنار، والثاني يحكم بواسطة منظومة دينية (وإن أظهر أنه ليبرالي)، كلا النظامين يصطدمان مع “القيم” الغربية، لكن يتم السكوت عنهما لأنهما يحافظان على مصالح الدول الرأسمالية المهيمنة.
تدرك النخب السياسية هذه المعادلة، لذلك عندما يصل بعض الأيدلوجيين للحكم يضطرون لتغيير “قيمهم” حتى يصبحوا مقبولين من “المجتمع” الدولي، وإلا كان العزل والحصار. على سبيل المثال: انظر إلى عبد الله حمدوك (رئيس الوزراء السوداني) الذي كان ينتمي سابقاً للحزب الشيوعي ومدعوم من اليسار السوداني، كسر كل “القيم” اليسارية عند وصوله للحكم حتى يصبح “مقبول” دولياً، ولا يتم حصاره ومقاطعته. بدءاً من عقد الاتفاقيات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي، مروراً بالتنسيق الأمني مع السي آي أيه، وانتهاء باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. والحال لا يقتصر على حمدوك بل نجده عند من هم محسوبين على التيار الإسلامي سواء في حكومة المغرب أو تركيا.
خلاصة القول:
لا يهتم النظام الدولي بشكل الحكم وأيدلوجية الحاكمين وصورهم وأشكالهم، وإنما ينظر إلى أفعالهم ومدى انسجامها مع مصالح الدول الرأسمالية المهيمنة…فلو أن طال.بان، حكمت بنظام ديني شبيه بالنظام السعودي، واضطهدت المرأة وامتنعت عن عقد الانتخابات، وفي نفس الوقت دفعت “الجزية” وحافظت على مصالح الدول الغربية، فلن تتعرض للمقاطعة أو الحصار، وفي أحسن الأحوال سيتم انتقادها بالصحافة الغربية وعبر تقارير مؤسسات حقوق الإنسان. أما إذا عاندت طال.بان وجابهت المطامع الغربية، وامتنعت عن عقد الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية مع الدول المهيمنة،فستلاقي نفس مصير شافيز “اليساري” في فنزويلا الذي وصل للحكم عبر الانتخابات، ولم يضطهد المرأة، لكنه رفض الانصياع لمنظومة الاستغلال الرأسمالية …. سيتم شيطنتها ومحاربتها وحصارها ومقاطعتها ومحاولة الانقلاب عليها. فالعبرة ليست في الأيدلوجيا وإنما بالمصلحة.