ترجمة لمقال  في جروزاليم بوست يلقي الضوء على مخاوف العلمانيين الاسرائيليين من الحريديم، الذين يشكلون خمس يهود إسرائيل،  ويتزايدون بمعدل يزيد بأربعة أضعاف  عن  المعدل العام للنمو  السكاني في اسرائيل، ما يجعلهم  التهديد الأكبر  لاستدامة الازدهار  الاقتصادي الإسرائيلي  ولطابعها “الديموقراطي” الغربي.  

من غير الممكن   استمرار الديناميكية الحالية المتوسعة بسرعة لدولة الحريديم داخل الدولة، دون إنهاء الطابع الإسرائيلي الهش كديمقراطية على النمط الغربي،  مع دخل للفرد منافس للمملكة المتحدة أو لفرنسا.

تطلق القيادة الجديدة لإسرائيل على نفسها اسم “حكومة التغيير” لأن بنيامين نتنياهو الذي خدم لفترة طويلة قد تم  إزاحته في النهاية. لكن تبايناتها الأيديولوجية تخاطر بعرقلة التغييرات الحقيقية المطلوب إنجازها،  بما في ذلك التهديد الأساسي الذي تواجهه الدولة في الوقت الحالي.

وهذا التهديد  ليس من الفلسطينيين، رغم أهميته (كما سبق وذكرت في هذه الصحيفة )، وهو أيضا  ليس من العالم العربي الأوسع،  ولا حتى من  إيران.  

الخطر الأكبر يأتي من الداخل: دولة الحريديم الآخذة في التوسع بسرعة داخل الدولة، والتي لا يمكن أن تستمر ديناميكيتها الحالية دون إنهاء الولاية الاسرائيلية الهشة كديمقراطية على النمط الغربي،  مع دخل للفرد منافس لبريطانيا أو فرنسا.

 كما نعلم، يتمسك الحريديم بتفسير صارم لليهودية،  لا يتسامح مع أي انحراف عن التقاليد القديمة.  يمكن العثور عليهم في الولايات المتحدة وبلجيكا وبريطانيا وأماكن أخرى، ويشكلون  دائمًا مجتمعات متماسكة. لكن  فقط في إسرائيل يوجد جدار حماية سام بينهم وبين المواطنين.

 يمكن إرجاع ذلك إلى القرار الذي اتخذه دافيد بن غوريون منذ حوالي 70 عامًا بمنح إعفاءات من التجنيد للطلاب في المدارس الدينية.  في ذلك الوقت كان هذا ينطبق على عدة مئات من العلماء الحقيقيين. 

 غير أن  هذا الإجراء حوّل دراسة التوراة إلى هوس غير مسبوق ، يمكن القول أنه دفع جميع الرجال الحريديين إلى الالتحاق بالمدارس الدينية.  أولاً لتجنب التجنيد ، ثم بشكل أساسي كمصدر للرفاهية.  

ففي حين يدفع  طلاب الجامعات الآخرين الرسوم الدراسية، فإن الحريديم يحصلون على رواتب طوال فترة دراستهم  – إن أمكن مدى الحياة – .  

حاليا تم  تعليم  أكثر من 150.000 رجل في هذه المدارس على الإيمان بأن التشدد والحاخامات يحلان محل القوانين والمسؤولين في الدولة. وللحفاظ على العزلة، يتم إرسال معظم طلاب المدارس الثانوية الحريديين إلى مدارس المجتمعات التي تدرس القليل من الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية أولا تدرس هذه المواد على الإطلاق .

في الآونة الاخيرة ، وصف الحاخام الرئيسي لإسرائيل، وهو حريدي، مثل هذه الدراسات العلمانية عن الموضوعات العلمية  بأنها “هراء”.  

تمول إسرائيل هذه المدارس على الرغم من أن خريجيها البائسين عاطلون عن العمل ولا يوظفون في الاقتصاد الحديث.  ونتيجة لذلك ، فإن أقل من نصف الرجال الحريديم هم جزء من القوة العاملة، وهو أدنى مستوى مشاركة لأية مجموعة اخرى  في إسرائيل. وهو،أيضا، مستوى أقل بكثير من الحريديين في البلدان الأخرى. والأقلية التي تعمل مهم بالفعل تميل إلى شغل مواقع بيروقراطية دينية  تشمل المشرفين على حمامات طقوس المكفوت ، وشهادات طعام الكشروت ، وغيرها من المواقع البيروقراطية .

 يجري إقصاء النساء في المجتمع من قوائم مرشحي الأحزاب الحريدية، ويتم تشجيعهن بقوة على الإنجاب، بحيث أنهن ينجبن في المتوسط ​​7.1 طفل – أكثر بكثير من أية مجموعة أخرى في إسرائيل.

إنهم يعيشون في فقر،  بأقل قدر من الدعم الحكومي الذي يمكن تحمله لكل طفل على حساب الإسرائيليين العاملين.  وهكذا فإن مجتمع  الحريديين  يضاعف نفسه كل 16 سنة ، أي أنه ينمو بأربعة أضعاف معدل نمو بقية سكان إسرائيل. ارتفعت  الأهمية النسبية  للحريديم إلى إجمالي سكان إسرائيل لحوالي 12٪  (9.5 مليون نسمة )، – ما يقرب من 20٪ من يهود البلاد .  ويقدر معدل التناقص الطبيعيي بأقل من 5٪ – ، وما لم يتغيرهذا الوضع ، فإن الحريديم سيشكلون غالبية يهود إسرائيل في غضون عقود قليلة.

من الواضح أن الوضع الاقتصادي يمكن أن ينهار، وأنه سيتعين على الحريديم أن يعملوا  وربما يسعى الحريديون  أنفسهم لتغيير  طريقتهم. لكن من الصعب رؤية ذلك  يحدث بالسرعة الكافية، كي يتمكن الكثيرون من البقاء في هذا “البلد الناشئ” الذي يعتبر رائدا عالميا في مجال التكنولوجيا الإلكترونية والتكنولوجيا الزراعية ورأس المال الاستثماري ويتجاوز وزنه بكثير في الحصول على جوائز نوبل ، وفي صادراته التلفزيونية، وهو رائد عالميا  في مجال حقوق المثليين وإلغاء تجريم الحشيش، وقد طور منظومة  القبة الحديدية للتصدي للصواريخ. وسيكون من الصعب في ظل هذا الواقع في إسرائيل ان تجبر العلمانيين على البقاء. حيث من المتوقع أن يفر الأشخاص المبدعون الذين أسهموا في تحقيق كل هذه الانجازات والابتكارات العالمية .

 لطالما كانت التوترات مرتفعة بسبب الإعفاءات المتضخمة من التجنيد، وهي نقطة احتكاك تضخمت بفعل الدعم الحريدي شبه المنتظم للجناح اليميني (ما يثير السخرية معارضة الحريديم المبكرة للصهيونية ). ويرى الكثيرون في هذا على أنه استمرار للصراع الذي يرفضون القتال فيه ، (وهم أيضًا لا يسهمون بشكل متناسب في استيطان الضفة الغربية).

 أدت أزمة فيروس كورونا المستجد COVID-19 إلى زيادة حدة التوتر عندما رفضت شريحة كبيرة من السكان الحريديم إغلاق المدارس وإنهاء التجمعات الكبيرة للصلاة أوالأعراس أوالجنازات، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بشكل كبير  (تفاقمت بسبب  ظروف الازدحام في تجمعاتهم) . وساهم ذلك  في أن تكون إسرائيل عام  2020  الرائدة  عالمياً في عدد أيام الإغلاق الوطنية. (رفض نتنياهو مطالبات الخبراء بإغلاق هادف  خوفًا من إزعاج الحريديم).  ووردت تقارير متفرقة تفيد بقيام الحريديم بفرض الفصل بين الجنسين، ومنع النساء من الغناء في الأماكن العامة في اي مكان يحصلون فيه على موطئ قدم، ومما يدعو لمزيد من القلق التدخل الحريدي المستمر في المواصلات العامة، وفي الأعمال التجارية أيام السبت.

 من منطلق احترام الحريديم، تواصل إسرائيل السماح لجميع الأديان باحتكار  مسؤولية الزواج الرسمي، ومنحت اليهودية الأرثوذكسية بنهجها الصارم (وليس تيار الأغلبية في الولايات المتحدة)، السلطة على التحول.  وبالتالي فإن العديد من المهاجرين الناطقين بالروسية غير معترف بهم كيهود، والأزواج المختلطون بشكل عام يدفعون إلى عبثية السفر إلى الخارج من أجل الزواج .

هذا النظام  بأكمله يتم قبوله وتمويله من قبل الأغلبية الإسرائيلية  – من غير الحريديين – الذين ستدمر طريقة حياتهم بحكم معدل المواليد. ويعود ذلك جزئيا إلى الخوف من وصفهم بأنهم متعصبون – وهي مشكلة قديمة  لليبراليين في التعامل مع غيرالليبراليين .

 من الممكن أن تجد إسرائيل طريقة لإعادة صياغة العلاقة مع الحريديم، وفرض منهاج أساسي إلزامي، وإنهاء الرواتب  لطلبة المدارس الدينية، وتقليص إعانات الأطفال، وإلغاء إعفاءات التجنيد، وتجاهل رغباتهم فيما يتعلق بمسائل الزواج والتحول وأيام السبت (  بالتأكيد في المناطق العلمانية).

بل من المعقول أن يحدث هذا في إطار حكومة التغيير التي لا تعتمد على الأحزاب الحريدية. فالأحزاب ذات الميول اليمينية في الائتلاف – بما في ذلك  حزب يمينا الذي ينتمي له رئيس الوزراء نفتالي بينيت — تحتوي على أعضاء متدينين، لكن هؤلاء هم أشخاص متدينون أكثر حداثة مثل بينيت نفسه . الذين إذا رغبوا قد ينقذوا الطابع اليهودي من الحريديم. 

 لكي تنضم الأحزاب ذات الميول اليمينية إلى يسار الوسط في قلب المسيرة الانتحارية الحالية  فإنها ستحتاج بدونهم إلى التخلي عن كل أمل في حكومة مستقبلية ذات جناح يميني موحد – لأن اليمين لا يمكنه حشد أكثر من 40٪ من المقاعد في الكنيست. وهذا يعني أن مصير إسرائيل بيد الفلسطينيين.  إذا وجد الإسرائيليون والفلسطينيون طريقة للتوصل إلى السلام (أو على الأقل نزع فتيل الصراع) ، فستختفي القضية الحاسمة التي تعطي معنى للجناح اليميني في إسرائيل. وإذا لم يفعلوا ذلك ، فلن يجد اليمين أبدًا الشجاعة للانفصال بشكل حاسم عن جناحه الحريدي.لذلك فإن كل من يهتم ببقاء إسرائيل على قيد الحياة لديه سبب آخر للتوق إلى السلام.

 الكاتب هو المحرر السابق للشرق الأوسط  المقيم في القاهرة ومحرر أوروبا / إفريقيا في وكالة أسوشيتد برس،   ورئيس سابق لجمعية الصحافة الأجنبية في القدس.  وهو الشريك الإداري لشركة الاتصالات Thunder11 ومقرها نيويورك. 

رابط المقال 

Jerusalem Post Opinion

Haredim, not Arabs or Iran, are the biggest threat to Israel – opinion

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *