الحركة الوطنية الفلسطينية و”الشرعية النضالية” على مقياس ريختر
تستمر الفصائل الفلسطينية كافة وبكل مكوناتها المتفرعة عنها بالاستهانة بدماء شعبنا الفلسطيني بشكل فج وبجح ومكشوف. يتزاحمون ويتنافسون على التطبيع مع النظام السوري المجرم وإعادة العلاقة معه والاشتراك في مهزلة تعويمه ؟! ويرسلون برقياتهم وممثليهم لكرنفالات النفاق للتباكي على ضحايا الزلزال الذين يشكلون أقل من واحد بالألف من ضحايا إجرامه بالبراميل المتفجرة والكيماوي “فلسطينياً عدد الضحايا أقل من ضحايا أصغر مجزرة ارتكبها النظام وحلفائه في مخيم اليرموك أو غيره من المخيمات الفلسطينية في سورية ومجزرة جامع عبد القادر الحسيني بعد ضربة الميغ ومجزرة شارع علي الوحش وكذا مجزرة التضامن نماذج صارخة لذلك “وكل ذلك تحت شعارات ممجوجة وكاذبة يعرفون أن النظام يرفعها للتغطية والتعمية على جرائمه والحفاظ على سلطته في أبشع وأقذر توظيف لأعدل قضية على مر التاريخ .
إنها باختصار المصالح والمكاسب الشخصية والحزبية التي أعمت بصرهم وبصيرتهم والتي يلهثون خلفها حتى لو جاءت على حساب دماء الشهداء وأعراض المغتصبات وآلام وآهات المعتقلين في سجون ذلك المجرم السفّاح ؟!
تحوّلت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطات أمر واقع لا علاقة ولا صلة لها بفكرة التحرر الوطني ، وباتت هذه السلطات رهينة لداعميها ومموليها من الأنظمة العربية والغربية ، وفقدت أي قدرة على اتخاذ قرارات مستقلة تصب في خدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا ؟! بل انصرف كل طرف لإرضاء مشغله ؟!
ولا تستند بالطبع أي سلطة من سلطات الأمر الواقع هذه إلى أي نوع من الشرعيات سواء الانتخابية أو حتى النضالية لأن أوجه وأساليب النضال أضحت خاضعة لمزاج الداعم وخادمة لمشاريعه الاقليمية والدولية ؟!
فلا قدسية أو طهورية لأي فصيل فلسطيني هي قاعدة مهمة للتعاطي والتعامل معهم ، صحيح أنهم لا يدّعون ذلك في أدبياتهم لكنهم يمارسونه بغلاف “الشرعية النضالية” وتحت وطأتها ، فيحرّم بعضهم المساس بمواقفهم وإن تعارضت مع القيم والأخلاق والمبادئ ؟!
” الشرعية النضالية ” لا تمنح الحصانة ولاينبغي لها ذلك في الحركة الوطنية الفلسطينية ، ومقياس الحكم على أي فصيل لا يرضخ لها ولا يعفي مدّعيها فضلاً عن صاحبها من المحاسبة والمراجعة والنقد .
كما إن استخدام ” الشرعية النضالية” وتوظيفها للهروب من شرعية صندوق الانتخابات هو انعكاس لسلوك العاجز وهروب من فشل مرتقب وتخوّف من خسارة آخر شماعة يتكئ عليها مدّعو هذه الشرعية والمتسلقون عليها والمتسلطون على رقاب شعبنا برمزيتها.
وعليه لا تعطي ” الشرعية النضالية” الحق لمن يرفعها دوماً في وجه شعبه التلاعب بثوابته الوطنية وحقوقه الوطنية المشروعة ولا تمنحه التنازل عنها. كما لا تؤهله لتمثيل شعبنا الفلسطيني والتحدث باسمه تحت غطائها .
يُدرك شعبنا الفلسطيني ذلك تماماً لكنه مع الأسف يبدو وكأنه مسلوب الإرادة فقد أصبح جزء منه ضمن منظومة سلطات الأمر الواقع فارتبط بعجلتها الاقتصادية وارتهن للرواتب والوظائف والقروض المالية ، والجزء الآخر يفتقر لمن يمثله بحق في ظل غياب الانتخابات كأحد الآليات التي تفرز هذا التمثيل ، لذلك من يملك المال يملك القرار والقدرة على إدارة أي قضية، وبالتالي لا معالم واضحة للمشروع الوطني الفلسطيني ولا استراتيجية نضالية موحدة في ظل غياب مرجعية وطنية منتخبة ، ولا أفق لإجراء هذه الانتخابات التي يمكن أن تفرز هذه المرجعية في الداخل الفلسطيني والشتات .
باختصار وللإجابة على سؤال ما الحل؟ أو ما العمل؟ اللذان يُرفعان دوماً في وجه كل من ينتقد الواقع ؟! نقول يكمن الحل في التركيز على فكرة أساسية وهي الإصرار على انتخاب مجلس وطني فلسطيني كون هذا المجلس هو نواة عمل منظمة التحرير الفلسطينية ومرتكزها . وهو الخطوة الأولى في بناء النظام السياسي الفلسطيني، ولذلك هي فكرة مُحاربة وبشدة وتُقمع وتُوضع في وجهها كل العراقيل والعقبات من كل سلطات الأمر الواقع والمستفيدين منها في الداخل الفلسطيني والخارج الذين جابوا العواصم ضمن جولات مصالحة يدركون أنها لاتعدو سوى كونها حفلات تكاذب وبيع وهم لشعبنا يستثمرها كل طرف لخدمة مصالحه الخاصة .
وبعد فإن الحركة الوطنية الفلسطينية تائهة بين الحزبي والشخصي وتحتاج ربما لزلزال شعبي يفوق بقوته زلزال تركيا وسورية على مقياس ريختر يغيّر جذرياً المسيطرين عليها والمتحكمين بها والمتسلطين على مفاصل القرار فيها ؟!
عن الشرق الاوسط بوست