الحرب في غزة – لمحة سريعة: الإخفاقات والتحديات والمهام المستقبلية

الحرب تسير بشكل سيء. لقد تم التخطيط لها مسبقاً دون إدراك أهمية عنصر الوقت، وتحولت إلى حرب استنزاف مستمرة منذ حوالي سنة . ولم يتم الوصول إلى محور فيلادلفيا، الذي قيل لنا الآن عن مدى أهميته، إلا بعد حوالي سبعة أشهر . أما الهدف الاستراتيجي، “النصر المطلق”، الذي كان من المفترض أن يكون في متناول اليد، فإنه لم يعد من الممكن رؤيته في الافق .٠
حماس تواصل القتال، وتجند مخربين جدد، وتواصل توزيع المعدات الإنسانية – وفعليا تواصل السيطرة على القطاع . ومع مزيد الأسف فإن ما حدث حتى الآن ليس أنه فقط لا يردع أعداءنا فحسب، بل إنه يشجعهم .
صحيح أن الدمار في غزة هائل وأن المخربين وسكان غزة تكبدوا خسائر فادحة، ولكن في مقابل ذلك تظهر حقائق صعبة بالنسبة لنا حيث اتضح أن إسرائيل ضعيفة للغاية.
إن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر على يد عدة آلاف من المخربين، دون قوة جوية أو أسلحة ثقيلة، هز البلاد من أساسها، وعزز من أمل إيران والمنظمات الإرهابية بأنهم يستطيعون تحقيق هدفهم.
تحولت إسرائيل آلى فريسة لإجراءات قانونية دولية لا طائل من ورائها، وتقوضت مكانتها الدولية بشكل كامل. وتبين أيضًا أن إسرائيل لم تتمكن منذ ما يقرب من عام من إسقاط منظمة تخريبية تسيطر على منطقة صغيرة، وتظهر أنها عاجزة أمام الدمار الرهيب في الشمال وأمام حقيقة أن عشرات الآلاف من الإسرائيليين أصبحوا لاجئين في وطنهم.
وتزايدت جرأة إيران والمنظمات الإرهابية. كل شخص حر في إطلاق النار على إسرائيل عندما يخطر على باله. صحيح أن الهجوم الإيراني وهجوم حزب الله (بعد الاغتيالات في دمشق وبيروت) توقفا، لكن في هذا الأمر يجب أن نكون حذرين .
فمن لديهم الحرية في الهجوم عندما تكون لديهم رغبة في ذلك قد يفشلون عدة مرات، لكن الخطر من النجاح مرة واحدة يتزايد. لقد تعلمنا هذا في 7 أكتوبر. وعلى أية حال فإن الحرب «العادية» في الشمال مستمرة، وأبعاد الدمار أخذة بالإتساع .
سأتناول مسألة كيف يمكن مواصلة العمل بعد أن أقول بضع كلمات عن تطورات عامة يجب أن تؤخذ في الحسبان . على الصعيد الدولي، نشهد تغيرات غير مريحة لنا، ومنها تراجع نسبي في قوة الولايات المتحدة، وانكشاف الغرب أمام إيديولوجيات “تقدمية” تنظر بتسامح إلى الفظائع التي نفذتها حماس .
وحتى الحرب الروسية الأوكرانية اثمرت عن نتائج سلبية، ليس فقط على المستوى العالمي ولكن أيضًا بالنسبة لنا، وذلك لأنها أدت إلى تحالف روسيا مع إيران وكوريا الشمالية والصين واتخاذ موقف مناهض لإسرائيل.
هناك حربان كبيرتان تجريان في منطقتنا. أحداهما، العرب ضد إسرائيل، والثانية داخل العالم الإسلامي بين الشيعة والسنة. وهناك نقاط تقاطع لهذه الحروب .
فالحرب العربية ضد إسرائيل، التي بدأت فعلياً مع بداية الصهيونية، دارت معظم الفترة في ظل المحيط السني المسيطر على منطقتنا. وبعد سلسلة من الحروب، توصلت إسرائيل إلى اتفاقيات سلام مع جارتيها الرئيسيتين، الدولتين السنيتين مصر والأردن.
وأسفرت اتفاقيات السلام هذه عن تعاون جزئي مع الأنظمة في هذه البلدان، لكن عداء الجمهور الإسلامي فيهما لإسرائيل لم يتراجع . مصر بشكل عام تلعب لعبة مزدوجة.
فبالإضافة إلى التعاون مع إسرائيل، فهي تسمح لحماس بتهريب الأسلحة من سيناء، كما أن المعبر بين سيناء وقطاع غزة يشكل مصدر دخل لها . وعمليا نحن نشهد ظاهرة شبيهة بتلك التي انعكست في الماضي بدعم السعودية لأسامة بن لادن. فهذا الدعم كان مقابل عدم توجيه الإرهاب ضد السعودية والاكتفاء بأهداف أخرى.
تغيرت الصورة في منطقتنا بعد ثورة الخميني الدينية في إيران. ونتيجة لذلك، تبنت إيران إيديولوجية تسعى إلى ضرب الولايات المتحدة وتدمير إسرائيل.
وفي موازاة ذلك ، يخوض الإيرانيون صراعاً من أجل سيطرة التيار الديني الشيعي على الإسلام، وإخضاع أو القضاء على التيار السني، الذي كان حتى وقت قريب هو التيار المهيمن على الإسلام.
وفي هذا المجال، حققت إيران نجاحاً كبيراً. لقد أطاح الغرب بصدام حسين، دكتاتور العراق، وبذلك قدم خدمة كبيرة لآيات الله . فبعد سقوط صدام سيطر الشيعة على العراق.
وفي لبنان، أصبحت حركة حزب الله الشيعية، المدعومة من إيران، قوية للغاية، وهي تسيطر تدريجياً على البلاد. وفي سوريا اندلعت حرب أهلية تمردت فيها الأغلبية السنية على دكتاتورية الأسد العلوية، التي كانت تميل نحو العلمانية، لكنها من الناحية الدينية هي قريبة من الشيعة.
لقد شلت هذه الحرب، على الأقل مؤقتا، النضال السوري ضد إسرائيل، ولكن في الحرب الأهلية انتصر نظام بشار الأسد، بدعم من روسيا وإيران .
والنتيجة هي أن إيران الشيعية حصلت على حصة من السلطة في سوريا. و فر الملايين من ابناء الطائفة السنية من البلاد، ويقيمون كلاجئين في تركيا وأوروبا.
حماس، التي تسعى أيضا إلى تدمير إسرائيل، وقفت في الحرب الأهلية السورية، في البداية على الأقل، إلى جانب السُنة، أي ضد نظام الأسد، وبشكل غير مباشر ضد إيران. ونتيجة لذلك، خسرت حماس قاعدتها في سوريا، لكن حزب الله الشيعي سمح لحماس بالعمل في لبنان.
حماس نفسها تراجعت وأصبحت ربيبة للإيرانيين. ويعكس هذا التحول تفضيل الحرب ضد إسرائيل على حماية التيار السني من الهجوم الشيعي الإيراني. ونجد تعبيراً عن ذلك أيضاً في تركيا، الدولة التي تربطنا بها علاقات سلام حساسة ومتوترة. فالإسلام في تركيا ينتمي إلى التيار السني (مع اسس علمانية ضعيفة).
كنا نتوقع من تركيا، باعتبارها قوة سنية لها تاريخ من الخلافة السنية، أن تقف في وجه توسع إيران الشيعية. لكن تركيا لا تفعل ذلك، وتعمل على تفاقم علاقاتها مع إسرائيل.
هجوم 7 أكتوبر وحرب غزة زادت من الدعم لحماس بين عرب الضفة الغربية (وأيضا في مخيمات اللاجئين في الخارج)، وعلى الجانب اليهودي، تسببت في تعزيز جناح اليمين والتيار الذي لا يؤمن بامال السلام معهم، وفي صورته المتطرفة، يعمل حتى على قمعهم في الضفة الغربية .
رغم هذه الصورة الكئيبة إلى هذا الحد ، فإن هناك فرصة للأمل. أرى أن علاقتنا مع الجمهور العربي في إسرائيل تشكل نقطة مضيئة. لدى هذا الجمهور عدد غير قليل من الادعاءات ، بعضها مبرر، ضد الدولة.
وشهدت العلاقات معهم عددًا لا بأس به من الاضطرابات، من بين أسوأها الاضطرابات التي تسببت بها عصابات عربية في إسرائيل في مايو 2021 بشأن أحداث الحرم القدسي وعملية حرس الأسوار .
وكان هناك أيضاً عرب إسرائيليون شاركوا في عمليات إرهابية، لكن هؤلاء هم أقلية داخل أقلية. ومع ذلك، يجب النظر إلى الجانب الإيجابي. يرغب العديد من عرب اسرائيل في الاندماج في الحياة في إسرائيل، ويفعلون ذلك في سلسلة من المجالات.
عمليا من الصعب الحديث عن الطب في إسرائيل بدونهم . من المسلم به أنه لا يوجد نقص في المشاكل، بما في ذلك الجريمة وجرائم القتل في المجتمع العربي وتعدد الزوجات في المجتمع البدوي.
ومع ذلك، هناك واقع يعيش فيه مجتمع عربي كبير بسلام داخل إسرائيل، يشارك أبناؤه في الاقتصاد والإعلام والأوساط الأكاديمية (يخدم البدو أيضًا في جيش الدفاع الإسرائيلي). هذا الواقع يثبت أنه على الرغم من كل شيء، هناك مجال للعيش بسلام مع الفلسطينيين.
المصلحة الإسرائيلية واضحة. يجب إنهاء الحرب في غزة بأسرع وقت ممكن و إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المخطوفين. لم تدرك الحكومة والجيش الإسرائيلي أهمية تقصير فترة الحرب، كما لم يفهمو الحاجة إلى السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية وإقامة حكومة بديلة لحماس.
الآن لم يعد بالامكان تصحيح التشويه، ويجب مواصلة النضال عبر القنوات الدبلوماسية، التي لم تحظ بالاهتمام المناسب منا. على سبيل المثال، من المهم اشتراط إعادة إعمار قطاع غزة بإقامة حكومة محلية لاتسعى إلى تدمير إسرائيل، ولا يكون لحماس أي دور فيها. كما ينبغي على إسرائيل أن تسعى إلى تعزيز المحور السني، والتحرك بالتنسيق معه.
هناك أيضًا شيء يجب القيام به هنا. فمصر تشكل عنصر مهم في هذا المحور، وتعتمد مصر بشكل كامل على المساعدات الاقتصادية الخارجية. ويجب بذل الجهود لضمان أن يتم ربط هذه المساعدات بوقف التهريب من سيناء إلى غزة.
الشيء الرئيسي هو أنه يجب السعي للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. ومثل هذه التسوية ستزيل الحدة من الصراع الإيراني ضدنا، وكما ذكرت فإن الواقع في إسرائيل يظهر أن ذلك ممكن رغم كل الصعوبات.
من المفهوم أن هناك حاجة لمحاربة الإرهاب في الضفة الغربية ، وليس الإرهاب العربي فحسب، بل الإرهاب اليهودي أيضاً. ومن المفهوم أيضًا أنه يجب وقف الاستفزازات في الحرم الشريف التي تساعد أعداءنا، والتفكير بدلاً من ذلك في تسوية تحفظ أمننا، وفي الوقت نفسه، تضمن الحكم الذاتي للفلسطينيين وتعزز الجانب المعتدل الموجود. في داخلهم .
المصدر: معاريف