الحرب في أعماقنا
لا أفهم إصرار الناس أو بالأحرى “المثقفين” على التعامل مع تجارب الكتاب والفنانين القادمين من الحرب وكأنها بضاعة مغلفة بكيس بلاستيكي يمكن تبدليه حسب العرض والطلب في السوق! فيقولون “هذا مكرر” وهذا مُستخدم”، وكأن الفنان أو الكاتب مكنة إنتاج في مصنع، لا إنسان غارق بالتراوما.
قبل أكثر من سنة قابلت شاعراً في إحدى الفعاليات. سلّمت عليه، وتحدّثنا، ثم قال لي بما معناه: أن الموضوع الذي تحدثتُ عنه صار مكررًا، وكان يقصد نصًا نشرته في تلك الأيام.
قبل قليل انتهيت من ترجمة “بسيطة” لهذا النص وبدأت بكتابة مقدمة حول خلفيته، لاستخدامها في أحد كورسات الدراسة. ولِوهلة عندما حاولت تذكّر المشهد الذي كنت أعنيه، شعرت بألم خانق في صدري. التجربة التي عشتها خلال الأسبوع الذي قضيته بين مخيم النيرب والرقة (تحت سلطة داعش آنذاك)، هي تجربة مليئة بالموت الأسود، بالخوف و بالذل وبالألم، ولا يمكن لقصيدة أو فيلم أو مسرحية أن ينصفوا ما شعرت به في تلك الأيام.
ثم يقول صديقٌ آخر، أنه علينا أن نخفض صوتنا ونحن نتحدّث عن آلامنا هنا، لأنها حرباً بعيدةً، نجونا من شرّها، لا تزال قائمةً هناك. وكأنه علينا الإستئذان من الجميع حينما نأخذ آلامنا هذه على محمل الجدّ هنا والآن، دون الحاجة لافتراض النسبية ما بين “هنا” و “هناك”.
دعونا يا جماعة!! دعوا البشر بحالها!! العالم كبير وبيسعنا كلنا!! حتى آلامنا استكثرتوها علينا!!