الثورة وأقراص الفلافل
ثم كان أن لعنت الثورة، ثم لعنت معها أصحاب التاريخ النضالي الطويل..كان هذا بسبب قرص للفلافل…أدرك يا سادة أنني قد وصلت بهذه الكلمات حدّ الجنون… فمن ذا الذي يفاخر بعلله وينقد أربابه… من يجرؤ على فعل ذلك! كان بيتنا يتوسط المخيم خلال سنوات السبعينات والثمانينات..وكانت أصوات التائهين تهيم سكرًا في زقاقه..وكنت كلما استرقت نظرة من الشباك الملاصق لقنوات المياه ذات الرائحة النتنة رأيته بينهم يجرع هذا السم…كنت أشفق عليه وأقول في نفسي… عندما أتزوجك يا هذا سأجبرك على ترك هذه العادة! ثم أتنهد بعدها تنهيدة لا حدود لها وأقول: ولكن متى سأتزوجك! متى!
كان يجيد قلي أقراص الفلافل، حتى أنني أؤكد لكم يا سادتي أن سره في الطهي كان يجب أن يُخلد في الحكاية..ولكن كيف! لقد ابتلعته الثورة وابتلعت معه كل شيء.
كنت أسرع اليه كل صباح لشراء سندويشة من الفلافل، ثم أترصد قطعة النقود التي دفعتها له خوفًا من ابتلاعها، ذلك أنه كان يجيد بحركة خاطفة اعادتها لي مخفية بين أقراص الفلافل الشهية، أضحك عليه كلما تذكرت ذلك، ثم أبدأ بالبكاء، لا أدري لماذا، هل أبكي عليه! أم أبكي على حظي العاثر بعده مع إنسان أجاد ضربي كل يوم بعصاة خشبية تارة، أو بارسال أسراب من الأحذية التي تبدأ تتراقص فوق رأسي معلنة هبوطها علي!
كان يومًا “أسود” ذاك حين جاء نداء الثورة! لقد ذهب إلى لبنان ولم يودعني، كان النداء سريعًا ولم يكن يجرؤ أحدًا تأخيرًا عليه! منذ ذاك اليوم لم أسمع عنه شيئَا، ولست أدري يا سادتي إن كان رفاتًا الآن، أم عجوزًا هرمًا، لكنني ما أنفك أفكر به حتى الآن! ثم إنني أفكر بهذه الثورة التي ستهزأ بي وهي تجلس في مكاتبها الفخمة بينما أتحدث أنا عن قالي أقراص الفلافل! في الحقيقة فإنني أعذرهم، فاجتماعاتهم لا نهاية لها بينما يتابعون مسيرتنا نحو الاستقلال! بالمناسبة يا سادتي فإنني أحتفل كل عام بهذا الاستقلال! أقسم لكم!
إلى هنا يكفي! فأنا لا أريد أن أشرب فنجان قهوتي في مكان غير مكاني هذا الذي تنهمر فيه دموعي كل يوم! وكل يوم! وكل يوم!