التعليم في فلسطين: أثر أعمق للعدوان

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة والهجمات الإرهابية على الضفّة الغربية، اتسعت رقعة التدمير لتنال القطاعات كافة، وفي القلب منها المرافق التعليمية، حتى بات لازماً مُضي عامين تعليميين على طلاب غزة لتعويض ما فاتهم في حال توقّفت الحرب فوراً، فيما تزداد تلك المدة إلى خمس سنوات إذا استمرّ العدوان، في الوقت الذي فُرض فيه على طلاب الضفّة الغربية اتباع نظام تعليمي هجين كنتيجة مباشرة لإرهاب جيش الاحتلال ومستوطنيه.

توصلت دراسة حديثة بعنوان «التعليم الفلسطيني تحت الهجوم في غزة»، أعدّتها مجموعة من الأكاديميين بالشراكة مع وكالة الأونروا، إلى إن «التنبؤ الأكثر تفاؤلاً، بافتراض وقف إطلاق النار الفوري وإطلاق الجهود الدولية السريعة لإعادة بناء النظام التعليمي، هو أن الطلاب سوف يخسرون عامين من التعلم. وإذا استمر العدوان حتى العام 2026، فقد تمتد الخسائر إلى خمس سنوات، وهذا لا يأخذ في الاعتبار التأثيرات الإضافية للصدمة والجوع والنزوح القسري، والتي تعمل جميعها على تعميق أزمة التعليم في غزة».

وأفادت أن البنية التحتية التعليمية في غزّة كانت تعاني بالفعل من ضغوط كبيرة نتيجة حصار القطاع الممتدّ منذ 17 عاماً، فكانت تعمل معظم مدارس الأونروا بنظام الفترتين، مع عدد محدود من المدارس التي توفر إمكانية الوصول لذوي الإعاقة، وهو ما أدّى إلى ارتفاع معدلات الأمية للأشخاص ذوي الإعاقة إلى 71%، مع بقاء 43% منهم خارج المدارس. وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير، وبتحليل صور الأقمار الصناعية، اتضح تعرض 92.9% من جميع أنواع المدارس لمستويات مختلفة من الدمار، و84.6% منها تحتاج إلى إعادة بناء كاملة أو إعادة تأهيل كبيرة.

تأثير الحرب على القطاع التعليمي حتى الربع الثاني من العام 2024

لم تتوقّف الآثار المباشرة للعدوان الإسرائيلي عند القتل وتدمير الأبنية فقط، بل امتدّت لتؤثر على الصحة النفسية والعقلية للأطفال في سن التعلم. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على مؤشرات واضحة في هذا الصدد في ظل الحصار المفروض على القطاع، تقول الدراسة إنه «حتى قبل الحرب الحالية، كانت الصحة العقلية للأطفال متوترة بسبب الحصار الذي دام 17 عاماً، والتصعيد المتكرّر للأعمال العدائية، والتعرّض المتكرّر للأحداث المؤلمة، وتقييد الوصول إلى الخدمات والفرص الضرورية، والحياة في خوف دائم وانعدام الأمل. وبإجراء تحليل عن تأثير العيش في ظل أزمات مطوّلة على الأطفال، أظهرت منظمة «أنقذوا الأطفال» أن الأطفال في غزة كانوا يعانون من مستويات أعلى من الضائقة العاطفية بزيادة في المتوسط من 55% إلى 80% بين عامي 2018 و2022، والتي تتجلى في سلوكيات مثل التبول اللاإرادي (زيادة من 53% إلى 79%) والصمت التفاعلي (زيادة من 42% إلى 59%)».

كما أفادت الأونروا أن «أكثر من نصف الأطفال في غزة فكّروا بالفعل في الانتحار وأن ثلاثة من كل خمسة منهم كانوا عرضة لإيذاء أنفسهم حتى قبل الحرب الحالية». وأضافت «لقد أدّت الحرب الحالية إلى تفاقم التداعيات الاجتماعية والصحية العقلية الشديدة التي يعاني منها مليون طفل في غزة. لا يواجه الطلاب في غزة فقدان التعلّم وبيئات التعلّم المادية فحسب، بل يواجهون أيضاً ضائقة نفسية كبيرة، نظراً لأن جميع السكان في غزة، بما في ذلك الأطفال والشباب، قد تعرّضوا للعنف الشديد وفقدوا أصدقاء وأفراداً من عائلاتهم بسبب الحرب. ومن المتوقع أن تؤثّر الصدمة التي يعاني منها هؤلاء الأطفال بشكل كبير على قدراتهم على التعلّم والصحة العقلية بشكل عام، ما يزيد من تعقيد عملية تعافيهم التعليمي. إذ أفادت جمعية أطفالنا للأطفال الصم أن 73.7% من الأطفال يعانون من صعوبات في التعبير عن مشاعرهم، و96.7% من الأطفال ذوي الإعاقة يعانون من البكاء المستمر ونوبات الهلع».

وعلى مستوى العاملين التعليميين قالت الدراسة إن الخسارة الهائلة في الأرواح في غزة أثرت بشكل مباشر على المعلمين والمرشدين. حتى آب/أغسطس الماضي، قُتل نحو 411 معلماً في غزة. ومن المرجح أن يكون هذا التقدير أقل من الواقع نظراً لأن المعلمين نزحوا مرات عدة، جنباً إلى جنب مع بقية سكان غزة، لذا فإن تتبع ذلك بدقة أمر صعب للغاية. 

كما أدّت الحرب الحالية في غزة إلى أكبر خسارة في الأرواح للموظفين في تاريخ الأمم المتحدة. وحتى 12 أيلول/سبتمبر 2024، قُتل 220 موظفاً من الأونروا بما في ذلك المعّلمون، وقُتل أكثر من 200 موظف من المنظمات غير الحكومية في غضون 7 أشهر – وهو رقم أعلى من عدد موظّفي المنظمات غير الحكومية الذين قُتلوا على مستوى العالم في أي عام في خلال العقدين الماضيين.

كذلك من الصعب تقدير عدد المعلمين المصابين بسبب النزوح وصعوبات التواصل، ولكن يقدّر وجود نحو 2,411 معلماً جريحاً على الأقل حتى آب/أغسطس الماضي، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

إلى ذلك يتعرّض المعلمون لأزمات الصحة البدنية بالطرق نفسها التي يعاني منها عامة السكان البالغين، مع محدودية في الوصول إلى الخدمات الطبية والأدوية وانتشار الأمراض. ووفقاً لأحد المشاركين في الدراسة، فإن حوالي 60% من الأدوية اللازمة غير متوفرة في غزة. ويواجه المعلمون والمرشدون صعوبة إضافية في تعاملهم مع الأطفال، حيث يصبحون معرضين لخطر الإصابة بالعدوى بأنفسهم ثم يتحملون عبء القلق بشأن انتشار العدوى. 

وجاء في تقرير «انعكاس الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطيني»، الصادر حديثاً عن البنك الدولي، أن التعليم في غزة شهد انهياراً حاداً، وخرج نحو 625 ألف طفل في سن الدراسة من المدارس، جراء التدمير في المرافق التعليمية الذي طال نحو 95% من المدارس، بالاضافة إلى مقتل  نحو 500 معلم وعضو هيئة تدريس جامعي.

وفي الضفة الغربية، وكنتيجة لهجمات المستوطنين الإرهابية وعدوان الجيش الإسرائيلي واحتجاز أموال السلطة المستحقة لدى الاحتلال، قّلصت المدارس العامة الحضور الشخصي للمدارس، وبات حوالي 600 ألف طالب يحضرون إلى المدارس 3 أيام فقط أسبوعياً، مع احتياج لما يقدر بـ 62 مليون دولار أميركي شهرياً لدعم رواتب 42 ألف موظف تعليمي.

وبحسب البنك الدولي أيضاً «إن تعطيل التعليم والصدمات ووفيات الطلاب والمعلمين وتدمير البنية التحتية التعليمية سيكون لها تأثير كبير ودائم على رأس المال البشري الفلسطيني، إذ فات أكثر من 45 ألف طفل في السادسة من العمر مرحلة ما قبل المدرسة وتجارب التعلّم المبكر الحاسمة. كما لم يتمكن حوالي 39 ألف طالب في المرحلة الثانوية من إكمال امتحانات التوجيهي، بالإضافة إلى توقف انتقال 87 ألف طالب من المرحلة الثانوية إلى التعليم العالي. 

عن موقع صفر

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *