مجريات التاريخ ليست كالصواعق تأتي فجأة، بل هي سلسلة متراكمة من الاحداث الصغيرة والكبيرة؛ التآكل الذي أصاب موقع القضية الفلسطينية بدأ تدريجيا منذ سنوات طويلة وكان له مؤشرات ودلالات واضحة جدا للعيان.
لا يمكن وقف عجلة التاريخ والتطور، لكن هناك من يصنع الحدث بامتلاكه الموارد والحكمة والحنكة والمرونة، وهناك من تلعب به الاقدار كما تشاء. إن صيرورة التاريخ أقوى من أن نقاومها، يجب التفكير جديا بكيفية الاستفادة من الفرص التي قد تمنحها حركة التاريخ أو التأقلم والتكيف، خاصة إذا كنت ضعيفا، لتقليل الخسائر والاضرار بقدر الامكان.
الاخطر من خسارة التحالف مع الانظمة، هو خسارة حب وتأييد الشعوب. لا يقبل أي شعب مهما كان الاهانة أو التخوين ولا يقبل التحريض ضد نظامه من أفراد وأنظمة خارجية، خاصة في حال أنها لا تمثل له قدوة يحتذى بها. التهجم على شعوب الخليج مضر جدا وغير ذي جدوى. صحيح إنه كان لنا دور كبير في تعليم هذه الشعوب، لكان كان ذلك مقابل عوائد مادية هائلة ساهمت كثيرا في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني من خلال التحويلات والتبادل الثقافي والفكري. علينا أن لا ننسى مطلقا أن مئات آلاف الفلسطينيون مازالوا يعيشون هناك و يلعبون دورا هاما جدا في إبقاء القضية موضع الاهتمام. وهم سفراء للقضية ومصدرا لدعم المجتمع هنا.
مع غياب منظومة القيم التي حل محلها منظومة المصالح والتشابك في العقود الاخيرة، من حق أي نظام او شعب البحث عن مصالحه حتى لو كانت وهمية أو قصيرة المدى علينا أن لا ننصب من أنفسنا أوصياء وحكماء على الاخرين.
يجب الانتباه أن هذا التدهور لم يصل نهايته بعد، علينا أن نتوقع خطوات أخرى قد تكون صادمة لنا لكنها متوائمة مع السياق. لذا يبقى التحدي الكبير: كيف نحافظ على أنفسنا وقضيتنا في وسط هذا البحر المتلاطم الامواج؟ الندب والردح والصراخ والشعبوية في الخطاب لن تمكننا من النجاة.
إن بناء عناصر القوة واستعادة زمام المبادرة وإعادة التموضع تبدأ من الداخل. تجميع مفاعيل القوة بالوحدة السياسية والتنمية المتوازنة وتعزيز دور فلسطيني الشتات ودمج الشباب والكفاءات في اتخاذ القرار هي ضرورية لتحقيق ذلك. وهي ممكنة في حال توفرت الارادة.
لقد تأخرنا كثيرا، لكن أن نبدأ اليوم أفضل من الغد.