الانهيار المدوي لأسطورة الجيش الإسرائيلي
لقد كان الأمر متوقعاً مثل توقعات الطقس، لكن التحقيق في التقصير الذي حدث في كيبوتس بئيري لم يصمد ولو لعطلة نهاية أسبوع واحدة في ذاكرة الوعي الوطني. حتى أولئك الذين ما زالوا منشغلين ومنشغلات فيه غالبًا ما يفعلون ذلك بناءً على التفاصيل المروعة الموصوفة في الوثيقة المؤثرة، وأهمها مسألة ما إذا كان قد تم ظلم مقاتلي الوحدات الخاصة، شلداغ ووحدة الاركان الخاصة، الذين تلوثوا بادعاءات قاسية، وهذه بالطبع زاوية مهمة من كل النواحي المهنية والأخلاقية وربما حتى القانونية، على ضوء احتمال الإضرار بسمعة الناس.
لكن ما لا خلاف عليه هو أن التحقيق أكد ما يعرفه كل من نظر إلى الواقع بعيون مفتوحة، وليس من خلال الزخرفة السياسية، والنظارات الوردية للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، والعمى المخزي لقطاعات كبيرة من وسائل الإعلام ، التي حتى التقصير لم يغير شيئا لديها . ولكن ما لايوجد خلاف حوله هو ان التحقيق اكد بان من خاف من الفجوة بين الكلام الحماسي في نهاية عمليات سابقة وبين ما حدث على الأرض، وقرأ تقارير مراقب الدولة ومفوض شكاوي الجنود أو مجرد طرح اسئلة وتم الرد عليه بالدعاية والاقوال المتلاعبة كان عليه أن يعرف بان الجيش الإسرائيلي ليس هو ما يقال لنا. ولا حتى قريب الى ذلك .
في 7 تشرين الأول (أكتوبر)،انفجرت هذه الرؤية الصادمة في وجوهنا جميعنا، وبقوة اكبر في وجه سكان النقب الغربي، وحتى بقوة تسونامي تاريخي. لكن مع مرور الوقت ، وحقيقة أنه باستثناء قائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقائد فرقة غزة، لم يقم أي ضابط كبير بترجمة تحمل “المسؤولية” إلى عمل ، فإن ذلك يضعف الفهم النقدي الحقيقي ويؤكد بان الفشل أكبر من رئيس الأركان،
و من قائد المنطقة، ومن قائد الفرقة ، ومن قائد شعبة العمليات الخ. إن الشجاعة في ساحة المعركة، والتي لم تكن مفقودة حتى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) على الرغم من الفشل الذريع، تحجب الحاجة الماسة إلى عملية جراحية طارئة ليس فقط تعيد ترميم الجيش الجيش، وانما تنقذه ، قبل أن يغرق اكثر في المستنقع الذي أوصلنا إلى حد الصدمة .
والجمهور، الذي اعتاد على الاستناد على الجيش الإسرائيلي كوسادة مهدئة قبل الذهاب إلى السرير، قد يخاف من التفكير بأنهم ربما يخلطون الصالح بالطالح .
لكن الجيش الإسرائيلي ليس طفلا رضيعا، بل على العكس من ذلك، تنبع الأزمة من حقيقة أنه يتم التعامل معه كطفل مدلل، مدلع، منغمس في الأهواء . ويتملقونه بشكل مبالغ فيه، وينقضون على كل من يتجرأ على اطلاق اقوال غير سارة . هذا هو التحقيق الأول الذي سيتم نشره من بين عشرات آخرين، ويظهر أن جيش الدفاع الإسرائيلي قد فشل في مهمته الاولى والأخيرة ، وأن كلمة الدفاع في اسم جيش الدفاع الإسرائيلي أصبحت زائدة عن الحاجة . ولا يحدث تعتيم بهذا الحجم بسبب مكالمة جماعية واحدة في منتصف الليل، ولا بسبب حكم قائد وحدة خاصة تحت ضغط نووي، ولكن بسبب اجراءات فاشلة طويلة الأمد، وأيضًا بسبب النظام الاجتماعي بكامله الذي رفض حتى التفكير في إمكانية ان يكون الملك عاري .
ولذلك، فإن أهمية تحقيق بئيري لا تقتصر على تحليل سلسلة الأخطاء القاتلة منذ ساعات الصباح حتى استعادة السيطرة على الكيبوتس. كما أن جوهرها ليس تقسيم المسؤولية بين القيادة العليا والرتب الميدانية. القصة هي الانهيار المدوي لأسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي، التي كانت مبنية على مفارقة أسطورة “جيش الشعب” المتحرر من الثقافة التنظيمية المريضة للدولة، مثل الاجماع والتستر وبالطبع مصطلح ” كل شيء على مايرام “. إذا لم تكن النتيجة التي توصل إليها تحقيق بئيري هي أن الجيش الإسرائيلي انهار تماما كمنظمة، وليس عن طريق الصدفة، وبالتالي فإن التصحيح يجب أن يكون من الأساسيات، في حين ان الخطوات الأخرى التي سيتم اتخاذها ليست ذات أهمية: بأي شكل من الأشكال. في هذه الحالة، فانه في يوم من الأيام سوف نعود إلى نفس النقطة.
عن يديعوت احرنوت