الانتخابات الإسرائيلية: من العنصرية إلى الفاشية

العنوان الرئيسي الذي يلتقط جوهر الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة هو: «تحول إسرائيل شبه الكامل نحو الفاشية». إنها أقرب إلى بداية ثلاثينيات القرن الماضي في ألمانيا. سقطت جميع الأقنعة عن هذا الكيان الذي أصلا اخترع في مختبرات الغرب ليكون الفيروس الذي سيؤدي إلى عطب الأمة العربية بكاملها. هذه هي حقيقته وطبيعته بدون رتوش وبدون مكياج. ذئب في جلد ذئب. كما وصفه درويش قبل أربعين سنة.

الانتخابات الأخيرة تستحق التوقف عندها وتأملها مليا واستخلاص العبر والدروس، وشد الأحزمة للمواجهة وتحضير الكاميرات لتوثيق المجازر، ورسم الخطط للوقاية والمواجهة. نتنياهو قادم هذه المرة لإكمال صفقته التي أعدها بنفسه وطلب من صديقه ترامب أن يقرأها أمام الأمراء الذين كانوا يوزعون ابتسامات كأنهم منتصرون. آت هذه المرة لاختراق عواصم عربية وإسلامية جديدة وتوسيع نفوذه في أفريقيا وآسيا والعمل على حشر سلطة رام الله في المقاطعة.
سيكون مساعد نتنياهو الأيمن إيتمار بن غفير صاحب المواجهات في الشيخ جراح والأقصى وسيمنحه حقيبة سيادية كبيرة كوزير للأمن أو الإسكان لينفذ برنامج البطش والقتل أو تسمين المستوطنات القائمة وزرع مئات غيرها وطرد كل من يقف في طريق جرافاته. وهذه هي البداية فقط. فأصحاب أيديولوجية: الترانسفير التي أطلقها ماير كاهانا، وصلوا سدة الحكم وأصبحوا أقرب إلى تحقيق حلمهم بطرد «العرب الإرهابيين» وهي الصفة التي يطلقونها على جميع الفلسطينيين والشعار المفضل في مظاهراتهم «الموت للعرب». ومراجعة لتصريحات بعضهم في الحملة الانتخابية تنبئك بالخبر اليقين: تطويع القرى والمدن المشتركة في الداخل، سحب الجنسية لمن لا يثبت ولاؤه للدولة اليهودية، إطلاق يد الجيش وعناصر الأمن والشرطة للإيغال في الدم الفلسطيني دون حساب، إعادة ترتيب القوانين الانتخابية ليظلوا في السلطة. لقد وصفت جريدة «هارتس» الحكومة الجديدة بأنها «ثورة عودة الكاهانية» والتي حتى الإرهابي اسحق شامير لم يقبل بوجودها وصنفت حركة إرهابية.
ظهرت النتائج النهائية للانتخابات وحسم الأمر لصالح اليمين المتطرف بغالبية 64 مقعدا. وبالنسبة للعرب فقد فازت قائمة منصور عباس بخمسة مقاعد بعدد أصوات 193916 (5.35) والجبهة (الشيوعي) والعربية للتغيير (الطيبي) بخمسة مقاعد وعدد أصوات 178661 (4.93) وحزب التجمع 138574 (3.82) فلم يتجاوز نسبة الحسم مثله مثل ميرتس. ولفهم ما جرى ويجري، أجريتُ اتصالات مع عينة من أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني لأرصد قراءاتهم، وأتعرف على ردود الفعل لدى النخب الفكرية والقيادات الميدانية وأضعها أمام القراء بدون تعليق، فأهل مكة أدرى بشعابها:

حنين الزعبي عضو الكنيست
سابقا عن حزب التجمع:

هذه الانتخابات أعادت الحياة للسياسة، أعادت السياسة للسياسة الفلسطينية في الداخل، بعد أن جيرت الجبهة والقائمة المشتركة السياسة إلى تفصيل ضمن سياسات إسرائيلية، إلى سؤال حول أي حكومة صهيونية ندعمها لكي تخضعنا للمشروع الصهيوني لابيد أم غانتس أم نتنياهو أم لابيد؟ أي حول اسم القامع الذي ندعمه لكي نسهل له حكومة مستقرة تتيح له قمعنا دون قلق من انقلابات سريعة في السلطة، وهناك جواب لهذا السؤال المبدع بالنسبة للحزبين الموحدة والجبهة-الطيبي، كل الحكومات الصهيونية جيدة عدا نتنياهو. يعد ذلك انقلابا على تطور سياسة فلسطينية قامت منذ نهاية الحكم العسكري بمحاولة الخروج من تبعية الأحزاب الصهيونية ومن سؤال في التنافس الصهيوني الداخلي إلى بناء سياسة فلسطينية وطنية مستقلة مرتبطة بسؤال الوجود الفلسطيني الوطني في مواجهة الدولة. كانت هناك حاجة لكي يخرج التجمع الوطني الديمقراطي من المشتركة ويعيد سؤال السياسة في الداخل إلى طبيعته الوطنية، والاستفتاء كان حول ذلك، حول شرعية هذا الطريق، وهذا الطريق أخذ شرعية كبيرة جدا، لقد ثبت التجمع قوته كقوة ثانية عدديا، وكقوة أولى سياسيا لأن من صوت له صوت لمشروع واضح المعالم. المصوتون للتجمع كانوا الوحيدين الذين يعرفون أنهم يصوتون لمشروع وطني وليس لتمثيل داخل الكنيست فقط. هذا المشروع الوطني وجوده خارج الكنيست ليس أقل أهمية من وجوده داخله، الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل هي حركة تنظيم وبناء وطني وليست فقط حركة تمثيل سياسي، ونعتبر هذه المحطة ولادة متجددة لها.

الدكتور أسعد غانم جامعة حيفا:

هذه الانتخابات تمثل قمة في مسار طويل، وهي تطور خطير يكشف إسرائيل أكثر وضوحا كنظام عنصري، يتمثل ذلك بالأساس من تحول إسرائيل من التفوق العرقي المغلف إلى الابرتهايد والفاشية المكشوفين. لن يكون انقلاب مقارنة مع الحكومة السابقة التي شارك في دعمها حزب عربي، لكن ستتفاقم السياسات الفاشية وتفتح الباب أكثر أمام الشعب الفلسطيني ومناصريه لتكثيف النشاط داخليا وخارجيا، في مهمة أساسية واحدة. كشف نهائي لما تمثله إسرائيل والسعي لانهاء حالة الاستعمار الاستيطاني والابرتهايد. نحن، إذا أحسنا إدارة النضال، على أبواب تغيير، يجب ان لا نهدره كما أهدرنا فرصا في الماضي. مساعي تشكيل رؤية وطنية وقيادة وطنية مستندة على وحدة القضية والأرض والشعب، يجب ان تتكثف، وبامكاننا ان نستغل الوضع الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وبن غفير والحرديم، في سبيل ذلك.

حسن عبادي محامي
الأسرى والمعتقلين:

نتيجة الانتخابات الأخيرة في إسرائيل كشفت الوجه الحقيقي لدولة الكيان. اليسار والوسط هو المؤسس للمشروع الاستيطاني والتطهير العرقي والاحتلال الوحشي ونتاج التضليل المتواصل احتضنه العالم برفق. الأبرتهايد لن يسقط لوحده؛ تبيّن الوجه الحقيقي للفكر الصهيوني، حيث صار نهج بن غفير العنصري والفاشي هو التيار المركزي وجذب الشباب والمصوًتين للمرّة الأولى. لم تكن نتيجة الانتخابات مفاجئة أبدًا، بل كانت الصورة معلّقة على الجدار أمام أعين الجميع، ولم يحرّك العالم ساكنًا تجاه الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان، ما دامت في الساحة الخلفية بعيدة عن العين والقلب. احتضن الإعلام العبري والشارع الإسرائيلي فكر بن غفير دون تحفّظ فجاءت النتيجة صاعقة مجلجلة يصعب على العالم أن يقف مكتوف الأيدي واحتضان مجرمي حرب دون قناع، ممّا سيجبره أن ينتفض ليضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات المفضوحة والأبرتهايد وإنهاء الاحتلال.

باسل غطاس عضو كنيست
سابق عن حزب التجمع:

في هذه الانتخابات جرت لخبطة سياسية لدرجة الهراء باستخدام هذه المصطلحات، وكأن هناك مجموعتين تتنافسان، إسرئيل وفلسطين. الوضع مختلف وهذا أمر بعيد عن الحقيقة. كانت الانتخابات شاملة ولا خلافات بينهم إلا من يترأس الحكومة. من مع بيبي نتنياهو ومن ضده؟ لكن المعسكر الذي هو ضده معسكر يميني بامتياز. وما عدا ذلك فلا وزن له مثل حزب العمل وميرتس الذي لم يتجاوز نسبة الحسم. هذا إجماع إسرائيلي واضح. فإضافة إلى تجمع نتنياهو الذي يصل إلى 65 مقعدا هناك حزب ليبرمان وغانتس فستصل أحزاب التطرف اليميني إلى نحو 80 -85 مقعدا، هؤلاء متفقون سياسيا. نقطة أخرى، هذه الانتخابات كشفت عن أضغاث أحلام عربية كانت تتحدث عن التأثير العربي أو «بيضة القبان». فهذا الإجماع الإسرائيلي كشف عورتهم في اتباع سياسة عربية تقوم على التأثير على من يكون رئيس حكومة وأن العرب سيحصّلون حقوقا أكثر ويحّسنون ظروف معيشتهم أكثر. هذا الموضوع أقفل نهائيا. الأحزاب العربية الموحدة والجبهة والعربية للتغيير سيدفعون ثمنا غاليا لترويجهم مثل هذه الأوهام وبيعها للحصول على مقاعد. ظهور أو عودة خطاب التيار القومي الديمقراطي (التجمع) حتى لو لم يتجاوز نسبة الحسم لكن خطابه كان خطاب البديل وسيكون له تداعيات قادمة.

هنيدا غانم مديرة
المركز الفلسطيني مدار:

النتائج تعكس درجة التطرف التي وصل إليها المجتمع الإسرائيلي وهي جزء من تحول مثابر نحو اليمين. الأمر مرتبط بالصهيونية أساسا وبنيتها وجزء من تطورها بعد انتهاء هيمنة جيل المؤسسين وصعود حجم المستوطنين والحريديم والمتدينين الذين يسعون لاستكمال المشروع الصهيوني الذي يرونه ما زال غير مكتمل واكتماله ينتهي بالسيادة على ما يعتبرونه كامل أرض إسرائيل وسحق الفلسطينيين وبناء الهيكل.

ثابت أبو راس أكاديمي
وناشط سياسي:

خطاب الموحد الديني القومجي اليميني اليهودي انتصر انتصارا ساحقا واستطاع محو اليسار الصهيوني ولأول مرة منذ العام 1948. نتائج الانتخابات أسقطت القناع عن عقلية الفوقية اليهودية التي تتبناها الأحزاب الصهيونية وتجر إسرائيل إلى نزاع ديني مستمر. أحزابنا العربية فشلت في طرح بديل موحد وطني وعمقت الخلافات بين التيارات الأساسية الثلاثة وقلصت تمثيلها بعد ان فشلت بالاتفاق والتنسيق بينها.

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *