الاغتيال حالة إنكار إسرائيلية للصراع

جاء اغتيال القائد العسكري في حركة الجهاد الإسلامي في غزة، تيسير الجعبري، ضمن العقلية الثابتة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية، من أن المسّ بالقادة أفضل وسيلة للتأثير على القوة المعادية، على اعتبار أن ليس هناك قضية صراع مع الفلسطينيين، إنما هي قضية تصدّي إسرائيل لمجموعات إرهابية، إذا “حيدت” قائد المجموعة تتخلص من تأثيرها. ومنذ سنوات، تستخدم إسرائيل مفردة “التحييد” بدلاً من “القتل” على أساس أن تبديل الكلمة المستخدمة يبدل واقع القتل الإسرائيلي اليومي للفلسطينيين.

عندما سأل المحقق الإسرائيلي إيغال عامير الذي اغتال إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي في العام 1995، أنه لا يعرف أن القضاء على القادة لا يغير من السياسات؟ أجاب عامير وقتها، لماذا اغتالت إسرائيل فتحي الشقاقي إذاً؟! كانت إسرائيل قد اغتالت الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في مالطا في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، أياما قليلة قبل اغتيال عامير رابين في تل أبيب في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته.

لقد أثر اغتيال رابين على المسار السياسي في إسرائيل، وكان ذروة الاستقطاب السياسي فيها، وجلب في الانتخابات التالية واحدةً من أكثر الحكومات يمينيةً، وهي أولى حكومات نتنياهو في إسرائيل. وإذا كان عامير قد نجح في عملية الاغتيال في تحريك الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو ما كان أحد دوافع الاغتيال، إلا أن الاغتيالات الإسرائيلية للفلسطينيين التي يكاد يصعب حصرها لم تستطيع التأثير على مسار الصراع، ليس لأنها لم تكن موجعة للفلسطينيين، بل لأنها حاولت اجتثاث الصراع، وليس التأثير عليه من خلال إنكاره.

قائمة الاغتيالات الإسرائيلية للفلسطينيين طويلة جداً، تبدأ من الحرب التي بدأها جهاز الموساد الإسرائيلي في السبعينيات من القرن المنصرم ضد قيادات منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، بدأت في 1972 باغتيال إسرائيل الكاتب والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، غسّان كنفاني، عبر تفخيخ سيّارته في بيروت. كما اغتالت في فردان في لبنان عبر مجموعة اغتيال دخلت لبنان في 1973، أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. ولم تتوقف إسرائيل عن ارتكاب جرائم الاغتيال، واغتالت بعدها أبو حسن سلامة المسؤول الأمني في فتح في 1979، كما اغتالت خليل الوزير (أبو جهاد) الرجل الثاني في حركة فتح في تونس العاصمة العام 1988، واعتبرته مسؤولاً عن انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، واعتقد القادة الإسرائيليون أن اغتياله سيخفّض من حدّة الانتفاضة في مواجهة إسرائيل. كما اغتالت عز الدين قلق وماجد أبو شرار ومحمود الهمشري وعادل زعيتر وزهير محسن وخالد نزال وغيرهم. وفي حرب الاغتيال التي شنّتها على الفلسطينيين في السبعينيات، اغتالت إسرائيل الشاب المغربي أحمد بوشيقي، والذي كان يعمل نادلاً في مطعم في العاصمة النرويجية أوسلو، ظنّاً من الموساد أنه القيادي في حركة فتح، أبو حسن سلامة، وهي عملية الاغتيال التي تعرف بـ”قضية ليلهامر”، حيث اعتقلت السلطات النرويجية مجموعة الاغتيال وحاكمتهم، وحكمت عليهم بالسجن مددا مختلفة.

لم تتوقف عمليات الاغتيال الإسرائيلية، ضد كل من تعتقد أن له فعالية ما في الصراع ضدّها، فكانت عمليات الاغتيال شاملة الجميع، اغتالت الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو علي مصطفى،، وكان لحركة حماس نصيب كبير من عمليات الاغتيال. بدأت بيحيى عياش، وتوالت لتصيب مؤسّس الحركة، أحمد ياسين، وقيادات مثل عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وأحمد الجعبري وإسماعيل أبو شنب وغيرهم. كما حاول الموساد اغتيال خالد مشعل في عمّان في العام 2003. عدا عن محاولات الاغتيال الفاشلة، ومحاولات اختطاف قادة، مثل تحويل الطائرة الليبية إلى مطارات إسرائيل في العام 1986 لاعتقاد الموساد أن على متنها الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، وكان على متن الطائرة وقتها الأمين القطري المساعد لحزب البعث الحاكم في سورية، عبدالله الأحمر، بدلاً من حبش الذي تراجع عن الصعود إلى الطائرة في آخر لحظة، حسب شهادة زوجته.

تقوم فلسفة الاغتيال الإسرائيلية على شقّين، داخلي إسرائيلي وآخر خارجي يستهدف الفلسطينيين. يقوم الأول على محاولة إقناع الإسرائيليين بأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمؤسسة السياسية قائمة على حماية الإسرائيلي من أي تهديد كان، ومهما كان مصدره، وأنها ستلاحق من يحاول المسّ بإسرائيليين أو من على يده دم إسرائيلي. أي أن هناك من يحاول المسّ بالإسرائيليين، أما لماذا يحاولون المسّ بهم؟ فهذا سؤال ليس مطروحاً، وكأن المسألة تقنية، وأن استهداف الإسرائيليين مجاني. الشق الثاني، والمعني بالفلسطينيين، وهو يهدف إلى استباحة الفلسطينيين بتهمة الإرهاب، وأن معركة إسرائيل ليست مع الفلسطينيين، إنما مع المجموعات الإرهابية، التي تجرّ الفلسطينيين إلى أماكن لا يرغبونها، وأن ليس لإسرائيل مشكلة مع الفلسطينيين، إنما مشكلتها مع عدد قليل من الإرهابيين الذين يتّخذون من الفلسطينيين رهائن. إنها سياسة تيئيس الفلسطينيين. وهي أيضاً تريد أن تصوّر نفسها عملية تقنية عسكرية ضد مجموعات إرهابية فلسطينية كارهة لإسرائيل مجاناً.

تقوم كل المحاولات الإسرائيلية على تصوير الصراع مع الفلسطينيين على غير حقيقته، فهي لا تريد الاعتراف بأن المشكلة مع الفلسطينيين هي بين احتلال وشعب محتل، وليس بين دولة ديمقراطية ومجموعات إرهابية كما تحاول أن تصوّر. سياسة إنكار أساس الصراع ليست سياسة إسرائيلية جديدة، إنها تأتي من طبيعة تكوين إسرائيل الإلغائي، الذي لا يريد أن يرى الطرف الآخر في الصراع إلا بالصورة التي يصوّرها له، أو بالأصح على الصورة التي يشيطنه عليها. وبذلك تكون إسرائيل دولة ملائكة تتصدّى لمجموعة من الشياطين الإرهابيين. ولأن الصراع بين الملائكة والشياطين لا ينتهي أبداً، فإن عمليات الاغتيال الإسرائيلية للفلسطينيين لن تتوقف أبداً. هل قال أحدكم إن هناك مشكلة احتلال إسرائيلي؟!

عزيزي، دقّق في الرواية الإسرائيلية لأي تفصيلٍ يتعلق بالصراع، لا تجد أثراً للاحتلال، الفلسطينيون إرهابيون بالجينات، وليس لهم قضية وطنية مع إسرائيل.

عن العربي الجديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *