الاغتصاب أداة لاستعمار فلسطين… توظيف إسرائيل الخوف
لا تكاد تجد حديثاً عن النكبةِ الفلسطينية في 1948 أو النكسة في 1967 (أو حرب غزّة الحالية)، إلا ويتحدّث الناس عن حالاتِ اغتصابٍ في أثنائهما. في الوقت نفسه، لا تلحظ، في حديثهم، ورود حالاتِ اغتصابٍ بتفاصيلها، واقعةٍ في زمانٍ أو مكانٍ محدّدين، وإنّما يأتي الحديث بعموميّةٍ عن وقوعِ حالاتِ اغتصابٍ للنساء في فلسطين. ما يحيلنا إلى أنّ الاغتصاب جزءٌ من إنتاج الخوف، عبر استغلال “إسرائيل” قيمة جسد المرأة في الثقافة المحليّة، بوصفه جسداً محرّماً، لدفع الناس إلى النزوح من أراضيهم. وتجادل هذه المطالعة بأنّ الاغتصاب، وإن حدَث، ليس ممارسةً لها علاقة باشتهاء الجنودِ الإسرائيليين جسد المرأة الفلسطينية، بقدر ما يمكن فهمُه ضمن سياق إدارة استعمار فلسطين، عبر إنتاج معرفةٍ حول التصوّرات المحلّية عن جسدِ المرأة، لدفع الناس إلى النزوح خوفاً على نسائهم من الاغتصاب.
سنغتصب نساءكم
فور اكتشاف جثث ثلاثة مستوطنين اختفى أثرهم في الضفة الغربية، في الأول من يوليو/ تموز 2014 صرّح، عبر الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، الباحث الصهيوني في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية، مردخاي كيدار، إنّ “الرادع الوحيد للذين اختطفوا الإسرائيليين وقتلوهم إبلاغهم أنّ شقيقاتهم أو أمّهاتهم سيُغتصبن إذا ما ألقي القبض عليهم، هذه هي ثقافة الشرق الأوسط”[1]. وعلى غرار ذلك، أي غرار إنتاج معرفةٍ عن كيفية تفكير الشرق الأوسط، والناس في فلسطين، سيكون إنتاج الخوف عبر فعل الاغتصاب، فعلاً رادعاً من وجهةِ نظره. ولمّا كان فعل الاغتصاب رادعاً في سياق مقتل ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية، تذهب هذه المقالة إلى أنّ فعل الاغتصاب شكّل جزءاً مهمّاً من إدارة استعمار فلسطين خلال الحروب المفصلية على فلسطين.
لا توجد مواد أرشيفية تكشف حالات اغتصاب نساء فلسطينيات، فالأراشيف الإسرائيلية تضع قيوداً كبيرة، وتعتبر الوثائق المتعلّقة بحالاتِ الاغتصاب ضمن نطاق الملفّات السريّة التي يصعب الوصول إليها، حتى من الباحثين الإسرائيليين.
تضع الأراشيف الإسرائيلية قيوداً كبيرة، وتعتبر الوثائق المتعلّقة بحالات الاغتصاب ضمن نطاق الملفّات السريّة التي يصعب الوصول إليها
ولكن، يمكن أن نلحظ أنّ هناك وثيقةً مهمّة، خرجت ضمن خطأ تقني، في أرشيف “الدولة الإسرائيلية”، وفيها يكتُب سياسيٌّ بارز، بعد النكبة، أنّ من الممكن أن يغفر حالات الاغتصاب التي وقعت قبل قيام الدولة. ومع أنّ هذه الوثيقة تُورد تفاصيل أخرى، إلا أنّها لا تُورد تفاصيل متعلّقة بالاغتصاب، سوى بالمغفرة لمن اغتَصبوا. ومع ذلك، تثبت أنّ هناك حالات اغتصاب، غير معروفة تفاصيلها. وهذه الحالات، غير المعروفة تفاصيلها، انتشرت بين الفلسطينيين، وأصبحت جزءاً من خيالهم ونقاشاتهم اليومية، وشكّلت سلوكهم في أثناء الحروب، وكان هذا السلوك من أهم استراتيجيات إدارة الحرب لدفع الناس إلى النزوح.
عدم توفر تفاصيل محدّدة عن حالات اغتصابٍ بعينها، على الرغم من وقوع حالاتٍ، أوردتها وثائق قليلة، يمكن أن يُفهم من خلاله أنّ حالات الاغتصاب لم تنفّذ لغرض الشهوة تجاه جسد المرأة الفلسطينية، بقدر ما كانت هذه الممارسات إحدى السياسات التي عمّدت من خلالها إسرائيل إلى دفع الفلسطينيين للهجرة من خلال إنتاج الخوف على نساء الأسرة من الاغتصاب، وذلك لغرض إبادةِ الأمكنة الفلسطينية وأجساد سكانها عبر دفعهم إلى مغادرتها. وهذا يضعنا في الكيفية التي يحاول أن يبني بها الاستعمار الإسرائيلي ممارساته على الثقافة المحليّة لتحقيق السيادة على الأرض. بحيث يجري التعامل مع السكّان ككيان يجب معرفته، وامتزاج أنماط تفكيره، هذا ما أسماه الباحث خالد عودة الله “التحديقة الاستعمارية”، والتي تحاول إنتاج الثقافة المحليّة واستغلالها لإخضاع المجتمع من خلال ثقافته، ثمّ توظيفها استعمارياً [2]، والتوظيف الاستعماري للشرف جاء لغرض إبادة الأمكنة وأجساد سكّانها، عبر إنتاج الخوف بأنّ أجساد النساء ستُغتصب، وبالتالي، عليكم الفرار قبل اغتصاب نسائكم.
الرقابة على أنماط تفكير الفلسطينيين
ساد مثلٌ شعبي خلال الحياة اليومية، وهو “العرض قبل الأرض”، وهذا يعني أنّ الشرف تقدّم على قيمة الأرض، وكان هذا نمط تفكير، إذ اعتُبر جسد المرأة في الثقافةِ المحليّة مقدّسًا. وعلى الرغم من أنّ الأرض شكّلت مصدر الرزق الأساس للعائلات الفلسطينية التي كان جُلّها يعمل في الزراعة، إلا أنّ العرض (الشرف) كان أن تقدّم على الأرض في الثقافة المحليّة. وهذا النمط من التفكير استغلته الحركة الصهيونية في دفع النساء إلى النزوح خوفاً على نساء العائلة من الاغتصاب، إذ لعبت المعلومات التي جمعتها الحركة الصهيونية من خلال أنشطتها التجسّسية على الفلسطينيين وأنماط تفكيرهم، في وضع المخطّطات لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم بدءاً من عام 1948، فقد استُخدم جسد المرأة في سياقِ النكبة جسداً مُهدّداً بالاغتصاب، بفعل المعلومات التي جمعتها الحركة الاستعمارية قبل عقود من استعمار فلسطين، حول أنماط تفكير الفلسطينيين. ويشير ذلك، بحسب جنكيز كيرلي، إلى جعل المجتمع يبدو “مدركاً أو مفهومًا”، وليس المقصود بالمراقبة مجرّد السيطرة الاجتماعية، على الرغم من أنّ هذا المأرب جزء من ذلك، لأنه يحدّد المقاومة، ولكنها تأسيسية.[3]
وكلمة تأسيسية هنا مفصلية من حيث إنّها فعلٌ يتأسّس عليه تفريغ الأرض، فقد اضطرّ فلسطينيون تحت وطأةِ الخوف المُنتج استعماريّاً إلى النزوحِ بعيداً عن الجيش الإسرائيلي لحماية نساء العائلة، وبذا ساهم ذلك في تحقيق إبادةِ الأمكنة وأجسادها، من خلال إنتاج معرفةٍ عن أنماط تفكير الفلسطينيين وتوظيفها استعماريّا، للنزوح.
التوظيف الاستعماري للشرف جاء لغرض إبادة الأمكنة وأجسادها، عبر إنتاج الخوف بأنّ أجساد النساء سيتم اغتصابها
قياسًا على ذلك، يمكن أن نفهم كيف حدث النزوح في أثناء النكسة (1967)، بحيث ساهمت التداولات الكبيرة للاغتصاب في أثناء النكبة (1948) في توجيه سلوك الجماعة الفلسطينية في أثناء النكسة. وإذا كانت العائلة في أثناء النكسة قد نزحت خوفًا على النساء من الاغتصاب، فذلك لا يتعلّق بأنّ هناك حالات اغتصاب وقعت في أثناء النكسة، بقدر ما يحيل ذلك إلى ما حدث في أثناء النكبة. نفهم ذلك حين يطرح رياض عويضة القرار التي اتخذته أُسرته بالنزوح إلى الأردن خوفاً على أخواته، يقول: “على الأقل 60% – 70% من الناس نزحوا إلى الأردن عن طريق النهر، وقتها أنا كنتُ من الناس الذين نزحوا مع عائلتي إلى الأردن، كانت وجهة نظرنا، إنو (أنّ) أبوي (والدي) يطلع (يذهب) في البنات إلى برّ الأمان إلى الأردن، كان الخوف من أن اليهود سوف يعتدون (يغتصبون)على البنات منتشراً بسبب ما حدث في أثناء النكبة”.[4]
حين يطرح عويضة أنّ هذا الخوف منتشر، لا يذكر هذه الحادثة بوصفها مُختزلة في حدث النكسة، فالانتشار هنا لا يُحدّد بعقدٍ زمني، بقدر ما يُحدّد بعقودٍ زمنية تراكمت، فلم تكن واقعةً وانتشرت أخبارُها في أثناء النكسة، بل كانت خيالاً، فالواقعة ستكون مرتبطة بخبر، والخبر مرتبطٌ بتحليلات مدّتها قصيرة، بينما الخيال يتشكّل مع عدّة أحداث متداولة، جزءٌ منه، حقيقة بينما القسم الأكبر منها مرتبط بـ”التهويل” وضمن تداول زمني طويل، ومع نقاشاتٍ وأحاديث كثيرة، فالانتشار هنا مرتبطٌ بخيالٍ تجاه ما يمكن أن يحدُث، فلم تَعُد الحرب تُتخيّل من دون الاغتصاب. ومن هنا، يمكن أن نفهم الدور الذي لعبه الاستعمار الإسرائيلي في إبادة الأمكنة ودفع سكانها إلى مغادرتها خلال إنتاج الخوف ذات العلاقة باغتصاب النساء، والتي ساهمت في تشكيل سلوك الجماعة، من خلال دفع الناس للنزوح قبل فوات الأوان، وهو ما يعني، بالنسبة لنا، الإبادة السريعة للأمكنة، ليس بتدميرها فحسب، وإنّما بدفع سكّانها إلى مغادرتها جماعات، خلال الحرب، من خلال استغلال الثقافة المحلّية والتصوّرات حول جسد المرأة.
الاغتصاب في قطاع غزّة
أفاد تقرير بعنوان “أونروا تحذّر من حملة خبيثة لإنهاء عملياتها”، بأنّ بعض موظفيها وغيرهم ممن تحتجزهم القوّات الإسرائيلية في قطاع غزّة تعرّضوا لسوء المعاملة، سيما الضرب المبرّح والإجبار على التعرّي. وقالت الوكالة إنّ الموظفين أفادوا بتعرّضهم للضرب والمعاملة الشبيهة بالإيهام بالغرق والتهديد بالاغتصاب والصعق بالكهرباء، وأجبروا على التعرّي من بين أشكالٍ أخرى من سوء المعاملة [5]. وتحت عنوان “قلق أممي من تزايد حالات اغتصاب يرتكبها جنود الاحتلال في غزّة”، أعربت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بالعنف ضد النساء والفتيات، ريم السالم، عن قلقها إزاء تزايد حالات الاغتصاب التي يرتكبها جنود الاحتلال ضدّ فلسطينيات. وأوضحت في منشور على منصّة إكس (تويتر سابقاً)، أنّه من المثير للاشمئزاز استمرار هذه الحالات في قطاع غزّة الذي يتعرّض لحربٍ إسرائيلية مدمّرة منذ ستة أشهر. وشدّدت على أنّ الاغتصاب وغيره من أنواع العنف الجنسي يمكن اعتبارها جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية أو سلوكياتٍ قد تشكّل إبادة جماعية. ودعت المقرّرة الأممية إلى وقفِ حالاتِ العنف ضدّ النساء الفلسطينيات على الفور [6] في المقابلة التي تحدثت فيها امرأة من غزّة على قناة الجزيرة، واتهمت فيها الجنود الإسرائيليين بارتكاب جرائم اغتصاب نساء خلال آخر عملية للجيش الإسرائيلي ضدّ حماس داخل مستشفى الشفاء. حذفت قناة الجزيرة الصفحة التي تُعرض فيها هذه القصة، كما غرّد الصحفي والمدير العام (سابقا) لقناة الجزيرة، ياسر أبو هلالة، معترفًا بأنّه “تبيّن من خلال تحقيقات حماس أنّ قصة اغتصاب النساء في مستشفى الشفاء مُلفّقة.. المرأة التي تحدّثت عن الاغتصاب برّرت مبالغتها وكلامها غير الصحيح، بأنّ الهدف هو “إثارة حماسة الوطن وتآخيه!”[7].
وفيما يتعلّق بوجود إحصائية حول عدد جرائم القتل والعنف الجنسي، بما فيها الاغتصاب، والتهديد بالاغتصاب، التي يرتكبها جيش الاحتلال بحقّ النساء في غزّة، قالت السالم في تقرير تحت عنوان “المقرّرة الأممية المعنية بالعنف ضدّ النساء: إسرائيل تحاول “القضاء” على “أونروا”، ويجب استخدام الفصل السابع لإجبارها على وقف النار”: “تلقّيت تقارير عديدة تشير إلى حوادث فردية وجماعية بحقّ النساء والفتيات في ما يتعلق بالاعتداء الجنسي والجسدي والنفسي والمعاملة المهينة واللاإنسانية. ومصدر هذه التقارير هو الضحايا أنفسهم، أو الشهود، أو المنظمّات التي تعمل مع الضحايا، أو منظمّات حقوق الإنسان المستقلة، وقد خاطبتُ الحكومة الإسرائيلية بشأنها، ولكن لم أحصل على إجابة”. ويتحدّث المراقبون عن استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي الاغتصاب “سلاحًا” لترهيب الفلسطينيين ودفعهم إلى الخروج من قطاع غزّة [8].
ساهمت التداولات الكبيرة للاغتصاب في أثناء النكبة في توجيه سلوك الجماعة الفلسطينية في أثناء النكسة
تشير هذه التصريحات إلى حالاتٍ غير مؤكّدة، وهذا لا يعني بأيّ حال أنّها لم تحدُث، بقدر ما يذهب بنا ذلك إلى تأثير هذه الأقوال على سلوكيات النساء في أثناء الحرب على غزّة، وهو ما يدلّ على الكيفية التي تدير بها الحركة الصهيونية استعمار فلسطين، ليس عبر فعل القتل فقط، وإنّما عبر فعل النزوح، فعلاً تستثمر به الحركة الصهيونية في تفريغ الأرض، فحتى هذا اليوم بلغ عدد الشهداء في قطاع غزّة 34 ألف شخص، بينما بلغ عدد النازحين مليوناً و900 ألف من سكان قطاع غزّة نزحوا من منازلهم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023[9].
يطرح أندرو ر. باسو أنّ النزوح القسري للسكان أسلوبُ قتلٍ غير مباشر، يشمل الحرمان المنهجي الذي يؤدّي إلى تدمير الضحايا، مثل الجوع والجفاف وانتشار الأمراض والتعرّض للعناصر الطبيعية وسوء المعاملة اللاإنسانية. تتسبّب هذه الأساليب في خسائر ديموغرافية واسعة، وتتطلّب فترةً أطول لقتل شخصٍ واحد مقارنة بالقتل المباشر. أمّا القتل المباشر فيشمل الوفيات الناجمة عن العنف الجسدي المباشر، مثل الجروح القاتلة الناجمة عن طلقات نارية، والغازات، تسبّب هذه الممارسات وفياتٍ فورية تقريباً، وهي أكثر كفاءة من حيث الوقت، ولكنها أكثر تكلفة بسبب الحاجة إلى العتاد.[10] وبالتالي، إنّ نزوح قرابة مليوني شخص هو تعريضهم لموتٍ غير مباشر، وبأقل تكلفة. وبعيداً عن عيون العالم التي تنظر إلى أعداد الضحايا الذين يقتلون بالرصاص وبالقصف، في وقتٍ قصير، فيما تغيب عن عيونهم أعداد الضحايا الذين يُواجهون الموت في الفترة المقبلة، وقد دُفعوا نحو النزوح بفعل شائعاتِ الاغتصاب، والقتل الفظيع.
اضطرّ فلسطينيون تحت وطأةِ الخوف المُنتج استعماريّاً إلى النزوح بعيداً عن الجيش الإسرائيلي لحماية نساء العائلة
هذا يعيدنا إلى النكبة والنكسة، فحالات الاغتصاب التي جرى تداولها بكثرة من دون معرفة تفاصيلها، ساهمت في تهجير حوالي 800 ألف شخص خوفاً على نساء العائلة من الاغتصاب. يتحدّث رشيد بن بيه في دراسته “الإبستيمولوجيا النسوية وتأثيرها في إنتاج المعرفة السوسيولوجية وفهمهما في المنطقة العربية”، حول فكرة مفادها بأنّ الإبستيمولوجيا ليست مجرّد علم اجتماع المعرفة، لكونها لا تبحث فقط لفهم ممارساتنا الحالية لإنتاج المعرفة، ولكنها تبحث أيضاً كيف تحصل المعرفة. [11]، وهو ما نتجاهل حقيقته في الغالب، عبر التركيز على الممارسات الحالية للمعرفة، دونما تفكيكٍ للكيفية التي تستغل بها هذه المعرفة. ولهذا أهميّته، من خلال الانتقال بالتركيز على المعرفة من أنها معرفة لتشكيل الوعي إلى أن المعرفة استكشافية لإدارة استعمار فلسطين، وبالتالي، تذهب هذه الورقة إلى القول إنّ حالات الاغتصاب (وإنْ حدثت) فإنّها لم تُمارس بفعل اشتهاء جسد المرأة الفلسطينية، بل لدفع الناس إلى النزوح عبر تصميم سياساتٍ تدرُس أنماط التفكير الفلسطيني، فكانت معرفةً استكشافيةً درست التصوّرات المجتمعية بشأن جسد المرأة، باعتبار هذا الجسد محرّماً، وقد يكون مقدّساً، وهو ما يعيدنا إلى مثَل العِرض قبل الأرض، المثل الذي ساهم في موجات نزوح كبيرة خلال النكبة والنكسة، ساهم في نزوح الناس من الشمال إلى الجنوب خوفاً على نساءٍ من الاغتصاب من الجنود الإسرائيليين. وبالتالي، يحيلنا هذا إلى الكيفية التي تدير بها إسرائيل عملية استعمار فلسطين، عبر التحديق بأنماط التفكير فلسطينيّاً، والبناء بأدواتٍ تنفذ على الأرض، وهو ما أسماه الباحث خالد عودة الله “التحديقة الاستعمارية” التي تحاول إنتاج المعرفة واستغلالها استعمارياً، من خلال محاولة فهم ديناميكيات الشخصية الفلسطينية وتكويناتها وثقافتها، وأيديولوجيتها، وتوظيفها استعمارياً، والتوظيف الاستعماري لها هنا بهدف تفريغ الأرض من أكبر عدد ممكن من السكان.
المراجع:
[1] سهاد الناشف، نادرة شلهوب، الرغبات الجنسية في آلة الحرب الاستيطانية الاستعمارية، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 104، 2015، ص. 137.
[2] خالد عودة الله، “العلوم الاجتماعية الفلسطينية كمعرفة استعمارية”، موقع قديتا، 2012، المصدر، https://bit.ly/3TEwP82.
[3] كيرلي، جنكيز، 2013، المراقبة وتشكيل الحيز العام في الإمبراطورية العثمانية، مجلة عُمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد 6/2، المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات، ص37
[4] رياض عويضة، نازح إلى الأردن وأسير محرر، مقابلةشخصية، 4/10/2022).
[5] الجزيرة نت، أونروا تحذّر من حملة خبيثة لإنهاء عملياتها، 15/4/2024، المصدر https://bit.ly/44DTO6G
[6] القدس العربي، قلق أممي من تزايد حالات اغتصاب يرتكبها جنود الاحتلال في غزّة، 25/3/2024، المصدر https://bit.ly/4byzqpR.
[7] الدستور، الجزيرة تتراجع عن قصة الاغتصاب التي اتهم بها الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء، 12 مايو 2024، المصدر https://bit.ly/3UUqlCl
[8] القدس العربي، المقررة الأممية المعنية بالعنف ضد النساء: إسرائيل تحاول القضاء على أونروا ويجب استخدام الفصل السابع لإجبارها على وقف النار، 28 مارس 2024، المصدر https://bit.ly/3wmN6Wd
[9] الجزيرة نت، أونروا: مليون و900 ألف نزحوا من منازلهم منذ 7 أكتوبر، 8/1/2024، المصدر https://bit.ly/3JWrcfl.
[10] Andrew R. Basso, Towards a Theory of Displacement Atrocities: The Cherokee Trail of Tears, The Herero Genocide, and The Pontic Greek Genocide, Genocide Studies and Prevention: An International Journal (GSP), P.10.
[11] رشيد بن بيه، الإبستيمولوجيا النسوية وتأثيرها في إنتاج المعرفة السوسيولوجية وفهمهما في المنطقة العربية ، عُمران، العدد 37، 2021، 127.
عن العربي الجديد