الاعلام اعلن الاستقلال ونتنياهو يتصبب عرقا

“سمعت للتو صحفيين يقولون لا تنشر الأسئلة التي تجيب عليها عبر شبكة الإنترنت”، هكذا سُمع “المُحاور” توباز لوك، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يسأله أمس في مقطع فيديو مُسجل آخر نُشر على حساب التويتر الخاص برئيس الحكومة المُتهم بجرائم جنائية .
وتعتبر هذه الفيديوهات المسجلة الوسيلة التي اختارها رئيس الوزراء للتواصل مع الجمهور الإسرائيلي، بعد أن قرر قبل سنوات مقاطعة القنوات الإخبارية ورفض الإجابة على أسئلة الصحفيين. ومنذ ذلك الحين، يوافق على الظهور في برامج مدح الذات على القناة 14. وبعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، اضطر إلى البدء بعقد مؤتمرات صحفية صغيرة ومحدودة، لكنه منذ حوالي ستة أشهر يرفض حتى القيام بذلك (منذ 9 ديسمبر/كانون الأول 2024).
“واضح، انهم لا يريدون سماع ذلك . هذا واضح. لكن هذا حقهم. فليفعلوا ما يشاؤون. يمكننا التواصل مع الجمهور مباشرةً”، هذا ما ردّ به نتنياهو على “سؤال” من مستشاره الإعلامي. وهذا أمر سخيف بطبيعة الحال: لماذا تتطوع وسائل الإعلام لمساعدة نتنياهو في مقاطعتهم؟ ولكن بعد ذلك أضاف رئيس الوزراء المتهم: “بالمناسبة، سأسمح لهم بطرح الأسئلة أيضاً، لا تقلقوا”، وهي إشارة ربما للمرة الأولى إلى أن نتائج سياسة المقاطعة غير الديمقراطية التي ينتهجها بدأت تشكل ضغطاً كبيراً عليه .
تأتي تصريحات نتنياهو بعد ثلاثة أسابيع من تغيير سياسة محرري الأخبار في التلفزيون الإسرائيلي (القنوات 12، 13، وكان 11)، الذين قرروا مقاطعة أو عدم بث آخر تصريح مسجل لنتنياهو على الهواء مباشرة في 19 أبريل/نيسان.
وأعلن مكتب نتنياهو في اليوم السابق، الجمعة 18 أبريل/نيسان، أن نتنياهو سيصدر بيانا للصحف في اليوم التالي، بهدف خلق “حدث إعلامي”، حتى على حساب القلق الذي ينتشر بين عامة الناس، القلقين على سلامة المخطوفين في قطاع غزة . ولم يكن ذلك حتى تصريحا مباشرا: فمن أجل منع أي احتمال للوقوع في الأخطاء، سجل مستشارو نتنياهو كلماته مسبقا وأرسلوها إلى محرري الأخبار على أمل أن يخصصوا هذه المرة أيضا وقتا طويلا أثناء بث الأخبار لبث صفحة الرسالة المسجلة الخاصة بنتنياهو .
ولدهشتهم، ودهشة نتنياهو، اختارت وسائل الإعلام التعامل مع الفيديو مثل أي حدث إخباري آخر ــ أي الحديث عنه في مقال محرر . واختار محررو “كان 11” عدم بث المقطع المسجل الذي تم بثه من حساب يوتيوب الخاص بمكتب رئيس الحكومة ، بل الانتظار حتى انتهائه واختيار المقاطع ذات الصلة بهم لبثها في النشرة . وبدأ محررو القناة 12 بث البيان كالمعتاد، لكنهم قطعوه قبل أن ينتهي، وبعدهم اختار محررو القناة 13 أيضا قطع البيان والعودة إلى الندوة في الاستوديو.
ولم تبث البيان المسجل كاملا إلا قناة 14، القناة الدعائية المخصصة لترويج رسائل نتنياهو، وقناة i24news التي تتبعها .
حتى ذلك التصريح المسجل، تعاملت القنوات الإخبارية مع تصريحات نتنياهو وكأنها وسائل إعلام حكومية في دولة شيوعية. لقد حرصوا على بث جميع التصريحات الـ 27 خلال العام والنصف منذ اندلاع الحرب، ليس فقط عندما اضطر نتنياهو للإجابة على بعض الأسئلة بعد ذلك، بل أيضاً عندما كانت هذه التصريحات محدودة تماماً .
قرار المحررين لوضع حد لنتنياهو أضر بقدرة رئيس الحكومة على إيصال رسائل حملته الانتخابية خلال ساعات الذروة على وسائل الإعلام الرئيسية، في وقت ضائقة سياسية متزايدة الخطورة.
ونشرت القناة 12 مساء أمس استطلاعا آخر للرأي يشير إلى تراجع إضافي في الدعم الجماهيري للكتلة الائتلافية التي يقودها نتنياهو، والتي لا تحصل في كل الأحوال على النسبة الدنيا من التأييد للحفاظ على حكمها وفقا لكل الاستطلاعات (باستثناء تلك التي أجرتها القناة 14 بالطبع) منذ اندلاع الحرب. وبحسب نتائج استطلاع الرأي أمس، فإن الائتلاف سيحصل على 47 مقعدا فقط، وإذا ترشح منافس نتنياهو، نفتالي بينيت، ضده، فإن كتلة المعارضة ستصل إلى 63 مقعدا حتى من دون الأحزاب العربية.
ومن الممكن أن نتنياهو يدرك أنه على الرغم من “قدرته على الوصول إلى الجمهور بشكل مباشر”، فإنه لا يوجد بديل عن التغطية الإعلامية السائدة، وسوف يعلن قريبا عن استئناف المؤتمرات الصحفية. إذا حدث هذا، فيجب على محرري الأخبار أن يعملوا كمبعوثين للجمهور وأن يرفضوا السماح لمؤسسة المؤتمرات الصحفية بأن تصبح مسرحًا للدعاية والتشهير والتلاعب.
يجب على محرري الأخبار أن يربطوا موافقتهم على إرسال صحفي إلى مؤتمر صحفي مع نتنياهو بإزالة القيود الصارمة التي فرضها المكتب على هوية الصحفيين، وعلى مدة المؤتمر، وعلى إمكانية طرح أسئلة متابعة، بدلاً من قبول الاسافين الدعائية بصمت . إن هيئة الصحافة هي التي يجب أن تختار الصحفيين، دون أي قيود ، وعلى نتنياهو أن يسمح لكل صحفي بأن يطرح عليه عدة اسئلة .
إذا وافق محررو الأخبار على العودة إلى النمط الذي يبقى فيه نتنياهو هو المحرر الفعلي لتصريحاته الإعلامية ، فإنهم لن يسحبوا البساط من تحت أقدامهم هم أنفسهم فقط، وإنما أيضاً سيخونون الثقة التي يمنحهم إياها الجمهور .
المصدر: موقع : العين السابعة (هعاين هشفيعيت )