من يتساءل لماذا تمارس إسرائيل ضبط النفس وتنتظر هجوماً انتقامياً من جانب إيران وحزب الله، سيجد الجواب على ذلك في
واشنطن حيث أن الإدارة الامريكية الديمقراطية الحالية تخشى جدا من اندلاع حرب إقليمية ، وتصر على منعها، خاصة عشية الانتخابات الأميركية ، ومن جانبها تضطر إسرائيل إلى الاستجابة للضغوط والإغراءات التي تمارسها واشنطن من أجل منع نشوب الحرب الإقليمية وتمتص الأضرار المعنوية والنفسية والاقتصادية الكبيرة التي تسببها فترة الانتظار .
إدارة بايدن هاريس، وكذلك الجمهوريون بقيادة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عازمون على منع نشوب حرب إقليمية ويريدون التوصل إلى وقف لإطلاق النار لأربعة أسباب :
السبب الأول، في حرب إقليمية اذا نشبت قد يتأذى الجنود الأميركيون المتمركزون في الشرق الأوسط. – منهم 2500 جندي أمريكي في العراق، و900 جندي متمركزين في سوريا . وعمليا فإن هذا حدث في العراق خلال الاسبوع الماضي ، عندما هاجمت الميليشيات الشيعية العراقية بصواريخ “غراد” القاعدة الكبيرة في عين الأسد، الواقعة في غرب البلاد، مما أدى إلى جرح عدد من الجنود الأمريكيين – وهذا مجرد فاتحة للشهية لما تعرف الولايات المتحدة الامريكية أنه سيحدث إذا وجهت إسرائيل ضربة استباقية إلى إيران. وأمر مماثل حدث اليوم أيضًا، عندما ضربت الميليشيات الشيعية في سوريا بطائرة مسيرة قاعدة القوات الأمريكية الواقعة في شمال شرق البلاد، ولا يريد الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس حاليا رؤية جنود ومواطنين امريكيين يعودون بتوابيت من الشرق الأوسط . وهذا سيشكل كارثة بالنسبة لهم إذا حدث خلال الحملة الانتخابية، حيث أنه من المؤكد أن ترامب سيستخدمه ضدهم .

السبب الثاني هو أنه قد يُطلب من الولايات المتحدة الامريكية إرسال قوات وجنود إضافيين إلى الشرق الأوسط لدعم إسرائيل وحلفائها الآخرين، مثل المملكة العربية السعودية والأردن – وحينها فإن الجنود الأمريكيين، وهم بساطير على الأرض، كما يسمونهم في واشنطن، سيكونون عرضة للقتل والاذى .

وعمليا ، يوجد جنود أمريكيون على أراضي الشرق الأوسط، وهناك قوة كبيرة أخرى من مشاة البحرية وصلت إلى قبرص على متن سفن الإنزال لإنقاذ المواطنين الأمريكيين من المنطقة، إذا لزم الأمر. لا تريد إدارة بايدن تجنب وجود قوات أمريكية على أراضي الشرق الأوسط، بما يتجاوز ما هو موجود بالفعل فقط لأن اندلاع حرب إقليمية عشية الانتخابات يشكل كارثة انتخابية بالنسبة للديمقراطيين، لأن ترامب سيستخدمها ضدهم .

والسبب الثالث هو أن الحرب الإقليمية تصب في مصلحة روسيا، وإلى حد ما أيضاً في مصلحة الصين، خصوم الولايات المتحدة . ذلك أن الحرب الإقليمية ستبعد الانتباه العالمي والغربي عن أوكرانيا وستزيد من الاعباء على الولايات المتحدة وحليفاتها في الناتو لتقديم مساعدات لوجستية لكييف وذلك لان هذه الدول ستضطر ألى تحويل قسم من الذخائر والاسلحة إلى إسرائيل .

السبب الرابع هو أن الحرب الإقليمية ستضع إدارة بايدن هاريس في حالة مواجهة مع الجناح التقدمي المؤيد للفلسطينيين في حزبهم ، وهذا قد يتسبب في خسارة الديمقراطيين بقيادة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس لولايات متأرجحة مهمة مثل ميشيغان . كل ما ورد أعلاه يفسر لماذا أن الولايات المتحدة تطالب إسرائيل، في المفاوضات السرية، بتجنب توجيه ضربة استباقية.

تستجيب إسرائيل لذلك . أولا لأن الضربة الاستباقية هي مسألة معقدة من الناحية العسكرية بسبب بعد إيران واتساع مساحتها، وتتطلب أيضا جهدا عسكريا إسرائيليا لسنا متأكدين من قدرتنا على الاستمرار فيه لفترة طويلة إذا تطور موضوع تبادل الضربات. إن إسرائيل في حاجة ماسة إلى الدعم الأمريكي النشط والواسع النطاق، وهو الدعم الذي لن نحصل عليه في ظل الظروف الحالية إذا وجهنا ضربة استباقية إلى إيران. وفي مقابل ذلك ، تستطيع إسرائيل أن توجه ضربة استباقية تتسم بالكفاءة والفعالية ضد حزب الله ولبنان، بشكل يمنع الضربة الانتقامية من جانب الأمين العام للمنظمة الإرهابية حسن نصر الله.

ويمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك الآن، من لحظة إلى أخرى . كل شيء معد وجاهز : الخطط والأسلحة والطائرات. مطلوب فقط إصدار الأمر وإنهاء فترة الانتظار التي تعتبر محبطة ومدمرة في نظر الكثير منا، ومخزية في نظر الآخرين . ويجمع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والهيئة الأمنية على أن الجيش الإسرائيلي لن يقوم بتوجيه ضربة استباقية، والتي كان من الممكن أن تكون فعالة، من أجل منع تطور حرب إقليمية تخشاها الولايات المتحدة الأمريكية .

السيناريو شبه المؤكد هو أنه إذا وجه الجيش الإسرائيلي ضربة استباقية إلى حزب الله ولبنان، كما فعلت القوات الجوية، على سبيل المثال، في بداية حرب لبنان الثانية في عام 2006 – عندما هاجمت صواريخ زلزال الثقيلة التابعة لحزب الله في لبنان خلال عملية “الوزن النوعي” وحيدتهم في 39 دقيقة – يكاد يكون من المؤكد أن إيران ووكلائها سينضمون إلى القتال، وسنجد أنفسنا في حرب إقليمية، كما ذكرنا، تصر الولايات المتحدة على منعها.

في الواقع، لقد ولت الأيام التي كانت فيها دولة إسرائيل تتعامل مع كل طرف من أطراف المحور الشيعي المتطرف كل على حدة.
وحاليا فإن أي تحرك تقوم به إسرائيل قد يؤدي إلى حرب مع الكتلة بأكملها بقيادة إيران. في هذه الأثناء، تمارس واشنطن ضغوطاً سياسية غير معتدلة من خلال جزرات تقدمها كإغراء لإسرائيل بعدم الهجوم أولاً. والنتيجة كما ذكرنا هي الانتظار المحبط الذي نعيشه حالياً.

  • تزايد الاعتماد المتبادل بين إسرائيل والولايات المتحدة تظهر ثلاثة أخبار غير مرتبطة ببعضها البعض على ما يبدو، نُشرت امس في الولايات المتحدة، تزايد الاعتماد المتبادل بين القدس وواشنطن، والذي يقترب من حد التعايش تقريبًا . ولا تقتصر العلاقات بينهما على الربط بين مصالح الأمن القومي للبلدين حاليا كما لم يكن قبل 7 أكتوبر – وانما تغلغلت ايضا إلى السياسة الداخلية لكلا البلدين. يتعلق الخبر الأول بالسماح لإسرائيل باستخدام 3.5 مليار دولار من حزمة المساعدات التي وافق عليها الكونغرس . والخبر الثاني يتعلق بإشارات مثيرة للقلق بما يتعلق ببرنامج السلاح النووي الإيراني. أما الخبر الثالث فيتعلق بالتوبيخ العلني الذي وجهه كبار الادارة الامريكية إلى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بسبب تصريحاته حول حق إسرائيل الأخلاقي في تجويع مليوني نسمة في قطاع غزة. وكما ذكرنا، فإن الخبر الأول هو السماح لإسرائيل باستخدام 3.5 مليار دولار من إجمالي حزمة المساعدات البالغة 14.1 مليار دولار والتي وافق عليها الكونجرس قبل أكثر من ستة أشهر. وهذه إحدى “الجزرات” التي تستخدمها الإدارة الديمقراطية لمكافئة القدس على ـ”حسن السلوك”، الذي يتماشى مع مصالح إدارة بايدن ونائبته . وتهدف هذه المكافأة الإيجابية أيضًا إلى انتزاع حسن نية من نتنياهو تجاه مانسميه “صفقة إطلاق سراح المخطوفين” وفي الولايات المتحدة “صفقة نهاية الحرب”. تريد إدارة بايدن – هاريس تقديم نهاية الحرب في الشرق الأوسط والإفراج عن المخطوفين كإنجاز في حملتها الانتخابية. والدافع الآخر لهذه اللفتة المفاجئة هو أن نثبت للدول العربية في المنطقة، حلفاء الولايات المتحدة، وأيضا لحلفاء واشنطن الآخرين على الساحة العالمية، على سبيل المثال في أوروبا وآسيا، أن “العم سام” صديق مخلص ، يهب لنجدة حلفائه – ولو كان على خلاف معهم . الرسالة الثانية هي ردع إيران وإظهار أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل على المدى القصير، ولا تهب فقط لمساعدتها عسكريًا في صد هجوم صاروخي وطائرات مسيرة ، ولكنها تساعدها أيضًا على المدى الطويل، إذا وعندما تكمل طهران استعداداتها لإنتاج الأسلحة النووية لنفسها. وفي هذا الصدد، نُشر الليلة الماضية تقرير قدمته ادارة هيئة الاستخبارات الأمريكية إلى الكونجرس حول التقدم الذي أحرزه برنامج السلاح النووي الإيراني . ويذكر التقرير، بشكل أو بآخر، أن إيران قد وصلت بالفعل إلى وضع “العتبة النووية” ، بشأن تخصيب اليورانيوم، والأهم من ذلك، أنها تقول إن طهران تقوم باستعدادات وإجراءات غير مباشرة تظهر أنها تنوي الانتقال إلى المرحلة التالية التي ستعمل فيها على تطوير السلاح نفسه . ويشير التقرير على وجه التحديد إلى أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لم يصدر بعد الأمر بتطوير جهاز التفجير النووي والرأس الصاروخي النووي . وبحسب التقرير، فإن طهران لا تجري حاليا مشروعا نشطا في هذا الصدد، بل ان علماء ايرانيين يعدون ابحاثا يمكن استخدامها إذا قررت الجمهورية الإسلامية استئناف “برنامج السلاح النووي ” .

تنضم هذه المعلومات إلى الخبر الذي نشره نداف إيال في “يديعوت أحرونوت” منذ وقت ليس ببعيد، والذي يفيد بأن إيران تشتري أيضًا مكونات مزدوجة الاستخدام قد تساعدها في تطوير وإنتاج الجهاز المتفجر النووي والرأس الصاروخي الحربي. وهذا يعني أن المواجهة الكبرى والحاسمة مع إيران والمحور الشيعي الراديكالي لا تزال أمامنا، وسنحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة لمنع طهران في الوقت المناسب من امتلاك سلاح نووي وتشكيل خطر وجودي على دولة إسرائيل ومواطنيها .
الخبر الثالث هو التوبيخ العلني لسموتريتش من قبل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض والسفير الأمريكي في مقابلة مع دانا فايس على قناة الأخبار 12. وفي كلتا الحالتين، ذكر التوبيخ على وجه التحديد اسم سموتريتش الذي قال كما ذكر أن إسرائيل تقدم المساعدات إلى قطاع غزة لأنه “لا يوجد خيار آخر” و”ربما يكون من الأخلاقي تجويع مليوني غزي”.

وتشير هذه الخطوة، التي تشذ عن البروتوكول الدبلوماسي، إلى تدخل متزايد للإدارة الأمريكية في السياسة الداخلية الإسرائيلية، وهذه المرة ليس من خلال التسريبات، كما حدث كثيرا في الآونة الأخيرة في واشنطن ضد نتنياهو، ولكن “مباشرة ” – إلى وزير قد لا تثير تصريحاته الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي فحسب، بل قد تزعج أيضاً الجماهير العريضة في أوروبا الغربية، وتعطي أسلحة وذخيرة سياسية مدمرة للمحاكم الدولية التي تناقش قضية إسرائيل في هاغ .

إن تصريح سموتريش الغبي وغير المسؤول، والذي يعكس على الأرجح وجهة نظر وزير المالية في الحكومة الحالية، لا يلحق الضرر بإسرائيل فحسب، بل قد يؤثر أيضا على فرص هاريس في الترشح للرئاسة. وهذا دليل آخر على التعايش والاعتماد المتبادل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي يتعمق في جميع المجالات.

ومثلما “انصهر” المحور الشيعي الراديكالي خلال الأشهر القليلة الماضية في كتلة واحدة تعمل مكوناتها بالتنسيق والمساعدة المتبادلة، بما في ذلك إيران، كما رأينا في هجوم الصواريخ والمسيرات في أبريل/نيسان، كذلك الحال مع الكتلة الموالية للغرب. التي تضم ليس فقط دول المنطقة والولايات المتحدة وإسرائيل فحسب، وإنما أيضا بريطانيا وفرنسا .
وعلى الرغم من وجود أخطار في هذا التطور، إلا أنه يمثل أيضًا فرصة لإسرائيل للاستعانة بالولايات المتحدة بطريقة فعالة لتعزيز مصالحها الأمنية الوطنية دون أن تفقد حريتها في اتخاذ القرار والعمل التنفيذيين في الشرق الأوسط . فالولايات المتحدة تحتاج حاليًا إلى إسرائيل وقدراتها العسكرية والاستخباراتية بصورة لا تقل كثيراً عن حاجة القدس إلى واشنطن. ولذلك فإن مراعاة المصالح الأمريكية من جانب إسرائيل، والعكس أيضاً، يجب أن يستمر ويتعزز، على أن تكون الخطوة التالية تنفيذ صفقة إطلاق سراح المختطفين التي يمكن إنقاذها ، للخروج من المأزق الاستراتيجي الذي يعيشه البلدان معًا في هذا الوقت.

المصدر: يديعوت أحرنوت

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *