الاعتراف بيهودية “إسرائيل” فتك بالإنسانية
ليس لهذا الاعتراف أن يكون إلا فتكاً بجوهر الإنسانية، ولا أحسب أن الإنسانية الحقة ستأذن له أن يكون، أو أن تقبل به إن أقدم عليه متوحشو البشر وكياناتهم المستقوية بقوى صلبة متوحشة وفتاكة!
وإن حدث وأقدم عليه أي عربي، أو فلسطيني، أو أي إنسانٍ من أي قومية، أو جنس، أو لون، أو دين، أو غير ذلك، فإنما هو يتنكر لجوهر إنسانيَّته، ويلحق نفسه بذيول ذلك الوحش البشري الاستعماري الرأسمالي الموغل في دُمِ الإنسانية!
أمَّا من وجهةٍ سياسية وقانونية، فإن في الاعتراف (المستحيل الحدوث) من قبل شعب فلسطين، أو من قبل من يمثله، بيهودية “إسرائيل” إقرارٌ ضمنيٌّ بالسردية الصهيونية الأسطورية الزائفة، والمؤدلجة دينياً وسياسياً، لإشباع رغبات غرائزية غير مؤنسنة، ولتحقيق مصالح وغايات استعمارية استيطانية رأسمالية جشعة ومتوحشة، وفيه، في اللَّحظة نفسها، نفي مطلق للسَّردية الفلسطينيَّة الحضاريَّة التاريخية الراسخة، والمؤصَّلة من كل منظور ووجهه، والمعززة بالأدلة المادية: الأركيولوجية الآثارية، والأركيولوحية البشرية، والأركيولوجية المعرفية، وكذا بالبراهين والمعطيات والحقائق الحياتية الوجودية الساطعة، القائمة، منذ بدء البدء الحضاري وحتى هذه اللحظة التاريخية، فوق أرض فلسطين وفي كل طبقاتها حتى آخر عُمْقٍ وأوَّل حضارة.
أما نحن الفلسطينيون والعرب الإنسانيون جوهراً وهويةً، ومعنا كلُّ الإنسانيين القابضين على جذوات إنسانيتهم الجوهرية، والمستضيئين بأنوار مناراتها، فلن نعترف بإسرائيل اليهودية/الصهيونية أبداً؛ أبداً، لأننا لن نتخلى، في البدء والمنتهي، عن جوهر إنسانيتنا وغايات وجودنا الإنساني في الحياة ومغزاه.
فقط حين تتحول “إسرائيل” إلى “دولة عادية” غير يهودية، ولا تستثني غير اليهود من أن يكونوا مواطنين كاملي المرتبة والحقوق والواجبات فيها؛ أي دولة غير يهودية وغير صهيونية وغير استعمارية وغير استيطانية وغير احتلالية إحلالية وغير توسعية، وإنما دولة مسالمة بِلَا آيديولوجية ظلامية سوداء وبلا أسلحة قتل وتدمير وعدوان فتاكة؛ فإنها تكون قد شرعت في تأهيل نفسها لإمكانية البقاء إلى حين، كدولة في فلسطين إلى جانب دولة فلسطين القائمة فيها؛ أي إلى حين تتمكن فلسطين الكلية من استعادة وحدتها الجيوسياسية كدولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة، وذات تاريخ وحضارة، وذات مستقبل مفتوح على المستقبل، ولا اسم لها سوى: “دولة فلسطين” التي لم يشأ، ولن يشأ، شعبها الأصلي الفلسطيني أن يسميها بأي اسم سواه!