
ترجمة لمقال جدعون ليفي في صحيفة هآرتس ( 3/8/2022 ) بعنوان “الإسرائيليون يرفضون أن تطاردهم أشباح المذابح الماضية . ماذا يعني ذلك للمستقبل؟ “
يلقي فيه الضوء على دور الإعلام الصهيوني ، والحصانة الممنوحة لمجرمي الحرب الإسرائيليين، ومواصلة الإفلات من العقاب، في التكوين البنيوي للمجتمع الاسرائيلي الذي يزداد عنصرية.
ويكشف حقيقة لامبالاة الغالبية الساحقة من يهود إسرائيل إزاء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تواصل إسرائيل ارتكابها للعقد الثامن على التوالي ضد الشعب الفلسطيني .
أهمية المقال تكمن في كشف تأثير الإعلام الصهيوني، وإخفاء الحقائق، وتبرير الجرائم، وتداعيات مواصلة إفلات يهود إسرائيل من العقاب على جرائم الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، على التركيب البنيوي ليهود إسرائيل، وعلى تشكيل وعيهم الجمعي، وتنامي عنصريتهم ، والذي لا يعكسه فقط عدم مبالاتهم اتجاه حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي تأسست عليه دولتهم ، وغياب الإحساس بالندم حتى بعد انكشاف وقائع المجازر التي ارتكبها قادتهم، مؤسسوا الدولة الصهيونية، وجرى التعتيم الإعلامي عليها. ثم تبرير التسامح مع الماضي المظلم ، بدعوى حدوثه بالماضي وفي ظروف الحرب والإحجام عن تحمل المسؤولية، والاعتذار للتأسيس لمستقبل مغاير.
وإنما، عدم المبالاة ، أيضا، عند انكشاف جرائم الإبادة والتطهير العرقي ، في كفر قاسم وقرى المثلث، والتي نفذها القادة الإسرائيليون الرسميون ضد مواطنيهم من العرب العزل بعد سنوات من قيام دولة إسرائيل ، رغم عدم وجود حرب توفر الغطاء لتبرير المجازر كسابقاتها .
ويلفت جدعون ليفي أن يهود إسرائيل لم يتآلفوا فقط مع جرائم الماضي، وإنما يستسيغون ويدعمون حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يتواصل شنها ضد الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين الانتدابية . ويؤكد أن مخططات اقتلاع وترحيل مواطني إسرائيل الفلسطينيين ، وعموم الفلسطينيين المقيمين على أرض وطنهم . وما تزال الغالبية الساحقة من يهود إسرائيل تدعمها وتنتظر الفرصة المواتية لتنفيذها.

عنوان المقال:
” الإسرائيليون يرفضون أن تطاردهم أشباح المذابح الماضية . ماذا يعني ذلك للمستقبل؟“
جدعون ليفي
صنع قنبلة من ركام. ليست القنبلة التي كان يجب أن نتمناها ، لكنها أخطر بكثير – لم يثر نشر وثائق كفر قاسم أي دهشة. بالكاد علقت وسائل الإعلام . باستثناء “هآرتس”، تثاءب الجمهور، الأمر مات .
يحدث المرة تلو المرة : تنظيمات الجنود تحرك السماء والأرض، والرقابة العسكرية تحظر، وبعد ذلك كل ما يمكن سماعه هو التثاؤب. ما يزال التثاؤب هو الجزء الجيد : دار نشر الماضي المظلم تثير مشاعر فخر ودعم ، أو للأسف تصريحات سخيفة حول عدم وجود خيارات أخرى. فهي الحرب كما تعلمون.
الحدث نفسه يتكرر : سواء الطنطورة أم كفر قاسم ، أم قتل الأسرى عام 1967 أم مذبحة اللد عام 1948 ، أم جنين أم قتل المراهقين على شاطئ غزة – لا شيء يكسر إحساس الإسرائيليين بالعدالة الكاملة ، أو على الأقل بالصلاح الذاتي ، تبقى الصهيونية دوما على صواب .
خلال الأسابيع الماضية عادوا مرة أخرى إلى الطنطورة وكفر قاسم. حتى لو كان ما يزال من الممكن الجدال حول الطنطورة ، فإن الوثائق بالنسبة لكفر قاسم أظهرت الحقيقة التي كان ينبغي أن يتردد صداها .
إذا كان ما يزال من الممكن إلقاء اللوم في الطنطورة في كل شيء على الباحث تيدي كاتس، ومخرج الفيلم ألون شوارتز ، فإن الحقيقة الرسمية التي تم الكشف عنها في كفر قاسم ، حادة ومؤلمة. لكن لمن بالضبط؟
العرب عرفوا الحقيقة طيلة هذه السنوات ، ولم تكن هناك أخبار جديدة في الوثائق المنشورة ، ولا راحة متأخرة.
اليهود لم يريدوا أن يعرفوا طوال هذه السنوات، ولا يريدون أن يعرفوا حتى بعد أن ألقيت الحقيقة في وجوههم. فقد كان من الممكن، أيضا، الوثوق بوسائل الإعلام الإسرائيلية، بأنها ستعرف مرة أخرى كيف تدلل مستهلكيها بإخفاء الحقيقة والتعتيم عليها.
لماذا نحتاج كفر قاسم الآن؟
ربما يكون بالإمكان بطريقة ما أن نفهم تحويل نظرنا عن بقع الماضي البطولي كما قيل لنا ، لكن هذا الماضي لم ينته ، ولم ينته إنكاره، والأعذار الكاذبة .
من لم يتأثر بكشف النقاب عن كفر قاسم ، لم يتأثر ، أيضا ، بعد 66 عام بركل محتج يبلغ من العمر 15 عاما في المغير. ولهذا فإن تجاهل كفر قاسم أمر خطير للغاية.
مذبحة المواطنين الإسرائيليين بعد قيام الدولة . قبل اندلاع الحرب وليس في وسطها – التي لم يعاقب عليها أحد بجدية ، ولم يتحمل أحد المسؤولية عنها ، ولم يفكر أحد في تقديم تعويضات ، وقليل فقط كانوا على استعداد للاعتذار – لا يثير حتى الانزعاج الأخلاقي . قتل الأبرياء ، الذين يوجد أطفالهم هنا بيننا ، لا يهمنا ، نحن اليهود الإسرائيليون المتفوقون. نحزن فقط على موتانا ، ونحزن كثيرا على ما يحدث لليهود في الدولة اليهودية ، فهو فقط ما يعتبر مهما.
حتى الآن ، لم يتم الإفراج عن كل شيء للنشر: خطة هافاربيرت سيئة السمعة ، النقطة السوداء (“Mole”) ما تزال مغلقة. لماذا ؟
يُعد نشرها، أيضا، “خطرا أمنيا “. سوف يعرف العدو ، وسوف تعصف الرياح . لذا ، أيها الرقباء الأعزاء ، أزيلوا كل القلق من قلوبكم . حتى محاربي الماضي يمكن أن يناموا بسلام. أسماؤهم الجيدة لن تكون ملطخة أبدا. لن ينزعج أحد في إسرائيل من خطة شيطانية لطرد عرب إسرائيل . قد يتم نشر كل شيء .
باستثناء عدد قليل من اليساريين ذوي العيون اللامعة ، لن يفقد أحد القدرة على النوم بسببها . اسمحوا بنشر خطة هافاربيرت ، وجميع الحقائق المزعجة الأخرى. لا يمكن لأي وصمة عار من ماضي الدولة أن تلقي بظلالها على الإحساس الإسرائيلي بالرضا الذي لا حدود له .
هل كانت هناك خطة ترحيل في العام 1956؟ كثير من الإسرائيليين يأسفون لأنه لم يتم تنفيذها.
هل فات الأوان؟ ليس بالضرورة. كم عدد الإسرائيليين الذين سينزعجون اليوم من ترحيل السكان تحت غطاء الحرب القادمة ؟ أنت بحاجة إلى العثور على اللحظة المناسبة ، والظلام المناسب، والعذر الصحيح – ويمكن أن يحدث ذلك بجودة تامة . بعد ذلك يمكننا الاعتماد على الإعلام: سيخفونه عن الوعي العام هذه المرة أيضا .
أي شخص لا ينزعج من كشف النقاب عن الماضي، لا ينزعج أيضا مما يحدث في الوقت الحاضر ، ولن يرفع إصبعه في مواجهة ما يمكن أن يحدث في المستقبل .
مخاوف عرب إسرائيل من ترحيل آخر لم تهدأ فحسب منذ الطنطورة ، بل ازدادت قوة وبحق. إن اللامبالاة الإسرائيلية المطلقة بظلال الماضي تلعب دورا هاما في تأجيج هذا الخوف المتسبب بالشلل.