تقديم : ينطوي مقال موشيه جلعاد على أهمية خاصة، إذ يلقي الضوء على حقيقة انفصال يهود المستعمرة الصهيونية وحلفائهم الغربيين الكامل عن الواقع. فقد فاجأهم طوفان الأقصى في السابع من تشرين آلأول/أكتوبر/ 2023. وما يزالون رهينة الصدمة الكبرى التي أودت بعقولهم، إذ كانوا يعتقدون بتفوقهم على سائر البشر ما يتيح لهم استباحة حياة الآخرين – الذين لا خيار أمامهم سوى المفاضلة بين الفناء أو التسليم بالقدر الذي قرروه لهم – دون عقاب، كما هو شأن حماتهم الأمريكين والأوروبيين على مدى القرون الخمسة الماضية .

ففاجأهم طوفان الأقصى، مثلما فاجأ العبد الروماني سبارتاكوس الإمبراطورية الرومانية قبل ثلاث وعشرين قرن – الذي أكسبته قوته الجسدية كمصارع دافعا للتمرد ضد ظلم وطغيان الحكم الروماني – فشعر أن بإمكانه تحقيق العدالة، ولو اضطر لخسارة كل من كان يحب، فقاد ثورة ضد العبودية عرفت ب”ثورة العبيد الثالثة”، والتف حوله الآلاف من قومه، وكبدوا الإمبراطورية الرومانية خسائر لم تعهدها ، فاستنفرت كل قواها، ليس فقط للإجهاز على الثورة بالقوة القاهرة التي لا تبقي ولا تذر . وإنما أساسا لاجتثاث الفكرة التحررية التي حملها الثوار. وتلقين كل من تسول له نفسه التمرد والسعي لتغيير القدر الذي رسمه لهم الأسياد.

ورغم نجاح نظام روما بعد عامين من الحرب (71-73ق.م.) في القضاء على الثوار . إلا أنها كانت الثورة الأخيرة التي نجحت الإمبراطورية الرومانية في قمعها. فقد ألهمت أفكار سبارتاكوس التحررية المظلومين على امتداد الكرة الأرضية للنضال من أجل إحقاق العدالة.

وانهارت الإمبراطورية الرومانية في نهاية المطاف . ويرجع المؤرخون الأسباب الرئيسية لسقوطها إلى

فساد المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في الغزوات البربرية.وعدم كفاءة الحكام.وتدهور حالة السكان.وانخفاض عددهم.

وللمفارقة أنه بعد مرور ثلاث وعشرين قرن على ثورة سبارتاكوس، وتحرر غالبية شعوب العالم. ما تزال ذات العقيدة الاستعلائية العنصرية تحكم سلوك التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري. وما يزال ينتهج ذات السياسة ويوظف فائض القوة للقضاء على حركة حماس، واجتثاث أيديولوجيتها. ولا يتعظ من تجارب وعبر التاريخ الإنساني المدون، وجوهرها ان الأفكار لا تموت بموت أصحابها.بل تنتشر وتلهم المظلومين على امتداد العالم، ما يعجل بسقوط الطغاة ولو بعد حين.

يدلل المقال على أن يهود المستعمرة الصهيونية ورعاتهم الغربيون – كما نظام روما القديم- قد فاجأهم تجرؤ حركة حماس على التمرد ومهاجمة الطغاة الصهاينه الذين غزوا وطنهم قبل ثمانية عقود، واستوطنوه وسرقوا ممتلكاتهم وسكنوا بيوتهم وشردوا شعبهم داخل الوطن وخارجه. وانكروا وجوده وتنكروا لحقوقه الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف. وظنوا بإمكانية رضوخه وتسليمه بالواقع الذي فرضه التواطؤ الكوني والاختلال الهائل في موازين القوى. وقبوله بمقايضة احتياجاته المعيشية بحقوقه الوطنية. وباستكانة أجياله والاكتفاء بخدمة الأسياد المستعمرين في الحقول والمصانع والمستشفيات والمباني والمواصلات. فيما يجند شعب الله المختار أبناءه في الجيش لمواصلة التوسع والاستحواذ على ما تبقى بحوزة السكان الفلسطينيين الأصليين، باعتبار ملكية فلسطين حقا حصريا خالصا ليهود العالم ، بموجب وعد إلهي لا يخضع للتفاوض. ووعد دنيوي بتحقيقه بالقوة القاهرة ، قطعه التحالف الغربي الاستعماري الصهيوني الاستيطاني العنصري قبل قرنين. عندما توافق على مقايضة حاجة النخب اليهودية المتنفذة،التي أسست الحركة الصهيونية لتجنيد اليهود بغية إقامة مركز استيطاني جغرافي يخضع لسيطرتها ويؤمن احتكارها لتمثيل يهود العالم.

بحاجة الغرب الاستعماري الساعي للتوسع لقاعدة استعمارية استيطانية أجنبية متقدمة في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري للمنطقة العربية- الإسلامية الممتدة المستهدفة بالاستعمار والإخضاع. وإسهامها في الوقت ذاته بحل المسألة اليهودية المتأججة بفعل تنامي العنصرية الأوروبية.

الملفت في تفسير أيهود أولمرت لمفاجأة طوفان الأقصى، قوله أن سبب هزيمة إسرائيل في السابع من تشرين آلأول/أكتوبر/ يعود أساسا إلى أن يهود المستعمرة الصهيونية على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم لم يتخيلوا يوما بأن العرب أنداد قادرون على التخطيط والتنفيذ .

ولعل هذا ما يفسر ، أيضا، استغراب الكاتب لانقلاب حياة مستوطني المستعمرة الصهيونية رأسا على عقب بعد السابع من تشرين آلأول/ أكتوبر/ واستيقاظهم على واقع داخلي وخارجي جديد يأمله مؤقتا.

وفيما يلي ترجمة للمقال الذي يصف الواقع الذي آلت إليه إسرائيل ومستوطنيها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/

‎الإسرائيليون ليسوا جزءا ‎”من العالم حاليا ‎مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب فارغ، وشركات الطيران الأجنبية لا تحلق هنا، والإسرائيليون يحلمون فقط بإجازة في كل عام في أواخر كانون الأول/ ديسمبر/ أو أوائل كانون الثاني/يناير/ ، تنشر صحيفة هآرتس قائمة بالوجهات التي تستحق السفر إليها في العام المقبل. إنها أغنية الأمل لجميع المسافرين الدائمين.

هذا العام لن يكون هناك مثل هذه القائمة.حتى أعظم المتفائلين لا يمكنهم التفكير في التخطيط لرحلة في الوقت الحالي. آمل أن نسافر في العام 2024، لكن البحث عن الوجهات الأكثر ملاءمة للعام المقبل لراكب يقلع من إسرائيل غير ممكن في الوقت الحالي. حتى هواة السفر المغامرون، أصبحوا يتحققون الآن من موقع عمليات الإنزال الصاروخي الأخيرة في كيبوتس مانارا ، بدلا من تاريخ الإنزال في مانالي بجبال الهمالايا بالهند. وفي الأيام الأخيرة أقلعت حوالي 100 رحلة جوية يوميا من مطار بن غوريون. وفي العادة سيكون العدد حوالي 500 رحلة يوميا.

هناك شعور بأنه لا جدوى من إعداد مثل هذه القائمة لأننا، الإسرائيليين، لسنا لاعبين في تلك اللعبة الممتعة التي تسمى “رحلة إلى الخارج”. آمل أن نعود للعبها، وأن نستمتع برحلة ممتعة – بعد كل شيء، كنا لاعبين متميزين في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكننا في الوقت الحالي لسنا جزءا من العالم.

نظرة سريعة تكشف أن عددا قليلا جدا من الناس يسافرون الآن. السبب الرئيسي هو أن الناس ليسوا في مزاج جيد. إن الكساد الرهيب الذي أصابنا في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر/ لم يتبدد. إن المناقشات حول القتال المستمر في الجنوب واحتمال نشوب حرب شاملة في الشمال تدفع الرحلة القادمة إلى الخارج إلى أبعد من ذلك بالنسبة لمعظمنا.

لقد أصبحنا مدمنين على ظهور المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية دانييل هاغاري.

أجرت هيئة المطارات الإسرائيلية استطلاعا في أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر/ بين عينة ممثلة من الإسرائيليين.

أجاب ثلثا الذين شملهم الاستطلاع أنهم يعتزمون الطيران خلال عام بعد انتهاء الحرب. وأجاب حوالي النصف أنهم سوف يطيرون في غضون نصف عام بعد انتهاء الحرب. وفي الوقت الحالي يبدو هذا التاريخ بعيدا جدا .

وردا على سؤال “ما هي أكثر أوقات التسلية التي تفتقدونها خلال فترة القتال؟”

أجاب حوالي ربع الذين شملهم الاستطلاع: السفر إلى الخارج.

وأجاب 20% بأن أكثر ما يفتقدونه هو قضاء إجازة في فندق. ويبدو ذلك مشجعا، لأن معظم الناس اعتقدوا أن المستقبل وردي، وأن الرحلات إلى الخارج سوف تصبح قريبا جزءا من حياتنا مرة أخرى.

والمشكلة هي أن المرء قد يميل إلى التحقق من الجدول الزمني الحالي لرحلات مطار بن غوريون ــ وهذا يكشف عن واقع كئيب للغاية.

معظم شركات الطيران الأجنبية لا تطير إلى إسرائيل الآن. نحن لسنا على خريطتهم. وتسيّر شركات الطيران الإسرائيلية الثلاث – العال، ويسرائير، وأركيا – رحلات إلى مجموعة محدودة من الوجهات.

مر حوالي 20 ألف مسافر عبر المطار في كل يوم من الأيام القليلة الماضية. قارن ذلك بحوالي 100.000 مسافر يمرون عبره في يوم حافل في فصل الصيف. الأرقام هي إشارة واضحة إلى أن هذا ليس مجرد شعور. الحقيقة البسيطة هي أننا سقطنا من على وجه الأرض.

نحن لسنا جزءا من العالم. منعزلون، ونتحدث لغة عنيفة، وغير محبوبين وغير مرغوب بنا .

إن النظرة الصادقة في المرآة تؤدي إلى استنتاج مفاده أننا أمة صغيرة تخوض حربا قاسية منذ حوالي ثلاثة أشهر في منطقة تنزف في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي هذه الأثناء، يقوم الناس في جميع أنحاء العالم بأشياء أخرى.

إنهم يزورون أسواق عيد الميلاد الملونة، ويسافرون للتزلج على سفوح الجبال المغطاة بالثلوج، ويستمعون إلى الموسيقى في النوادي الليلية، ويغطسون في الحمامات الساخنة ويخططون للذهاب إلى كرنفال فبراير. ونحن هنا ننتظر بفارغ الصبر الإعلان التالي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.

في قائمة العام الماضي أوصيت بالسفر إلى طوكيو والقاهرة وصقلية وكوبنهاجن. حلمت بقطار مسائي إلى إسطنبول وقطار المهراجا السريع في الهند. ما يمكننا أن نتوق إليه الآن هو ازدهار شقائق النعمان في وديان بئيري.

زيارة قصيرة إلى كيبوتس زيكيم أثارت في نفسي ذكريات جميلة عن المروج الخضراء والغزلان. بالنسبة لأصدقائي من الكيبوتس، أثار ذلك ذكريات مخيفة عما حدث في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر/.

عندما يحاولون النوم في الكيبوتس أحيانا، يقومون بإغلاق الأبواب والنوافذ بعناية. لم يفعلوا ذلك من قبل. قال لي صديق من زيكيم: “أريد حقا السفر إلى الخارج قليلا، ولكن فقط عندما أعلم أن لدي منزلا أعود إليه”. وهذا صحيح بالنسبة للبلد بأكمله. كلنا نريد السفر ونحن نعلم أن لدينا منزلا نعود إليه.

تذكرت هذا الأسبوع كتاب راي برادبري الكلاسيكي “سجلات المريخ”. يحكي الكتاب الذي تم كتابته منذ أكثر من 70 عام عن دافع الضرائب العادي بريتشارد، الذي يتوسل للسماح له بالسفر إلى المريخ. يقول أن أي شخص لديه عقل في رأسه يريد مغادرة الأرض. ومن بين أمور أخرى، يصرخ في وجه الجنود الحراس قائلا إنه يريد “الابتعاد عن الحروب والرقابة والدولانية والتجنيد الإجباري وسيطرة الحكومة على هذا وذاك، على الفن والعلم! خذوا الأرض لأنفسكم”. الجنود يسخرون منه. وعندما صرخ “لا تتركني هنا في هذا العالم الرهيب” اعتقلوه.

في هذه اللحظة، تعرض شاشة التلفزيون الملاحظة المألوفة: “يتبع ذلك على الفور إعلان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي”.

(المصدر: هآرتس)

About The Author

1 thought on “‎الإسرائيليون ليسوا جزءا من العالم حاليا

  1. نعم. حماس والجهاد الفصائل المناضلة هم سبارتاكوس ومارتن لوثر كينج هذا الزمان. وبداية نهاية الكيان الاستعماري الصهيوني. والسنوار والضيف وابو عبيده و وائل الدحدوح ومن معهم شهداء واحياء هم مسامير نعش هذا الكيان الاكذوبه واللوبيهات التابعة له حول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *