الأونروا في عين الإعصار: ما قبل الطوفان وبعده

نبذة مختصرة: 

تتعرض وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) منذ فترة طويلة، ولا سيما منذ ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى في البيت الأبيض، لمحاولات إنهاء دورها وحلّها. وليست ادعاءات إسرائيل أخيراً بضلوع بعض موظفيها في عملية “طوفان الأقصى”، سوى ذرّ للرماد في العيون، ذلك بأن الأسباب العميقة لاستهدافها مرتبطة بالمفهوم الذي بُنيت نشأتها عليه، والمتصل بالقرار 194 وبحقّ العودة.

النص الكامل: 

مدخل

أقرّت الهيئة العامة للكنيست مساء يوم 28 تشرين الأول / أكتوبر 2024 بالقراءة النهائية اقتراحَين لقانونين قدمتهما لجنة العلاقات الخارجية والدفاع، برئاسة عضو الليكود يولي إدلشتاين (Yuli Edelstein)، ويرميان إلى وقف أنشطة الأونروا في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ووفقاً لصحيفة “الجيروزاليم بوست”، فإن اقتراح القانون الأول ينصّ على منع الأونروا من “تشغيل أي مؤسسات، أو تقديم أي خدمات، أو القيام بأي أنشطة، بشكل مباشر أو غير مباشر” في إسرائيل، بينما ينصّ الثاني على: أن المعاهدة التي وُقّعت بين إسرائيل والأونروا في أعقاب حرب 1967 ستنتهي صلاحياتها في غضون أسبوع من تمرير التصويت النهائي عليه في الكنيست؛ ألّا تُجري وكالات إسرائيلية ولا ممثلون عن إسرائيل أي اتصالات مع الأونروا أو ممثلين عنها، بعد مرور ثلاثة أشهر على تصويت الكنيست النهائي عليه؛ أن الإجراءات المتعلقة بتجريم موظفي الأونروا الضالعين في أعمال الإرهاب ستستمر. وقد مُرر القانونان بأغلبية أصوات أحزاب الائتلاف والمعارضة، فحصل الأول على موافقة 92 صوتاً ومعارضة 10، بينما حصل الثاني على موافقة 87 عضواً ومعارضة 9 أعضاء.[1]

وعقب ذلك اعتبر إدلشتاين هذا التصويت تاريخياً، قائلاً: “إن الأونروا منذ وقت طويل كفّت عن أن تكون منظمة إنسانية، وإنما هي، علاوة على كونها داعماً عضوياً للإرهاب والكراهية، فإنها تؤبد مشكلة الفقر والمعاناة.”[2]

تمثل هذه الخطوة فصلاً جديداً من فصول الهجمة المتواصلة على الأونروا، لكنها ليست مفاجأة على الإطلاق، إذ إنها جاءت تتويجاً للحرب التي تشنّها حكومة نتنياهو على الأونروا في غزة والقدس منذ حرب طوفان الأقصى، والهادفة إلى تجريم الأونروا، واتهامها بالإرهاب والضلوع في هذه الحرب.

سنعالج في هذه المقالة، وبإيجاز شديد، الأسباب العميقة لاستهداف الأونروا المرتبطة بسياق نشأتها المتصل بالقرار 194 وبحقّ العودة. وسنلقي بعض الضوء على الحملة السابقة على الأونروا، ما قبل الطوفان، وصولاً إلى الخطوة الحالية التي سيجري التركيز عليها في هذه المقالة. وفي هذا الصدد، سنعالج: تداعيات القوانين الجديدة وانعكاساتها على قضية اللاجئين في مختلف مناطق عمل الأونروا، إن لجهة تقديم الخدمات والوضع الإنساني، أو لجهة التداعيات السياسية المتصلة بحقّ العودة؛ ردّة فعل الأمم المتحدة (مجلس الأمن؛ الجمعية العامة؛ الأونروا)؛ ردات الفعل الفلسطينية والعربية والدولية، بما في ذلك المجتمع القانوني والحقوقي الدولي؛ في الختام، خلاصات تتصل بمصير الأونروا وسبل التصدي للحرب عليها. 

I – المخاض السياسي لولادة الأونروا

أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القرار 194، “لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين” (UNCCP) لتكون بمثابة آلية تنفيذية لتطبيق القرار 194، وهي آلية فريدة هدفها البحث عن حلول دائمة لقضية اللاجئين الذين هُجروا من بيوتهم في سنة 1948. وحُددت صلاحيات اللجنة بتسهيل عودة اللاجئين، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، ودفع التعويضات لهم. وبموجب الصلاحيات الممنوحة لهذه اللجنة وفق الفقرة 12 من القرار عينه، قررت اللجنة، بتاريخ 23 / 8 / 1949 تشكيل “البعثة الاقتصادية للدرس” (Economic Survey Mission)، التي عُرفت ببعثة “كلاب” لأنها أوكلت رئاستها إلى الأميركي غوردون كلاب (Gordon R. Clapp)، وجاء تشكيل البعثة نتيجة المأزق السياسي الذي وصلت إليه مسألة اللاجئين في مؤتمر لوزان (27 / 4 – 12 / 9 / 1949). وحُددت مهمات البعثة بضرورة تأمين عمل للاجئين بدلاً من إغاثتهم، بهدف إعادة دمجهم في حياة الشرق الأوسط، وذلك عبر تنفيذ برنامج تنمية اقتصادية بواسطة برنامج أشغال كبرى، والربط بين برنامج الأشغال وبرنامج الإغاثة، مع الإبقاء على الغوث الضروري. وقد أوصت اللجنة في تقريرها الموقت (6 / 11 / 1949) بإنشاء وكالة للأمم المتحدة تُعنى بإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، وبناء على هذه التوصية أنشأت الجمعية العامة، بموجب قرارها رقم 302، بتاريخ 8 / 12 / 1949، وكالة الأونروا. وهكذا وُلدت الأونروا كـ “منظمة إنسانية” في مخاض سياسي، ومن رحم القرار 194، في أعقاب فشل حلّ مشكلة اللاجئين آنذاك.[3]

ولذلك يجسّد وجود الأونروا في حدّ ذاته المسؤولية الدولية عن خلق مشكلة اللاجئين ووجوب حلها وفق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأهمها القرار 194. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن ديباجة القرار رقم 302 التي تم بموجبها إنشاء الأونروا، تذكِّر بأحكام الفقرة رقم 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194. وفي السياق عينه، أكدت الفقرة رقم 5 من القرار 302، ضرورة استمرار إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، من دون “الإجحاف بأحكام الفقرة 11 من القرار 194.” 

II – الحملة على الأونروا ما قبل الطوفان

مخططات إنهاء دور الأونروا ليست بجديدة، فهي رافقت الوكالة منذ ولادتها وارتبطت بالسياق السياسي الذي نشأت في إطاره وطبيعته الموقتة، من جهة، وبتفويضها الملتبس والمزدوج ما بين الإغاثة / والتشغيل، من جهة أُخرى. وخلال العقد الأخير، ومنذ أواخر سنة 2015، بدأنا نشهد حملة إسرائيلية / أميركية شرسة ومنسقة على الأونروا في الأمم المتحدة، تشكك في مبرر وجودها سياسياً وأخلاقياً.

وفي هذا السياق، بلّغ رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، خلال اجتماع ضمهما في القدس بتاريخ 7 / 6 / 2017 أن “الوقت حان لأن تعيد الأمم المتحدة النظر في وجود الأونروا.” كما قال في مستهل الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية بتاريخ 11 / 6 / 2017، إن هذه الوكالة الأممية “أبقت على مشكلة اللاجئين بدلاً من أن تحلّها”، وقد “آن الأوان لحلّ الأونروا ودمجها في المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.”[4]

تصاعدت الحملة على الأونروا خلال عهد إدارة ترامب السابقة، وفي هذا السياق اتخذت تلك الإدارة في 31 / 8 / 2018 قراراً بقطع الدعم المالي عن الأونروا كلياً. وكشفت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) في التاريخ نفسه[5] الأبعاد الحقيقية لتلك الحملة التي قادها صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير (Jared Kushner) إلى جانب مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط من أجل السلام، جاسون غرينبلات (Jason Greenblatt). وكشفت المجلة أن كوشنير وغرينبلات، خلال زيارتهما للأردن في حزيران / يونيو 2018، مارسا ضغطاً كبيراً على الحكومة الأردنية من أجل دفعها إلى تجريد أكثر من مليونَي لاجىء مسجلين لدى الأونروا في الأردن من وضعهم القانوني كلاجئين. وبحسب المجلة، أبدى كوشنير استعداده لتحويل قيمة الدعم الأميركي للأونروا (نحو 300 مليون دولار) إلى الأردن والدول المضيفة مباشرة، على أن يتمّ توطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك الدول، والقيام بوظيفة الأونروا.[6] 

III – الحرب على الأونروا خلال الطوفان، وتداعياته

تواصلت الحملة على الأونروا في عهد إدارة بايدن، وبلغت ذروتها خلال طوفان الأقصى، فبعد أقل من ثلاثة أشهر على هذه الحرب (29 / 12 / 2023) نقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” (The Times of Israel) تقريراً عن القناة 12 العبرية، يكشف تفصيلات وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإسرائيلية، سُرّبت إلى القناة، وترمي إلى استبعاد الأونروا من غزة في مرحلة ما بعد الحرب. وتوصي الوثيقة بتطبيق خطة متدرجة من ثلاث مراحل لتحقيق هذا الهدف: تتضمن المرحلة الأولى إعداد تقرير شامل بشأن ما تدّعيه إسرائيل من أن الأونروا تتعاون مع حركة “حماس”؛ تتضمن المرحلة الثانية تقليص عمليات الأونروا في المناطق الفلسطينية، بينما يجري البحث عن منظمات أُخرى لتقديم خدمات التعليم والخدمات الاجتماعية؛ يتم في المرحلة الثالثة نقل وظائف الأونروا كلها إلى الهيئة التي ستحكم غزة وتديرها ما بعد الحرب.[7]

وجاءت جميع إجراءات إسرائيل اللاحقة وغير القانونية في حقّ الأونروا، تطبيقاً لتلك الخطة السرية: أضرم المستوطنون النار مرتين في محيط مقر الأونروا الرئيسي في حيّ الشيخ جرّاح في القدس خلال أيار / مايو 2024، تحت حماية شرطة الاحتلال، الأمر الذي اضطر الوكالة الأممية إلى إغلاقه إلى حين توفير إجراءات الأمن الملائمة؛ أعلنت “سلطة أراضي إسرائيل” لاحقاً الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر الأونروا الرئيسي، من أجل تحويلها إلى بؤرة استيطانية (وكالة “وفا”، 10 / 10 / 2024)؛ اتُّهم 12 شخصاً من موظفي الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 تشرين الأول / أكتوبر، وتقديم معلومات مفبركة إلى المفوض العام للأونروا في هذا الشأن، وذلك في لقاء رسمي عُقد في أواخر كانون الثاني / يناير 2024.

جسّدت هذه المشاركة المزعومة سعي إسرائيل لتطبيق المرحلة الأولى من خطة وزارة الخارجية، والمتمثلة في نزع صفة “المنظمة الإنسانية “عن الأونروا، بل تجريمها، تمهيداً للانتقال إلى تطبيق المراحل اللاحقة. كما مثّل هذا الاتهام الحلقة الأخطر في الحرب على الأونروا، نظراً إلى ما نتج منها من تداعيات تمثلت في مسارعة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في 5 / 2 / 2024 إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة لمراقبة حيادية عمل الأونروا، بناءً على طلب المفوض العام للأونروا، على أن تتم هذه المراجعة الخارجية بالتوازي مع تحقيق داخلي يقوم به مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية.

وفور صدور الاتهامات الإسرائيلية، علّقت نحو 18 دولة تشمل بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، دعمها للأونروا، حتى من دون أن تنتظر صدور نتائج لجنة المراجعة المستقلة أو لجنة التحقيق الداخلية، الأمر الذي سبّب إرباكاً كبيراً في عمل الأونروا التي تعاني، أصلاً، أزمة تمويل مزمنة. لكن منذ آذار/مارس الماضي، شرع بعض هذه الدول في مراجعة موقفه، واستأنف دعمه لاحقاً، خوفاً من اتهامه بانتهاك معاهدة الإبادة الجماعية.

تشكلت اللجنة الدولية برئاسة الوزيرة الفرنسية السابقة، كاثرين كولونا، وشارك في عملها ثلاثة مراكز أبحاث أوروبية مرموقة هي: معهد راؤول والنبرغ السويدي؛ معهد ميكلسين النرويجي؛ المعهد الدانماركي لحقوق الإنسان. وقدمت اللجنة تقريرها النهائي إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 20 / 4 / 2024 تحت اسم “المراجعة المستقلة للآليات والإجراءات لضمان التزام الأونروا بمبدأ الحياد الإنساني”. وحددت المراجعة في تقريرها النهائي تدابير لمساعدة الأونروا في التعامل مع التحديات الماثلة أمام حيادها، في ثمانية مجالات تتطلب تحسينات فوريه، هي: الانخراط مع المانحين؛ الحوكمة؛ هيكل الإدارة والرقابة الداخلية؛ حياد الموظفين وسلوكياتهم؛ حياد المرافق؛ حياد التعليم؛ حياد اتحاد الموظفين؛ تعزيز الشراكة مع منظمات الأمم المتحدة.[8]

وعلى الرغم من تأكيد التقرير الإيجابي أن “الأونروا لا يمكن الاستعاضة أو الاستغناء عنها لغايات التنمية البشرية والاقتصادية في أوساط الفلسطينيين”، وأن إسرائيل لم تقدّم دليلاً يثبت الادعاءات التي وجهتها إلى موظفي الأونروا بالتورط في حرب الطوفان، فإنه تضمّن 50 توصية تشكل قيوداً على عمل الأونروا، بل إن بعضها يتعدى مسألة الحياد وحدود الصلاحيات الممنوحة للجنة (مثلاً: تعريف الإرهاب؛ تعديل الهيكلية الداخلية للأونروا؛ إنشاء هيئة إشراف دولية؛ الشراكة مع المنظمات الدولية الأُخرى). وقد أصدر مركز “بديل” ورقة موقف تتضمن تحليلاً نقدياً شاملاً لتقرير المراجعة.[9] 

IV – قرارات الكنيست: ردات الفعل والمواقف

لاقت خطوة الكنيست شجباً واستنكاراً ورفضاً عالمياً واسعاً، وأثارت ردات أفعال ومواقف عالمية وإقليمية ومحلية على نحو متفاوت، على الصعيد الرسمي، وعلى صعيد المجتمع الحقوقي والقانوني. كما أصدرت عدة دول، منفردة، أو مجتمعة، مواقف رافضة لتلك الخطوة. ولمّا كان من المتعذر الإحاطة بها في هذه المقالة، فإننا، فضلاً عن توضيح الموقف الإسرائيلي، سنكتفي بالإضاءة على مواقف كل من: الأونروا؛ الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن)؛ الموقف الفلسطيني؛ بعض مواقف المنظمات والهيئات العالمية العاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان.

بعث المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يعقوب بليتشتاين (Jacob Blitshtein) في 3 / 11 / 2024 برسالة مقتضبة إلى الرئيس الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة الكاميروني فيلمون يانغ (Philemon Yang) بلّغه فيها أن إسرائيل تنسحب، رسمياً، من اتفاقيتها مع الأونروا الموقّعة في 14 حزيران / يونيو 1967، وذلك في إشارة إلى اتفاقية كوماي – مكليمور، التي نَظمت العلاقة بين الأونروا ودولة إسرائيل، والتي مُنحت الأونروا بموجبها الحصانة والامتيازات الدبلوماسية والعملانية للوكالة في القدس والأراضي المحتلة كافة. كما بلّغه أن “إسرائيل ستستمر في العمل مع الشركاء الدوليين، لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، بما لا يمسّ بأمنها، ويتوقّع من الأمم المتحدة التعاون في هذا المجهود.”[10] وقال مدير مكتب الأمين العام للأمم المتحدة إيرل كورتناي راتراي (Earle Courtenay Rattray) في رده على رسالة وزارة الخارجية الإسرائيلية: “أقول، بشكل عام، إنه ليس من مسؤولية الأمم المتحدة إيجاد بديل من الأونروا، كما أننا لا نملك القدرة على القيام بذلك.”[11] وجاء ذكر المسؤولية هنا، بمثابة إشارة ضمنية لالتزامات إسرائيل وواجباتها ومسؤوليتها كقوة احتلال.

وفي رسالته إلى اجتماع التحالف الدولي من أجل حلّ الدولتين، والذي عُقد في الرياض بدعوة من المملكة العربية السعودية، في 30 / 10 / 2024، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني: “إن تصويت الكنيست ضد الأونروا هذا الأسبوع أمر شائن. وهو يمثل أحدث حلقة في حملة مستمرة لتشويه سمعة الأونروا ونزع الشرعية عن دورها في توفير التنمية البشرية والمساعدة للاجئي فلسطين”، مضيفاً أن المسؤولين الإسرائيليين دعوا علناً إلى “تفكيك الأونروا، وجعلوها هدفاً للحرب في غزة، في تحدٍّ لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.”[12]

وشدد مجلس الأمن في اجتماعه في 30 / 10 / 2024، على الدور الحيوي الذي تضطلع به الأونروا في تقديم الخدمات المنقذة للحياة للاجئي فلسطين عبر الإقليم، في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وفي الاستجابة لظروف الطوارىء. وحذر أعضاء مجلس الأمن بقوة من أي “محاولات تهدف إلى تفكيك الأونروا أو تقليص عملياتها وتفويضها، مؤكدين أن أي انقطاع أو تعليق لعملها ستكون له عواقب إنسانية شديدة بالنسبة إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدماتها، كما ستكون له عواقب على الإقليم.”[13]

وفي وصفه لقانون الكنيست، قال مكتب لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الفلسطينيين في 31 / 10 / 2024: إن هذا الفعل غير القانوني وغير المسبوق، من جانب إسرائيل يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، ومع معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بالامتيازات والحصانات، ومع العديد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة، وينتهك بشكل مباشر التزامات إسرائيل وواجباتها بصفتها قوة احتلال، بموجب القانون الدولي الإنساني.[14]

ومرة أُخرى، دعا المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، خلال إحاطة قدمها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 6 / 11 / 2024، الدولَ الأعضاء إلى التحرك لمنع تنفيذ تشريع الكنيست ضد الأونروا، مشيراً إلى أن التغييرات التي تطرأ على تفويض الوكالة هي من اختصاص الجمعية العامة، وليس الدول الأعضاء منفردة. وطالبها بالحفاظ على تمويل الأونروا، وألّا تحجب أو تحول الأموال على افتراض أن الوكالة لم تعد قادرة على العمل.[15]

وفي تصريح لإذاعة صوت فلسطين في 30 / 10 / 2024، اعتبر رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير أحمد أبو هولي، خطوة الكنيست الإسرائيلية بمثابة إعلان حرب على الوكالة، ومَنْعها من القيام بمهماتها، وتنصُّل من الالتزامات الدولية تجاهها. وأوضح أن إقرار هذا القانون سينعكس بشكل سلبي ومباشر على عمل الوكالة في الضفة الغربية أيضاً، وأن تنفيذه سيؤدي إلى انهيار منظومة الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية المقدمة للاجئين، علاوةً على ملاحقة موظفي الوكالة، والتضييق على عملهم. ودعا المجتمع الدولي إلى الوقوف عند مسؤولياته وحماية الوكالة.[16]

وفي تاريخ 28 / 10 / 2024 وَجهت 52 من أبرز المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان والإغاثة الإنسانية، بينها: “أوكسفام” (Oxfam) و”كريستيان إيد” (Christian Aid) و”ويلفير أسوسييشن” (Welfare Association) و”هيومان رايتس ووتش” (Human Rights Watch) و”كويكرز بريطانيا” (Quakers in Britain) نداءً عالمياً عاجلاً بعنوان: “نداء دولي عاجل: من أجل الدفاع عن الأونروا في وجه الحظر الإسرائيلي، ومنع وقوع عواقب كارثية على الفلسطينيين”، دعت فيه “المجتمع الدولي إلى التحرك بشكل عاجل لحماية الأونروا من هذا الهجوم الخطر وغير المسبوق عليها من طرف الحكومة الإسرائيلية.”[17]

وبدورها وصفت “منظمة العفو الدولية” (Amnesty International) قانون الكنيست بغير المعقول، وبأنه يرقى إلى تجريم المساعدات الإنسانية، وسيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية المتفاقمة أصلاً.. وذكّرت بأن القانون “يتعارض مع أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بضمان وصول مساعدات إنسانية كافية، وتسهيل تقديم الخدمات الأساسية.”[18]

ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى موقف الولايات المتحدة الأميركية اللافت من تلك الخطوة، والتي حثّت إسرائيل على إعادة النظر في القوانين المتخذة ضد الأونروا، لما تحمله من نذر كارثية على ملايين اللاجئين الفلسطينيين.[19] وليس من المرجح أن تتخذ إدارة ترامب الجديدة موقفاً إيجابياً من هذه المسألة، قياساً بالمواقف السابقة لتلك الإدارة. 

V – خاتمة: خلاصات

صحيح أن خطوة الكنيست هذه اتُّخذت في سياق الحرب على غزة، من أجل مفاقمة الوضع الإنساني أكثر، خدمة لأهداف الحرب، ووصولاً إلى استبعاد الأونروا كلياً، ممّا يسمى ترتيبات اليوم التالي. لكن يجب رؤيتها من منظور أشمل، وهو منظور الهجمة الممنهجة على الأونروا، منذ ما قبل الطوفان حتى اليوم، بعناوينها الأساسية التي باتت معروفة (تجفيف مواردها المالية؛ إيجاد بدائل منها في تقديم الخدمات؛ تصفيتها، إن أمكن، عبر نقل صلاحياتها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين)، وصولاً إلى إعادة تعريف “لاجىء فلسطين”، وتصفية حقّ العودة.

وتعكس مقالة الصحافية الإسرائيلية، عينات ويلف في القناة 12، في 30 تشرين الأول / أكتوبر 2024، طبيعة النقاش في أوساط الإعلام الإسرائيلي، بشأن الأونروا، إذ قالت: “جيلا بعد جيل، شكلت الأونروا البُنية التحتية الأيديولوجية والأرض الخصبة التي نما عليها وازدهر، ليس فقط الرفض الفلسطيني للصهيونية، بل كل التنظيمات ¢الإرهابية¢ التي عملت باسم ¢حق العودة¢، وتتمتع بالتأييد لأنها تعمل على تحقيق تلك الرؤيا.”[20]

وقد أثار القانونان الصادران عن الكنيست جدلاً واسعاً في الأوساط المعنية، فيما يتعلق ببُعدَيهما القانوني، وتأثيرهما العملي والملموس في مستقبل عمل الأونروا في مختلف مناطق عملياتها. فمن الناحية القانونية ينحصر تأثير القانون الأول فيما يسمى مناطق السيادة الإسرائيلية، بما في ذلك القدس، الأمر الذي يحصر مفعول القرار، بشكل رئيسي، في خدمات الأونروا في مخيم شعفاط. أمّا القانون الثاني، فينطوي، قانونياً، على قدر أكبر من عدم اليقين، لجهة تأثيره في عمليات الأونروا، بصورة عامة. ويتكون هذا القانون من شقّين، الشق الأول الذي دخل حيز التنفيذ، ويتعلق بإلغاء الاتفاقية التي سمحت إسرائيل بموجبها للأونروا بالعمل في غزة والضفة الغربية في سنة 1967، بينما يحظر الشق الثاني الاتصال والتواصل مع الأونروا. وهذا الأمر من شأنه أن يلغي جميع الامتيازات التي مُنحت للأونروا بموجبها، وهي: حماية منشآت الأونروا وأملاكها؛ حرية الحركة لمركبات الأونروا من إسرائيل وإليها؛ حماية موظفي الأونروا (محليين وأجانب) ومنحهم الوثائق اللازمة لمزاولة عملهم، والسماح لهم بحرية الحركة في المناطق المعنية. إن إلغاء هذه الامتيازات كلها سيخلق مشكلات شديدة لعمليات الأونروا الجارية في الضفة الغربية، وفي غزة، وسيجعلها أشدّ تعقيداً.[21] وبحسب صحيفة “هآرتس” (28 / 10 / 2024)، فإن من شأن هذا القانون الثاني الذي تضمّن إلغاء التسهيلات الضريبية، أن يصعّب من تعامل البنوك الإسرائيلية مع الأونروا، وهو ما قد يؤدي إلى انهيارها الإداري في الضفة وغزة، بسبب عدم القدرة على دفع الرواتب، وعلى الدفع إلى الموردين الذين لهم علاقة ببنك ليؤمي.[22]

هذه الحلقة من الحرب على الأونروا تستوجب القيام بتحرك فاعل لمجابهتها. فما هي عناوين هذا التحرك؟ ومَن هي الجهات المعنية، أو القادرة على القيام به؟ وما هي ساحاته ومجالاته؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى معالجة مستفيضة، لكن يمكننا، هنا، اقتراح بعض العناوين العريضة في هذا الصدد:

  • يجب أن ترتكز رسالة هذه الحملة على المكانة القانونية التي يحظى بها تفويض الأونروا، وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 / 1949، وعلى ارتباطه بالقرار 194، وأن أي دولة منفردة ليس في إمكانها أن تلغي هذا التفويض، ما عدا الجمعية العامة، وذلك بعد عودة اللاجئين وفق القرار 194.
  • إن مسؤولية مجابهة الحرب على الأونروا هي مسؤولية مشتركة على الصعد الفلسطينية والعربية والدولية: فلسطينياً، تقع المسؤولية على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف.) من خلال أُطرها ذات الصلة (دائرة شؤون اللاجئين وبعثة فلسطين إلى الأمم المتحدة)، وكذلك عبر المجتمع الأهلي الفلسطيني في فلسطين والشتات، من خلال شبكة علاقاته الواسعة مع المجتمع الحقوقي العالمي ومجتمع حقوق الإنسان، وحركة التضامن الدولية مع فلسطين؛ عربياً، عبر جامعة الدول العربية من خلال تفعيل دور دولها، وخصوصاً الدول المضيفة المشاركة في اللجنة الاستشارية للأونروا، وفي مؤتمرات الدول المانحة؛ دولياً، عبر الأونروا ومفوضها العام، من خلال الاستفادة من رصيد الدعم الدولي الذي تتمتع به الأونروا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن هيئات ولجان أصدقاء الأونروا في العالم كافة.
  • تتحمل الجمعية العامة للأمم المتحدة مسؤولية خاصة في حماية قرارها رقم 302 / 1949 والدفاع عنه، الأمر الذي يتطلب حراكاً دبلوماسياً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً نشطاً في أوساط الجمعية العامة، ومؤازرة الدول الداعمة للحقّ الفلسطيني، بما يتعدى حماية تفويض الأونروا، وصولاً إلى فرض عقوبات ملزمة على إسرائيل، بما فيها إزاحتها من مقعدها (unseating) في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي تعليق عضويتها وتجريدها من الحقوق والامتيازات المترتبة عليها، وذلك على غرار الإجراء التي اتُّخذ في حقّ دولة جنوب أفريقيا (1974 – 1994)، قبل تفكيك نظام الفصل العنصري.

المصادر:

[1] Eliva Breuer, “Israel Outlaws UNRWA, Bucking International Pressure”, Jerusalem Post, 28/10/2024,

http://www.jpost.com/middle-east/article-826525

[2] JPost Editorial, “Banning UNRWA: Historic Move or Humanitarian Crisis in the Making?”, Jerusalem Post, 30/10/2024,

https://www.Jpost.com/opinion/article-826729?utm_source=jpost.app.apple&utm_medium=share

[3] لمزيد من التفصيلات بشأن الولادة السياسية للأونروا وحدود تفويضها، يُنظر:

جابر سليمان، “أزمة الأونروا: السياق والأبعاد والآفاق وسبل المواجهة”، ورقة سياسات “مبادرة المساحة المشتركة” و”مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات”، آب / أغسطس 2018، ص 12 – 13، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/ReportsZ/2018/Ongoing_Unrwa_Crisis_Jaber-Suleiman_8-18_Ar.pdf

[4] “رئيس وزراء إسرائيل يدعو إلى حل الأونروا”، وكالة “رويترز”، 11 / 6 / 2017، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.reuters.com/article/world/–idUSKBN1920N9

[5] Colum Lynch and Robbie Gramer, “Trump and Allies Seek End to Refugee Status for Millions of Palestinians”, Foreign Policy, 3/8/2018,

[6] Ibid.

[7] Toi staff, “Israel Hoping to Push UNRWA Out of Gaza Post-War”, The Times of Israel, 29/12/2023,

https://www.timesofisrael.com/israel-hoping-to-push-unrwa-out-of-gaza-post-war-report

[8] Independent Review Group on UNRWA, led by Catherine Colonna, “Final Report for the United Nations Secretary-General: Independent Review of Mechanisms and Procedures to Ensure Adherence by UNRWA to the Humanitarian Principle of Neutrality”, 20/4/2024,

https://www.un.org/unispal/document/report-independent-review-group-on-unrwa-22april2024

[9] “ورقة موقف: تحليل نقدي للتقرير المنحاز بشأن مراجعة حيادية الأونروا”، “المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين / بديل”، آب / أغسطس 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://badil.org/cached_uploads/view/2024/08/27/pp-unrwa-neutrality-ar-1724764890.pdf

[10] Lazar Berman, “Israel Informs UN That 1967 Agreement Recognizing UNRWA is Void”, The Times of Israel, 4/11/2024,

https://www.timesofisrael.com/israel-informs-un-that-1967-agreement-recognizing-unrwa-is-void

[11] Toi staff, “UN to Israel: Replacing UNRWA Aid Agency is Your Responsibility, not Ours”, The Times of Israel, 7/11/2024,

https://www.timesofisrael.com/un-to-israel-replacing-unrwa-aid-agency-is-your-responsibility-not-ours

[12] “Statement of Mr. Philippe Lazzarini Commissioner-General of UNRWA at the High-Level Meeting of the Global Alliance for the Implementation of the Two-State Solution”, UNRWA, 30/10/2024,

https://mailchi.mp/unrwa/statement-by-philippe-lazzarini-commissioner-general-of-unrwa-at-the-high-level-meeting-of-the-global-alliance-for-the-implementation-of-the-two-stat?e=2fd83ab983

[13] “Security Council Press Statement on United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in Near East (UNRWA)”, UNRWA, 30/10/2024,

[14] “UN Palestinian Rights Committee Bureau: Knesset’s Decision to Ban UNRWA is as Unlawful as the Occupation Itself”, United Nations, 31/10/2024,

https://www.un.org/unispal/document/un-palestinian-rights-committee-press-release31oct2024/#:~:text=The%20Committee%20Bureau%20also%20warns,people%2C%20ensure%20th

[15] “دعوات أُممية ودولية في الجمعية العامة للتحرك دفاعاً عن وكالة الأونروا ‘في أحلك أوقاتها’ “، “أخبار الأمم المتحدة”، 6 / 11 / 2024،

https://news.un.org/ar/story/2024/11/1136371

[16] “أبو هولي: قانون الكنيست الذي يحظر عمل الأونروا بمثابة إعلان حرب على الوكالة”، موقع دولة فلسطين، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.s-palestine.net/ar/post/201183

[17] “Urgent Global Appeal: Defend UNRWA from Israeli Ban and Prevent Catastrophic Consequences for Palestinians”, “Humanity and Inclusion”, 28/10/2024,

https://www.hi-us.org/en/urgent-global-appeal–defend-unrwa-from-israeli-ban-and-prevent-catastrophic-consequences-for-palestinians–

[18] “إسرائيل / الأرض الفلسطينية المحتلة: قانون حظر الأونروا يرقى إلى تجريم المساعدات الإنسانية”، “منظمة العفو الدولية”، 29 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:

[19] Jacob Magid, “US Urges Israel to Rethink Anti-UNRWA Laws”, The Times of Israel, 29/10/2024,

https://www.timesofisrael.com/us-urges-israel-to-rethink-anti-unrwa-laws-warning-millions-at-risk-of-catastrophe

[20] عينات ويلف، “بعد الآن، لن تكون إسرائيل ‘قبة حديدية’ للأونروا”، قناة 12، “مختارات من الصحف العبرية”، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4474، 30 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://mukhtaraat.palestine-studies.org/node/35577

[21] Jeremy Sharon, “How Will Israeli Anti-UNRWA Laws Impact the Controversial Agency’s Operations?”, The Times of Israel, 1/11/2024,

https://www.timesofisrael.com/how-will-israels-new-anti-unrwa-laws-impact-the-controversial-agencys-operations

[22] “الكنيست يوافق على قرار منع عمل وكالة الأونروا في إسرائيل”، “هآرتس”، 28 / 10 / 2024، “مختارات من الصحف العبرية”، موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 4472، 29 / 10 / 2024، في الرابط الإلكتروني التالي:

https://mukhtaraat.palestine-studies.org/node/35559

عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *