يشير بعض المهتمين بالشأن الإسرائيلي إلى أن قادة التيار القومي الديني في انتخابات 2022، هم الأشد تطرفاً وعنصرية على مدار تاريخ هذا التيار، فهل هذا الادعاء دقيق!!

حتى نستطيع الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعود إلى مواقف قادة هذا التيار في بعض المسائل السياسية، مع ضرورة التمييز بين المواقف الفردية لبعض قادة التيار وموقف التيار نفسه، لذلك علينا أن نسأل أنفسنا ما هو موقف هذا التيار (وليس بعض قادته) من بعض القضايا السياسية، وعلى رأسها قرار التقسيم وفيما بعد نموذج حل الدولتين، الاستيطان، استخدام القوة، الترحيل (الترانسفير)، القدس، عودة اللاجئين، يهودية الدولة.

باستعراض مواقف هذا التيار فيما يتعلق بالقضايا السابقة الذكر، سنجد بأنه يعارض قرار التقسيم وكذلك نموذج حل الدولتين، يؤمن بفكرة أرض إسرائيل الكاملة، يدعم الاستيطان، يدعو لاستخدام القوة والعنف في التعامل مع الفلسطينيين، يشجع ترحيل الفلسطينيين، يرفض حق العودة، أو تقسيم القدس، يدعم بقوة كل ما يؤكد على يهودية الدولة.

يقع الخلط عند البعض بين مواقف فردية لقيادات بارزة في هذا التيار وموقف التيار نفسه…على سبيل المثال يستشهد البعض بالمواقف “المعتدلة” للوزير حاييم شابيرا (احد زعماء المفدال). فهو من الذين وافقوا على قرار التقسيم، وقد عارض مجزرة دير ياسين، كما أنه كان يعلن سنة 1967 بأنه ضد المبادرة بشن حرب، خشية من خسارتها، (فيما بعد غير موقفه وانضم كوزير لحكومة الحرب “حكومة الوحدة الوطنية”، بل وأنه اقنع أحزاب أخرى كرافي وغاحال “الليكود” للدخول في الحكومة). وأعرب عن استعداده للتنازل عن المستوطنات في مقابل سلام شامل مع العرب (مع تصريحه بأن العرب لن يقبلوا بذلك).

السؤال هنا، هل يعبر شابيرا عن أغلبية التيار الديني القومي أم أنه يعبر عن أقلية…

الجواب سنجده على لسان الوزير الإسرائيلي من حزب العمل موشيه دايان، عندما صرح في الستينات بأن شابيرا “لا يعبر عن التيار العام في حزبه”. وبالفعل سنجد أن مواقف الأغلبية الساحقة من قيادات هذا التيار معارضة لمواقف شابير. ولربما كان يوسف بورغ (أحد مؤسسي وقادة هذا التيار وتولى رئاسة المفدال سنة 1970) هو الأقرب لتمثيل هذا التيار، الذي استقال من الحكومة لأن زميليه من وزراء المفدال لم يحجبا الثقة عن الحكومة، على خلفية موضوع انتهاك حرمة السبت. كان بورغ عنصرياً إلى درجة إطلاقه تصريحات ضد دعم الحكومة العائلات اليهودية الكبيرة (لأنهم من أصل شرقي)، بل وأنه عارض هجرة الأثيوبيين بذريعة أنهم ليسوا يهود.

أمّا فيما يتعلق باسخدام القوة والعنف فيكفي أن نطلع على موقف شلومو شرغان (أحد مؤسسي وقادة هذا التيار وأول رئيس لبلدية القدس “الشرقية”) المؤيد لمجزرة دير ياسين. علاوة على تصريحات رحبعام زئيفي في السبعينات والثمانينات فيما يتعلق باستخدام القوة، وانتهاج سياسة الترحيل (الترانسفير)…. بالمناسبة زئيفي “علماني” (مثل ايليت شاكيد زعيمة البيت اليهودي)، لكنه يعبر عن هذا التيار، وقد أسس حزب موليدت الذي اتحد فيما بعد مع أحزاب يمينة أخرى تحت مسمى الاتحاد الوطني “تكوما” ويترأسه اليوم سموتيرتش.

خلاصة القول…

الادعاء بأن قادة التيار القومي الديني الاوائل كانوا أكثر “اعتدالاً” من القادة الحاليين المتطرفين، يعتمد على قراءة مجزوءة، تغفل النظر إلى الصورة كاملة. وحتى نتوخى الدقة علينا أن نشير أين كان هذا التيار معتدل وأصبح حالياً متطرف….فعلياً المواقف الرئيسية لم تتغير، وإنما تغيرت الوجوه.

هذا التيار تأسس على عدة مقولات دينية وقومية متطرفة، وظهور بعض قيادات هذا التيار بمظهر “المعتدلين” يدخل تحت باب “التقية السياسية”. ولنا في رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت مثال واضح، عندما اظهر شكلاً من أشكال البراغماتية والواقعية السياسية، تفكك حزبه، وتم معاقبة ما تبقى منه في انتخابات 2022، بعدم وصوله إلى نسبة الحسم. على اعتبار أن هذا الحزب لا يعبر عن التيار وخان مبادئه.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *