الأسد يحافظ على توازن دقيق: كيف تواجه سوريا الضغوط الإيرانية
يناور الرئيس السوري الأسد بين التزامه تجاه إيران ومحور المقاومة، وبين تجنبه التصرفات التي من شأنها أن تثير غضب الولايات المتحدة وإسرائيل عليه الآن، معتقداً أن ذلك سيجلب له ” ارباح استراتيجية” في المستقبل.
في هذه الأيام التي تشهد ذروة التوتر في الشرق الأوسط، فإنه يوجد اهمية كبيرة لمصالح وتدخل إسرائيل وإيران وتركيا وأطراف أخرى في سوريا – بما في ذلك القوات الأمريكية والروسية والكردية والميليشيات والمنظمات الإرهابية بما في ذلك داعش .
توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، وطلب منه التصرف بضبط النفس في الهجوم على إسرائيل، في حين أن رئيس الولايات المتحدة وزعماء أوروبا والغرب يعملون بقوة لمنع تصعيد الصراع بين البلدين وامتداده إلى ساحات وبلدان أخرى، بما في ذلك سوريا.
تظهر نظرة فاحصة للامور أن الرئيس بشار الأسد غير مهتم بدعم حماس والانضمام إلى الحرب، لأن ذلك يشكل بالنسبة له تهديدا لبقائه السياسي. ويأتي هذا في وقت قد تقوم فيه إيران أيضاً بإبعاد ربيبتها عن الصراع، ولو لمجرد حماية مصالحها العديدة وثرواتها الاستراتيجية هناك.
مع ذلك فإن مجموعة من الظروف والعوامل الجيوسياسية المختلفة، بما في ذلك موقع سوريا الجيواستراتيجي في بلاد الشام وجوارها لإسرائيل، إلى جانب اعتمادها الكبير على إيران، وتتابع الأزمات الداخلية التي تتعرض لها وكونها مركزاً للإرهاب الدولي ولاعبا رئيسياً في “محور المقاومة” – كل هذه الامور قد تزيد من احتمالات التصعيد العسكري على الجبهة السورية .
وهذا على الأغلب يمكن ان يحدث نتيجة اخطاء في التقدير أو “القراءة الخاطئة للخريطة”، وكذلك على خلفية النزعة القتالية لدى مجموعات ارهابية مختلفة بما في ذلك الفصائل الفلسطينية والميليشيات الشيعية والخلايا الإرهابية التي يقودها حزب الله والتي تعمل بتوجيه من إيران ، لتعزيز إطلاق الصواريخ أو المسيرات المتفجرة نحو إسرائيل .
ووفق رؤية استراتيجية شاملة، فإن تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل وتفاقم الحرب في قطاع غزة يؤثر على عدم الاستقرار الإقليمي، فضلاً عن الوضع الهش لسوريا.
إن إرساء سيطرة إيران العسكرية ودعمها السياسي والاقتصادي للجمهورية السورية منذ عام 1979 – وخاصة منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك في عام 2011 (يقدر حجم اجمالي المساعدات العسكرية والمالية الإيرانية لسوريا حاليًا بمئات المليارات من الدولارات) – يهدف إلى تعميق نفوذها في البلاد. حيث أن سوريا تعتبر رصيد استراتيجي في محور المقاومة، وهي بمثابة قاعدة لعملياتها ضد إسرائيل .
وفي غضون ذلك، فإن إنشاء بنى تحتية عسكرية وسياسية واقتصادية إلى جانب الهيئات والمؤسسات المدنية (بما في ذلك التعليم والدين) في جميع أنحاء البلاد، اضافة الى نشر الميليشيات الشيعية على الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية لسوريا، وتسليح وتمويل حزب الله ووحدات الجيش السوري الخاضعة لسيطرته – هي جزء من اجراءاتها الاستراتيجية .
وتهدف التحركات طويلة المدى، كما ذكرنا، إلى زيادة مساحة سيطرتها على الجبهة السورية – التي تشكل نقطة ارتكاز لوجستية وإقليمية مهمة تمنحها، من بين أمور أخرى، إمكانية الوصول إلى شرق البحر الأبيض المتوسط - وكذلك تعزيز أبعاد التهديد الاستراتيجي على إسرائيل .
“”شرعية على الورق””
ومع ذلك، وعلى الرغم من اعتماد دمشق الكبير على طهران، فإن نظرة عن كثب تظهر أنه في السنوات الأخيرة حدثت تغييرات قليلة في ديناميكية العلاقات بينهما. على سبيل المثال، الضغوط التي تمارسها إيران وحزب الله على سوريا لتوحيد قوى “المحور” وإعادة علاقاتها مع حماس (التي دعمت معارضي نظام الأسد خلال الحرب الأهلية هناك).
سيطرة النظام السوري على ما يقارب 70% من أراضي البلاد، وتحقيق التطبيع مع الدول العربية (مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن وتونس)، وعودة سوريا في أيار/مايو 2023 إلى “الجامعة العربية” بعد 12 عاماً من الانقطاع – هي امور أعطتها الاعتراف والشرعية.
مع ذلك يتعلق الامر بشرعية جزئية، تبدو وكأنها خالية من المعنى الحقيقي، لأنها لا تؤدي إلى إقامة حوار استراتيجي أو تعاون عسكري مع أي منها.
كما أنها لاتتماشى مع القرار الأممي 2254 بشأن فرض المقاطعة واستمرار العزلة الدولية على النظام السوري ، ولاتتماشى أيضا مع الاضطرابات العامة التي تشهدها هذه الأيام قطاعات كبيرة من السكان الذين يعيشون في مناطق سلطة النظام . فالدولة المجزأة منقسمة إلى مناطق سيطرة مختلفة وتتعرض لفوضى داخلية وضوائق عميقة – وبعيدة عن أن تكون دولة قوية أو مستقرة أو فاعلة.
إلى جانب الهدوء النسبي الذي ساد الصراع على السلطة بين القوات التركية والكردية، خاصة في الأجزاء الشمالية من سوريا، تواصل التنظيمات الجهادية والإسلامية وغيرها من المنظمات الإرهابية، والقوات الدرزية ومجموعات من الميليشيات العسكرية الموالية لإيران أو روسيا، التنافس فيما بينها على مناطق النفوذ بشكل رئيسي في الجنوب ( وأقصد مناطق القنيطرة ودرعا والسويداء).
كل ذلك، في ظل محاولة تقويض إنجازات وثروات نظام الأسد، الى جانب جولات النظام القتالية ضد قوات المتمردين المتمركزين في شمال غرب البلاد، ومواجهة هجمات تنظيم داعش على قوات الجيش السوري المتواجدة في شرق البلاد. وسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد على قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يشكل عائقاً جزئياً ولكنه مهم أمام أنشطة إيران في المنطقة الواقعة بين العراق وسوريا.
وهكذا، وفي إطار جهوده لتعزيز سيطرته على البلاد، اضطر الرئيس السوري، الذي حافظ حتى الآن على موقف منضبط في الحرب في قطاع غزة وتجنب التدخل المباشر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقراره وتفاقم الوضع في سوريا، إلى “السير على حبل رفيع” بشأن مواجهته لسلسلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة للغاية والتي تشكل تهديدًا حقيقيًا على بقائه السياسي.
اقتصاد الحرب
وتشمل هذه أولاً وقبل كل شيء تدهور الوضع الإنساني في أعقاب الحرب الأهلية في سوريا: الاعتماد على المساعدات الخارجية الطارئة لحوالي 15.5 مليون شخص من أصل حوالي 18 مليون شخص يعيشون في مناطق سيطرة عائلة الأسد.
هذا إلى جانب تفاقم الأزمة الاقتصادية وتفاقم التضخم والبطالة والفقر . وأعلن مؤخراً أن الناتج المحلي الإجمالي السوري يقدر حالياً بـ 20-30 ملياراً فقط، وقد وصلت العملة السورية إلى مستوى منخفض يزيد عن 14 ألف ليرة للدولار، وأكثر من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
كل هذا بالإضافة إلى مستوى الفساد وهو من أعلى المستويات في العالم والذي انتشر في جميع مؤسسات الدولة والجيش ، و الأضرار التي لحقت بالبني التحتية الحيوية والأجهزة والمؤسسات المدنية (الرعاية والتعليم والطب)، إلى تعزز أزمة المياه، وانتشار وباء الكوليرا في جميع أنحاء سوريا، وتفاقم أزمة التغذية المرتبطة، من بين أمور أخرى، بأزمة الغذاء والطاقة العالمية في أعقاب الحرب في أوكرانيا.
إذا لم يكن ذلك كافياً، فإن نظام الأسد يحاول في الوقت نفسه إدارة (المعركة بين الحروب) التي تهدف إلى وقف محاولات إيران لتحويل سوريا إلى قاعدة عمليات أمامية ضد إسرائيل .
كما انه يضطر إلى مواجهة هجمات إسرائيل على شحنات الاسلحة التي تشق طريقها من إيران إلى سوريا وأيضا على منشأت انتاج الوسائط القتالية المتقدمة التي اقامتها ايران في الدولة .
عن موقع معاريف