الآن، وبعد أن آلت ما آلت إليه الامور، في القائمة المشتركة، وما حل بالخطاب السياسي، لفلسطينيي ال٤٨، من تحلل، وبعد أن ذهب بخطابها، الهابط أصلا، منصور عباس، وقيادات في الحركة الاسلامية،  إلى درك لم يكن يتخيله أحد منا، بات نشر الخطاب الوطني التحرري الجامع ، عبر كل المنابر الممكنة، مهمة وطنية و واجباً أخلاقيآً، من الدرجة الأولى.

في عنوان لدراسة عما آل إليه الخطاب السياسي الفلسطيني منذ اتفاق أوسلو الكارثي، يدعو  عالم الاجتماع الفلسطيني، والقيادي السابق،  جميل هلال،  إلى ما يسميه بإسترداد الرواية الفلسطينية.

ذلك أن من يفرط بروايته التاريخية، يفرط بمستقبل شعبه، ويدمر وعي أجيال كاملة، لانه يجردها، من سلاح المعرفة، ومن محركات الفعل والمبادرة والاقدام.

ولهذا تحدث مفكرون ومثقفون كثر عن أن معرفة التاريخ هو جزء من عملية التحرر الوطني، أي ان عملية تحرير العقل من الاستعمار( decolonizing the mind) وبناء الوعي، مقدمة ضرورية لعملية التحرر.

لقد تحولت انتخابات الكنيست، في السنوات الاخيرة، إلى عملية إفساد واسعة، لأجيال من القادة، إذ على مذبح التنافس والتطاحن بين الاحزاب وداخلها، من أجل التمثيل في الكنيست، تجري عملية تخريب منهجي متسارع للوعي.

من المهم التذكير ، أن باحثين انتبهوا، بعد فترة اسلو، إلى المفارقة الهامة، وهي أنّه في الوقت الذي كان خطاب القيادة الفلسطينية في الخارج خطاب تنازلات، ويسير نحو الحضيض، كان خطاب فلسطينيي ال٤٨، يصعد، نحو تحدي ما جاء في أتفاق اسلو نفسه، من خلال تحدي يهودية الدولة وصهيونيتها، والعودة الى التاريخ، التي تمثلت بمسيرات العودةفي ذكرى النكبة الفلسطينية. وقد تم ذلك أيضاً من خلال المشاركة في انتخابات الكنيست. والآن يقوم مغامرون من ممثلي الحركات والاحزاب العربية في الداخل، بتكرار غبي لتلك التجربة الاوسلوية الفاشلة والمدمرة، والتنصل من تاريخ  ناصع، واالتنكر للنضال الفلسطيني، والتكيف مع ما يسعى اليه القاهر ، عبر الاغواء ، والتخويف ، والترهيب.

وبعد أن وصلت المشاركة في انتخابات الكنيست إلى ما وصلت اليه واستنفذت دورها، في ضوء وضوح المشروع الصهيوني الكولونيالي، وغياب القيادات ذات العمود الفقري، والتماسك الوطني، وفتح الباب واسعاً لعودة الاحزاب الصهيونية الى بلداتنا، وانتشار ظاهرة العنف الداخلية الاستعمارية، وفي ظل التحالفات الخيانية لدول خليجيةمع القاتل الصهيوني،  يصبح لزاماً إعادة بلورة الرؤية الوطنية الأصيلة، والعمل المنهجي على إستعادة الخطاب الوطني الديمقراطي، الذي يرى باسرائيل نظام تفرقة عنصري، وإستعماري إستيطاني، في كل فلسطين، ويرى بفلسطين، وحدة جغرافية وديمغرافية واحدة، وتاريخاً واحداً.

لم  يعد بالإمكان الحديث عن حل لمشكلة أي جزء من الشعب الفلسطيني بمعزل عن الجزء الآخر .لا ممكن عملياً، ولا يجوز  وطنيا وأخلاقيا.

هذا لا يعني القفز عن الواقع، ولا يلغي الخصوصيات ومستحقاتها، ولا يلغي المهام الخاصة بكل جزء، بل بالعكس، هناك حاجة، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة تنظيم كل تجمع فلسطيني، وبناء مؤسساته، وأُطره التمثيلية والمهنية، مع وعي تام، بضرورة التشبيك مع جهود التجمعات الأخرى، تحت سقف وطني موحد، وحل سياسي واحد.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *