زيارتها حلم دائم، أروع حلم.

أوّل مرة زرتها، قبل ١٥ سنة، كانت سريعة جدا (يوم ونصف)، مع صديق عزيز من اليمن،

ونحن في ترانزيت في عمّان، في طريقنا الى عدَن.

كانت كافية لمعرفة أنها قلب الكرة الأرضية، وبؤرة أطماع امبراطورياتها جميعا.

لا تدري فيها من أين تبدأ الزيارة!

لا تعرف هل تبدأ بعبور “طريق الآلام” الذي يقال إن النبي عيسى عبره حاملا صليبه،

بعد محاكمة الحاكم الروماني بيلاطس البنطي له.

أو ربما عليك ان تذهب أولا إلى “كنيسة القيامة” (قدس أقداس المسيحية، المبنية فوق قبرهِ الافتراضي جدا).

أو إلى الحج في طريق بينها وبين “كنيسة المهد” في بيت لحم، على بعد ٤ كلم (إذا استطعتَ طبعا عبور جمارك ومعابر الاحتلال الاسرائيلي)…

[رؤية جدران وجرائم الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي والأراضي الفلسطينية التي تصادر يوميا شيء، والقراءة المجرّدة عنها شيء آخر.

زيارة السجين الفلسطيني في أرضه وملامسة معاناته تحت سلطة الأبارتايد الإسرائيلي شيء، وسماع أخباره من الإذاعات، بين الحين والحين، شيء آخر.

ألم يومي متواصل، تعيشه بالملموس!]. أو ربما عليك الذهاب، بادئ ذي بدء، إلى المسجد الأقصى، في الحرم الشريف، وقبة الصخرة (أبرز المآثر المعمارية في المدينة، وثاني قدس أقداس المسلمين) الذي يقول بعض المسلمين إن النبي محمد عرج منها إلى السماء السابعة،

بعد أن داس صخرة فيها، عليها أثر يشبه “الشخط” تدور حوله قصص وخرافات متنوعة، في كل الأديان)!

زرت حينها قبة الصخرة من الداخل، ولي ذكريات وأحاديث فيها سأكتب عنها ذات يوم.

فناء مسجد الأقصى ومعماره تحفة فنية خالدة. يعج بقصص واساطير كل الأديان.

يقال إنه كان سوقا مجاورًا للهيكل اليهودي، تعارك فيه المسيح مع البائعين الغشاشين…

وبعض اليهود يقول إن من ترابه خلق الله آدم، بعد أن نفخ من روحه في التراب، و…

ويلزم بالطبع التوجه إلى جدار المبكى، حيث يقول اليهود المتدينون إن لله تواجدا مباشرا في تخومه.

وفي مكانٍ قربه، كما يقولون، كان هناك قدس أقداس اليهودية: “تابوت العهد”،

في الهيكل القديم، الذي احتوى على الألواح التي سلّمها الله، حسب الأديان الثلاثة، في جبل بسيناء، للنبي الأسطوري موسى (“كليم الله”، كما يسمى في الاسلام!)…

العلاقة مع الله قرب هذا الجدار، كما يقول اليهود المؤمنون، مباشرة، بدون وسيط، بدون router بلغة الكمبيوتر…

باختصار: من يعشق الاساطير مثلي سيجدها هنا في كل مليمتر مربع… شخصيا أعشق هذه المدينة كلّا، حجرة حجرة.

أسير فيها مسطولا، ممغنطا… أعشق سماع كل قصصها الميثولوجية المتصارعة…

أشعر أحيانًا، من فرط عشقي لها، واندماجي بواقعها وأساطيرها معا، أني في حيوات سابقة عشت فيها، وعاصرت كل تاريخها الحقيقي،

والميثولوجي التخييلي، معا…

ليس فيها فقط، بل في كل فلسطين:

كنتُ فلاحا في الناصرة في بداية الألفية الأولى…

طالبا في القدس عند وصول صلاح الدين لها في القرن ١٢،

مدرِّسا في عكا في القرن ١٩،

شاعرا متجولا بين حيفا ويافا في بداية القرن الماضي،

صيادا-قطافا في أريحا، ضمن أوائل شلل هوموسابيان القادمين من شرق أفريقيا، ١٠ الف سنة قبل الميلاد…

…….

استدراك:

كل سنتمتر مربع في القدس معجون بالتاريخ، مشحون بالقصص الدينية، بالمعتقدات المتداخلة والمتضاربة، بالأساطير والخرافات المتناطحة…

علماء التاريخ والاركيولوجيا بعثوا أشعة استكشافية لاستنطاق تاريخ كل حجرة فيها، أو في أغوار طبقاتها الجيولوجية…

بطبيعة الحال، ما تقوله الكتب الدينية المختلفة عنها شيء، وما تقوله الحقيقة التاريخية الاركيولوجية العلمية شيء آخر غالبا…

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *