اسعد غانم يقرع جدران الخزان

حسين الديك

“كل العرب”، 13/7/2019


لقد شهدت الحركة الوطنية الفلسيطينية تطورا كبيرا عبر تاريخ النضال منذ الاحتلال التركي والاحتلال الانجليزي والاحتلال الاسرائيلي، ولكن التطور والتجلي الواضح والكبير للنضال الفلسطيني جاء بعد النكبة في العام 1948م ، وتجلى هذا التطور في النضال الفلسطيني في فترة من التردد والانحطاط والانهزامية في النظام العربي الرسمي من ملكي الى ثوري الى قومي.
فقد شكل انطلاق حركة فتح في 01/01/1965م تمردا على ارادة الانظمة العربية الرسمية ، وجاء اعلان حركة فتح الكفاح المسلح لتحرير فلسطيني المحتلة في عام 1948م تجليا وطنيا وشعبيا لارادة جماهير الشعب الفلسطيني وارادته الوطنية ، ومن جانب اخر قامت الانظمة العربية الرسمية بمحاولة افشال هذه الظاهرة النبيلة من النضال وعندما فشلت في ذلك ، حاولت هذه الانظمة احتواء هذه الظاهرة ، ولكن حركة فتح تمسكت باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني وتمردت على ارادة النظام العربي انذاك ، وتعزز ذلك بالانتصارات اليومية التي حققتها ، وكانت هزيمة العام 1967 م نقطة فارقة في انتصار حركة فتح ونهجها وحزيمة نهج النظام العربي الرسمي ، وجاءت معركة الكرامة لتفرض معادلة جديدة في الصراع على التمثيل الفلسطيني محليا واقليميا بعد الانتصار الذي تحقق في تلك المعركة.
ان اية محاولة نضالية وطنية في العالم العربي عادة ما تجابه بالرفض والمقاومة والشتائم والتخوين في الكثير من الاحيان ، هذا سواء كان على صعيد سياسي او حزبي او ثوري ، وتعتبر الحالة الفلسطينية نموذج واضح على ذلك، وهذا يعود الى ثقافة المجتمع ومقاومة التغيير والثقافة السلطوية السائدة، وعدم قبول الاخر ، وعدم الايمان بمبدا المشاركة السياسية في العالم العربي ، والارث التاريخي والديني لدولة العائلة والقبيلة والحاكم بامر الله والسلطان ظل الله في الارض، وكل تلك المصطلحات الفضفاضة والبالية والتي اكل عليها الدهر وشرب، اثبت التاريخ انها نماذج فاشلة من القمع والسلطوية والديكتاتورية العقيمة التي لم تنتج اي شيىء للمجتمع العربي في الشرق الاوسط.

ان الحالة السلطوية السائدة في الشرق الاوسط هي منظومة متكاملة مكونة من نظام سلطوي ديكتاتوري ومعارضة سلطوية واحزاب سلطوية وفكر سلطوي وممارسات سلطوية ، تشترك فيها كل مركبات المجتمع ومكوناته ، نعم يوجد لدينا انظمة سلطوية وفي نفس الوقت احزاب سلطوية ، فالنظام يبقى في السلطة لعشرات السنين ، وايضا رؤساء الاحزاب يبقون رؤساء احزاب لعشرات السنين ، فما الفرق بيهم اذا، انها الممارسة السلطوية في المجتمعات الشرقية ونحن جزء اساسي منها .
والحالة الفلسطينية في اسرائيل هي جزء من الحالة السلطوية للمجتمع العربي الشرقي ، نرى يوميا تغيرات بنيوية في التركيبة الحزبية للاحزاب الاسرائيلية ، ليس هذا فحسب بل تشكل احزب جديدة و تختفي احزب قائمة ، وتتحالف احزاب اخرى ، ويحدث كل هذا في مناخ ديمقراطي حزبي بدون اية مشاكل اومنازعات ، ولكن اذا وصل الامر الى تشكيل حزب عربي جديد تبدا المعارك، وتعد الجيوش، وتنتشر التغيردات عبر فيسبوك وتويتر والصحف والاذاعات والفضائيات ومحطات التلفزة ، وتطلق الاتهامات ، ويهاجم الاشخاص ، وتبدا حملات من التشهير والتخوين والتخويف ، فهل هذه هي الديمقراطية الحقيقية حقا ، هل الايمان بالديمقراطية هو فقط في الانتخاب وصندوق الاقتراع ؟؟ وعدم قبول اي منافس جديد او حزب جديد ؟؟ لما لا ؟؟ فكل يوم نرى حزبا جديدا في الساحة الاسرائيلية وتحالفات جديدة ، ولم نشهد تلك المعارك والحملات ، ولكن في الثقافة العربية هناك ثمن يدفعه دائما الاشخاص الناجحون ، فالنجاح له ضريبة كبيرة في المجتمع العربي اي كان مكانه ، وهناك مقاومة للتغير ، ولكن هذا المقاومة ما تلبث ان تتلاشى وتختفى بعد اول انتصار تحققه القوى الجديدة ، ليس هذا فحسب بل ان الكثير ممن يرفضون اي حزب جديد لم يلبثوا الا ان يعترفوا به كامر واقع بعد اول نجاح حقيقي يكون له اثر على المواطن ويلمسه المجتمع.
فما قام به البرفسور اسعد غانم هو امر طبيعي يحدث في كل المجتمعات ، ولكنه بكل حق قد قرع جدران الخزان الذي كان لا بد ان يقرع منذ فترة طويلة، وذلك تجليا ونزولا عند احتياجات ورغبات ومطالب المواطن العربي في اسرائيل ، لمواجهة ومجابهة المشاكل والتحديات الجسام و الكبيرة التي يعاني منها المجتمع العربي في اسرائيل بعد ان اثبتت الايام والسنين ان الاحزب القائمة لم تنجح في مواجهة و مجابهة تلك المشاكل والظواهر، واهمها ظاهرة العنف في المجتمع العربي والمخططات الهيكلية للمدن والقرى العربية ومشكلة هدم البيوت والقرى الغير معترف بها ، والكثير الكثير من المشاكل التي تثقل كاهل المواطن العربي كل يوم . 
فما واجهته الكثير من الاحزاب عند تاسيسها من مقاومة وتحدي من الاحزاب والقوى القائمة اصلا ، هو امر طبيعي في المجتمع العربي ، وحالة حزب الوحدة الشعبية الذي اعلن عن تاسيسه البرفسور اسعد غانم والحرب التي تشن عليه من الكثير من الاطراف هي ضريبة النجاح ، ولانه هذا الحزب سوف يكشف اخفاقات الاخرين وربما عيوبهم ، ولكن هذا الامر سينتهي بعد اول انتخابات تجري وينجح فيها هذا الحزب ، ويذهب بعدها الجميع للتعاون والعمل لخدمة قضايا المجتمع العربي.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *