استطلاع “مؤشر السياسة الخارجية” لسنة 2024: أغلبية قلقة تخشى من أن تصبح إسرائيل “دولة برصاء” منبوذة دولياً جرّاء حرب الإبادة في قطاع غزة!
(تظاهرة في امستردام )
ثمة تراجع حاد في تقدير الجمهور الإسرائيلي لوضع إسرائيل الدولي ومكانتها العالمية ـ من متوسط 5,03 نقاط في العام الماضي 2023، وهو التقييم الأدنى منذ العام 2014، إلى متوسط 4,31 نقاط في العام 2024، أي التقييم الأدنى خلال العقد الأخير. كذلك، يصف 70 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي وضع دولة إسرائيل الدولي في الفترة الحالية بأنه يتراوح بين “سيء” و”غير جيد”، بينما تعبر أغلبية (57 بالمائة) عن قلقها وتخوفها من أن تتحول إسرائيل إلى “دولة برصاء” منبوذة في المجتمع الدولي في أعقاب استمرار حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وحيال السياسة التي تصرّ الحكومة الإسرائيلية الحالية على اعتمادها. وفي مجال الأداء على صعيد السياسات والعلاقات الخارجية ووضع دولة إسرائيل الدبلوماسي منذ اندلاع حرب الإبادة ضد قطاع غزة حتى الآن، يمنح الجمهور الحكومة الإسرائيلية تقديراً متوسطه 3,84 نقاط ـ هو التقدير الأدنى منذ البدء بإجراء هذا الاستطلاع للمرة الأولى في العام 2013، ويشكل تراجعاً حاداً جداً عن التقدير المتدني نسبياً الذي حصلت عليه الحكومة في العام الماضي (4,82 نقاط).
هذه من بين أبرز النتائج التي تمخض عنها استطلاع “مؤشر السياسة الإسرائيلية الخارجية لسنة 2024” الذي أجراه معهد “مِتفيم” (مسارات)، “المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية” في الفترة بين 22 و25 آب الماضي ونشر نتائجه في أواخر شهر أيلول الأخير. و”مؤشر السياسة الخارجية الإسرائيلية” هذا هو استطلاع يُجريه هذا المعهد للسنة الثانية عشرة على التوالي (منذ العام 2013) بواسطة “معهد رافي سميث لاستطلاعات الرأي العام” وبالتعاون مع “صندوق فريدريش إيبرت”. وقد أجري الاستطلاع هذا العام على عيّنة من المستطلَعة آراؤهم قوامها 862 شخصاً من المواطنين البالغين في إسرائيل (سن 18 عاما وما فوق)، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء، 17 بالمائة منهم (147) من العرب و83 بالمائة من اليهود، 15 بالمائة منهم (129) من المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
بعد مرور نحو سنة على هجوم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر (2023) على إسرائيل، يحاول استطلاع “مؤشر السياسة الخارجية” لهذا العام (2024) استبيان مواقف الجمهور الإسرائيلي في قضايا ملحة تتعلق بأهداف حرب الإبادة ضد قطاع غزة واستراتيجية الخروج منها، إلى جانب تقصي تأثيرات الحرب على مواقف الجمهور الإسرائيلي في جملة من القضايا الأساسية المتعلقة بسياسة إسرائيل الخارجية وسياستها الإستراتيجية. ويعرض التقرير الكامل النتائج التفصيلية التي خلص إليها الاستطلاع هذا العام موزعة على خمسة مجالات: علاقات إسرائيل الخارجية؛ منظومة إسرائيل الخارجية؛ إسرائيل والفلسطينيون؛ العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية والعلاقات بين إسرائيل وبعض اللاعبين المركزيين إقليمياً. وقد شمل الاستطلاع، هذه السنة، أسئلة أخرى تطرقت إلى جملة من المواضيع شملت: وضع إسرائيل الحالي في العالم؛ تقييم أداء وزارة الخارجية/ السياسة الخارجية؛ مدى الرضى من أداء الحكومة في مجال السياسة الخارجية؛ وضع إسرائيل في العالم بعد 5 سنوات من اليوم؛ أداء وزير الخارجية منذ بدء إشغاله هذا المنصب؛ وضع وزارة الخارجية اليوم؛ وضع العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية اليوم؛ أهمية الولايات المتحدة في ضمان وجود إسرائيل وبقائها؛ أي المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل؟؛ التحديات الحربية؛ الاستراتيجية المركزية التي تعتمدها إسرائيل حيال الجهود النووية الإيرانية؛ خلق مسار للحوار بين إسرائيل وإيران عبر دول أخرى؛ مدى تأثير الدفع بتسوية مع الفلسطينيين على مواجهة التهديد الإيراني؛ مواقف إزاء الاتحاد الأوروبي؛ الدور المركزي الذي يمكن/ يجب أن تلعبه أوروبا في غزة بعد انتهاء الحرب؛ الدور المركزي لأوروبا في الضفة الغربية؛ أهمية تعزيز العلاقات مع الأردن؛ مستقبل العلاقات مع تركيا؛ مواقف إزاء مبادرة المجتمع الدولي لتسوية إقليمية؛ النهاية المرغوب فيها للحرب في غزة؛ من سيحكم في قطاع غزة خلال السنوات القريبة؟؛ هدف الحكومة الاستراتيجي بشأن القضية الفلسطينية؛ الاستراتيجية المفضَّلة حيال حزب الله؛ السياسة المرغوب في اعتمادها حيال روسيا؛ مدى أهمية أن تكون إسرائيل جزءاً من المعسكر الليبرالي ـ الديمقراطي العالمي؛ العلاقة بين مساعي الحكومة الإسرائيلية لتشريع تغييرات في الجهاز القضائي الإسرائيلي وبين الدفع نحو ضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل؛ هل ينبغي على إسرائيل أخذ مصر في عين الاعتبار؟؛ المواقف بشأن العقوبات ضد مستوطنين عنيفين؛ منع كارثة إنسانية في قطاع غزة.
مقاطعة الأمم المتحدة باعتبارها “جهة معادية”!
في موازاة التراجع الحاد والمستمر في مدى تقييم وضع إسرائيل الدولي والارتفاع في نسبة الذين يصفون هذا الوضع بأنه “سيء/ غير جيد”، كما أشرنا آنفاً، يبدي الجمهور الإسرائيلي تفاؤلاً في تقييم وضع إسرائيل الدولي بعد 5 سنوات من اليوم، إذ أعرب 60 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع عن توقعهم بأن يطرأ تحسن على هذا الوضع، بينما قال 26 بالمائة إنه سوف يزداد سوءاً وتراجعاً. وفي هذا المجال يظهر الفارق الكبير واضحاً ما بين الجمهورين اليهودي والعربي: فبينما كان تقييم 69 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و66 بالمائة من المشاركين اليهود أن وضع إسرائيل الدولي هو “سيء/ غير جيد”، قال ذلك 80 بالمائة من المشاركين العرب في الاستطلاع. وبينما قال 31 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و34 بالمائة من المشاركين اليهود إن وضع إسرائيل الدولي هو “جيد/ جيد جداً”، قال ذلك 20 بالمائة فقط من المشاركين العرب.
وبينما عبرت أغلبية- 57 بالمائة- عن قلقها وخشيتها من تحوّل إسرائيل إلى “دولة برصاء” منبوذة دولياً جرّاء حرب الإبادة على قطاع غزة، كما أشرنا أعلاه، عبّر 43 بالمائة عن “قلق خفيف” أو “عدم قلق، إطلاقاً” من رد الفعل الدولي على حرب الإبادة واستمرارها.
وفي ما يتعلق بالأداء الإسرائيلي في مقابل الموقف النقديّ الذي يميز أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكذلك مؤسساتها المختلفة، فقد رأت أغلبية- 53 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي – أنه يتعين على إسرائيل “تجنيد الأمم المتحدة وحليفاتها في الغرب من أجل تغيير سياسة الأمم المتحدة ومؤسساتها”، فيما قال أكثر من رُبع المشاركين في الاستطلاع إنهم يؤيدون مقاطعة الأمم المتحدة باعتبارها “جهة معادية”. وقال 22 بالمائة إنهم يؤيدون “تحسين العلاقات مع الأمم المتحدة”.
ورداً على سؤال كيف سيكون وضع إسرائيل الدولي بعد 5 سنوات من اليوم، قال 60 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و67 من المشاركين اليهود، في مقابل 30 بالمائة من المشاركين العرب، إنه سيكون “أفضل مما هو عليه اليوم”، بينما قال 25 بالمائة من مجمل المشاركين و19 بالمائة من المشاركين اليهود و52 بالمائة من المشاركين العرب إنه سيكون “أسوأ مما هو عليه اليوم”. وتوقع الباقون (15 بالمائة من مجمل المشاركين و14 بالمائة من المشاركين اليهود و18 بالمائة من المشاركين العرب) أنه سيبقى “على حاله، كما هو اليوم”.
في الرد على سؤال حول الدول الثلاث الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة الأميركية، جاء ترتيب الدول التالية على النحو التالي: بريطانيا (بنسبة 44 بالمائة) ثم ألمانيا (بنسبة 41 بالمائة) ثم فرنسا (بنسبة 30 بالمائة). وتراجعت أهمية روسيا من 32 بالمائة في الاستطلاع السابق (2023) إلى 12 بالمائة في الاستطلاع الحالي، كما تراجعت مكانة الصين من 26 بالمائة في الاستطلاع السابق إلى 7,5 بالمائة في الاستطلاع الحالي. أما تركيا، فقد تراجعت أهميتها بالنسبة لإسرائيل من 9 بالمائة في الاستطلاع السابق إلى 1 بالمائة فقط في الاستطلاع الحالي.
في الموقف من الاتحاد الأوروبي، أظهرت نتائج الاستطلاع الجديد ارتفاعاً حاداً في الرأي الذي يعتبر الاتحاد الأوروبي “خصماً لإسرائيل” ـ من 39 بالمائة في استطلاع العام الماضي إلى 54 بالمائة في استطلاع العام الجاري. وهذا في مقابل انخفاض عدد الذين يعتبرون الاتحاد الأوروبي “صديقاً لإسرائيل” ـ من 48 بالمائة في استطلاع العام الماضي إلى 23 بالمائة في الاستطلاع الحالي.
أي المرشحين للرئاسة الأميركية هو المفضل في نظر الجمهور الإسرائيلي؟ ـ دونالد ترامب بواقع 68 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع مقابل 14 بالمائة فقط يدعمون كاميلا هاريس ويرون أنها الأفضل لإسرائيل، بينما يقول 18 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي إنهم لا يرون أي فرق جوهري بين أي من المرشحين.
لا أغلبية لأي حل سياسي مع الشعب الفلسطيني
في السؤال حول أي دولتين من دول الشرق الأوسط هما اللتان تشكل علاقاتهما المتينة مع إسرائيل العلاقات الأكثر أهمية، تصدرت كل من مصر والأردن صدارة اللائحة، متقدمتين بذلك على الدول التي أنشأت علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل ضمن “اتفاقيات إبراهيم” ـ الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. لكن المرتبة الأولى ظلت من نصيب مصر بفارق كبير ـ 30 بالمائة قالوا إنها الدولة الأكثر أهمية، في مقابل 15 بالمائة قالوا ذلك عن الأردن؛ و46 بالمائة اختاروها واحدة من بين الدولتين الأكثر أهمية، في مقابل 38 بالمائة اختاروا الأردن واحدة من بين الدولتين الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. أما السعودية فلم يخترها واحدة من بين الدولتين الأكثر أهمية سوى 20 بالمائة، في مقابل 11 بالمائة اختاروا دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدولتين الأكثر أهمية.
في السؤال حول الموقف من إيران، قال 46 بالمائة إنهم يؤيدون بناء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة معتبرين ذلك بمثابة الخيار الاستراتيجي الأفضل لمواجهة “التهديد الإيراني”، بينما قال 32 بالمائة إنهم يؤيدون شن حرب عسكرية مفتوحة ضد إيران ووكلائها في المنطقة. وفي المقابل، قال 14 بالمائة إنهم يؤيدون المفاوضات الدبلوماسية مع إيران، فيما قال 8 بالمائة إنهم يؤيدون استمرار الوضع القائم المتمثل في “القتال المحدود مع كل من إيران وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن” (تجدر الإشارة إلى أن هذا الاستطلاع أجري قبل التطورات التي حصلت مؤخراً على صعيد الحرب مع حزب الله).
على صعيد العلاقة مع الشعب الفلسطيني ومستقبل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، يرى 36 بالمائة فقط من الجمهور الإسرائيلي أن تحقيق تسوية سياسية مع الشعب الفلسطيني سوف يساعد إسرائيل في مواجهة “التهديد الإيراني” بطريقة ناجعة، في مقابل 64 بالمائة يرفضون هذا الخيار ولا يوافقون على هذا الرأي.
في المقابل، يبدي 44 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي تأييده للتوصل إلى “صفقة شاملة” تشمل تطبيع العلاقات مع السعودية، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح لا تكون تحت سيطرة حركة حماس وإنشاء حلف دفاعي إقليمي تقوده الولايات المتحدة. ويعارض هذا الخيار (“الصفقة الشاملة”) 37 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي، بينما قال 19 بالمائة إنهم “لم يحددوا موقفهم بعد”.
ما هو الهدف السياسي الاستراتيجي الذي ينبغي أن تسعى إسرائيل إلى تحقيقه مع الشعب الفلسطيني؟
25 بالمائة من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون السعي نحو تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والشعب العربي الفلسطيني في إطار اتفاقية تطبيع إقليمية. 23 بالمائة يؤيدون ضم المناطق الفلسطينية (المحتلة) وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، في قطاع غزة وفي الضفة الغربية على حد سواء. و15 بالمائة يؤيدون الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة والضفة الغربية، على نحو ما حصل في خطة “الانفصال عن قطاع غزة” في العام 2005. وبينما قال 5 بالمائة فقط إنهم يؤيدون حل “الدولة الواحدة، الديمقراطية والمتساوية من النهر إلى البحر”، قال 20 بالمائة إنهم “لم يحددوا موقفهم بعد” بهذا الشأن.
عن المشهد الإسرائيلي – مدار/ المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية