استطلاعات الرأي في الانتخابات الفلسطينية
يبدي البعض تحفظهم تجاه نتائج استطلاعات الرأي التي يتم إجرائها في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، مستندين إلى طبيعة الأجواء السياسية التي نعيشها، فكيف يمكن التسليم بنتائج استطلاع للرأي يجرى في مناطق يسيطر عليها الحكم التسلطي الذي لا يقبل بالرأي الآخر. ورغم وجاهة هذا الرأي وتحفظنا على نتائج هذه الاستطلاعات، وبصرف النظر عن مدى دقة نتائجها، إلا أننا لا نملك سوى هذه الأداة “العلمية” للتنبؤ بتوجهات الناخبين.
أجرى المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استطلاع للرأي في الفترة ما بين 8-11/12/2020، بواسطة إجراء المقابلات وجهاً لوجه مع عينة عشوائية من الأشخاص البالغين بلغ عددها 1270 في 127 موقع سكني، وذلك في ظل فوز بايدن وقرار السلطة باستئناف التنسيق الأمني (لم يكن وقتئذ قد صدر المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات).
تظهر نتائج الاستطلاع (في حال اجريت انتخابات للمجلس التشريعي) فستكون النتائج كالتالي: فتح 38%، حماس 34%، القوائم الأخرى التي شاركت في انتخابات 2006 تحصل على 10%، بينما 19% لم يحددوا لمن سيصوتون. تبلغ نسبة التصويت لحماس في قطاع غزة 43% ولفتح 29%، بينما في الضفة 26% لحماس ولفتح 45%. تشير الأرقام إلى عدم قدرة أي من الحزبين الكبيرين على حسم النتائج لصالحه (50%+1)، فهذه الانتخابات ستجرى بالنظام النسبي وليس المختلط (نسبي+ قوائم) كما حدث في 2006، وبالتالي من المتوقع لجوء القائمة التي تحصل على أعلى الأصوات إلى تشكيل تحالفات بعد الانتخابات تمكنها من تشكيل الحكومة. من ناحية أخرى، تفند هذه الأرقام إدعاء البعض بأن معظم أهل القطاع سينتخبون فتح، ومعظم أهل الضفة سينتخبون حماس، على افتراض أن سكان كل منطقة سيمارسون التصويت العقابي، وسيعاقبوا انتخابياً السلطة التي تحكمهم. فيما تعزز هذه الأرقام الإدعاء بأن الشبكة الزبائنية للحزب الحاكم في كل منطقة ستزيد فرصه بالفوز.
يفترض البعض بأن نسبة 19% من الناخبين الذين لم يحددوا من سينتخبوا بعد، سيصوتوا لأي قائمة بديلة للحزبين الكبيرين. وهذا افتراض يفتقر للدليل أولاً، وثانياً يعاكس الدراسات التي تهتم بتوجهات الناخبين، والتي تشير إلى أن التصويت لدى الناخبين محكوم بعدة اعتبارات من بينها، التوجه الفكري الهوياتي والمصلحة والعاطفة. فأصوات جزء من هذه الفئة ستذهب إلى القائمة الأقرب لها فكريا وهوياتياً، بمعنى من لديه توجهات علمانية سيصوت للأحزاب العلمانية، ومن لديه توجهات إسلامية سيصوت للأحزاب الإسلامية. بينما سيذهب جزء من أصوات هذه الفئة للجهة التي تحقق مصلحتها، بمعنى سيكون القرار متأثر بالشبكة الزبائنية وتبادل المنافع مع الجهة التي سيختارها، أما الجزء الثالث فستذهب أصواته لمن “يميل” له عاطفياً، ولن يكون الاختيار على أساس مصلحي أو عقائدي، بحيث تذهب أصواته للقائمة التي تتبنى الخطاب الذي يدغدغ مشاعره، أو بلغة أخرى الخطاب الشعبوي. ومن ثم يمكننا الإدعاء بأن أصوات 19% ستتوزع على القوائم الموجودة وأي بديل يظهر، وليس بالضرورة ستذهب جميعها إلى البديل “طرف ثالث”.
يظهر الاستطلاع أيضاً، وفي حال تشكيل مروان البرغوثي قائمة مستقلة عن قائمة فتح الرسمية التي يشكلها الرئيس عباس، فإنه سيحصل على 25% مقابل 19% لقائمة فتح الرسمية. تشير هذه الأرقام إلى شعبية البرغوثي من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تؤشر إلى أنّ قائمة البرغوثي ستحصل على أصواتها بشكل أساسي من قاعدة فتح الانتخابية، بمعنى أن 19% (38%-19%) من أصوات قائمة فتح الرسمية ستذهب إلى قائمة البرغوثي، والتي ستستقطب 6% (25%-19%) من أصوات ناخبين من خارج قاعدة فتح الانتخابية. قد يكون نزول قائمة للبرغوثي ضار لقائمة فتح على المدى القصير، لكنه في المحصلة سيفيدها على المدى الطويل، فبعد الانتخابات متوقع أن ترجع هذه القائمة لفتح، ليشكلا معاً 44% من مقاعد المجلس. في المقابل ربما تدفع هذه النتيجة حماس بدورها لتشكيل قائمتين، قائمة تمثلها بشكل رسمي وأخرى تستقطب الأصوات العائمة (التي لم تقرر بعد)، أسوة بقائمتي فتح (وذلك على افتراض تحقق سيناريو نزول البرغوثي بقائمة مستقلة عن فتح).
يلفت انتباهنا في نتائج الاستطلاع النسبة التي يحصل عليها محمد دحلان في حال تشكيله قائمة منافسة لفتح، حيث سيحصل على 7% بينما تحصل فتح على 27%، وهذه نتيجة غير منطقية، فلو فرضنا أن دحلان أخذ 7% من القاعدة الانتخابية لفتح فيفترض أن يتبقى لفتح 31% من الأصوات من أصل 38% كانت ستحصل عليها. وبصرف النظر عن دقة هذه الأرقام، إلا أنها تشير بالمجمل إلى عدم تمتع دحلان بشعبية كبيرة في صفوف المستطلعة آرائهم، وبأنه سيأخذ من الخزان التصويتي لحركة فتح، ولن يجلب أي أصوات من خارج هذا الخزان، لذلك نزوله سيضر بفتح ولن يفيدها.
خلاصة القول: من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات، لكن هذا الاستطلاع يعطي تصور عن توجهات فئة من الناخبين لا نعرف مدى تمثيلها لمجموع الناخبين. لكن الشيء الأكيد هو أن النسبة الكبرى من سكان الضفة والقطاع تتوق للتعبير عن رأيها واختيار من يمثلها، بالاستناد على النسبة العالية للإقبال على التسجيل في سجل الناخبين والتي وصلت في بعض المناطق إلى 95%، مما يدفعنا إلى توقع مشاركة نسبة عالية من المسجلين في الانتخابات، قد تكون مساوية لنسبة المشاركين في انتخابات 2006.