استئذان إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس انتهاك للقانون الدولي

آخر ما كنا نتوقعه من السلطة الفلسطينية أن تتقدم بطلب من سلطات الكيان الصهيوني العنصري للسماح لها بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية. وفي هذا الطلب الغريب رزمة من الخطايا:

– إن هذا الطلب يعني، بدون لف ولا مواربة، اعترافا بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية. إنه اختراق فاضح للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس. إن هذا نوع من الاعتراف بصفقة القرن واعتراف بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 بأن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة.
– لم يقدم مثل هذا الطلب لا في عام 1996 ولا عام 2006. فما معنى تقديمه هذه المرة والسلطة تعرف أن الكيان الصهيوني العنصري لن يعطي مثل هذا التفويض؟ وكيف سيمنحون سلطة رام الله مثل هذا التفويض الذي لو حدث سيتحول إلى قضية رأي عام وموضوعا لمزايدات المتطرفين على الجهة التي منحت التفويض وقد يؤدي إلى سقوط الحكومة أو تجريم الجهة المفوضة؟
– السلطة الفلسطينية تعرف أن إسرائيل لن تمنح مثل هذا التفويض، ولذلك وضعته شرطا لإجراء الانتخابات ليكون مخرج طوارئ للهروب من استحقاق الانتخابات إذا ما تأكد أن رياحها تجري بعيدا عما تشتهي سفنها.
– استطلاعات الرأي في القدس تقول إن 94 في المئة من المقدسيين يؤيدون الانتخابات، ومع هذا تضع السلطة القرار في يد عدو الشعب الفلسطيني وترمي بآراء الفلسطينيين عامة والمقدسيين خاصة في سلة المهملات.
– السلطة تعرف أن الانتخابات في زماننا يمكن أن تجري بالطرق التكنولوجية البسيطة. فالتطبيقات التكنولوجية أصبحت متاحة للجميع ويمكن استغلالها في استطلاعات الرأي، والتواصل مع الناس وجمع التواقيع وتوقيع العرائض والبيانات وعقد الانتخابات سواء لاختيار رئيس بلدية أو محافظ أو مجلس نواب أو رئيس.
– كان الأولى بالرئيس أن يعلن أننا سنجري الانتخابات في القدس الشرقية رغما عن الاحتلال حيث إننا لا نحتاج إذنا من أحد فكل قرارات الشرعية الدولية تقر بأن القدس جزء من دولة فلسطين التي اعترف بها عام 2012 من قبل 140 دولة ومنحت عضوية دولة مراقب. وكان بإمكان الرئيس أن يلقي خطابا موجها لأبناء المدينة يحضهم على التصويت وتحدي قيود الاحتلال والمشاركة الشاملة كنوع من النضال للتمسك بالهوية الوطنية ورفض قيود دولة الأبرتهايد كما وصفها تقرير «هيومان رايتس ووتش» الأخير.

وضع القدس في القانون الدولي

أولا: موقف عصبة الأمم إثر مواجهات البراق
بعد المواجهات التي اندلعت يوم 15 آب/أغسطس 1929إثر قيام الميليشيات الصهيوينة بالتظاهر أمام حائط البراق رافعين شعارت استفزازية تدعي ملكية الحائط وهاتفين «هذا الحائط حائطنا» أدت إلى استشهاد 133 فلسطينياً وجرح 339 ومقتل 116 يهوديا وجرح 232 واعتقال نحو 900 فلسطيني حكم بالإعدام على 27 منهم ونفذ فعلياً في ثلاثة هم: محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي يوم 17 حزيران/يونيو 1930. شكلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق مع الأطراف الثلاثة: الحكومة والعرب واليهود، سميت باسم لجنة «شو» نسبة إلى رئيسها.
أقرت اللجنة بعد الاستماع لمداخلات الأطراف وحججهم أن «ملكية حائط البراق تعود للمسلمين وحدهم وأنه وقف إسلامي لكونه جزءا لا يتجزأ من حائط الحرم الشريف الغربي» كما أقرت اللجنة بحق اليهود في «الصلاة الفردية» بدون أن يعني ذلك حقا عينياً في الحائط. بينما بتت اللجنة بعدم جواز المظاهرات قرب الحائط أو النفخ في البوق. وبقي الوضع هكذا حتى قرار التقسيم. وخلصت اللجنة إلى أن سبب الاضطرابات هو تخوف السكان العرب من استمرار الهجرة اليهودية وشراء الأرض الفلسطينية وتجريد العديد من الفلسطينيين من أراضيهم، ودعت إلى تقليص حجم الهجرة إلى فلسطين.

ثانيا: قرار التقسيم 1947
نص قرار التقسيم رقم 181 الصادر بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بعد الحديث عن قيام دولتين على اعتبار القدس «كياناً منفصلاً» تخضع لنظام دولي تديره الأمم المتحدة عن طريق مجلس الوصاية. وسيقوم مجلس الوصاية، المكلف بإدارة المدينة نيابة عن الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات، على تعيين محافظ وموظفين إداريين؛ وتجريد المدينة من السلاح وإنشاء قوة شرطة خاصة لحماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية على وجه الخصوص. وللعلم فإن هذا القرار ما زال ساريا ولا يموت بالتقادم حتى لو أن العالم يتعامل مع، ويعترف بإسرائيل داخل حدود ما قبل 5 حزيران/يونيو 1967. إنه اعتراف «بالأمر الواقع» وليس اعترافا قانونيا Du Jure .

ثالثا: قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس

على إثر حرب حزيران/يونيو عام 1967 قامت السلطات الإسرائيلية بالإعلان عن توحيد القدس تحت السيادة الإسرائيلة. كان أول رد دولي من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت جلسة طارئة واعتمدت القرار 2253 بتاريخ 4 تموز/يوليو الذي أكد على عدم شرعية أنشطة إسرائيل في المدينة وطالب بإلغائها ولحق به القرار 2254 بعد عشرة أيام الذي يدين إسرائيل لعدم التزامها بالقرار السابق وطالبها مرة أخرى أن تلغي كافة الأنشطة وخاصة تلك التي تعمل على تغيير معالم المدينة.
مجلس الأمن من جهته أصدر مجموعة من القرارات تطالب إسرائيل بعدم تنظيم استعراض عسكري في المدينة في الذكرى الأولى لحرب حزيران/يونيو (القرارات 250 و 252 و252 و 267). ثم أصدر المجلس القرار 271 (1969) على إثر قيام متطرف يهودي بمحاولة حرق المسجد الأقصى الذي نص على حماية الحرم الشريف ووقف كافة الأنشطة التي تعمل على تغيير معالم المدينة. أما القرار 298 (1971) فقد كان حادا أكثر في انتقاده للممارسات الإسرائيلية حيث أكد «أن كافة الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل في المدينة مثل التحويلات العقارية ومصادرة الأراضي غير شرعية» كما دعا القرار إلى وقف كافة الأنشطة والإجراءات التي تحاول تغيير تركيبة المدينة السكانية. بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أعلنت إسرائيل عام 1980 رسميا ضم المدينة واعتبار الضم جزءا من القانون الأساسي الذي لا يلغى إلا بتوفير ثلثي أعضاء الكنيست. أصدر مجلس الأمن بعدها مجموعة من القرارات ترفض هذا الضم من بينها القرار 476 (1980) الذي أكد مجددا أن «جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل والرامية إلى تغيير معالم المدينة ليس لها أي سند قانوني وتشكل خرقا فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين» كما أكد القرار أن «كافة الإجراءات التي تعمل على تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها». وتبع هذا القرار الأهم رقم 478 (1980) الذي شجب سن القانون الأساسي الإسرائيلي الذي أعلن ضم القدس الموحدة إلى إسرائيل واعتبره انتهاكا للقانون الدولي ولا قيمة قانونية له وطالب جميع الدول عدم الاعتراف به وطلب من الدول التي لديها سفارات بالقدس نقلها خارج المدينة. وهذا القرار استند إليه مشروع القرار الذي وضع للتصويت يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2017 ضد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وحصل على 14 صوتا إيجابيا إلا من صوت سفيرة ترامب، نيكي هيلي، أطاحت به باستخدام الفيتو. لكن أعيد طرح مشروع القرار مع التركيز على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي بما فيها القدس الشرقية واعتمد يوم 23 كانون الأول/ديسمبر 2016 بعد قرار إدارة أوباما بالتصويت بـ»امتناع» وعدم استخدام الفيتو.
رابعا: قرارات اليونسكو حول القدس
اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» العديد من القرارات خلال تاريخها الطويل تتعلق بفلسطين والقدس. وكانت اليونسكو أول منظمة تابعة للأمم المتحدة تمنح العضوية الكاملة لفلسطين يوم 23 أيلول/سبتمبر 2011 حيث صوتت 107 دولة لصالح قبول عضوية فلسطين، بينما عارضته 14 وصوتت 52 دولة بامتناع.
ضمت اليونسكو القدس للتراث العالمي عام 2016 واتخذت في نفس العام قرارا تاريخيا في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2016 تقدمت به سبع دول عربية، الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وعمان وقطر والسودان، يطالب بالاعتراف بتبعية المناطق المقدسة للوقف الإسلامي فقط. وقد تم التصويت عليه نهائياً واعتمد من قبل غالبية الدول الأعضاء وأصبح ساري المفعول يوم 18 من نفس الشهر. والقرار يحتوي كثيراً من التفاصيل أبعد بكثير من اعتبار الحرم الشريف والحائط الغربي للمسجد الأقصى مقدسات إسلامية فقط، بل يتجاوز ذلك للحديث عن ممارسات الاحتلال والحصار المضروب على غزة وتهديد التراث ورفض إسرائيل التعاون مع اليونسكو وتنفيذ توصياتها. وفي عام 2017 اعتمدت اليونسكو قرارا يعتبر أن القدس مدينة محتلة ويرفض سيادة إسرائيل عليها. وفي 7 تموز/يوليو 2017 أدرجت اليونسكو المدينة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي ضمن قائمة التراث العالمي، وهو القرار الذي أيدته 12 دولة في لجنة التراث العالمي، فيما أبدت 3 دول رفضها، وامتنعت 6 أخرى عن التصويت.

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *