احتفال الهيئة من أجل الحرية والكرامة
في ظل الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، قد يتساءل الناس ماذا يعني حصول منظمة حقوق إنسان على جائزة أو تصنيفها عالميا بدرجة رفيعة؟ في ظل الشعور بالظلم وغياب العدالة في تفاصيل المواطنين اليومية، وخوف وقلق الأمهات، وعجز الأباء. وهي بعيدة جدا، وقريبة جداً، في الحصار والعقاب الجماعي وجرائم، الاحتلال الإسرائيلي. في الحق في السكن والمأكل والملبس والمياه الصالحة للاستخدام الآدمي، في التعليم والصحة، والعمل، وحاجات المواطنين والفقراء وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
هي صغيرة لا يمكن رؤيتها، إلا في عيون الضحايا والمهمشين، وبعيدة ما لم تحظَ تلك الحقوق بالاهتمام بقيمتها، وأصحاب الشأن.
رغم الألم والحزن وانتهاك حقوق الإنسان، تدرك الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في فلسطين بصفتها المؤسسة الوطنية، مؤسسة الدولة، أهمية الحقوق بفروعها المختلفة، وما تمثله من حقوق أساسية، وتعمل الهيئة على احترامها وصونها لحماية حقوق الإنسان كأمر حيوي أكثر من أي وقت مضى في ظل إستمرار الإحتلال والإنقسام.
لأجل ذلك احتفلت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، باعتمادها من قبل التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بتصنيف (أ)، للمرة الرابعة على التوالي، الأمر الذي يحدث مرة كل خمس سنوات، ويستند على مدى الامتثال لمبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتتضمن معايير الاستقلالية والشفافية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.
تحتفل الهيئة بعد 27 عاماً من العمل المثير والطاقة الوقّادة لتسليط الضوء على حقوقنا الأساسية، وإذكاء الوعي وتعزيز حقوق الإنسان، بجهود عامليها ومفوضيها ومديريها، وتراكم الخبرة والعمل بمهنية والتأسيس لبناء داخلي مستقر وشفاف. وبشراكة مستمرة ومستقرة مع المجتمع ومكوناته السياسية والاجتماعية ومؤسساته الرسمية والأهلية، ويُنتخب مجلس المفوضين والمفوض العام فيها دوريا ويجري تداول المسئولية كل أربعة أعوام.
وكيفية تعيينهم من خلال عملية نزيهة وشفافة ومشاورة واسعة للترشح والاختيار، والإعلان عن الوظائف الشاغرة على نطاق واسع سواء بالنسبة للأعضاء أو لموظفي المؤسسة، بالإضافة إلى ضمان مشاركة المرأة لتمثيل طائفة واسعة من الفئات المجتمعية، وضمان عدم إقصاء أي منها.
ومن ضمن مهماتها، أن تقوم بتشجيع الحكومة على الانضمام للاتفاقات الدولية، وأن تتواصل مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما مجلس حقوق الإنسان وآلياته وهيئات معاهدات حقوق الإنسان، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في ميدان حقوق الإنسان.
نحتفل بهذه المناسبة من أجل الإلهام والإعلام، والترويج لقيم حقوق الإنسان والحرية وقيم العدالة الاجتماعية وعدالة قضيتنا الوطنية، وما تمثله الحقوق من ترك بصمات دائمة على هويتنا الوطنية، وضمان الوصول الى جميع الحقوق، والتمتع بمكوناتها تحت مظلة المساواة وكرامة الإنسان وعدم التمييز.
إعادة اعتماد الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بتصنيف (أ) يؤكد على مكانة الهيئة كمؤسسة وطنية فاعلة ومستقلة وملتزمة بمبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
وتنبع أهمية استمرار الهيئة في تصنيف (أ)، الذي جاء نتيجة عمل مهني متكامل لجميع العاملين في الهيئة ومجلس مفوضيها على مدار السنوات الماضية، ويؤكد على استقلالية الهيئة في العمل، الأمر الذي يُعزز من صدقية وموثوقية مواقفها وتقاريرها وتدخلاتها على المستويات المحلية، الإقليمية والدولية، وما يسمح للهيئة المشاركة في التدخلات مع منظومة حقوق الإنسان على المستوى الدولي، مثل لجان معاهدات حقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان.
والأهم في التصنيف (أ)، أنه أحد المؤشرات على التزام دولة فلسطين أهداف التنمية المستدامة 2030، ما يُشكل دافعا إضافيا لنا جميعا للاستمرار في النهج الذي تسير عليه المؤسسة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في فلسطين، والعمل الدؤوب على تطوير وتعزيز مكانتها في المجتمع.
تعمل الهيئة في ظروف بالغة التعقيد، جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وتأثير الانقسام على الحالة الوطنية برمتها، وفي مقدمها الانتهاكات ضد حقوق الإنسان الفلسطيني.
ومع كل هذه الأزمات والتعقيدات، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في فلسطين، اجتهدت الهيئة، ولا تزال، وتمكنت من العمل بمهنية وطاقة كبيرة.
خاب أملها في أوقات عصيبة، ولا تزال قائمة في مواجهة تحديات الإنقسام وانعكاساته، ونجحت مرات عديدة بمهنية وهمّة وأمل طواقم الهيئة من مفوضيها ومديريها والعاملين فيها،
وتعاون السلطات الثلاث، الجهات الرسمية المختصة المدنية، ومرفق العدالة، والأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع، والشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الاعلام، والصحافيين المهنيين المؤمنين بقضايا حقوق الإنسان.
وفي غياب السلطة التشريعية، وتبدد الاحلام والامال، واستمرار انقسام يعمل، يوميا، على تفكيك النسيج المجتمعي وتهديد السلم الاهلي، وغياب المشاركة السياسية، وتأجيل الإنتخابات العامة، تصعب مهمة الهيئة من خلال تغييب آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة.
وعلى رغم تغييب سيادة القانون، وتعميق الهوة بين المواطن والسلطة التنفيذية، وإنعدام الثقة باجهزة العدالة وإنفاذ القانون، وعدم احترام حقوق الإنسان والحريات العامة الأساسية،
يظل الأمل هدفا إستراتيجيا لنا لتحقيق المساواة والحرية كقيم مقدسة، لشعب كريم حر، يسعى إلى الحرية، وكرامة الإنسان والقيم المتأصله لديه.
إننا نجسد قيم حقوق الإنسان كقيم حضارية للشعب الفلسطيني للانعتاق من الإحتلال، والحق في تقرير المصير.