اجتماع العقبة الخماسي: محرقة حوارة بداية مرحلة متقدمة وليس نهاية مشهد
تقديم : بناء على التصريحات الاردنية والامريكية والبيان المشترك إثر انتهاء اجتماع العقبة ، يبدو أن اسرائيل التزمت بعدم مناقشة البناء الجديد في المستوطنات وذلك لأربعة أشهر، وعدم قوننة بؤر استيطانية لمدة ستة أشهر. وفي المقابل، من المفهوم أن الفلسطينيين لن يتخذوا إجراءات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وذكرت النقطة الأولى من البيان الرسمي “أن الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) أكدا التزامهما بجميع الاتفاقيات السابقة المعقودة بينهما، وبالعمل على تحقيق سلام عادل ودائم”، وأنهما “أعادا التأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف”.
مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال إنه “يرحب” بالالتزامات التي قطعها الجانبان، مضيفًا أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل في الأشهر المقبلة “لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”. واتفق الأطراف الخمسة المشاركون في الاجتماع على اللقاء لإجراء مزيد من المباحثات في مدينة شرم الشيخ المصرية الشهر المقبل.
المفاجئ كان تصريح رئيس الوفد الاسرائيلي ورئيس مجلس الامن القومي تساحي هنغبي بعد انتهاء اعمال الاجتماع الذي قال صراحة، انه لن يطرأ أي تغيير على قرار المجلس الوزاري المصغر بشرعنة عشر بؤر استيطانية، وأضاف “لن يكون أي تجميد في البناء [المستوطنات] ولا اي تغيير في الوضع القائم في جبل الهيكل، كما لن تكون أية تقييدات على عمل الجيش”.
في حين صرح الوزير المسؤول عن الادارة المدنية الاحتلالية بتسلئيل سموتريتش: “لا علم لي بتاتا عما تحدثوا به او لم يتحدّثوا في الاردن. لن يكون تجميد [للاستيطان] ولا ليوم واحد”.
خلال انعقاد اجتماع العقبة قام شاب فلسطيني بتنفيذ عملية إطلاق نار وقتل مستوطنين اثنين على حاجز حوارة جنوب نابلس. وعلى الفور بدأت النداءات للحشد السريع للقيام بحرق حوارة وإبادتها.
قراءة:
قد تكون مخرجات اجتماع العقبة قد أزيلت مؤقتا من جدول الاعمال الاسرائيلي بعد محرقة حوارة، إلا انه هناك استفاقة من الصعب تحديد مداها ولا استدامتها من قبل المؤسسة الامنية الإسرائيلية التي باتت أكثر قناعة بضرورة اطفاء الحريق الذي أشعلته المليشيات الارهابية المنظمة في حوارة ومعظم الضفة والذي اعتبره افي ارئيلي رئيس الدائرة اليهودية في الشاباك سابقا “لم نشهد اعمال كهذه منذ 1929 في المانيا” وواصل “ما يحدث في حوارة سيدفع نحو اعمال انتقام ”
في حين عبر بيني غانتس عن قلقه غير المسبوق في افتتاح جلسة “الكتلة الرسمية” التي يتزعمها في الكنيست بقوله: “انني قلق جدا من كوننا مقبلين على كارثة أمنية” واضاف “المتهمون بالإرهاب [في اشارة الى بن غفير وسموتريتش] يجلسون على مقاعد الحكومة، في حين بعض اطرافها يزوّدون الارهاب بالمواد المشتعلة”. .. يجلس في الحكومة فوضويون يشعلون الارض نارا، ويقف مقابلهم الصامتون المترهبنون التابعون لنتنياهو من امثال غالانت وديختر و.. ليس هذا من طباعكم، أَسمِعوا صوتكم”
تحدثت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن الصراعات داخل قيادة الجيش وحصريا بين رئاسة الاركان وبين قائد المنطقة الوسطي يهودا فوكس وقائد كتيبة “يهودا والسامرة” آفي بلوت، وذلك باتهامهما بعدم اتخاذ الاجراءات ساعات قبل وقوع محرقة حوارة وأية خطوات مانعة او استباقية تحول دون تنفيذ مخطط ميليشيات المستوطنين الذين تنادوا على الملأ لتنفيذ الانتقام وحرق البلدة كما ورد في مجموعة “كول هغبعوت” (صوت التلال [التابع للتنظيم الارهابي “فتيان التلال”]، وقد تعالت اصوات تطالب بإقالة الضابطين الكبيرين وهو امر نادر الحدوث، بينما عزا البعض حالة البلبلة في قيادة الجيش هي نتاج ايضا لصراع الصلاحيات بين وزير الامن والوزير في وزارة الامن. في حين اعتبر الجيش ان محرقة حوارة عطلت على قوات الجيش عملية البحث وراء منفذ العملية الفلسطيني.
من يحكم المشهد السياسي:
هناك تقديرات بأن حجم وطبيعة رد الفعل على العملية التي قُتل فيها مستوطنان قد تأثرا بعاملين فيهما من المستجدات: الاول، هو التوقيت مع اجتماع العقبة الأمني السياسي الاقليمي الدولي. والثاني، هو وجود غلاة المستوطنين في الحكم ويتحكمون بالسياسات والمنظومات التي تدير الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وهي فرصة قد لا تتكرر وفقاً لهم، بينما يسعون الى تثبيتها. او كما عبّر الإعلامي شالوم يروشالمي:”هذه ليست حكومة نتنياهو السادسة وإنما حكومة سموتريتش-بن غفير الأولى”، وهذا ما يفسّر تصريح سموتريتش غير الآبه لما جرى في العقبة، وبأنه يصنع الوقائع على الارض، وبأنه صاحب القرار والقول الفصل في الحكومة.
كما يبدو فإن أكثر المتضررين سياسيا من محرقة حوارة هو نتنياهو نفسه، الذي بات ضعفه امام ضغوطات سموتريتش وبن غفير صارخاُ، وبدأ الاعلام يبث بأنه رهينة هذين الوزيرين المتحكّمين بكل نقاط التماس مع الفلسطينيين. لكن الحكومة “حكومة اليمين الصافي” لم تحصد أي انجاز أمني لحد الان، بل في كل عملية نفذها فتى في القدس او شاب في مفترق حوارة (خارج البلدة) باتت الحكومة تحصد الاخفاق، وباتت تبدو أضعف. يسعى بن غفير وقادة حزبه بالمحاججة بأن “جميع الحكومات السابقة قد قامت باحتواء الارهاب، بينما المطلوب قطع يد الارهاب إذا لم يمنعها رئيسها من ذلك”، الا أن هذه المحاججة تستند الى الميليشيات الارهابية الاستيطانية التي تعوّض عن تقصير الحكومة اذا لم تقم بدورها.
محرقة حوارة عمليا هي رد على نتنياهو ومعه الشاباك ومجلس الامن القومي الذين شاركوا في اجتماع العقبة والمعنيين بنتائجها. قد تعزز من دور سموتريتش بينما قد تمس في وضعية بن غفير كونه وزير الامن القومي المخفق والذي يسعى جمهوره الى تحقيق اهداف سياسته بقدراتهم الذاتية لا بقدرة الشرطة وحرس الحدود اللذين يتحكم بهما وزير الامن القومي.
استراتيجياً من شأن محرقة حوارة ان تعزز موقف الشاباك بقيادة رونين بار ومجلس الامن القومي بقيادة تساحي هنغبي في السعي الى إبقاء اجهزة الادارة المدنية المعنية بالعلاقات مع الفلسطينيين تحت مسؤولية نتنياهو وهنا يندرج ما تداولته وسائل الاعلام عن مشاركة كل من الجنرال غسان عليان ومدير عام وزارة الخارجية رونين ليفي (معوز) وهو من مهندسي اتفاقات ابراهام في مراحلها التمهيدية السرية، وهذا تأكيد على اهتمام الادارة الامريكية والمؤسسة الامنية الاسرائيلية بالإبقاء على هذه المنظومة وعلى تعزيز دور السلطة الفلسطينية. كونها إذا تعززت قدراتها فإنها ستشكل حلا أمنيا لإسرائيل من خلال ضبط العمليات الفلسطينية دونما اضطرار اسرائيل الى اتخاذ خطوات سياسية استراتيجية ودونما تحميلها مسؤولية عن استمرار عنف الاحتلال.
بالنسبة للشاباك ومجلس الامن القومي وعمليا موقف المؤسسة الامنية يتمثل في ضرورة الحفاظ على مخرجات اجتماع العقبة. وهو بالنسبة لهم حجر اساس من وجهة النظر الامنية نحو استقرار الوضع ولو مرحليا. وقد اتفق على متابعة اعمال مخرجات العقبة باجتماع اخر في شرم الشيخ.
” بوغروم ” لنشر الرعب:
الاتفاق على امتناع اسرائيلي عن اقرار توسيع المستوطنات او قوننة البؤر في الاشهر الاربعة القادمة، لا يتطرق الى العشرة الاف وحدة استيطانية التي تم اقرارها الاسبوع الفائت ولا قوننة البؤر الاستيطانية التسع، يجعل الحكومة الاسرائيلية تدار بصوتين وبرأسين، الصوت الامني التقليدي وصوت الصهيونية الدينية. وهذا ما يؤشر الى ازدياد منسوب العنف في الشارع الاسرائيلي، وقد يكون مؤشرا لمواجهات عنيفة خلال مظاهرات المعارضة الاسرائيلية.
هناك قناعات لدى مختلف الاطراف بأن ما كان قبل محرقة حوارة يختلف عما بعدها؛ تيار الصهيونية الدينية يشعر بأنه انتصر وهو يفرض جدول اعمال الدولة ويرد بطريقته على اجتماع العقبة الاقليمي الدولي؛ ويعبر اقطابه عن ارتياحهم مما حصل من محرقة وعملية ابادة في البلدة. لدرجة ان تسفي فوغل الجنرال السابق ورئيس لجنة الامن القومي عن حزب عوتسما يهوديت اعتبر ان انفلات الارهاب الاستيطاني قد أتاح للجيش فرصة لا تعوّض في فرض السطوة. “إن مردود الردع الذي تحقق في الامس في اعقاب ما تطلقون عليه “بوغروم” لم تحققه اسرائيل منذ السور الواقي في يهودا والسامرة” “إنني انظر بعين الرضى بدرجة عالية جدا، ففي حوارة أدركوا انه يوجد ميزان رعب لا يستطيع الجيش تحقيقه [بقواه الذاتية] وأنا اريد للجيش تحقيقه” ثم انه امتدح حرق البلدة وتدفيع الثمن كي يعتبر معظم الفلسطينيين وكي يعتبر رئيس الحكومة نتنياهو.
هناك صحوة في الموقف في المؤسستين الامنية والسياسية وانتقادات قيادة الاركان الى المنطقة الوسطى و(كتيبة السامرة) لكن قد يكون بعد فوات الاوان، بل ونظرا لانضباط الجيش فإن الصراع بين الاركان وقيادة منطقة معينة هو غير مسبوق وبعود الى نفوذ الصهيونية الدينية في الجيش. مصدر هذه الصحوة هو الخوف من تسييس الجيش او تحزيبه او اساءة استخدامه لأغراض حزبية حسب اعتباراتهم، وهذا يؤدي الى اتساع حلقة رفض الخدمة خاصة بين جنود الاحتياط اصحاب التجربة العالية.
نفوذ الصهيونية الدينية في الجيش ليس ابن هذه اللحظة وإنما شهد هذا المنحى سوابق عدة، أشهرها قضية الجندي اليئور عزاريا ومن ثم في مرحلة لاحقة تصريحات قائد كتيبة شمال الضفة “الجيش والمستوطنون وحدة واحدة”، الا انه يعود ايضا للمتغيرات الديمغرافية في المجتمع الاسرائيلي وتزايد متسارع لأعداد المستوطنين ودافعيتهم للخدمة في الجيش في الوحدات القتالية كما ويعود الى نسبة التكاثر العالية للغاية وهم اصحاب العقيدة التوراتية وارض اسرائيل الكاملة. ما لا تستطع الصهيونية الدينية انجازه من خلال الحكومة تستطيع من خلال ميليشياتها، وهي بنيتها الارهابية الناجزة من جانبي الخط الاخضر.
خطة التطهير العرقي :
من الاهمية بمكان تسليط الاوضاع الى القرى والبلدات والتجمعات الفلسطينية النائية وبالذات في الاغوار والخان الاحمر (عرب الجهالين) ومسافر يطا وضواحي القدس المرشحة للتطهير العرقي واستغلال الصهيونية الدينية والمستوطنين للظرف بهدف تنفيذ ما يمكن تنفيذه. ينبغي الا تغيب عن الاذهان العقيدة الاسرائيلية التي اعتمدتها العصابات الصهيونية عام 1948 في مجزرة دير ياسين والتي اختارتها لسهولة تنفيذها في هذه البلدة، ثمّ الترويج للمجزرة وتهويلها بهدف بث الرعب وترهيب الفلسطينيين في كل مكان ودفعهم لترك بيوتهم وبلداتهم. إن الاستفراد الارهابي الذي تقوم به حاليا عصابات الاحتلال وبحمايته في حوارة والبلدات الفلسطينية النائية عن المراكز السكانية وقبل ذلك في مسافر يطا، هو مسعى لإبادة هذه البلدات، وهو مسعى بدم بارد لترهيب كل شعب فلسطين حسبما تقتضي ذهنية منظومة التطهير العرقي. أعمال الابادة ليست هي الهدف بل الوسيلة لنيله، وبالذات مشروع الضم وحاجته الى مناطق واسعة خالية من الوجود الفلسطيني.
الخلاصة:
الدروس المستفادة لدى المؤسسة الامنية الاسرائيلية من محرقة حوارة، فيها تأكيد على ضرورة السير في مسار اجتماع العقبة، وهي اعتراف بعدم قدرة اسرائيل استراتيجياً اعادة حكم الفلسطينيين بنفسها.
لكن يظهر هنا وفي الميدان تقاسم وظيفي بين الحكومة الفاشية وبين الميليشيات الإرهابية.
على الرغم موقف المؤسسة الامنية فإن من يحسم جدول اعمال الإسرائيليين ويقرر اليوم موضوع الاحتلال وقضية فلسطين هو الصهيونية الدينية بأحزابها ووزرائها. وإن كانت المعارضة الاسرائيلية في احتجاجاتها قد حيّدت قضية فلسطين بالكامل بما في ذلك الاحتلال والعنصرية، الا ان من شأن محرقة حوارة ان تعيد المسألة الى جدول اعمال الاحتجاجات، ليس رغبة منهم وإنما لان نيران الفاشية الدموية من شأنها أن تطالهم.
ما حدث في حوارة هو بداية مرحلة متقدمة وليس نهاية مشهد. تزداد قناعات المؤسسة الأمنية بضرورة الالتزام بمخرجات اجتماع العقبة، الا ان الحقائق على الارض تقول غير ذلك. اما الحسم فهو غير واضح المعالم.
بعد محرقة حوارة لا مكان لاعتماد القيادة الفلسطينية ولا النظامين المصري والاردني على الالتزامات الاسرائيلية في محادثات العقبة فهي التزامات غير موثوقة، وعليه فإن مواصلة المساعي امام مجلس الامن لاتخاذ قرار ملزم لإسرائيل والمطالبة بالحماية الدولية هي امور لا تحتمل التأجيل، بل يجب ان تكون عنوانا رئيسيا للتحرك السياسي والدبلوماسي.
عن مركز التقدم العربي للسياسات