إنهم يعيدون كتابة إعلان الاستقلال، ولن يتوقفوا حتى يحترق كل شيء
الجنوب محترق ، والشمال يشتعل ومهجور، وفي القدس يجلس أعضاء الحكومة ومبعوثوها ويعملون على تصفية كل ما تبقى. بالنسبة لهم، ليس للبلاد الحق في الوجود بدونهم: إما أن يتم إعادة خلقها على صورتهم ومثلهم، أو أنها لن تبقى موجودة على الإطلاق .
هكذا أوقفهم غالانت في رسالة إلى الائتلاف: “من يقوض مكانة إعلان الاستقلال يضر بدولة إسرائيل” .
في دولة إسرائيل، التي فيها نشأنا وتعلمنا، كان هناك إجماع وطني، وكان هناك اتفاق واسع النطاق. كان هناك تفاهم على أن المبادئ التي قامت عليها هذه الدولة، وأن الأساس الوحيد الذي اتاح وجودها في هذا الفضاء – هو إعلان الاستقلال، الذي يشكل مساحة الاتفاق بيننا الذي يترك خارج النقاش كل من وكل ما يحمينا كدولة يهودية وديمقراطية، ديمقراطية ويهودية.
ماذا جاء في إعلان الاستقلال الذي وقعه القادة من كافة أطياف الطيف السياسي؟ تفاهم لم يعد قائم .
أن تفتح إسرائيل بيتها لكل اليهود. أن تحرص على تطوير الوطن لصالح جميع سكانه. وأن تقوم على مبادئ الحرية والعدالة والسلام. وأن تسود فيها المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية الكاملة . وان تضمن حرية الدين والضمير واللغة والتعليم والثقافة. وان تحافظ على الأماكن المقدسة لجميع الأديان. وهذا هو الأساس الذي اتفق عليه الجميع منذ سنوات. اتفقنا على النقاش والحديث، ولكننا وافقنا على قبول هذه المبادئ الأساسية كخطوط توجيهية تشبه نوعًا من الدستور لإسرائيل.
وفي السنوات الأخيرة، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تبذل قصارى جهدها لتفكيك كل هذه المبادئ، واحداً تلو الآخر، بقصد متعمد. بند بعد الاخر أنتم مدعوون للمراجعة ورؤية كيف تتم كتابة وثيقة جديدة ومختلفة ، وثيقة تشطب الديمقراطية وتترك اليهودية – في صيغة ضيقة جدًا .
إن دولة إسرائيل في ظل سلطة نتنياهو لا تسعى جاهدة إلى تطوير البلاد لصالح جميع سكانها، ولكن فقط لصالح قطاع المقربين والمستوطنين .
وتتخلى عن الباقين – وتتركهم لحتفهم وتحت رحمة منظمات إرهابية . العدالة والسلام بعيدين سنوات ضوئية عن أفعالها، ولم تعد الحرية موجودة أيضًا. لا يوجد ما يمكن الحديث عنه عن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية، إلا إذا كانت المساواة هي الحق المقدس للموت من أجل هذا الوطن. حرية الدين؟ الضمير؟ تعليم؟ .
أنا أعرف،بأنكم ستقولون بأنني أنتمي إلى جيل مختلف. أنني لم أكن ضمن الإجماع الوطني منذ فترة طويلة، وربما لن أكون كذلك بعد الآن. لكنني عشت هنا طوال حياتي، وأنا نفسي جزء من تلك اللبنات التي تم وضعها الواحدة تلو الأخرى لبناء البلاد. لقد تعلمت وعلمت مئات المتدربين في حركات الشبيبة ، وعملت كموظف حكومي، وكنت جزءًا من حكومة رابين، التي حتى عندما لم تكن متفق عليها بالاجماع – قلنا باستمرار أن قوتنا تكمن في وحدتنا، وأننا شعب واحد، مجتمع واحد، بأهداف مشتركة.
اعتقدت أنه حتى خصومنا السياسيين، الذين يوجد بيننا وبينهم خلافات حادة لن يخرقوا القواعد. ولن يحاولوا إعادة تأسيس دولة هنا بروح مختلفة. وعلى وجه الخصوص، لن يدمروا الفروع التي نجلس عليها: الجيش الإسرائيلي، الهيئة الأمنية بأكملها، والشرطة، وهيئة تطبيق القانون، ومبادئ الحكم الرشيد، والمكونات الأساسية للديمقراطية.
في الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر، بدا للحظة أننا استعدنا رشدنا بسبب الرعب.
إخوة السلاح والمنظمات الدينية، الحركة الكيبوتسية ومدن التطوير، اليهود والعرب – جميعهم هبوا معًا للإنقاذ والمساعدة والتبني والاستضافة. دفعوا من وقتهم وأموالهم من أجل النازحين . رأيت إلى أي مدى هم الجنود والقادة معبئون ومسخرون ويعطون من انفسهم وعلى حسابهم . لقد آمنت من كل قلبي أن شعب إسرائيل الحقيقي قد قام من الموت ويثورعلى محاولات تفكيكه القادمة من الاعلى .
وها نحن، بعد أن فقدنا 1700 من مواطنينا وجنودنا الشجعان وعشرة آلاف آخرين أصيبوا بجراح جسدية، وأكثر من ذلك اصيبو بنفوسهم ، وفي الوقت الذي لا يزال فيه الكثيرون في الأسر بسبب إخفاقات وسياسات هذه الحكومة – يصبح من الواضح أننا لم نعد في نفس الجانب. وبأن هذه ليست فقط وثيقة الإستقلال التي غيروها دون أن يسألو ، بل انما البلد بأكمله.
بدون تردد، يواصلون الانقلاب السلطوي الذي قادنا إلى الكارثة، ويواصلون توجيه النيران الى قادة الجيش الإسرائيلي، ويواصلون تفكيك الشرطة إلى عناصر، ويوسمون القضاة الذين يحمونهم من الملاحقة القضائية في لاهاي كأعداء، ويلعنون ويشتمون عائلات المخطوفين ويعتبرونهم “إزعاجا”.
تخيل للحظة هذه الصورة : الجنوب محترق، والشمال مشتعل ومهجور، وفي القدس يجلس أعضاء الحكومة ومبعوثيهم ويتأكدون من حرق كل ما تبقى. لقد تم احتلالنا جميعًا. و تم اختطافنا جميعًا. لماذا ؟ لأنه من وجهة نظرهم، لم تعد هناك دولة إسرائيل. أي أنه ليس لها الحق في الوجود بدونهم. ولذلك، سوف يتأكدون بأنها ستظهر في صورتهم – أو لن تظهر على الإطلاق.
هذا هو السطر الاخير من الوثيقة الجديدة التي يكتبونها. وهذا هو السطر الأول في نضالنا: محظور علينا أن نسمح بحدوث ذلك، لأنهم إذا انتصروا، فقد يبقون ولكن لن يكون لنا دولة .
ملاحظة : الكاتب هو رجل أعمال ومستشار سياسي، شغل منصب المدير العام لمكتب رئيس الوزراء خلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء يتسحاق رابين.
المصدر: موقع والا العبري