إنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر
وعيت مع الكثير من أفراد جيلي مبكراً أن القضية الفلسطينية التي كنا نؤمن بها ليست نفس القضية الفلسطينية التي يدّعي تبنيها وحمايتها النظام السوري ومن لفّ لفّه. فهي كانت لنا قضية حق شعب بتقرير مصيره وبالحرية والعدالة وكانت للنظام مجرد ورقة شدة يلعب بها حين اللزوم دفاعاً عن كرسي السلطة داخلياً ضد شعبه وخارجياً للحفاظ على دور ما في لعبة الأمم.
مع وعينا لهذا كنا نفهم أكثر و أكثر ويوماً بعد يوم كم هو معقد الوضع الفلسطيني وكم هناك من الانتهازية ومن الفساد ومن النفاق ومن الجهل في صفوف الممانعين ومن يدّعي ظاهرياً دعمه للقضية وكم هناك من الاستبداد و العنف واللاعدالة والظلم المستنفر والجاهز دوماً لدى الآلة العسكرية للكيان الصهيوني لقمع الشعب الفلسطيني المحتل في أي مكان وفي أي ظرف. وكذلك فيما يتعلق بالعنف فإن الأنظمة الحاكمة و”الممانعة” في المنطقة لم تقصّر بواجبها منذ مجازر أيلول الأسود في الأردن وحتى استشهاد مئات الفلسطينيين في أقبية التعذيب عند النظام السوري وصولاً لقصف مخيم اليرموك بالطيران وحصاره وتدميره وتهجير سكانه…
نعِي كل هذا ونحاول التصدي له، كل حسب امكانياته، بأن تبقى القضية الفلسطينية هي قضية شعب وحق وعدالة وحرية واستقلال.
مع الوقت ازداد تعقد المشهد الفلسطيني اذ بدأت تأخد ورقة الشدة للممانعة أشكالا جديدة وبدأ يرتفع مستوى الجهل والعماء أكثر وأكثر ممتداً الى نشطاء المجتمع المدني وحتى الثوار منهم والمناضلين في كل الدول المحيطة بسوريا وبما فيها فلسطين. نجح للأسف النظام السوري ومعه حزب الله بتعبئة وتعمية البعض في المغرب والمشرق ليحملوا معهما علم الممانعة الخلبي مدّعين أن تحرير القدس هو همهم الكبير الأول. وكان لهذا دور مرير وقاسي في عزلة الثورة السورية ويتمها…
اليوم في عيد النكبة
أذكر كيف اختلفنا مع بعضنا في باريس عدة مرات في أن نشارك في الاعتصام أم لا مع الفلسطينيين والفرنسيين الداعمين للقضية الفلسطينية وكنت أنا مع المشاركة لأنني لا أعتبر أن رفض منظمي الاعتصام لوجودنا لأننا من الثورة السورية، سوف يبعدني عن مساندتي لفلسطين في يوم النكبة. وبعناد ذهبت في المرة الأولى مع مجموعة صغيرة وكان التجمع في ساحة السان ميشيل ولا أنسى كيف تم التعامل معنا كوباء يجب طرده بأسرع ما يمكن من الساحة …كنت أبكي وأدير ظهري وأبتعد وأنا أقول لنفسي : أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.
في ذكرى أخرى ليوم النكبة بعد قصف مخيم اليرموك بالطيران الحربي…قلت لنفسي هذه السنة أصبح المشهد جلياً حتى للأعمى بأننا ضد النظام السوري الذي يقصف ويقتل الفلسطينين وهو لا ولم يحمهم يوماً. ووصلت مع بعض الأصدقاء الى منطقة الاوبرا حيث كان تجمع الفلسطينيين والفرنسيين المتضامنين مع ذكرى النكبة وطُرِدنا بعنف أكثر واحتقار أشد وابتعدت وأنا أبكي وأقول لنفسي : أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.
أذكر أيضاً كيف في مظاهرة أول أيار في عيد العمال كنا نعتبر أن مكاننا الطبيعي هو مع موكب كل ثورات المنطقة وانضممنا اليهم بشكل بديهي ووضعنا علم الثورة السورية في الكميون المرافق لهذا الموكب وفجأة رأيت هذا العلم يقذف من الكميون الى الأرض ليدعس عليه المناضلون الممانعون الأشاوس وهم يتهموننا بأننا صهاينة وعملاء لأننا ضد النظام السوري وضد حزب الله محرري القدس وحماة الفلسطينين. وللأسف لا أذكر شكل التونسي عضو الجبهة الشعبية الذي أمسكت به من قميصه وقلت له أنظر جيداً في عيوني هل أنا صهيونية يا غبي ؟ فضربني بشدة ليتخلص من يدي وركض هارباً…كنت أبكي وأقول لنفسي: أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.
اليوم تشتعل دماء الثورة في قلوبنا من جديد مع انتفاضة الفلسطينيين، نحن السوريين الذين ما زلنا نحمل فلسطين في قلوبنا. كما اشتعلت قلوبنا يوم ثورة الجزائريين الذين كان أغلبيتهم ضد الثورة السورية وكما اشتعلت قلوبنا يوم ثورة اللبنانيين الذين كان الكثير منهم أيضاً غير مؤمن بثورتنا.
وأخيراً، إن قلبي ينصت لكل صرخة شعب مضطهد ومظلوم ولا يمكن أن أعطي عمري لمقاومة الاستبداد في بلادي ولا أساند أي شعب يناضل من أجل حقوقه وحريته. ولهذا سأنهي كلامي بالقول أنه من ناحية أخرى أيضاً فمن ساند ثورة الشعب السوري ويرفض اليوم مساندة الانتفاضة الفلسطينية فهو ليس الّا شكل جديد من أشكال الممانعة في الزيف والانتهازية.
وإنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.”
(بوست من صفحة هالة العبد الله على الفيس بوك)