إعادة مؤسسات الاحتلال إلى قطاع غزة؟ ما هي “وحدة الجهود الإنسانية- المدنية” المستحدثة؟

وليد حباس

في 28 آب 2024، أنشأ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت منصباً جديداً يحمل اسم “رئيس وحدة الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة”. رأى بعض المسؤولين الإسرائيليين أن هذا المنصب يشبه إقامة جسم مقابلٍ للإدارة المدنية لكنه يعمل في قطاع غزة، بينما قال ضباط آخرون أيضاً في الجيش الإسرائيلي إن إنشاء هكذا منصب لا يعبر عن حاجات تكتيكية، وإنما يشير إلى “مهمات” قد تمتد إلى سنوات في المستقبل.

تستعرض هذه المقالة هذا المنصب المستحدث، الذي يضع سكان غزة، وحاجاتهم الإنسانية من طعام، وعلاج، ورعاية، وإعادة إعمار، والعلاقة بين قطاع غزة والمجتمع الدولي، تحت إدارة الجيش الإسرائيلي، وهو ما يشير إلى بداية عودة الاحتلال المباشر لقطاع غزة. 

وحدة الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة

يهدف المنصب الجديد، وهو “رئيس وحدة الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة”، إلى تنسيق وإدارة عمليات بعض أهم الحاجات المدنية التي تخص الفلسطينيين، ووضعها تحت المسؤولية المباشرة للجيش الإسرائيلي. في 28 آب 2024، عين الجيش الإسرائيلي الضابط إلعاد غورين في هذا المنصب حيث تمت ترقيته إلى رتبة عميد.

يركز عمل غورين على دمج إدارة حاجات الفلسطينيين المدنية مع الأهداف الحربية الإسرائيلية، الأمر الذي يحول سكان قطاع غزة إلى “أداة” لإدارة المعركة ضد حركة حماس، لكنه يوفر كل الشروط اللازمة لعودة الاحتلال الإسرائيلي إلى إدارة شؤون الفلسطينيين في قطاع غزة كأحد سيناريوهات “اليوم التالي” للحرب.

سيهتم غورين بالتنسيق مع المجتمع الدولي لإدارة وتنسيق المهام التالية:

  1. تنسيق إدخال شحنات المساعدات مثل الغذاء والماء، والأدوية، والوقود، والغاز. وقد حصل ارتفاع تدريجي في عدد الشاحنات المتوفرة للدخول إلى قطاع غزة من نحو 260 يومياً في شهر آذار إلى نحو 600 في أيلول 2024. نقول “متوفرة” للدخول لأن الجيش الإسرائيلي، ومن خلال العميد غورين الذي كان ينسق دخول الشاحنات منذ بداية الحرب، يرفض إدخال نحو 45% منها، بينما بفرض شروطا لوجستية حول دخول وتوزيع نحو 15% منها. في كل الأحوال، يحتاج قطاع غزة إلى عدد أكبر بكثير من الشاحنات لسد الحاجات الأساسية واليومية لنحو 2 مليون نسمة.[1]
  2. إصلاح البنية التحتية التي دمرت، حيث دمرها الجيش نفسه ولا يزال يدمرها. في بداية تشرين الأول 2024، كان هناك نحو 60% من المنشآت السكنية مدمرا دمارا شاملا أو بالغاً، ونحو 80% من المنشآت التجارية، ونحو 68% من شبكة الشوارع. ويفتقر نحو 625 ألف طالب إلى التعليم، حيث تحتاج 87% من المباني المدرسية إلى إعادة تأهيل كبيرة. وهناك 19 من أصل 36 مستشفى لا تعمل، و43% من مراكز الرعاية الصحية تعمل جزئيا فقط. نحو9 مليون شخص مهجرون قسراً (90% من سكان غزة)، غالبيتهم بفعل أوامر إخلاء عسكرية أو حظر للعودة مثل سكان شمال القطاع. الوصول إلى المياه والصرف الصحي محدود، حيث فقد 70% من إمدادات المياه بسبب الدمار.[2]
  3. الاستعداد لفصل الشتاء القادم، بما في ذلك البنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار.
  4. إدارة برامج التطعيم ونقل المدنيين المصابين والمرضى إلى المستشفيات.
  5. العمل مع منظمات الإغاثة الدولية لإعادة بناء النظم المدنية وضمان الشرعية الدولية للعمليات العسكرية.

هيكلياً، يقع منصب “رئيس وحدة الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة” داخل وحدة “المنسق”. بداخل وحدة المنسق هناك ثماني دوائر هي: 1) الإدارة المدنية لـ”يهودا والسامرة”؛ 2) دائرة مستشار شؤون الفلسطينيين؛ 3) دائرة الإعلام والهسبرا؛ 4) الناطق باسم “المنسق”؛ 5) مدرسة تدريب الارتباط والاتصال؛ 6) دائرة الارتباط والعمليات (المسؤولة عن مكاتب DCO في المدن الفلسطينية في الضفة الغربية)؛ 7) دائرة ارتباط قطاع غزة (ولا يزال عملها يتقاطع مع عمل المنصب الجديد إلى حين تطور الهيكلية اللازمة لإعادة إدارة قطاع غزة)؛ 8) دائرة الشؤون المدنية (وهي الدائرة التي أصبح يترأسها العميد غورين منذ آب 2024، وبداخلها سيضطلع بمهماته الجديدة كرئيس الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة).[3]

يعادل دور غورين (باللون الأخضر) منصب رئيس الإدارة المدنية في الأراضي المحتلة (باللون الأصفر)، والذي يشغله حالياً العميد هشام إبراهيم.

walid

تحولات إدارية في طريقة احتلال قطاع غزة

بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة العام 2005، ادعت إسرائيل أمام المجتمع الدولي أن احتلال القطاع قد انتهى بموجب الانسحاب الفعلي للجيش من القواعد العسكرية في قطاع غزة وتفكيك المستوطنات وإخراج المستوطنين من القطاع. لكن عملياً الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة بين 2005-2023 لم ينته، وإنما كان يجري عبر دائرة “تنسيق وارتباط غزة” (اللون البني في الشكل أعلاه)، وهي بمثابة الهيئة العسكرية الرئيسة التي تدير الشؤون المدنية والإنسانية في غزة من خارج حدودها، وتتواجد في معبر إيرز. داخل “تنسيق وارتباط غزة” يعمل فريق صغير من الجنود لإدارة تدفق المساعدات والمياه والوقود، مما يضمن استمرار عمل البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات، الرعاية الصحية، وصيانة البنية التحتية، وتنسيق عمال الإغاثة، والرقابة الاقتصادية.

مع توسع سيطرة الجيش الإسرائيلي بشكل متزايد على مناطق داخل قطاع غزة تضاءلت قدرة الجيش على إدارة الشؤون المدنية من خلال دائرة تنسيق وارتباط غزة، ويرى الجيش الإسرائيلي أنه باتت هناك حاجة ملحة لإجراء تحول في طريقة عمل الاحتلال الإسرائيلي، وفي كيفية التحكم في غزة وإدارتها، حيث أصبح أسلوب الرقابة عن بعد (من خلال دائرة تنسيق وارتباط غزة) أقل فعالية في ضوء الديناميات المتغيرة على الأرض؛ ومن هنا، يتم إنشاء منصب جديد: رئيس وحدة الجهود الإنسانية- المدنية في قطاع غزة. والسبب هو أن هناك تحديات أمام جيش الاحتلال، وهي تحديات لا يمكن ‘دارتها من خلال الهيكلية القديمة نفسها،[4] وأهمها:

  1. إدارة ملف عودة سكان قطاع غزة إلى القطاع، سواء الذين غادروا مؤقتاً بفعل الحرب إلى خارج القطاع، أو عودة أهالي شمال قطاع غزة إلى منازلهم شمالي محور نتساريم.
  2. التنسيق مع الجهات الدولية لإعادة بناء البنية التحتية وتقديم المساعدات. بخلاف الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، فإن الدمار الحالي هو شبه شامل، ويتطلب تخطيطاً على مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي يجعل إعادة إعمار ما بعد الإبادة إدارة حيوية بيد الجيش الإسرائيلي بالمصير السياسي والاجتماعي لقطاع.
  3. التحكم في دخول المساعدات اليومية، ومنع وصولها إلى “أعداء إسرائيل” داخل قطاع غزة، وتطوير مسارات بديلة للتوزيعات اللوجستية.

وقد برزت الحاجة لإنشاء بيروقراطية جديدة، وإيكال مهماتها إلى غورين، بعد تقييم الدور المهم الذي لعبه غورين في ما يخص قطاع غزة منذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقبل تعيينه مسؤولا عن الشؤون الإنسانية- المدنية في آب 2024. فقد عمل غورين بشكل وثيق مع ديفيد ساترفيلد، المبعوث الأميركي للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط، حيث تبادلا المعلومات ونسقا توزيع (أو سوء توزيع) المساعدات الإنسانية في غزة، واستفاد غورين من الدعم اللوجستي الأميركي الذي شمل توفير الموارد والمعدات الضرورية بالإضافة إلى تسهيل عمليات النقل والتوزيع بما يلائم خطط إسرائيل الحربية. كما استفاد غورين من المشورة الاستراتيجية الأميركية في إدارة الكوارث الإنسانية بما يلائم رغبات المجتمع الدولي. ولعل إحدى أهم التجارب الفاشلة التي نجمت عن تعاون غورين مع الولايات المتحدة في هذا السياق هو الميناء العائم والممر المائي والذي لم تستطع إسرائيل السيطرة عليه بسبب انعدام قدرتها، في حينه، على ضبط لوجستيات التوزيع داخل القطاع.

في ما يخص الأمم المتحدة، تعاون غورين مع تور ونسلان، المبعوث الأممي للشرق الأوسط، لضمان توافق الجهود الإنسانية مع الأهداف الدولية ومعايير الأمم المتحدة. ونظم الإثنان اجتماعات أسبوعية لتنسيق توزيع المساعدات ومتابعة احتياجات المدنيين في غزة، وعملا معاً على تقييم فعالية البرامج الإنسانية وتعديل الاستراتيجيات بناءً على التقييمات المستمرة. في ما يتعلق بمصر، نسق غورين مع القنصل المصري في إسرائيل لضمان تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود بما يلائم العمليات الحربية الإسرائيلية، وشمل ذلك تنسيق مرور الشاحنات والمساعدات عبر المعابر الحدودية. كما كان غورين جزءاً من الآلية التفاوضية بين إسرائيل ومصر لتحقيق تفاهمات مشتركة حول توزيع المساعدات وتقديم الدعم إلى السكان المدنيين في غزة. بالإضافة إلى ذلك، أنشئت فرق عمل مشتركة تضم ممثلين من إسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة ومصر لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات بشكل فعال، حيث واجهت هذه الفرق تحديات مثل تأمين المساعدات في المناطق التي تجري فيها عمليات حربية والتعامل مع القيود اللوجستية.

[1] أنظر/ي تقرير الأمم المتحدة عن شهر تشرين الأول 2024، على الرابط التالي:  https://www.ochaopt.org/content/reported-impact-snapshot-gaza-strip-2-october-2024.

[2] أنظر/ي تقرير الأمم المتحدة عن شهر تشرين الأول 2024، مصدر سابق.

[3] أنظر/ي صفحة المنسق، على الرابط التالي: https://www.gov.il/he/pages/aboutcogat.

[4]  أنظر/ي التقرير التالي:  https://jewishinsider.com/2024/01/inside-the-army-unit-that-handles-the-humanitarian-needs-of-gaza-civilians/.

عن المشهد الإسرائيلي – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *