إسرائيل والسودان: رهانات التطبيع ومقاربة دعم المكون العسكري
نبذة مختصرة:
يمثل التطبيع السوداني مع إسرائيل حالة استثنائية في مسار موجة التطبيع العربية الأخيرة، وقد تبلور هذا التطبيع في السودان ضمن مرحلة انتقالية يهيمن على مفاصلها المكوّن العسكري الذي خطا وحده أولى خطوات التطبيع مع تل أبيب بلقاء جرى في عنتيبي، وبدا أكثر حرصاً على استكمالها، متصدراً مشهد التواصل السوداني معها.
النص الكامل:
حرصت إسرائيل على التعامل مع المكوّن العسكري السوداني حصرياً من دون غيره من المكوّنات، ولا سيما عقب إجراءات الفريق عبد الفتاح البرهان الانقلابية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وما نجم عنها من انفراد هذا المكوّن بالسلطة. وبدا هذا جلياً في زيارات متتالية للوفود الإسرائيلية للخرطوم، والتي حصرت لقاءاتها بالقيادات العسكرية والأمنية، على نحو أثار عدة تساؤلات بشأن مسار التطبيع السوداني – الإسرائيلي، ومآلاته، ورهانات استمراريته. فما هي مراحل هذا التطبيع؟
I
لقاء عنتيبي والقفز فوق ثالوث اللاءات
بُعيد سقوط نظام عمر البشير في نيسان/أبريل 2019، وتشكيل المجلس السيادي – الذي مثل رأس الدولة – لإدارة المرحلة الانتقالية، بناء على اتفاق تقاسم السلطة في الوثيقة الدستورية في آب/أغسطس 2019 بين المكوّنَين العسكري والمدني، اتجه الفريق عبد الفتاح البرهان الذي تولى رئاسة المجلس السيادي، إلى تخطي مرحلة النقاش بشأن التطبيع مع إسرائيل، والتي بدأت في الأعوام الأخيرة لنظام “الإنقاذ”، وسعى بخطوات جدية لفتح قنوات تواصل سرية معها.
أوكل البرهان هذه المهمة إلى نجوى قدح الدم التي كانت تتولى مسؤولية هذا الملف في عهد البشير، والتي انتقلت إلى العهد الجديد وعملت كمستشارة في المجلس السيادي.[1] وبدأت نجوى استئناف عملها في ملف العلاقات السرية مع إسرائيل مجدداً في نهاية سنة 2019، عبر محامٍ إسرائيلي يدعى نيك كوفمان (Nick Kaufman) الذي يحمل أيضاً الجنسية البريطانية، والذي ارتبطت معه بعلاقات صداقة تعود جذورها إلى زمالتهما لعدة أعوام في أنشطة محكمة لاهاي.
اقترحت قدح الدم على كوفمان التوسط لعقد اجتماع بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والبرهان في أوغندا، ومناقشة مسألة التطبيع بين السودان وإسرائيل، ورتّبت له لقاء مع البرهان في إبان زيارته للخرطوم. ولم يألُ كوفمان جهداً في نقل الرسائل المتبادلة بين البرهان والدوائر الإسرائيلية، وفي مقدّمها جهاز الموساد ورئيسه يوسي كوهين الذي شارك بدور رئيسي في التخطيط للقاء.[2] وفي الواقع لم تكن الرسائل المتبادلة وحدها كافية لتجسير الهوة بين الخرطوم وتل أبيب ودفعهما إلى التقارب؛ وتسهيلاً لذلك تدخلت الولايات المتحدة بدعم مباشر من إدارة الرئيس دونالد ترامب، لرعاية المحادثات السرية واللقاءات التحضيرية بين الطرفين،[3] بوساطة مهمة من الإمارات العربية المتحدة التي أدت دوراً حيوياً في تنسيق لقاء الطرفين أيضاً.[4]
أثمرت تلك الجهود مجتمعة عن ذلك اللقاء الذي جمع نتنياهو بالفريق البرهان في مدينة عنتيبي في أوغندا في 3 شباط/فبراير 2020، والذي عدّه البرهان يصبّ في مصلحة الأمن القومي الشامل للسودان، بل بدا أكثر براغماتية بتشديده على ضرورة العمل لمصالح السودان الخاصة، بغضّ النظر عن “الصراع الفلسطيني”.[5] وقد أحدث هذا اللقاء بطبيعة الحال جدلاً داخلياً واسعاً، ولا سيما بين شركاء إدارة المرحلة الانتقالية، من منطلق أن الوثيقة الدستورية نصّت على أن العلاقات الخارجية هي من اختصاص السلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الحكومة الانتقالية،[6] الأمر الذي كشف مبكراً عن أزمة تقاسم السلطة بين المكوّنَين العسكري والمدني.
لقد سعى نتنياهو عقب لقاء عنتيبي وما أحدثه من تفاؤل، لضمّ السودان إلى نادي “أصدقاء إسرائيل” من الدول العربية السنّية، استكمالاً لجهود سابقة من طرف جهاز الموساد لتحقيق هذا المسعى.[7] وكان المتغير المشجع على ذلك، إعلان البرهان موافقته على بدء التعاون مع إسرائيل بهدف تحقيق مصالح سودانية خاصة، والأمر ذاته بالنسبة إلى نتنياهو الذي كان هدفه تحقيق مصالح إسرائيلية خاصة، ولهذا يمكن القول إن الطرفين خرجا من اللقاء بمطالب محددة رغبا في تحويلها إلى مكتسبات حثيثة لاختبار عملية التطبيع، فكان مطلب البرهان الرئيسي من نتنياهو التوسط لرفع العقوبات الأميركية رسمياً عن الخرطوم، وشطب اسم السودان من لائحة الإرهاب، بينما عرض نتنياهو مطلبه الملحّ بالسماح للرحلات الجوية الإسرائيلية بعبور الأجواء السودانية.[8] لكن في حقيقة الأمر كان المكسب المركزي الذي خرجت به إسرائيل من هذا اللقاء هو دفع السودان إلى القفز فوق ثالوث اللاءات الرافضة على نحو مطلق التعامل مع الدولة العبرية، والتي انطلقت من الخرطوم خلال القمة العربية الرابعة في آب/أغسطس 1967 على وقع هزيمة حزيران/يونيو، في رمزية جلية تومىء إلى نجاح إسرائيل في دحر هذه اللاءات في مكمن عاصمتها.
II
اتفاق التطبيع السوداني – الإسرائيلي ومساراته
من الجلي أن التحركات الإسرائيلية المكثفة لحضّ السودان على التطبيع، كانت تسير بخطوات راسخة ومدروسة منذ لقاء عنتيبي، غير أنه في الوقت الذي حرصت تل أبيب على الكشف عن بعض تلك التحركات، ركنت الخرطوم إلى سياسة الكتمان، ولا سيما من طرف الحكومة الانتقالية، خشية إثارة أطراف المعارضة من المكوّن المدني.
أ – السودان وتوافق بين مكوّنَي المرحلة الانتقالية على مسألة التطبيع
بُعيد إعلان دولة الإمارات في 13 آب/أغسطس 2020 توصلها إلى اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدا أن السودان بمكوّنَي إدارة المرحلة الانتقالية (العسكري والمدني)، قد تشجع على السير قدماً نحو التطبيع مع تل أبيب، وظهر ذلك جلياً بعد أن كشف وزير الاستخبارات الإسرائيلية في 16 آب/أغسطس 2020 عن وجود بعثات من السودان وإسرائيل تعمل على قدم وساق للتوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين.[9] ومنذ ذلك الوقت بات نتنياهو على قناعة بأن الحكومة السودانية والمجلس السيادى يتبنّيان عملية التطبيع، وإن كان بدرجات متفاوتة للغاية، الأمر الذي جعله يتعهد ببذل قصارى جهده من أجل تحويل هذه الخطوة إلى حقيقة واقعة،[10] متكئاً على زخم الخطوة الإماراتية، وإمكان حضّ أبو ظبي على استكمال دورها في هذا التوجه، والتي أظهرت استعداداً لأداء هذه المهمة بدعم أميركي، إذ نظّمت في آب/أغسطس 2020 لقاء سرياً جمع رئيس جهاز الموساد، بنائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، جرى خلاله مناقشة الخطوات المؤدية إلى إعلان تطبيع العلاقات رسمياً بين السودان وإسرائيل، واتفقا على أن تبدأ إسرائيل أولى هذه الخطوات، بالتحرك بجدية لإقناع واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.[11]
كان نتنياهو على قناعة بأن التعجيل بهذه الخطوة يتطلب تدخلاً أميركياً مباشراً، ويبدو أن تحركاً إسرائيلياً تم في هذا الاتجاه، وأفضى إلى أن ترسل واشنطن وزير خارجيتها آنذاك مايك بومبيو إلى المنطقة في جولة إقليمية، كان هدفها الرئيسي حضّ السودان ودول عربية أُخرى على اقتفاء أثر الخطوة الإماراتية. وقد زار بومبيو الخرطوم في 25 آب/أغسطس 2020 عقب زيارة لإسرائيل، وخلال لقاءاته مع المسؤولين السودانيين كان مطلبهم الرئيسي رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن بومبيو كان صريحاً على نحو فجّ، باشتراطه التطبيع مع تل أبيب في مقابل تحقيق هذا الطلب، وكان ردّ رئيس الحكومة السودانية حمدوك ضرورة الفصل بين المسألتين، ذلك بأن الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضاً للبتّ في مسألة التطبيع، على الرغم من أنه أبدى عدم معارضته للعملية في حد ذاتها.[12] أمّا الفريق البرهان فتعامل مع مطلب بومبيو ببراغماتية جلية، وبلّغه شرطَين أساسيين للتطبيع مع إسرائيل، تمحورا حول المكسب الاقتصادي الذي سيحصل عليه السودان، وضرورة تحديد تاريخ رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. وقد أبدى بومبيو مرونة حيال هذين الشرطين وتعهد بفحصهما.[13]
استغل نتنياهو فرصة وجوده في واشنطن واجتماعه بوزير الخارجية الأميركي، على خلفية توقيع اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين في 15 أيلول/سبتمبر 2020، فأثار ملف التطبيع السوداني – الإسرائيلي، حاضّاً بومبيو على الالتزام بطلب السودان الحصول على مساعدات اقتصادية كجزء من أي صفقة تطبيع. ويبدو أنه حصل على تطمينات أميركية بهذا الشأن، تُرجمت بمحادثات رفيعة المستوى بين رئيس المجلس السيادي السوداني ومسؤولين أميركيين وإماراتيين في أبو ظبي، خلال الفترة 20 – 22 أيلول/سبتمبر 2020، لمناقشة مسألتَي التطبيع ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. وضمّ الوفد السوداني، إلى جانب البرهان، عدداً من الوزراء الذين مثلوا المكوّن المدني على نحو أو آخر،[14] وقدم هذا الوفد أربعة مطالب مشروطة في مقابل التطبيع مع إسرائيل، شملت: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ إرساء السلام في المنطقة وحفظ حقوق الفلسطينيين؛ تقديم حزمة مساعدات مالية للسودان؛ تسهيل حصول السودان على قروض من المؤسسات المالية الدولية. وقد استجاب الطرف الأميركي للمطالب الثلاثة الأولى، مع وعد بتقديم دعم أميركي للسودان قدره 7 مليارات دولار.[15]
ومن الملاحظ أن هذه المحادثات شهدت رفع السودان سقف شروطه للتطبيع مع إسرائيل، والتي تجاوزت بكثير مطلب إزالة اسم بلده من قائمة الإرهاب، لتضاف إليها مطالب أُخرى، ربما لاعتقاد السودان أنه يمثل صيداً ثميناً بالنسبة إلى إسرائيل يتعدى الحالتين الإماراتية والبحرينية، ولا يقل أهمية عن الحالة المصرية. ومن اللافت أيضاً أن هذه المحادثات كشفت عن تنامي الدور الإماراتي كمنسق رئيسي وفاعل للتطبيع السوداني – الإسرائيلي، عبر استضافة العديد من اللقاءات بين المسؤولين السودانيين من جانب، والإسرائيليين والأميركيين من جانب آخر، في دور تخطى قوى إقليمية أُخرى.[16]
لقد بدا مكوِّنا المرحلة الانتقالية بشقّيها العسكري والمدني، خلال مشاركتهما معاً في المحادثات، مهيئين على نحو كبير لخطوة التطبيع مع إسرائيل، وإن كان المكوّن العسكري أشد دفعاً لها. وعبّر عن ذلك الفريق حميدتي الذي أكد أن السودان يرغب في إقامة علاقات مع إسرائيل، وليس تطبيعاً، للاستفادة من إمكاناتها المتطورة، منطلقاً من مفهوم ضرورة بحث السودان عن مصالحه الخاصة، وارتباط رفع اسم بلده من قائمة الإرهاب بمسألة إقامة علاقات مع إسرائيل على نحو وثيق.[17]
من جانبها دفعت واشنطن بشدة نحو عملية التطبيع، ولا سيما بعد أن منحت السودان في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2020 مهلة 24 ساعة للاتفاق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في مقابل صفقة تشمل: رفع السودان من قائمة الإرهاب؛ عقد اجتماع لنادي باريس من أجل خفض الديون عن السودان؛ اتفاقية لإلغاء ثلاثة مليارات دولار من الديون المستحقة على السودان للولايات المتحدة. سارعت الحكومة السودانية إلى مناقشة هذه الصفقة،[18] معلنة، ظاهرياً، رفضها، لكن سراً، تفاهم مكوِّنا المرحلة الانتقالية على الصفقة، وسبل إخراج مشهد إعلان التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، بما لا يثير كثيراً من المشكلات. وبدأت أولى خطوات تفعيل هذه الصفقة بإعلان الرئيس ترامب في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2020 استعداد إدارته لإصدار أمر تنفيذي برفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، فور تحويل الحكومة السودانية التعويضات المطلوبة منها، والتي بلغت قيمتها 335 مليون دولار، لتسليمها إلى أُسر ضحايا هجمات تفجير سفارتَي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا في سنة 1998، والتي اتُّهم نظام البشير بالضلوع فيها، فسارعت الحكومة السودانية على الفور إلى تحويل المبلغ إلى واشنطن.[19]
ب – إعلان اتفاق التطبيع السوداني – الإسرائيلي
باتت الأجواء جاهزة لاتفاق تطبيع سوداني – إسرائيلي، وأُعلن خلال زيارة وفد إسرائيلي – أميركي مشترك للخرطوم في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2020، وفي إثر محادثات سرّية مع الفريق البرهان، ورئيس الحكومة حمدوك، التوصلُ إلى اتفاق مبدئي بشأن تطبيع متدرج للعلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، وصولاً إلى علاقات كاملة بينهما، في مقابل صفقة واسعة شملت: رفع السودان من قائمة الإرهاب؛ تخصيص مساعدات مالية للسودان؛ تحرير الأموال السودانية المحتجزة في واشنطن.[20]
كشف هذا اللقاء عن تقبّل حمدوك فكرة أنه لا سبيل لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب إلّا عبر بوابة التطبيع مع إسرائيل، وربما جاء هذا التطور بضغوط من المكوّن العسكري، وضغوط أميركية موازية، أسفرت عن تغير جوهري في موقف رئيس الحكومة السودانية تجاه تل أبيب. وبذلك باتت واشنطن مطمئنة تماماً إلى جهوزية الخرطوم للصفقة الأميركية، ليبدأ التنفيذ الفعلي بإصدار الرئيس ترامب في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 قراراً رسمياً برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتبليغ الكونغرس ذلك، ليتلوه بعد سويعات من اليوم ذاته إعلان موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإصدار بيان مشترك بذلك، عبر مكالمة رباعية أُجريت بتقنية “الفيديو كونفراس”، وجمعت ترامب بكل من نتنياهو وحمدوك والبرهان، يمكن تلخيص فحواه بنقطتين: الأولى، التوصل إلى اتفاق مبادىء بين السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات وإنهاء حالة العداء بينهما؛ الثانية، التوافق على إقامة علاقات اقتصادية وتجارية بين البلدين.[21]
تكريساً لهذا الاتفاق، وقّعت الولايات المتحدة مع السودان إعلان “اتفاقيات أبراهام” الخاصة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك خلال زيارة وزير الخزانة الأميركي للخرطوم في 6 كانون الثاني/يناير 2021، والتي نصّت بنودها على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان في منطقة الشرق الأوسط.[22]
عملت واشنطن على ثلاث خطوات أغرت السودان بتوقيع هذه الاتفاقيات: الأولى، تصديق الكونغرس في 14 كانون الأول/ديسمبر 2020 على قرار ترامب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وحصوله على تشريع الحصانة السيادية من أي دعاوى متعلقة بالإرهاب في 22 من الشهر ذاته؛ الثانية، توقيع وزارة الخزانة الأميركية اتفاقية مع السودان تُعرف بـ “قرض جسري” بأكثر من مليار دولار تتيح سداد متأخرات السودان لدى البنك الدولي، فضلاً عن منحه مساعدات سنوية بقيمة 300 مليون دولار؛[23] الثالثة، إقرار الكونغرس في مطلع كانون الثاني/يناير 2021 مشروع قانون يدعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، إلى جانب دعم البرامج الهادفة إلى تحفيز النمو الاقتصادي.[24]
عقب توقيع هذه الاتفاقيات، بدأت إسرائيل تدفع السودان في اتجاه تأسيس علاقات دبلوماسية، وقد تجلى ذلك خلال زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي للخرطوم في 25 كانون الثاني/يناير 2021، ولقائه رئيس مجلس السيادة ووزير الدفاع، إذ جرى الاتفاق على تسريع خطوة تبادل فتح السفارات بين البلدين. ومن الملاحظ أن هذا الملف نوقش في إطار أمني في تعدّ جليّ على اختصاصات رئيس الحكومة الذي بدا، على الرغم ذلك، متماهياً مع هذا الاتجاه.[25] وتمهيداً لتفعيل هذه الخطوة، أقدم السودان على إزاحة جميع العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، وكان أهمها قانون مقاطعة إسرائيل، الصادر في سنة 1958، والذي نصّ على المقاطعة الشاملة لها، وبالتالي حظر أي نوع من الاتصال أو التبادل التجاري مع إسرائيليين. وقد أجازت الحكومة السودانية في 6 نيسان/أبريل 2021 مشروع قانون بإلغاء المقاطعة، والذي أُقرّ على نحو نهائي خلال الاجتماع المشترك لمجلس السيادة والحكومة في الشهر ذاته، ليدخل بذلك في حيز التنفيذ. ويبدو أن المكوّن المدني تماهى مع عملية التطبيع مع إسرائيل، للحيلولة دون حدوث صدام مع المكوّن العسكري يؤثر في عرقلة المرحلة الانتقالية.[26]
ارتبط بتفعيل هذه الخطوة إجراء آخر مهم، يتعلق بمراسم توقيع اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية بين البلدين وبين واشنطن، وهو إجراء بات متّبعاً في اتفاقيات التطبيع العربية – الإسرائيلية، ولا سيما أن الولايات المتحدة تمثل ضامناً لها. لكن هذا الإجراء جوبه بمتغيرَين على المستويين الأميركي والسوداني: أميركياً، لم تتخذ إدارة الرئيس جو بايدن أي إجراء رسمي إزاء استكمال هذه الخطوة التي تُعدّ من ميراث إدارة ترامب؛ سودانياً، الحكومة الثانية التي شكلها حمدوك في 9 شباط/فبراير 2021، جاءت بمريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي وزيرةً للخارجية، والتي عُرفت بمواقفها المعارضة للتطبيع مع إسرائيل، ومطالبتها بحسم هذه المسألة من طرف برلمان منتخب،[27] لكنها في الوقت عينه بدت حريصة على عدم إبداء أي تصريحات بشأن تطبيع بلدها مع إسرائيل بعد تولّيها حقيبة الخارجية.
لقد مثلت مسألة قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي في 23 تموز/يوليو 2021، اختباراً عملياً لموقف مريم الصادق المهدي من إسرائيل، فقد اعتذرت عن عدم حضور أعمال الدورة العادية للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي على مستوى وزراء الخارجية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2021، والتي كانت مسألة منح إسرائيل صفة مراقب على جدول أعماله، إذ أعلنت وزارتها الاعتراض على منح إسرائيل هذه الصفة،[28] في موقف يُظهر حالة الجدل الواسعة إزاء مسألة التطبيع مع إسرائيل داخل أروقة حكومة حمدوك، بين معارض ومؤيد. وقد بدت هذه المفارقة واضحة بنفي مريم الصادق في أيلول/سبتمبر 2021، وجود أي خطط “آنية” للسماح لإسرائيل بفتح سفارة في الخرطوم، أو أي مؤشر إلى التطبيع معها، تلاه ردة فعل مغايرة لهذا الاتجاه، تمثلت في إعلان حدوث لقاء علني جمع وزير العدل السوداني بمسؤولين إسرائيليين في أبو ظبي في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021، هما: وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، ونائب وزير الخارجية عيدان رول الذي وصف لقائه بوزير العدل السوداني بأنه ” ‘جزء من القوة الدافعة’ لاتفاقيات إبراهيم”،[29] في إشارة إلى تماهي حكومة حمدوك مع عملية التطبيع، بغضّ النظر عن معارضة مريم المهدي. فقد أعلن حمدوك جهوزية السودان لتوقيع اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الولايات المتحدة، ولا سيما بعد ممارسة واشنطن ضغوطاً على المكوّنَين السودانيين بغية دفعهما إلى توقيع هذا الاتفاق رسمياً، والذي كان من المتوقع إجراؤه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021، بناء على اقتراح أميركي خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد لواشنطن. وكان من المرجح حينها أن تعتذر مريم المهدي عن عدم المشاركة في توقيع هذا الاتفاق، واحتمال أن يكون البديل لأداء هذه المهمة هو وزير العدل، بل كان هناك عدة ترجيحات بمشاركة حمدوك ذاته في توقيع الاتفاق، غير أن متغيرات الأوضاع في السودان أربكت المشهد برمّته، على نحو ذهب فيه حمدوك وحكومته أدراج الرياح، وبدا فيه المكوّن العسكرى هو وحده المهيمن على القرار السيادي السوداني.[30]
ج – التطبيع السوداني – الإسرائيلي في ظل انقلاب البرهان
كثيراً ما كان المكوّن العسكري هو الأكثر حرصاً على التعامل مع إسرائيل وتنشيط عملية التطبيع، كما أن إسرائيل نَحَتْ المنحى ذاته حتى بات اتصالها مع السودان حصرياً مع قادة هذا المكوّن، متجاهلة التعامل مع قادة المكوّن المدني. وقد عبّر بعض المسؤولين المدنيين السودانيين للقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم، عن استهجانهم من هذا التمييز، مطالبين إدارة بايدن بالتدخل، والتي استجابت حاضّة الحكومة الإسرائيلية على ضرورة التعامل مع المكوّن المدني في السودان وليس العسكري ففط، كجزء من عملية التطبيع بين البلدين. لكن على الرغم من ذلك، فإن قنوات تواصل إسرائيل مع السودان بقيت تتم عبر المكوّن العسكري الذي وطدت إسرائيل علاقتها مع قادته على نحو بدا فيه الجانب الأمني هو المهيمن على مجريات عملية التطبيع. وليس أكثر دلالة على ذلك من تلك الزيارة السرية التي قام بها مسؤولون في جهاز الموساد للخرطوم في حزيران/يونيو 2021، التقوا خلالها مع نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حميدتي، الأمر الذي أثار ريبة القادة المدنيين الذين عدّوا الزيارة محاولة إسرائيلية لتقويض حكومة حمدوك، وفي الوقت ذاته محاولة من الفريق حميدتي لتأسيس علاقات مستقلة مع الإسرائيليين، بهدف تعزيز أجندته الداخلية، في ضوء أحاديث متواترة عن طموحاته السياسية الجامحة.[31] كذلك، وخلال فترة الحديث عن توقيع اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية، والذي يقع إجرائياً ضمن اختصاص الجهاز التنفيذي ممثلاً في الحكومة الانتقالية، زار وفد أمني سوداني رفيع المستوى إسرائيل سراً في الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2021، تكوّن من اثنين من كبار القادة العسكريين هما الفريق حميدتي والفريق ميرغني إدريس سليمان مدير منظومة الصناعات الدفاعية السودانية، اللذان أجريا محادثات تناولت العلاقات بين البلدين،[32] وربما امتدت إلى مسألة توقيع الاتفاق النهائي على التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية. لكن من المرجح، استناداً إلى خلفية صفة الوفد، أنه جرى التطرق على نحو أو آخر إلى الأزمة السياسية في السودان، الأمر الذي يعني أن هدف الزيارة، سراً، هو بحث مسائل أمنية بحتة، في مرحلة بدت العلاقة بين مكوّنَي المرحلة الانتقالية متوترة، ولا سيما بعد مطالبة قوى الثورة التي نظمت عدة تظاهرات، بتسليم السلطة إلى المدنيين.
واللافت أنه بعد سويعات قليلة من مغادرة المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان السودانَ في إثر لقاء مع رئيس المجلس السيادي، أمر الفريق البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، باعتقال رئيس الحكومة عبد الله حمدوك وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية، الأمر الذي عُدّ انقلاباً على المكوّن المدني وانفراد المكوّن العسكري بالسلطة، لكن هذا الانقلاب عقّد المشهد السياسى للمرحلة الانتقالية المتعثرة أساساً.
ونظراً إلى مركزية الحدث وتأثيره في علاقات السودان الخارجية، جرت في إسرائيل عدة مناقشات حثيثة بشأن تأثير ذلك في عملية التطبيع، خرجت بتقدير مبدئي رجحت فيه إمكان أن يؤثر الانقلاب في تأجيل توقيع اتفاق تطبيع العلاقات رسمياً. لكن على المستوى السوداني، بدا توقّع عدم تأثير ذلك الحدث في استمرارية التطبيع مع إسرائيل هو الأرجح، نظراً إلى دعم القادة العسكريين له.[33]
بدا أن الموقف الإسرائيلي من الانقلاب مناقضاً للموقف الأميركي المعلن والمنتقد له. فعلى الرغم من تريث إسرائيل في إبداء موقفها رسمياً، فإن مقاربتها جاءت داعمة للانقلاب وقائده، وقد بررت عدة دوائر إسرائيلية هذا الدعم بزعم أن الجيش السوداني بقيادة البرهان هو الجهة الأقوى في الدولة، والقادرة على تحقيق الاستقرار في السودان ومجمل المنطقة، ثم تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.[34]
أصبح الدعم الإسرائيلي للانقلاب سافراً، وتمثل ذلك في زيارة وفد أمني إسرائيلي للخرطوم بعد أيام قليلة من الانقلاب، وفي توقيت حرج للغاية، إذ اجتمع الوفد الذي ضم مسؤولين من جهاز الموساد، حصرياً بقيادات عسكرية بارزة كان من أبرزها الفريق حميدتي، بهدف بلورة انطباع واضح عن الوضع الداخلي في السودان بعد الانقلاب. وليس من المستبعد أن تكون إحدى مهمات هذا الوفد تقديمَ اقتراحات إلى هذه القيادات بشأن كيفية التعامل مع تطورات ذلك الوضع المتأزم.[35]
لقد بدت هذه الزيارة في مجملها تعبيراً عن مدى عمق العلاقة التي باتت تربط المكوّن العسكري بالإسرائيليين، وهي العلاقة التي لفتت أنظار الولايات المتحدة وحاولت استثمارها، وذلك عبر تمرير وزير الخارجية أنتوني بلينكن طلباً مباشراً إلى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، لحضّ حكومته على استخدام علاقاتها الوثيقة مع الفريق البرهان، لوقف عملية الانقلاب، وإعادة السلطة إلى الحكومة المدنية، وهو طلب امتثلت تل أبيب له، ويُعتقد أن آليات تنفيذه جرت على نحو سري.[36] وقد تلا ذلك قيام المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان بزيارة إسرائيل في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 لهذا الغرض، فضلاً عن مناقشة موقف تل أبيب من الأزمة السودانية عقب الانقلاب.[37] ومن المرجح أن قرار البرهان بالإفراج عن حمدوك وإعادته إلى منصبه في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، إنما جاء بناء على اتفاق ثنائي رعته عدة أطراف أبرزها إسرائيل، ولا سيما بعد أن أوعزت إليها الإدارة الأميركية بأن عملية التطبيع مع السودان ستكون عرضة للتراجع إذا ما استمر الانقلاب. لكن استقالة حمدوك في 2 كانون الثاني/يناير 2022، وما تبعها من تزايد وتيرة الاحتجاجات الشعبية ضد انفراد المكوّن العسكري بالسلطة، فاقما من الأزمة السودانية.
تكررت الزيارات الإسرائيلية للسودان، إذ زار وفد إسرائيلي الخرطوم في 19 كانون الثاني/يناير 2022، بدعوة منفردة من الفريق حميدتي بصفته قائد قوات الدعم السريع. وعقد الوفد لقاءات حصرية مع قيادات عسكرية وأمنية سودانية شملت في المقام الأول قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق البرهان ونائبه الفريق حميدتي، فضلاً عن مدير جهاز الاستخبارات العامة الفريق أحمد إبراهيم مفضل، وتركزت المحادثات مع هؤلاء على الجوانب الأمنية وحالة الغليان في الشارع السوداني، غير أن الشق الرئيسي منها والمباشر كان على علاقة بقوات الدعم السريع، الأمر الذي أثار عدة تخوفات من احتمال دعم إسرائيل لهذه القوات، ولا سيما في ضوء ما يتردد من سعي هذه الأخيرة للسيطرة على الجيش السوداني.[38]
ومع أن زيارة الوفد الإسرائيلي اصطبغت بالطابع الأمني، إلّا إن تزامنها مع زيارة المبعوث الأميركي الجديد إلى القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد للخرطوم، لفتت الانتباه إلى أن جانباً من زيارة الوفد الإسرائيلي حمل مهمة سياسية هدفها: تسهيل مهمة ساترفيلد في حلحلة الأزمة السودانية المتفاقمة؛ إقناع البرهان بالعودة إلى المرحلة الانتقالية؛ تشكيل حكومة يقودها المدنيون، الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل باتت فاعلاً مهماً تعوّل عليه واشنطن في تعاملها مع السودان، ولا سيما ما يتصل على نحو مباشر بالمكوّن العسكري.
لكن إسرائيل التي تربطها علاقة وطيدة بالمكوّن العسكري، تخشى من أن هيمنة هذا المكوّن على السلطة على نحو كامل سيؤدي إلى عرقلة استكمال عملية التطبيع، وبالتالي فإنها تبدي حرصها على استكشاف سبل حلحلة الأزمة السودانية، بهدف توطيد عملية التطبيع بين البلدين على نحو يقودهما إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. وفي هذا السياق، شاركت إسرائيل في عدة مشاورات بشأن الأزمة السودانية، ولا سيما خلال الزيارة الأخيرة التي صُنفت على أنها سياسية أكثر منها أمنية، وهدفت إلى “تقديم وساطة” لحلحلة الأزمة السودانية، بعد نقاش الوفد الإسرائيلي سبل حلها مع واشنطن، حرصاً على تحقيق مصالح تل أبيب في استكمال عملية التطبيع مع الخرطوم. ويحمل ذلك دلالة على أن واشنطن باتت أكثر يقينية من قدرة تل أبيب على إقناع المكوّن العسكري بإبداء مرونة في التعامل مع مطالب المدنيين، ثم أضحت أكثر حرصاً على التواصل الدائم معها بشأن حلحلة الأزمة السودانية.[39]
وفي المقابل، فإن المكوّن العسكري حريص على استمرار التعامل مع إسرائيل، تكريساً لعملية التطبيع، ويبدو ذلك جلياً من خلال زخم زيارة قياداته لتلّ أبيب بين فينة وأُخرى، ولا سيما عقب انقلاب البرهان، إذ بعد أقل من شهر على زيارة وفد إسرائيلي للخرطوم، قام وفد سوداني ضم مسؤولاً رفيعاً ممثلاً عن مجلس السيادة وعدداً من المسؤولين العسكريين، بزيارة سرّية لتلّ أبيب في 9 شباط/فبراير 2022. ومع أن السياق العام للزيارة جاء في إطار طمأنة تل أبيب إلى مواصلة المجلس السيادي والحكومة الانتقالية التي شكلها البرهان في 20 كانون الثاني/يناير 2022، انتهاج مسار التطبيع بين البلدين، وعدم تأثره سلباً بالتطورات التي تشهدها السودان،[40] إلّا إنه في الوقت ذاته يبدو أن الزيارة ارتبطت أيضاً بتطورات الأزمة السودانية وما دار بشأنها من نقاشات خلال زيارة الوفد الإسرائيلي للخرطوم، الأمر الذي يُظهر رغبة المكوّن العسكري في أن يكون لتلّ أبيب دور في التعامل مع هذه الأزمة وتقديم نصائح لحلحلتها، وإن كان على نحو سري.
من الواضح أن أي دور لإسرائيل بشأن الأزمة السودانية، لن يكون حيادياً البتة فى ظل دعمها الحصري للمكوّن العسكري، والذي قد يمتد على نحو أو آخر إلى دعم بقاء بعض قياداته في السلطة، وخصوصاً مع تلميحات البرهان ونائبه حميدتي في خطاباتهما العامة عقب الانقلاب، من نيّاتهما البقاء في السلطة. ومن المرجح أن تسعى تل أبيب لبناء تحالفات قوية مع الأجهزة العسكرية والأمنية في السودان، من أجل دعم صعود شخصية عسكرية موالية لها إلى سدّة الحكم في الخرطوم،[41] على غرار تجارب سابقة لها في بعض الدول الأفريقية، مثل تجربتها في ستينيات القرن الماضي في إيصال الجنرال موبوتو سيسي سيكو إلى الحكم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الإجراء الذي قال عنه أحد الخبراء الإسرائيليين: “لو كان العالم يعرف كيف ساعدت إسرائيل موبوتو على تولي مقاليد السلطة في زائير لأوصدت جميع أبواب أفريقيا أمام النشاط الإسرائيلي.”[42] وكذلك الأمر، فإن إسرائيل جربت ذلك مع عيدي أمين في أوغندا الذي لا تزال الذاكرة الأفريقية تحتفظ بمقولته الشهيرة: “إن أولئك الذين قدموا لي المساعدة [في إشارة إلى الإسرائيليين] يمكنهم أن يساعدوا على تحطيمي.”[43] ويمكن القول إن إمكان إعادة إسرائيل إنتاج التجربة ذاتها في السودان ليس مستبعداً، ويدعم ذلك أن المكوّن العسكري يحظى بدعم أطراف إقليمية أُخرى لها مصلحة في وصول قيادي بارز من ذلك المكوّن إلى سدّة الحكم بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
III
مآلات التطبيع السوداني-الإسرائيلي
نظراً إلى خصوصية الحالة السودانية في إعلان اتفاق التطبيع مع إسرائيل، مقارنة بالدول العربية الثلاث الأُخرى (الإمارات والبحرين والمغرب)، فقد ظهر لهذه الخطوة وما أعقبها من زخم التواصل الحثيث بين تل أبيب والخرطوم، عدة نتائج، سواء على مستوى البلدين، أو على المستوى الإقليمي، ولا سيما ما يتصل بمصر وفلسطين على نحو خاص.
أ- مآلات تطبيع العلاقات على مستوى السودان وإسرائيل
في إثر إعلان اتفاق تطبيع العلاقات بين هذين البلدين، اتجهت إسرائيل على نحو حثيث إلى اختبار فاعليته، وهو ما تجلى في ملف اللاجئين السودانيين في إسرائيل الذي يمثل أهمية قصوى لها، إذ جرى التفاوض بشأنه مع الخرطوم، بحيث اقتنصت تل أبيب أولى ثمار التطبيع التي تمثلت في إعلان موافقة السودان في 25 تشرين الثاني/أكتوبر 2020 على إعادة إسرائيل هؤلاء اللاجئين إلى موطنهم. وبناء على ذلك، شكلت تل أبيب “لجنة مختصة لإعادة ‘أكبر قدر منهم’ “،[44] الأمر الذي يعني توافر نيّة منح البعض منهم حق اللجوء، عبر إجراءات تعطي هؤلاء حق الإقامة على نحو قانوني في إسرائيل، وبالتالي إمكان استغلال أفراد منهم على نحو يخدم مصالح معينة لتل أبيب في السودان. وبعيداً عن هذا الملف الاستثنائي، يمكن القول إن كل طرف سعى لترجمة مآلات اتفاق التطبيع الآنية والمستقبلية وفقاً لمآربه، ولا سيما على المستويين الأمني والعسكري، وهو ما يمكن تبيانه فيما يلي:
1- أمنيا: ربما يمكن قراءة مآلات ذلك من المنظور الإسرائيلي في إطار توجسات تل أبيب من السلوك العدائي الإيراني تجاهها، وإمكان استغلال موقع السودان على البحر الأحمر لصدّ أي محاولة إيرانية لتهديد إسرائيل، والمساعدة في دفع الأخطار البحرية عنها من خلال التنسيق الأمني مع الخرطوم. وربما كان وزير الاستخبارات إيلي كوهين أكثر وضوحاً في التعبير عن أهمية اتفاق التطبيع مع السودان أمنياً، إذ رأى أنه يمثل ضربة موجعة لإيران، ويعزز من استقرار المنطقة ونزع التطرف منها، وذلك من خلال بناء سبل تعاون مشتركة ومهمة تشمل كل ما يتعلق بـإسرائيل والسودان.[45]
ترجمة لهذه الأهمية، زار كوهين السودان في 25 كانون الثاني/يناير 2021، على رأس وفد ضم مسؤول قسم أفريقيا في مجلس الأمن الإسرائيلي، وضباطاً بارزين في أجهزة الأمن، كأول زيارة لوزير إسرائيلي للخرطوم. وكان الطابع الأمني هو المهيمن على الزيارة، إذ ركّز كوهين في اجتماعاته مع الفريق البرهان ووزير دفاعه على بحث ملفات أمنية محضة شملت: أمن الحدود؛ التعاون في مجال الاستخبارات؛ دعم الاستقرار الأمني في المنطقة؛ مكافحة الإرهاب الذي عدّه كوهين هدفاً مشتركاً للبلدين؛ فضلاً عن بحث ملفات سرية لم يتم الإفصاح عنها،[46] الأمر الذي يشير في مجمله إلى وجود تناغم في الرؤى الأمنية بين البلدين.
في المدى المنظور، بدا الشق الأمني أكثر أهمية للخرطوم في تعاملها مع تل أبيب، وذلك في إثر انقلاب البرهان وما نجم عنه من عودة الحراك الاحتجاجي إلى الشارع السوداني، ضد مفردات المكوّن العسكري. وتُرجمت هذه الأهمية في زيارة عدة وفود إسرائيلية أمنية للخرطوم عقب الانقلاب، وكان قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي ومدير الاستخبارات السودانية طرفين مهمين في التباحث مع تلك الوفود، الأمر الذي يعني أن قضايا أمنية تتعلق بتعقيدات الداخل السوداني وتطوراته لم تكن بمنأى عن التشاور بشأنها مع مسؤولين في الموساد. ومع أن ذلك قد يكون من منظور المكوّن العسكري، وخصوصاً الفريق البرهان، محاولة للاستفادة من خبرات الموساد ومعلوماته الحصرية الاستخباراتية عن الفواعل المحيطة بالسودان وتأثيرها في داخله، إلّا إن هذا التشاور يجعل إسرائيل على نحو غير مباشر طرفاً في صنع القرار الأمني في السودان، ويزيد في استطاعتها توجيه مراميها على نحو يخدم مصالحها في المنطقة.
2-عسكريا: بدا أن الشق العسكري من العلاقات مهماً للطرفين، ولا سيما السودان، فبعد نحو شهر من إعلان اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين، أرسلت إسرائيل أول وفد ذي طبيعة عسكرية بحتة إلى السودان في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.[47]
وتضمّن برنامج عمل الوفد الإسرائيلي إجراء مقابلات مع شخصيات عسكرية، وزيارة المنظومة العسكرية في الخرطوم، في إشارة إلى رغبة سودانية في الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية فيما يتعلق بتقييم قدرات هذه المنظومة والعمل على تطويرها. وترسيخاً لأهمية هذا الشق، تفقّد الوفد المرافق لوزير الاستخبارات إيلي كوهين خلال زيارته للسودان في كانون الثاني/يناير 2021، منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة السودانية، وحرص على الالتقاء بمسؤوليها. وتأطيراً لهذه التفاعلات العسكرية وقّع كل من وزير الاستخبارات الإسرائيلي ووزير الدفاع السوداني اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين.[48] وعلى الرغم من عدم إعلان بنود الاتفاقية، فإن من المرجح أن بعضها يتعلق بتبادل الخبرات العسكرية، ولا سيما التنظيم والتدريب، وقد تجلت ملامح ذلك في زيارة وفد إسرائيلي للسودان في كانون الثاني/يناير 2022، تركز المحور الرئيسي لمحادثاته على قوات الدعم السريع التي قوننت الوثيقة الدستورية وضعها ضمن تشكيلات القوات النظامية، لكنها ظلت تعمل على نحو منفرد عن الجيش؛ ومن المرجح أن يكون هناك تشاور مع إسرائيل بشأن إعادة هيكلتها وتدريبها كقوة نخبة، لدمجها في المنظومة العسكرية السودانية.[49]
ثمة قناعة بأن اتفاق التعاون العسكرى الإسرائيلي – السوداني يصبّ أساساً في متطلبات مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، ومحاولة إيجاد موطىء قدم لهما في السودان، الأمر الذي تعتبره تل أبيب فرصة تمكّنها من سدّ أحد منافذ إمداد المقاومة في قطاع غزة بالسلاح، وخصوصاً أن لديها اعتقاداً راسخاً بأن السودان كان أحد خطوط إمداد نقل السلاح من إيران إلى حركة “حماس”.[50] وانطلاقاً من هذا الاعتقاد، فإن اتفاق التعاون العسكري بين الخرطوم وتل أبيب يمثل في أحد مظاهره دعماً سودانياً مبطناً للقدرات العسكرية الإسرائيلية، على حساب الشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل إقامة دولته.
ب- تأثيرات التطبيع السوداني – الإسرائيلي إقليمياً وعربياً
حظي إعلان التطبيع السوداني – الإسرائيلي بالترحيب دولياً، اعتقاداً بأن مآلاته تصبّ في توسعة رقعة السلام العربي – الإسرائيلي. أمّا إقليمياً، فكان الموقف الإيراني هو الأبرز، إذ دان الاتفاق ووصفه بالصفقة الزائفة، ربما لأن خطوة التطبيع هذه، تقلّص فرص استئناف العلاقات المقطوعة بين الخرطوم وطهران منذ كانون الثاني/يناير 2016، بينما ترى إسرائيل أن الخطوة تمثل ضربة لوجستية لإيران، لأنها تحول دون استخدام السودان معبراً لدعم القدرات العسكرية لحركة “حماس”.
عربياً، يمكن الجزم بأن قسماً كبيراً من الدول كان مؤهلاً لاستقبال خطوة التطبيع السودانية من دون الالتفات إلى رمزيتها كنجاح إسرائيلي في دحر أركان اللاءات العربية الثلاث التي رُفعت خلال مؤتمر القمة في الخرطوم في سنة 1967 [لا صلح؛ لا تفاوض؛ لا اعتراف]، ثم تعبيد السبل أمام دفع مزيد من الدول العربية إلى دائرة التطبيع بحثاً عن تحقيق مصالح خاصة صرفة. ويمكن القول إن أكثر طرفين إقليميين تأثراً بالتطبيع السوداني – الإسرائيلي، هما مصر وفلسطين، نظراً إلى تأثير نتائج ذلك فيهما مباشرة، وإن كان بدرجات متفاوتة نسبياً، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1- على المستوى المصري
رحبت مصر باتفاق تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل،[51] علماً بأنها اكتفت منذ لقاء عنتيبي بدور المراقب لخطوات التقارب السوداني – الإسرائيلي، ولم تتدخل بأي إجراءات خاصة بعملية التطبيع بينهما، مع أن ذلك يعني امتداد النفوذ الإسرائيلي إلى عمقها الاستراتيجي الجنوبي؛ وربما يرجع ذلك إلى اعتقاد القاهرة بأن مناهضة مسعى إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية لم يعد مجدياً، في ظل علاقات تل أبيب السرية المتشعبة بعدد كبير من هذه الدول.
تتفهم القاهرة أن عملية التطبيع بين إسرائيل وهذه الدول – وفي مقدّمها السودان – باتت مدفوعة برغبة أميركية يصعب مجابهتها، لكنها تتوجس من الخطوة السودانية، ولا سيما من الناحية الأمنية. وقد تُرجم ذلك من خلال المطالبة بضرورة تنسيق الخرطوم وتل أبيب معها، ووضع الخطوط الفاصلة المتعلقة بين الأطراف الثلاثة فيما يتعلق بملفات رئيسية، وفي مقدّمها ملفات مكافحة الإرهاب ذات الأبعاد المشتركة، والتنسيق بشأن الأمن في منطقة البحر الأحمر،[52] وخصوصاً أن اتفاق التطبيع المذكور يكرس الوجود الإسرائيلي في تلك المنطقة الجيو – استراتيجية التي تمثل بُعداً رئيسياً في منظومة الأمن القومي المصري.
البعد الاستراتيجي الذي تركز عليه إسرائيل وتخشاه القاهرة، ظهر خلال طرح الوفد المرافق لكوهين خلال زيارته للخرطوم، إمكان ضمّ إسرائيل إلى “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” الذي أُعلن في العاصمة السعودية الرياض في 6 كانون الثاني/يناير 2020.
فضلاً عن ذلك، هناك توجسات مصرية من احتمال أن يؤدي اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل إلى فتح المجال أمام علاقات تعاون عسكري وأمني بين البلدين، ربما تكون إحدى صورها تقديم إسرائيل استشارات في هذين المجالين إلى السودان، على نحو يؤثر في الأمن القومي المصري، ولا سيما في ضوء الخلاف المصري – السوداني بشأن منطقتَي حلايب وشلاتين.[53]
2- على المستوى الفلسطيني
كان السودان في مختلف الحقب التاريخية، داعماً للقضية الفلسطينية على جميع المستويات، ولا سيما السياسية والدبلوماسية، فضلاً عن الدعم اللوجستي، وخصوصاً خلال حكم البشير الذي ارتبط بعلاقات وطيدة بحركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدّمها حركة “حماس”. وكانت إسرائيل قد قصفت مصنع ذخيرة في الخرطوم في تشرين الأول/أكتوبر 2012، بزعم أنه ينتج أسلحة وذخائر لـ “حماس”، لكن إدانة التطبيع السوداني – الإسرائيلي لم تقتصر على “حماس” فحسب، بل دانته أيضاً جميع الفصائل الفلسطينية، ومنها حركة “فتح” التي عدّته “سيعطي إسرائيل قوة للاستقواء على الشعب الفلسطيني وقيادته.”[54]
وبين الدول العربية التي سارعت إلى التطبيع مع إسرائيل في إبان فترة الهرولة الأخيرة، مثلت السودان حالة خاصة، لأن لاءات الخرطوم الثلاث محفورة في الذاكرة الفلسطينية، وبالتالي عنى هذا التطبيع انفراطاً لعقد مقاطعة إسرائيل من طرف الدول العربية غير المواجهة لها، أي من خارج دول الطوق المحيط بإسرائيل، بل انهياراً لركائز مبادىء المقاطعة، الأمر الذي لم يغفل عنه نتنياهو، وبدا حريصاً على التعليق عليه بقدر كبير من التندر على تداعياته، بوصفه أن السودان باتفاقه مع إسرائيل تحوّل من اللاءات الثلاث، بعد ثلاثة وخمسين عاماً من إعلانها، إلى حقبة جديدة من “النعمات”،[55] لتبدو الخرطوم بمثابة منبر لتوجيه دعوة جديدة إلى الدول العربية، فحواها: نعم للسلام مع إسرائيل، ونعم للاعتراف بها، ونعم للتفاوض معها، وكذلك دعوة إلى التعايش معها، ثم تكريس شرعنة وجود إسرائيل كدولة في محيطها الإقليمي، وانتفاء وصفها كقوة احتلال للأراضي الفلسطينية المغتصبة.
ومن المرجح أن يترتب على التطبيع السوداني مع إسرائيل انحسار دعم الخرطوم للقضية الفلسطينية، ليتموضع موقفها في خانة أقرب إلى الحياد منه إلى الدعم والمؤازة، ولا سيما أنه عقب إعلان اتفاق التطبيع، طلبت إسرائيل من المكوّن العسكري التعهد بوقف أي دعم محتمل من السودان لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، وفي مقدّمها حركة “حماس”.[56]
لقد أثبت المكوّن العسكري في السودان حرصه على الوفاء بتعهداته التطبيعية، وإظهار حياديته على نحو فجّ، كمؤشر إلى انخراطه جدياً في عملية التطبيع. وتجلى ذلك خلال العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أيار/مايو 2021، وبروز تيار عربي على خلفيتها، يندد بعمليات التطبيع الأخيرة ودورها في إضعاف الموقف العربي. فقد راهن البعض على إمكان إعلان السودان خروجه عن مسار عملية التطبيع، بهدف زيادة الضغط على إسرائيل، غير أن الفريق البرهان لم يجد غضاضة في إعلان عدم حرج الدبلوماسية السودانية من متابعة تطبيع العلاقات مع إسرائيل فحسب، بل سعى جاهداً لاستكمال خطوات تأطيرها رسمياً.
وعلى نحو جليّ، يمكن الجزم بأن التطبيع السوداني مع إسرائيل – إلى جانب تطبيع دول عربية أُخرى – ساهما في تآكل الظهير العربي للفلسطينيين الذي يتكئون عليه على نحو أساسي في تضييق الخناق على إسرائيل وكبح جماحها، الأمر الذي جعل عملية التطبيع تبدو لهم كأنها تشجيع لإسرائيل على استمرارية احتلالها لأراضي الفلسطينيين والاعتداء الممنهج على أملاكهم. وهذا الأمر في مجمله، يساهم في تكريس تموضع إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل مساعدتها على تدشين استراتيجيا جديدة قائمة على “السلام بلا مقابل”، ثم دحر استراتيجيا “الأرض في مقابل السلام”.
خاتمة
إن مجمل المعطيات السابقة يدل على إصرار المكوّن العسكري في السودان على التطبيع مع إسرائيل، وممارسته ضغوطاً على الجهاز التنفيذي من أجل إزالة جميع العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام استكمال عملية التطبيع ودفعها قدماً.
وقد تعاملت تل أبيب مع هذه الوضعية بحصر تواصلها مع السودان في المكوّن العسكري وقياداته، ولا سيما الفريق حميدتي الذي يُعدّ واجهة هذا المكوّن في التواصل مع إسرائيل، وهو التواصل الذي بدا أكثر علانية بعد مجيء نفتالي بينت رئيساً للحكومة الإسرائيلية ثم انقلاب البرهان، إذ باتت إسرائيل تراهن على الفريق حميدتي في تعزيز دورها في السودان.
ويُعتقد أن تل أبيب قد تكون أكثر دعماً لحميدتي، عند انتهاء المرحلة الانتقالية وخوضه غمار الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يبدو متوقعاً، ولا سيما أن لدى إسرائيل ميراثاً ثرياً في التعامل مع القيادات العسكرية الأفريقية الطامحة إلى الارتقاء إلى سدّة الحكم. وهذا السيناريو إذا تحقق، سيكون من ثماره ضمان وجود حليف قوي لها في الخاصرة الجنوبية لمصر، يمكن توظيفه لمناوءة هذه الأخيرة والضغط عليها في قضايا معينة تتصل بتل أبيب ومصالحها في المنطقة.
خلاصة القول إنه على الرغم من أن الإجراءات الانقلابية لرئيس المجلس السيادي أدت إلى عودة فوران الحالة الثورية إلى الشارع السوداني، فإنها لم تؤثر بأي حال في مجريات عملية التطبيع، وإنما بدا البرهان ملتزماً باتفاقه مع إسرائيل، وكان أكثر وضوحاً بإعلانه أن علاقة السودان بإسرائيل ربما تتخذ شكلاً طبيعياً في النهاية، وهو ما كان بمثابة رسالة طمأنة لتل أبيب، الأمر الذي يُعدّ مؤشراً إلى أن المكوّن العسكري المنفرد بالسلطة بات عازماً على المضي بالتطبيع السوداني – الإسرائيلي قدماً، وصولاً إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. لكن ما تتسم به المرحلة الانتقالية من سيولة مفرطة، يجعل عملية التطبيع تخضع في الوقت ذاته، على نحو أو آخر، لرهانات احتمال حدوث متغيرات جوهرية، تعيد هيكلة المشهد السوداني برمّته، ثم إعادة فرز علاقات الخرطوم الخارجية، ولا سيما مع تل أبيب.
[1] إيمان كمال الدين، “(السوداني) تتحصل على تفاصيل مثيرة: قدح الدم.. أسرار الحياة والرحيل”، “السوداني” (الخرطوم)، 27 أيار/مايو 2020، في الرابط الإلكتروني.
[2] يحيى عيّاش، “قناة إسرائيلية: هذه الشخصية رتبت لقاء البرهان مع نتنياهو”، موقع “عربي 21″، 12 شباط/فبراير 2020، في الرابط الإلكتروني.
[3] غوينايال لونوار، “السودان–إسرائيل: تغيير وجهة يتسبب في أزمة سياسية”، موقع “جدلية” نقلاً عن موقع “أورينت” الفرنسي، ترجمة سارة قريرة، 22 شباط/فبراير 2020، في الرابط الإلكتروني.
[4] Lahav Harkov, “Israel, Sudan Set up Normalization Teams“, The Jerusalem Post, 4 February 2020.
[5] “الزعيم السوداني: سنسمح للرحلات الجوية الإسرائيلية بالتحليق فوق أراضينا”، نشرة وزارة الإعلام الفلسطينية: “تقرير أضواء على الصحافة الإسرائيلية”، ترجمة عن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، 6 شباط/فبراير 2020.
[6] “السودان: هل كشف لقاء البرهان ونتنياهو الانقسامات في النظام القائم؟”، “بي. بي. سي.” عربي، 6 شباط/فبراير 2020، في الرابط الإلكتروني.
[7] “قطار التطبيع.. هكذا تم إدراج السودان في نادي أصدقاء إسرائيل”، “الخليج الجديد”، 11 شباط/فبراير 2020، في الرابط الإلكتروني.
[8] Harkov, op. cit.
[9] “وزير إسرائيلي يتوقع تطبيعاً مع السودان قبل نهاية العام”، “دويتشه فيله”، 16 آب/أغسطس 2020، في الرابط الإلكتروني.
[10] “أول تعليق من نتنياهو على رغبة السودان في عقد اتفاق سلام مع إسرائيل”، “المصري اليوم”، 18 آب/أغسطس 2020، في الرابط الإلكتروني.
[11] “تقرير: الإمارات رتبت لقاء سرّياً بين كوهين ومسؤول سوداني رفيع”، “النجاح الإخباري”، 22/8/2020، في الرابط الإلكتروني.
[12] “بومبيو في السودان ضمن جولة تهدف لإقناع المزيد من الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل”، “فرانس 24″، 25/8/2020، في الرابط الإلكتروني.
[13] “وزير الخارجية السوداني: يجب تحقيق عدد من الشروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”، “i24 news”، 5 أيلول/سبتمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[14] محمد صفوت، ” ‘أكسيوس’: اجتماع في الإمارات يحسم التطبيع السوداني الإسرائيلي”، “مصراوي”، 20 أيلول/سبتمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[15] أحمد يونس ومحمد أمين ياسين، “موافقة سودانية مشروطة على التطبيع مع إسرائيل: اتفاق ‘مبدئي’ مع واشنطن يربط الخطوة بمساعدات ورفع اسم الخرطوم من لائحة الإرهاب”، “الشرق الأوسط”، 24 أيلول/سبتمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[16] “يديعوت أحرنوت: التطبيع مع السودان جاء بطلب من بن زايد”، “رصد”، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[17] سوزان عاطف، “حميدتي: نرغب في إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل وليس تطبيعاً”، “المصري اليوم”، 3/10/2020، في الرابط الإلكتروني.
[18] “مصادر لـ CNN: حكومة السودان منعقدة لاتخاذ قرار بشأن التطبيع مع إسرائيل قبل انتهاء مهلة أمريكا”، “سي. إن. إن. بالعربية”، 15 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[19] “ترامب يبلّغ الكونغرس رسمياً عزمه رفع السودان من قائمة الإرهاب”، “سكاي نيوز عربية”، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[20] أحمد يونس ونظير مجلي، “اتفاق مبدئي سوداني – إسرائيلي على تطبيع العلاقات ووقف الأعمال العدائية”، “الشرق الأوسط”، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[21] “السودان يكشف أن واشنطن اشترطت التطبيع مع إسرائيل لشطبه من القائمة السوداء”، “i24 news” 25 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[22] مرتضى كوكو، “السودان يوقّع رسمياً ‘اتفاقية إبراهيم’ للسلام مع إسرائيل”، “العين الإخبارية”، 6/1/2021، في الرابط الإلكتروني.
[23] “السودان يوقع رسميا على اتفاق التطبيع مع إسرائيل”، “i24 news”، 6 كانون الثاني/يناير 2021، في الرابط الإلكتروني.
انظر أيضاً: “إعلام إسرائيلي: ‘إسرائيل’ تخشى المسّ بالتطبيع مع السودان”، “الميادين”، 7 كانون الأول/ديسمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[24] “مصدر سوداني للأناضول: اتفاق سوداني إسرائيلي خلال زيارة كوهين للخرطوم على تبادل فتح سفارات بأقرب وقت”، “آر. تي.”، “26/1/2021، في الرابط الإلكتروني.
[25] أحمد يونس ومحمد أمين ياسين ومعاذ العمري،”السودان يلتحق بــ ‘اتفاقات أبراهام’: وزير الخزانة الأميركي التقى البرهان وحمدوك وأبرم اتفاقاً اقتصادياً للتخلص من ديون البنك الدولي”، “الشرق الأوسط”، 7 كانون الثاني/يناير 2021، في الرابط الإلكتروني.
[26] بسام رمضان، “وزير الاستخبارات الإسرائيلي: إلغاء السودان قانون مقاطعة إسرائيل خطوة نحو توقيع اتفاق السلام”، “المصري اليوم”، 6/4/2021، في الرابط الإلكتروني.
[27] “مريم المهدي في ‘بلا قيود’ : التطبيع مع إسرائيل يؤدي لانقسام سياسي ومجتمعي في السودان”، “بي. بي. سي.” عربي، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[28] “الخارجية السودانية ترفض محاولة إعطاء إسرائيل صفة عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي”، “بوابة الأهرام”، 15/10/2021، في الرابط الإلكتروني.
[29] آرون بوكسرمان ولازار بيرمان، “وزير العدل السوداني التقى بمسؤولين إسرائيليين في الإمارات”، “تايمز أوف إسرائيل”، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[30] “إعلام: الخرطوم تستعد لتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل في أكتوبر”، “سبوتنيك” عربي، 15 أيلول/سبتمبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[31] “لقاء سري بين وفد من الموساد وحميدتي في الخرطوم”، “سودان ديلي”، 24 حزيران/يونيو 2021، في الرابط الإلكترتوني.
[32] “وسائل إعلام إسرائيلية: وفد أمني سوداني زار إسرائيل ثم عاد للخرطوم”، “دنيا الوطن”، 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[33] “الإعلام الإسرائيلي يعلق على تداعيات أحداث السودان على التطبيع بين البلدين”، “آر. تي.”، 26/10/2021، في الرابط الإلكتروني.
[34] ” ‘إسرائيل’ تدعم البرهان في السودان”، “الميادين”، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[35] “وفد إسرائيلي يزور السودان ويلتقي مع حميدتي”، موقع “24” الإلكتروني، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[36] Michael Hauser Tov, “At U.S. Request, Israel is Using its Sudan Ties to Curb Military Coup“, Haaretz, November 3, 2021.
[37] “المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان يزور إسرائيل لمناقشة أمر السودان”، “أوبن سودان”، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، في الرابط الإلكتروني.
[38] أحمد قسم السيد، “(الحراك) تكشف تفاصيل عن زيارة الوفد الإسرائيلي للخرطوم”، “الحراك السياسي”، 20 كانون الثاني/يناير 2022، في الرابط الإلكتروني.
[39] Talal Ismail, “Will Israel Seek Mediation in Sudan Political Crisis?“, “Anadolu Agency”, 24 January 2022.
[40] محمد أمين ياسين، “مبعوث سوداني يُطَمئن إسرائيل باستمرار العلاقات: الخرطوم تتكتم على زيارة المسؤول الرفيع “، “الشرق الأوسط”، 10 شباط/فبراير 2022، في الرابط الإلكتروني.
[41] Mohy Omer, “Israel Can Only Make Real Peace With a Democratic Sudan, Not With Coup Leaders in Khartoum“, Haaretz, November 1, 2021.
[42] حلمي عبد الكريم الزعبي، “القارة الأفريقية وأولويتها في السياسة الخارجية الصهيونية”، في: مجموعة من المؤلفين، “العرب والدائرة الأفريقية” (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005)، ص 197.
[43] مجدي حماد، “إسرائيل وأفريقيا، دراسة في إدارة الصراع الدولي” (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986)، ص 130.
[44] محمد البحيري، “إسرائيل تكشف عن أول أرباحها من اتفاق التطبيع مع السودان”، “المصري اليوم”، 25/10/2020، في الرابط الإلكتروني.
[45] ديمة غسان، “التطبيع السوداني الإسرائيلي.. مَن المستفيد”؟، “العساس”، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[46] “خلال أشهر.. السودان وإسرائيل يضعان آخر اللمسات على الاتفاق”، “سكاي نيوز عربية”، 27 كانون الثاني/يناير 2021، في الرابط الإلكتروني.
[47] “منذ إعلان التطبيع.. أول وفد إسرائيلي يزور السودان”، “دويتشه فيله”، 23/11/2020، في الرابط الإلكتروني.
[48] إسماعيل محمد علي، “السودان وإسرائيل يبدآن علاقات تعاون استراتيجي: جدل في الخرطوم بشأن اتفاق أمني مع تل أبيب”، “إندبندنت عربية”، 27 كانون الثاني/يناير 2021، في الرابط الإلكتروني.
[49] السيد، مصدر سبق ذكره.
[50] صالح النعامي، “وماذا كسب السودان من التطبيع؟”، “المركز الفلسطيني للإعلام”، 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[51] “السيسي يرحب بتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل”، موقع قناة “العربية”، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[52] “لقاء ‘مصري سوداني إسرائيلي’ لترتيب اتفاق التطبيع”، “نوافذ” 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[53] جاد مصطفى البستاني ومحمد السيد محمد، “أثر التطبيع السوداني– الإسرائيلي على الأمن القومي المصري”، موقع “المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية”، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[54] “السودان وإسرائيل: اتفاق على إقامة علاقات بين البلدين، وترامب يرفع الخرطوم من قائمة الإرهاب”، “بي. بي. سي.” عربي، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[55] رنا أسامة، “موقع إسرائيلي: لماذا يختلف التطبيع مع السودان عن ‘اتفاقات إبراهيم؟’ “، “مصراوي”، 24 تشرين الأول/أكتوبر 2020، في الرابط الإلكتروني.
[56] “لقاء ‘مصري سوداني إسرائيلي’…”، “نوافذ”، مصدر سبق ذكره.
السيرة الشخصية:
سامي صبري عبد القوي: باحث في الشؤون الأفريقية.
عن مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 131 صيف 2022