إسرائيل ما بعد السابع من اكتوبر 2023
اجتاحت وحدات النخبة للمقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر مستوطنات ومعسكرات غلاف غزة ومعها مدن في العمق مثل “شديروت واوفكيم”، كان العالم والعرب معه في حالة ذهول وغير مصدقين لمشهد السيارة البيضاء المحملة بالمقاتلين والسلاح وسط مدينة “شديروت”، ولا عجب والحديث عن الجيش الذي لا يقهر وأقوى جيش في المنطقة العربية الإسلامية تحت رقابة العيون الإلكترونية التي لا تنام حتى عن عصفور يقترب من الحدود مع غلاف غزة. حقيقة توسدتها إسرائيل ونامت تلك الليلة ملء الجفون لتصحوا على كارثة “السبت الأسود” بالمفهوم التاريخي والاستراتيجي الثقيل وفق تعبير الصحافة والقيادات الإسرائيلية وبحق.
لم يكن أبلغ من الإسرائيليين نفسهم في وصف الحدث واجماعهم على أنه “لم يكن في تاريخ إسرائيل حدث بهذا الحجم والخسائر” على حد تعبير الوزير “أبي ديختر” رئيس جهاز الشاباك الأسبق وعليه عبر دختر عن رد الاجماع الإسرائيلي بيمينه ويساره بوجوب الانتقام حينما قال: ” الرد يجب أن يكون استراتيجي بالقضاء الكامل على قدرات حماس والجهاد العسكرية والسلطوية حتى ولو بثمن تسطيح غزة”.
وفقاً لذلك وتطبيق له تشن إسرائيل منذ أسابيع حرب الأرض المحروقة بدعم غربي سافر ومشاركة أمريكية فاعلة بما يشمل الاستخبارات في غزة على حد تعبير الناطق باسم البنتاغون كما أورده موقع الاخبار الإسرائيلي 12، يحدث هذا وسط صمت وتواطأ عربي ومعهم السلطة الفلسطينية التي تتطلع أمريكا لتوسيع نفوذ سلطتها لتشمل غزة في حالة حققت أهداف الحرب بما يتفق ورؤية الولايات المتحدة للنظام العالمي الجديد بدون محور المقاومة ووحدة ساحاتها في المنطقة العربية الاسلامية.
الظاهر أن إسرائيل مصرة على بلوغ أهدافها حتى بثمن إبادة البشر وتسطيح الحجر لفهما أنها تخوض حرب “التحرير الثانية” لهول ضربة السبت الوجودية وشدة وطأة هزيمتها عسكرياً، مخابراتياً, سياسياً , معنوياً واجتماعياً. هذا اجماع لم يعد فيه يمين ويسار ولا اختلاف على اهداف حرب “السيوف الحديدية”.
من هنا فإن السابع من أكتوبر “السبت الأسود” سيكون محطة فاصلة بين ما كان قبلة وبعده في بلورة دولة إسرائيل الثالثة التي تمكن فيها الليكود ومن معه من اليمين من إدارة الدولة العميقة بقدرات كوادره ونخبه المتدنية في التخطيط والإدارة ولم يبقى عليه لإحكام السيطرة الا إتمام تنفيذ خطة الانقلاب على المحاكم والقوانين التي اتاحت, بحسب تقديراتهم , ليمين الوسط ويساره من التحكم في الدولة العميقة حتى لو فاز الليكود ويمينه في الانتخابات على حد تعبير الكاتب ايرز تدمور في كتابه “لماذا تصوت يمين ويحكمك اليسار” الذي اصبح خارطة الطريق لعمل نتنياهو وحلفائه في اخر عشرة سنوات. (للمزيد راجع مقالنا: إسرائيل الثالثة وخطة سموترش للانتقال من إدارة الصراع لحسمه برؤية 2050.)
نعم الصراع على معالم الدولة الديمقراطية اليهودية والسيطرة عليها فرقت المجتمع الاسرائيلي وعشية يوم زلزال السابع من أكتوبر عاشت إسرائيل اخطر انقسام في تاريخها فهل ستوحدهم الحرب بعد انتهائها كما في بدايتها؟!
الأكيد أنه بعد ما توضع الحرب أوزارها سيكون أكبر خاسريها اسرائيلياً بنيامين نتنياهو والرابح الأكبر بيني غانتس وسيحتدم الصراع بين الصهيودينية والليبرالية. الأحزاب اليمنية المتطرفة بقيادة وزير المالية سموترش ووزير الأمن الداخلي بن غفير ترى في الحرب فرصة للعودة لاستيطان غزة وبناء “قوش كتيف” وحسم الصراع خطوة خطوة برؤية خطة سموترش التي قد تعجل مراحل تطبيقها نتائج هذه الحرب اذا ما تحققت. اهداف لا يخفيها سموترش في مقابلته الاخيرة مع قناة 12 بقوله: “بعد الحرب سنحكم غزة ولن ادفع فلس لتحصين جدار غلاف غزة مجدداً”. وابعد وأخطر يقول الوزير عميحاي الياهو من حزب “عوتسما يهوديت”:
” من بين الخيارات القاء قنبلة نووية على غزة وتهجير أهلها وزرعها بالمستوطنات.” نتائج هذا الصراع بين التيارين ستحدد اذا ما استمرت إسرائيل في مشروع الدولة الثالثة برؤية الصهيودينية أو عادت لمعالم إسرائيل الدولة الأولى بقيادة الصهيوليبرالية. في الحالتين,ا ذا ما هزمت المقاومة, سيواجه الفلسطينيين اما نكبة ثانية شاملة أو حتلنة اقتراح دولة منقوصة السيادة بما يشمل قطاع غزة ويتفق مع خطة “صفقة االقرن” الامريكية.(للمزيد عن الصراع بين التيارين راجع مقالنا: في احتدام الصراع بين الصهيودينية والليبرالية.)
ملخص القول لن تبقى إسرائيل بعد زلزال السابع من أكتوبر وحرب غزة على ما كانت عليه قبلها وهذا ما يلخصه عيران تسيون مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق بقوله: “أي رد عسكري، مهما كان واسع النطاق ,لن يعيد العجلة الى الوراء ولن يفسر الحقيقة الحاسمة: حماس وجهت لإسرائيل ضربة تاريخية واستراتيجية ثقيلة. لقد استطاعت أن تقوم بهذه الخطوة الاستراتيجية, والتي سيتم تدريسها في المدارس العسكرية لسنوات عديدة قادمة, بسبب سياسات حكومة نتنياهو الحالية وحكوماته السابقة.”
وهذا صحيح لأنه فعلاً مهما كانت نتائج حرب غزة ستبقى حقيقة تاريخية حاسمة المقاومة الفلسطينية وجهت لإسرائيل يوم السابع من اكتوبر2023 ضربة تاريخية واستراتيجية من العيار الثقيل ستصب الزيت على نار هاجس عقدة الثمانين من عمر الدولة اليهودية في التاريخ. مع هذا الحرب في الأخير سياسة تفرضها موازين القوى على الأرض.
مع كل هذا يبقى السؤال: هل اعتمدت المقاومة الفلسطينية قاعدة “قيس قبل ما تغيص” في التخطيط والاعداد والتنفيذ لعملية “طوفان الأقصى”؟ هل توقعت وتجهزت لمواجهة حرب مدمرة كهذه تحالف فيها مع إسرائيل أمريكا والناتو والأنظمة العربية بصمتها؟ وعليه بقيت المقاومة ومعها حاضنتها الشعبية في “دولة غزة” وحدها خصوصاً بعد خطاب حسن نصر الله الواقعي جداً وفق الحسابات اللبنانية والإيرانية الدقيقة في المنطقة والعالم. من هنا أخطأ من عول على مشاركة حزب الله بأكثر من حرب استنزاف محدودة على جبهة الشمال وتوقع من ايران أن تعمل بما لا يخدم استراتيجيتها ومصالحها في المنطقة..
في الجواب على هذا السؤال يقول مثلنا الشعبي: الطولة كشافه.